عروس بغداد
بقلم أمل محمد الكاشف
مكة لا تترك احبابها ، مكة في قلب زوارها ستبقى ....
......
غسلت الأراضي المباركة قلبيهما وشحن القلب بشذى القرب من الله، ليعودا لمنزلهم لأول مرة كزوج وزوجة.
حمل تيّم حقائبهم بينما كانت سمراء وابنتها تحمل الباقي، دخلت تهاني الهاشمي منزلها وهي تلقي السلام بفرحة عودتها.
وقفت سلمى بجانب الام بخجل وصمت، عاد تيّم ليساعد سمراء بحمل باقي الحقائب ليجدها انتهت من ادخالهم المنزل.
تحدثت تسنيم بعيون شبه مغلقة
"امي اريد ان انام"
_" ألم يكفيكِ النوم بالطريق"
حكت عينيها
"اشعر وكأني لا زلت في السيارة كل ما حولي يهتز بي".
احتضنتها أمها لتتحرك بها
"طبيعي يا جميلتي السفر مشقة"
تحركا نحو جهة غرفة تسنيم المجاورة لغرفة أمها، نظر تيّم لزوجته
"حمدلله على السلامة"
التفت نحو سمراء التي حدثته قبل ان ينهي اخر كلماته
"حضرت لكما الغرفة كما امرتني السيدة تهاني، الف مبروك يا دكتور فرحت كثيرا لهذا الخبر الكبير"
ثم نظرت لسملى
"مبروك يا عروسة أسعد الله قلوبكما ببعضها يارب العالمين"
ما كان عليها غير ان تأمن على الدعاء أمام نظرات الجميع المعلقة عليها.
تحركت بجانبه لتجده يفتح لها ذراعه كي تتقدم عنه خطوات قائلا
"الجميلات أولا"
_" بعُرف من ذلك"
ضحك تيّم بسعادته
"بعُرف قلبي العاشق لهذا الجمال"
التفتت خلفها لتتأكد من عدم وجود احد قبل ان تجيبه ولكنه أسرع بقوله
"حوائط منزلنا لها اذان وأبواق بحجم السماء، لا تقولي اني لم اخبرك"
فتح الباب وهو يثني قامته العلوية
"تفضلي يا مولاتي"
ابتسمت من حالته وهي تهم ان تدخل مستمعة لصوت تنبيهاته
"ادخلي باليمين كي يكتب الله لكِ السعادة "
وقفت رافعه حاجبها الايسر
"بل سأدخل بالشمال كي انتهي منك بأقرب وقت"
رفع يده لتكون عائق أمامها
_" لا تخربي بيتك بيدك يا جميلة الجميلات، تدخلين بالشمال ليدخل معك الشيطان يسرق قلب زوجك ويقلبه لشخص عدواني سيء"
ضحكت على حالة عينيه المتسعة وصوته الذي أشبه ممثلي الكرتون متسائلة
"كيف نجحت بتغيير نبرة صوتك لهذا الحد"
_" أدخلي، أدخلي يا حبيبتي. لا يصح أن نقف وراء الأبواب عيب! الناس سيقولون عليكي.."
ضحك وجهها أكثر
"أرسولة ساحرة البحر القبيحة؟"
_" وهل يوجد غيرها يا سيدتي"
فتحت فمها بدهشة وتعجب
"أين تعلمت هذه المهارة"
نظر تيّم نحو اقدامها
"سأجيب على كل استفساراتكم ان دخلت مولاتي بقدمها اليمنى رجاءً لا تؤذوها فمولاي الأمير لا يستطيع العيش بدونها"
وضعت يدها على ذراعه الممتد أمامها لتخفضه أثناء دخولها الغرفة بقدمها اليمنى
"مجنون، ما الذي سقطت به يا ربي"
وقعت عينيها على الاريكة قائلة
"من الجيد وجود مكان لنومك"
ضحك بصوت مرتفع
"هل تلقيت عقابي الان".
_" حسنا لا تحزن وتخرب ملامح وجهك الجميل، انا سانام عليها"
اقترب منها بحب قلبه الهائم بها
"وجهي الجميل؟"
خجلت سلمى حين ادركت ما خرج منها، ابتلعت ريقها وهي تتحرك نحو المرآة
" قلتها من باب الضحك وإلا لا تغتر بنفسك"
_" حسنا حسنا "
اخذ نفس عميق بطعم السعادة متحدثا بعدها
"سأتركك تبدلين ملابسك واذهب أنا لأرى امي واختي … بصراحه لأرى المطبخ بطني يؤلمني من فراغها .. ألم تجوعي! كيف تتحملين كل ذلك بدون رغبة بالأكل"
خفضت نظرها لتحدثه بحزن
"كثرة الأحداث والانبهارات والمفاجآت التي يطير العقل من قوتها جعلتني اعتاد على ذلك حتى أصبح فراغ معدتي بالنسبة لي هو الطبيعي".
غير مجرى الحديث كي لا تعود لحزنها بعد جهاده الكبير في رسم الضحكة والسعادة على وجهها، تحرك ليكمل سيره للخارج
"هيا بدلي ملابسك"
امسك باب الغرفة مستمع لحديثها
"جميع ملابسي تحتاج للغسيل، ان سمحت لي ان استعير سيارتك ساعتين على الأكثر اذهب بها لأشتري ما يلزمني واعود"
_" نأكل الان ومن ثم نرى ما سنفعل"
طُرق باب الغرفة من قبل سمراء
"الطعام جاهز يا دكتور"
أشار لها برأسه كي تلبي نداء جوعهم ويخرجا لينضموا لمائدة العشاء، اجلسها أولا بجانب مقعده ثم جلس بجوارها وهو ينظر لأخته قائلا
"كيف حال حلوتي الان، هل هدأ الم راسك"
ردت تسنيم بصوتها المتعب
"قليلا سأكل واذهب للنوم على فراشي لعدة أيام"
ضحكت تهاني وهي تضع لابنتها الطعام بطبقها
"هيا تناولي طبقك وافعلي ما تريدين بعدها"
وضع تيّم الطعام بطبق زوجته ومن ثم أخذ قطعة من لحم الضأن ليضعها لأمه في طبقها "تماما كما تحبينها "
ابتسمت تهاني برضا
"بوركت يا بني اهتم بزوجتك وأنا سأتولى امري"
_" وما بها زوجتي ملأت طبقها على اخره ولن تنتهي منه حتى يأذن الفجر"
ضحكوا وعيونهم معلقه عليه وهو يضع لأخته وأمه من الفطائر المقلية بحشوة الجبن .
كان طعام هادئ ومفعم بالروح العائلية السعيدة ، تحركت تسنيم لتقف قائلة
"سأذهب لأنام "
_"اغسلي يدك اولا…. تسنيم انتظري من هنا الحمام…." تحركت تهاني خلف ابنتها وهي تحثها على ضرورة تنظيف يديها و وجهها قبل النوم حاولت اقناعها بالاستحمام ولكنها رفضت وبشدة.
تحدث تيّم لسلمى
" لنتأكد من نومها ونخرج بعدها لنشتري لكِ القليل من الأغراض، لا تؤاخذيني بقول القليل ولكني صريح معك لنشتري ما يكفينا ومن ثم نعود بعد يومين لأشتري لكِ السوق كله فانا اخشى سقوطي منك ان طال الوقت"
_" انت محق جميعنا متعبون لذلك طلبت ان أذهب لوحدي رجاءً…"
هز راسه مغمض عينيه بتعب
"لا يمكنني تركك وحدك، ساتعذب من خوفي عليكي يا ترى و يا هل ترى لنذهب ونتحمل سويا حتى نعود وانام دون كثرة ثرثرة"
أشارت بالسبابة نحو صدرها
"ثرثرة! هل أنا"
ضحك بوجهه الجميل
"لا بل أنا "
اقتربت سمراء من مائدة الطعام وهي تدعو لهما بالسعادة والهناء شكرها تيّم طالبا منها تحضير قهوة بسرعة ليأخذها معه، تحدثت سلمى
"وانا أيضا اريد قهوة بن كثير بدون سكر"
فكر تيّم قليلا قائلا لسمراء
" لا داعي للقهوة كي لا نهدر الوقت سأشتري على الطريق"
خرجا بعد ان غسل أيديهما مباشرةً ، دخل تيّم المتجر وهو يعتقد بقائهم وقت طويل لأجل اختيارها الموديلات والألوان ولكنها فاجأته بشرائها بنطلونين جينز واحد بالأزرق الفاتح والأخر بالغامق بجانبهم سترتين جيل باللون الأحمر والأبيض ذاهبة لقسم الملابس الداخلية "انتظرني هنا من فضلك"
أومأ رأسه واستدار مبتعد عن المكان كي يجعلها براحتها، اختار بيجامات نوم شتوية من قطن ناعمة بنعومة ومرونة الزبد بين الأصابع اعجب بالملمس بشكل كبير لدرجة انه اختار اثنين من نفس الشكل واحده باللون الأبيض الممزوج بالأسود والأخرى بدرجة هادئة من درجات البرتقالي الممزوج بالأخضر في اجمل درجاتهم وصورهم مع بعضهم.
عادت لتنظر لما بيده قائلة
"هل اشتريت لتسنيم"
هز راسه
"لا انهم لكِ ألم يعجبوكِ"
ابتسمت بقولها
"ولكني لا احب ارتداء البيجامات اما ان ارتدي فستان وهذا كان بطفولتي وصباي واما ان ارتدي جينز وسترة لائقة به"
ابتسم وجهه
"يناسبني الفستان اكثر"
حذرته بملامح وجهها ليكمل
"ومع ذلك سأشتريهم اعجبوني لدرجة لا يمكنني تركهم"
_" كما تريد ولكن لا تنتظر مني تجربتهم"
ذهبت لقسم المحاسبة لتجده يتقدم امامها كي يتولى امر الدفع، رفضت من جديد مصره على ان تحاسب على مشترياتها بنفسها اقترب ليميل عليها
"ألم تري بي رجلا قادرا على تولي مصاريف زوجته؟"
_" ولكننا… "
صمتت أمام تعابير وجهه التي رغم حالاته الضحكة المرنة إلا أنها تصبح حادة وقوية وجادة في بعض المواقف.
خرجا ليصعدا السيارة وهما متعبين، تحدثت سلمى بمجرد صعوده بجانبها
"سأشتري لك مثلما اشتريت لي"
_" وهل لي ان ارفض عرض كهذا"
ابتسم بوجهها وهي تنظر له
"يبدوا ان عملي سيكون صعبا معك"
ضحك بجوابه
"لنقرر صعب ام سهل بعد عودتي للمنزل والنوم"
ادارت وجهها المبتسم بشكل مستقيم متفاجئة بنزول أبو بكر درج السوق التجاري الكبير اسرعت بخفض قامتها متقوقعة بجانب المقعد في الأسفل
"أبو بكر"
نظر تيّم امامه بعيون قوية
"لا تخافي لا يمكنهم فعل شيء لكِ"
_" هيا قد السيارة وابتعد عن المكان"
فتح تيّم هاتفه وكأنه يتصل بأحدهم واضعه على اذنه
"ليذهب هو أولا ومن ثم انا"
رفعت طرف رأسها لترى الباقين ينزلون الدرج ليصعدوا بسيارة يقودها أبو بك، تحدث لها "اعتقد انه والدك و عمك انتهوا من البحث عنك وذهبوا للتسوق، يا للعار"
لم يصبر تيّم حتى يذهبوا تحرك بسيارته ليبتعد عن المكان سالكا طريقا مختلف لمنزله.
فرطت اعصابها من الخوف كما خيمت عليها الذكريات الحزينة والمستقبل المضطرب.
عادا ليجدوا الانوار مخفضة والجميع نائم كعادة اهل المنزل.
دخلت غرفتها متوجهه الى الحمام مباشرة ملقيه بالحقائب خلف الباب متقدمة بعدها كي تفتح ماء البانيو جالسه وسطه بملابسها وحجابها دون نزعه عنها.
اغمضت عينيها وهي تحدث والدها
" لماذا تفعل بي ذلك لماذا انت…"
بدء بكائها الذي ما لبث أن ارتفع بقولها
" ألستُ ابنتك من لحمك ودمك"
قهقهت بشهقات بكائها الذي كان يدوي بقلب عريسها كجمرة نار تكوي فؤاده.
لم يتحمل صوتها رغم ضعف نبرته طرق باب الحمام وهو يحدثها
"سلمى هل انتهيتي؟"
ردت عليه
"لماذا يفعل بي ذلك"
_" هيا اخرجي لنتحدث ، البكاء مكروه بالحمام"
"ألستُ ابنته.. ألستُ وحيدته كما كان يقول لي"
انقبض وجهه وضاق صدره من صوت بكائها ليحدثها مجددًا
" حسنا اخرجي لنتحدث سويا، اخشى عليك مما تفعلين البكاء في الحمام سيء لدرجة لا تستوعبيها"
زاد بكاءها وانهيارها، تجرأ بيده المرتجفة من تردده قائلا
"سأفتح الباب … ان لم تخرجي سأفتح الباب وادخل لكِ"
امسك مقبض الباب وهو لا زال يحذرها دون ان يأتي إليه سوى صوت البكاء والعتاب لوالدها وأمها .
تسارعت ضربات قلبه واهتز جسده وهو يتجرأ بفتح الباب مخفض عينيه
" هيا اخرجي"
كان يتوقع ردة فعل قوية او سماع حركتها وطردها له ولكنه وجدها تبكي كما هيا.
وبأنفاسه المختنقة من توتره وسرعة دقات قلبه رفع نظره تجاه البانيو ليجدها جالسة أسفل الصنبور بحزنها وألمها وانهيارها
أسرع نحوها ليدخل بجانبها دون ان يفكر بوضع احتمالية غرق ملابسه بماء البانيو الممتلئ جثى على ركبتيه بجانبها
"لا تحزني نفسك هو الخاسر. وهو من خسر ابنة جميلة مثلك "
نظرت له بوجه خاط قهره وظلمه ملامحه
"هو لم يراني جميلة مثلما يراني الجميع، لم يرى بي إلا كوني أنثى ضعيفة لا يحق لها حتى الكلام"
مد يده نحو وجهها كي يحنو عليه لانقباض وتشدد ملامحها التي تكورت بمنتصفه
"الم يكفيكِ ان يراكِ العالم اجمع بعين التميز والذكاء"
بدأ بتحريك يده على حاجبيها ليبتعدا عن بعضهما نازلا نحو الأنف وجانبي الوجه كي يهدأ من انقباضهم واليد تحاول فك قبضة كفوف يديها قبل ان ينتهيان بفركهم ببعضهم
"لا تفكري به، فكري في نفسك ومستقبلك"
_" مللت ، تعبت، لم يعد بي طاقة للتفكير بنفسي، اريد…. اريد "
بكت حين عجز اللسان عن قول أمي فما أثقلها من كلمة تخرج من صاحبها وهو يعلم استحالة تحقيق ما يريد
سألها عن حاجتها لتزداد تلعثما "ا م يـ…"
قاطع بكائها حروف أمي ليزداد حزنا عليها حتى كاد ان يسحبها ليدخلها في حضنه ولكنه تراجع خوفا من ردة فعلها وازدياد الأمر سوءً، مسح وجهها من الماء مسقط الحجاب من على راسها شيء فشيء واضعا الكثير من الشامبو عليه بحركة سريعة ومفاجئة لها
اغمضت عينيها فور دخول رغوة الشامبو بها
قائلة بقلبها الممتلئ بحزنه
"اخرج . اتركني واخرج"
_" سأساعدك بغسل شعرك "
امسك لوف الجسم وبدأ بغسل شعرها به نازعا الرباط عنه بسرعة حركاته الطفولية.
وأحاديثه الغير متشابه ولا مترابطة مما جعلها تخرج من حالتها وهي تحاول فهم واستيعاب ما يفعله، ابتعدت عن يده وهي تصيح بغضبها كي يترك شعرها بعد ان آلامها في عينيها، تركها ماسحا رغوة يديه بملابسه
"ما كل هذا وكأني أفرغت عبوة الشامبو على رأسك"
_" أخرج من الحمام وانا سأعالج الامر"
قالتها بغضب ناتج عن ضيقها منه، قابل غضبها بضحك ممسك بدلو صغير بدأ بملئه من البانيو وافرغه عليها لتزداد صياحا وتحذيرا، ويزداد هو ضحكا وخاصة انه كان يلقي الماء على وجهها بقوة دون ان تستطيع فتح عينيها.
ضحك وجه تهاني الهاشمي اثناء دخولها المطبخ وسماعها لدوي أصواتهما الذي كان يأتيها من بعيد دون ان تفسر الكلمات داعية لهم
"اسعدك الله يا قلب امك ، اللهم احفظهم وألف بين قلوبهم"
شربت الماء وخرجت من المطبخ ليختفي الصوت تمامًا، خرج تيّم من الحمام بعد ان تأكد من تغيير حالتها فغضبها منه أهون بكثير من حزنها وغرقها بماضيها.
بدأ بتبديل ملابسه وتحسين حالته مستعد لاستقبال افراغ غضبها عليه فور خروجها، أنهت سلمى حمامها وارتدت ملابسها حاملة بيدها باقي الحقائب واقفة خلف الباب وهي تناديه
"هلا أتيت لمساعدتي من فضلك"
كانت مفاجأة بالنسبة له نظر للمرآة الداخلية نحو شعرها المصفف بعناية غرقه بالماء.
وبكل حب وثقه دخل الحمام منصدم بالماء الذي سقط على رأسه وظهره من الخلف وهي تقول
"كي تتراجع أكثر من مرة قبل ان تفكر بأثارة غضبي"
اسرعت بهروبها مغلقة باب الحمام عليه قائلة له
" أسرع بالاستحمام كي لا يضرك الكلور ومساحيق التنظيف"
اشتعل قلبه بالغضب فتح باب الحمام وهو يحدثها بقوة
"هل وضعتي الكلور على الماء"
ضحكت بانتصارها مجيبة عليه باهتزاز جوارها
"نعم كي تعلم مع من تلعب"
لم تنتظر رؤية ضحكته في هذه اللحظة كما لم تنتظر رده عليها حين قال
"لا عليكِ استطيع تحمل ما لا يخطر لكِ يكفي ان تضحكي بهذا الجمال"
_" هيا اسرع بالاستحمام انا لا امزح لقد وضعت الكلور ومساحيق التنظيف"
ابتسم بوجهها
"اعجبني وضعي يمكنني ان أنام بهذه الحالة ان كان هذا يرضيكِ"
رفضت سلمى ليزداد هو بعناده ورفضه للاستحمام، عادت ودخلت الحمام لتغرقه بمزيد من الماء واضعه على شعره الكثير من الشامبو قائلة
" كما فعلت بي لتشعر كم يحرق العينين"
استسلم لها قائلا
"انا ملكك وحدك فلتفعلي بي ما تشائين لم ولن اعترض"
خجلت من حديثه وعيونها تركت الشامبو من يدها لتخرج من الحمام معقبة على ما قال:
"اعتقد لا يمكنك النوم بهذه الحالة هيا نظف نفسك واخرج بسرعة كي تنام فكلانا متعبان".
خرجت واثار الضحك والخجل على وجنتيها استدارت قبل إغلاقها الباب عليه لتتحدث بامتنان كبير "شكرا لك "
تحركت بعدها لتستلقي على الفراش رافعة الغطاء عليها وكلماته لا زالت عالقة بأذنها
"انا ملكك وحدك"
كانت الكلمات غريبة وجديدة على مسامعها فهي غير معتادة على امتلاك شيء خاص بها وحدها.
لم يمر من الوقت أكثر من نصف ساعة خرج بعدها تيّم ليجدها نائمة بعمق تعب وإرهاق الأيام الماضية، فرح قلبه كونه استطاع تبديل حالها وتهوين حزنها عليها.
تعجب حين قارن رؤيته لها في المستشفى كم هي قوية وحادة ومتمكنة يعتقد الشخص ان كل شيء في حياتها يسير على خط المسطرة دون انحراف أو تعدي حق على اخر، بينما هي هشه ضعيفة يكسرها جرحها ويسقطها تحت ركامه بسرعه ودرجة لا تخطر على بال أحد.
استلقى بجانبها حين كان من المفترض نومه على الاريكة قائلا لنفسه
"لم أتوقع ان جرحك عميق لهذه الدرجة، انهيارك وسقوطك السريع أكبر دليل على ما مررتي به"
أغمض عينه لتنتهي ليلة مزدحمة بالمشاعر المختلطة.
………..
اسرع فارس وسالم نحو الطوارئ كي يسعفا مريض ذو أهمية خاصة لدى العائلة الملكية كاد ان يفقد حياته إثر حادث مروع.
وعند وصولهم تفاجؤوا بصوت الدكتورة سلمى يعلو طالبة من الدكتور المساعد ان يضبط درجة جهاز الصدمات الكهربائية
"واحد اثنان ثلاث"
انتفض المريض على اثر الموجات الكهربائية لتكرر العملية منتظرة ضبط المساعد للجهاز ثم العد لتضع الصدمات على صدر المريض.
تركتها من يدها سريعا لتأخذ من الممرضة الحقن الذي أمرتها بتحضيره لتحقن به المريض مسرعة بعدها بفتح ثقب أسفل العنق في محاولة منها ان يخرج أنفاسه المكتومة ناظرة لجهاز نبض القلب وهي تقول
" ها هو يستعيد نبضه، هيا، هيا، بدا النبض بالتحسن"
استقامت بقولها
"تم إنقاذه هيا انقلوه لغرفة العمليات بسرعة وانا سآتي خلفكم"
استدارت على صوت دكتور سالم
"لا تتعبي نفسك من اول يوم عمل أنا سأتولى أمره من بعد الان"
جاءهم صوت مدير المستشفى
"ولكن الاهل طلبوا ان تتولى الدكتورة سلمى امر ذويهم"
نظر لسلمى مكملا
"من حسن الحظ عودتك بهذا التوقيت كنت افكر كيف سأتواصل معك لتأتي على الفور"
نظرت لدكتور سالم ومن حوله من الأطباء ثم نظرت للمدير
"حسنا سأفعل كل ما بوسعي لإنقاذه من بعد اذنكم المريض ينتظرني"
تحركت بشموخ وقوة وسرعة بالخطوات لتأدية واجبها الإنساني والعملي، تحدثت للمساعدة بجوارها
"من فضلك ضعي الحقيبة والعباءة في غرفتي والحقي بي بعدها"
تحرك سالم بغضب نحو غرفته فاتحا هاتفه متحدثا بشر
"اتصل بالرجل الذي طلب منك تسجيلات الكاميرا واخبره بوجود الدكتورة سلمى الأكرم في المستشفى".
اغلق فور إنهائه حديثه قائلا لنفسه
"يكفي بهذا القدر فلنتخلص منك لنكمل مسيرتنا"
استغرقت سلمى ما يقرب عن ساعتين بغرفة العمليات حتى قامت بواجبها على أكمل وجه انتظرت بجانبه لتتأكد من ثبات استقرار النبض وحالة المريض ذاهبه بعدها إلى غرفة مكتبها.
كان وضع خاتم الزواج الذهبي بيدها مختلف وملفت لكل من يراها.
ركضت هند نحوها لتبارك لها زفافها
"ستخبريني بكل شيء بالتفصيل"
دخلا سويا غرفة مكتبها بوجه يشكر الزملاء المقربين منهم على مباركتهم لها.
سألتها هند فور استفرادها بها
"كيف تركك زوجك بهذه السرعة لا زلتم بشهر العسل، انتظري لنبدأ من الأول كيف عرض عليك الزواج وكيف قبلتي بهذه السرعة والأكثر من ذلك كيف في يومين فقط اصبحتما زوجين"
تذكرت سلمى المشادة القوية بينها وبين زوجها لرفضه نزولها بصباح اليوم ورغبته الكبيرة بتمديد الإجازة حتى يطمئنوا على الوضع من جهة عائلتها.
تحدثت هند
"ما بك صامته هيا تحدثي كيف تركك تعودين للعمل"
كاد وجهها ان يبتسم حين تذكرت استسلامه وقوله
"حسنا افعلي ما تريدين ولكنك ستصلين ركعتين قبل خروجك من المنزل بنية ان يقيكِ الله مخارج السوء ويحفظك لي حتى عودتك، أنها من السنن المهجورة تصلين ركعتين تصبحين في رعاية الله بعدها حتى تعودين للمنزل لا يصيبك مكروه وان حدث معك شيء سينتهي على اهون وابسط شيء هكذا علمنا رسول الله"
وضعت هند يدها على كتف صديقتها
"ما بك لماذا أنتِ صامته هيا تحدثي؟"
ردت سلمى
"هل رأيتي أبي، أعني هل كنتي موجوده حين جاؤوا المكتب"
_"تعلمين كنت بإجازة في هذا اليوم لأجل والدة زوجي والظرف الخاص بها ولكن خليل لم يتركني أكل اذني من كثرة اتصالاته وسؤاله عن مكانك ،من حسن حظك أنني لم اكن اعرف مكانك وإلا كنت أخبرته لأجل التخلص منه"
هزت سلمى رأسها
"على كل ستريهم تبقى القليل على مجيئهم"
اتسعت عيني هند
" كيف ؟ هل لا زالوا بالأمارات؟ وان كان كذلك فلما أتيتي وحدك يعني زوجك ألم يقف بوجههم ويصد اذاهم عنك؟"
رفضت سلمى ما تسمعه
"بالأصل أتيت لأجل ان احيل بينه وبينهم، عندما علمت بمجيئهم لمنزله اثناء سفرنا"
_" هل ذهبوا إليكم "
أكملت سلمى حديثها
" نعم تهجموا على المنزل ولم يقتنعوا بعدم وجود احد به حتى أتت الشرطة وحزمت الامر، لا أريده ان يتعرض للأذى بسببي لذلك اخترت ان تكون المواجهة في المستشفى بوجود الزملاء والأمن، لننهي أمرهم واطلب امضائهم على تعهد بعدم التعرض لي ، استطيع حل مشاكلي بنفسي لا داعي للاختباء بكل الأحوال لن اجلس بالمنزل وانتظر هجومهم تعلمين أمر أخته اخشى ان •تنصدم •من وجوههم الجاحدة"
حزنت هند مجيبه عليها
"أنتِ محقة لا تقلقي انا بجانبك، حتى أنني سأتحدث مع الامن من اجل سرعة التدخل"
لم يكملا حديثهما حتى وجدا الباب يُفتح عليهم.
مدت سلمى نظرها لتجد والدها بمقدمة عائلته ينظر نحوها بقوة وثبات مثلما تفعل هي تمامًا.
تحدثت هند بخوف وذعر
"سأستدعي الشرطة"
ردت سلمى عليها وهي تنظر لوالدها
" الشرطة! هل تُطلب الشرطة للآباء!"
مدت يدها اليسرى مشيرة بكفها نحو مقاعد مكتبها
"تفضل يا ابي، تفضل يا عمي حسن، تفضل يا ابن عمتي، تفضلوا يا اهلي وعشيرتي اجلسوا لتريحوا اقدامكم"
حدق والدها على خاتم الزواج بيدها متقدم بخطواته المخيفة وصوته الاجش
"من الجيد انك تذكرتي ان لك عائلة".
ابتسمت بسخريه رمقت بها اعمامها
"وهل يمكنني نسيانكم، لا تقلقوا اتذكركم كل ليلة قبل نومي وفي صلاتي"
_" وتصلين أيضا!"
قالها عمها حسن ليقلل من عفتها وشرفها، وأضاف أبو بكر على ما قاله والده
" ونحن كنا نتذكرك أيضا بصلاتنا ونحن ندعو الله ان نجدك قبل من تأتي بمصيبة على رؤوسنا"
ضحكت سلمى
"تصلي وتدعي بأن تجدني، هذا يعني ان غيابي أثر بكم كثيرا هل اشتقتم لي؟، وكيف لا! فثمان سنوات ليست بقليل"
نظرت لوالدها بعتاب كبير مسح اثار ضحكتها القاتلة من على وجهها
"أليس كذلك يا ابتي"
_"اين كنتي أتيت لأتحدث معك ولكني لم أجدك، اريد ان اعلم اين قضيت أيامك وبجانب من وأيضا ما قصة دكتور تيّم"
تمالكت نفسها كي لا تنهار امام نبرة صوته فرغم كل شيء إلا أن رغبة الطفلة الصغيرة السجينة داخل قلبها بألقاء نفسها في حضنه لا زالت تراوضها.
رفعت كف يدها اليسرى من جديد كي توضح الخاتم
"كنت أقضي عطلة زفافي بمكة المكرمة".
زفر أبو بكر بغضبه
"كيف تزوجتي بدون علمنا".
اسرعت هند بالخروج من الغرفة باحثة عن دكتور طارق لتتفاجئ بوجود تيّم امام الغرفة بالخارج ، تحدثت إليه بخوف
"والدها بالداخل اخشى….".
أومأ تيّم برأسه
"لا تقلقي اعلم بوجودهم ولذلك انا هنا، سأتدخل انا والأصدقاء عند حاجتها لنا، لن يتمكنوا منها لتفضي ما بقلبها لترتاح أولا، وبعدها إما أن ينهوا الأمر بهدوء و أما سنضطر للتدخل"
اقتربت هند وهي تنظر للرجال خلف تيم متحدثه بصوت منخفض
"هل هم رجال امن ام غير ذلك، لا تؤاخذني ولكني …"
_"لا تقلقي اعلم وضع المرضى والعمل"
تحركت هند لتبتعد عنهم وهي تنظر للرجال بقلق ذهبت به لتبحث عن طارق لتخبره بحجم ما هم به معتقدة بأن تيم لا يقدر حجم الموقف وحيثياته.
ليتفاجأ طارق بها وهي تهرول نحوه قائلة بذعر
" سلمى في خطر والدها وعائلتها في غرفة مكتبها اخشى ان يصيبها مكروه منهم"
خرج صوت خليل من الهاتف
"لا تدعهم يكسرونها اذهب إليها حتى اصل لكم"
لم يجيب ولم يكمل سماع كلمات خليل الأخيرة حين اسرع راكضًا نحو أمانته.
………
بداخل غرفة مكتبها تحدثت سلمى مجيبة على أبو بكر
" لن اجيب على اسئلتك انت اخر شخص يمكنه استجوابي"
تحدث والدها بصوت غالبه شوقه والحنين باحتضانها
"هل تزوجتي زواج كامل على سنة الله ورسوله و…."
أخرجت سلمى صور زفافها من حقيبتها التي كانت تعلو المكتب قائلة
"تفضل تأكد بنفسك، لا تنظر لي فمن الممكن ان أكون ممثلة بارعة في تمثيل الفرحة والحزن تعلم ما مررت به يا أبتي منحني صفة البروفيسور في تقلبات الحال، لذلك عليك ان تنظر لفرحة الاهل كم كانوا سعداء بنا حتى زوجي انظر إليه فلا يمكن لشخص ان يرسم البهجة بالصور لهذا الحد دون ان يكون طبيعي"
اخذ الاب الصور وبدأ يقلب بها وقلبه ينعصر بحزنه وتمنيه مشاركتها هذه الفرحة، اتبع صور زواجها عدة صور وهم بجانب مكة المكرمة.
اخفض يديه دون ان يرفع نظره بابنته، مد أبو بكر يده ليأخذ الصور كي ينظر لهم هو وابيه.
تحدثت سلمى بصوتها المهزوز رغم محاولتها بظهور قوتها وحدتها
"ما بك يا أبي هل تأثرت بفرحة زوجي بي، ام حزنت انك لم تأتي قبل إتمام الزواج لإفساده وكسر وطحن خاطري".
ارتجف وجه حسين وهو يحدث فوزية داخله
"ألم اقل لكِ انها لم تفعلها، ابنتك لم تخون عهدها بك يا فوزية ابنتك…"
صمت كي لا تفر الدموع من عينيه.
تحدث حسن زوج عمتها
" وما الذي يثبت لنا صحة زواجك"
ابتسمت سلمى ابتسامة حزينة وهي تنظر لمن كانوا بيوم من الأيام اقصى احلامها ان ترضيهم قائلة
" وهل تظنون ان جميع الناس مثلكم، دفنتم الحي وتظاهرتم بموته لسنوات، لا تقلق نحن لم نصل لبراعتكم في التمثيل".
ألقى أبو بكر الصور على مكتبها لتتبعثر أعلاه متحدثا بقوة
" انا لا اقتنع بهذا الزواج، ستعودين معنا ومن ثم ستعودين لعصمتي لا زلتي زوجتي ومن الشرع…"
_" شرع! هل فقدتم عقولكم ونسيتم جرمكم!، بأي شرع تتحدث!، لا تنبش قبور جرحنا كي لا تندموا".
رد أبو بكر بقوة
"هل تهدديني؟"
وقفت وهي تصدم يدها على مكتبها بقوة
"نعم اهددك، لن اذهب معكم لأي مكان، ستجمعون أنفسكم وترحلون عن سمائي دون عودة"
_" لن ارحل دون اخذك معي"
ردت بقوة استغرابها
"اين زوجتك واولادك، ام ستعيدني لعصمتك بالهوية العراقية وتظل معها بالهوية الأجنبية"
رد أبو بكر عليها بقوة
" لا يحق لكِ التحدث بهذه الأمور، لقد دفنتي رؤوسنا بالطين وحان وقت استعادة شرفنا وكرامتنا"
قاطعته بقوة لم يعهدوها عليها
"انا اشرف منك ومن عشيرتك كلها، انا ابنة فوزية الرفاعي التي حفرت بقلبي معنى العفة والشرف والكرامة والمبادئ التي لا تتجزأ لأجل المصالح والمال، عاهدت أمي ربها ان تخرجني بعدل رقاب شباب العشيرة وقد كان"
دخل طارق الغرفة ومن خلفه تيّم وهما يريان سلمى وهي تصدم يدها على مكتبها بقوة
" انا سلمى الأكرم نابغة العراق والطب، لم يصدر كتاب او مقال عن الطب إلا وأصبحت اُذكر به كرمز للتميز والنجاح"
طرقت بيدها على مكتبها عدة مرات أشد قوة
" لقد نجحت امي بتتويج الطب بعلمي وعملي وتميزي، كانت تحلم ان انافس شباب العشيرة إذ بي انافس كبار عمالقة الطب، وقريبًا سأنافس العلماء بمجالي لأحقق باقي احلامها تمنت ان أكون عالمة يتداول الناس اسمها في الصحف والكتب والعالم أجمع، وسأفني حياتي كي احقق لها حلمها"
اهتز قلب حسين حتى كاد ان يسقط من ارتفاع نسب السكر بالدم في جسمه، تحدث أبو بكر بعيون وقحة
_" انتهى عملك هنا ستأتي لتكملي احلامك بالعراق"
نظرت سلمى لوالدها دون أن تصغي لحديث أبي بكر قائلة بصوت عتاب
"اخبرهم يا أبتي عن أحلام امي، اخبرهم عن فوزيه يا أبتي…. ام ان زواجك واولادك جعلوك تنسى أحلام امي التي سعت دوما لتحقيقها لإرضائك وجعلك تفتخر بي وسط عشيرتك"
لم يرفع نظره تجاهها وهذا ما جعلها تتحرك لتقترب منه
"تحدث لماذا صمت!، أبي تحدث، دافع عني ولو مرة بحياتك، اشعرني بانني ابنتك من لحمك ودمك ولو مرة …"
بهذه اللحظة كاد الاثنان ان يحتضنا بعضهما شوقًا ولكن عزة نفس حسين ووضعه وسط عشيرته منعته من احتضان ابنته بل وجعلته يتحرك ليبتعد عنها دون النظر لها او الرد عليها ليكسر فؤادها ويطحن ما تبقى بقلبها من حب وشوق ، تحدث طارق له قائلا
"عمي حسين رجاءً لا تصعدوا الأمر كي لا…"
رفع حسين عينه على تيّم متذكر الصور، تحدث بصوت أجش
"هل أنت زوجها؟"
علقت العيون على تيّم الذي تقدم ليقف أمام والدها بقوة وعيون تصرخ بالحدة والصلابة "نعم أنا زوجها"
أخرج الأوراق الرسمية من جيب جاكيته رافعها بوجههم
"هي زوجتي امام الله والقانون احذركم من مساسها بأي أذى"
بهذه اللحظة تمنى حسين ان يضع وحيدته أمانه لدى زوجها ولكن وضعه وكبريائه لجم لسانه وفؤاده من جديد.
تحدث طارق مرة أخرى قائلا
"عمي حسين من فضلك يكفي بهذا الحد نحن بمستشفى وأي…."
رفع حسين كف يده بوجه طارق كي يصمته وهو يوجه حديثه لأبناء عمومته
"هيا لنخرج… "
تحدث أبو بكر بغطرسه وكبر يرفض الهزيمة
" لن أذهب دون اخذها معي"
رد حسن على ابنه بصوت منخفض
"المرأة متزوجة وزوجها يقف أمامك، انظر لعدد الرجال لا نريد ان نقحم أنفسنا بالمشاكل"
_" أنا لها لا تقلق.."
حذره اباه بنظراته القوية مشيرا برأسه كي يخرج خلف خاله حسين، تحرك أبو بكر وهو يحدث سلمى "لم ينتهي حسابنا بعد"
علقت عينيها على والدها متمنيه ان يستدير لينظر لها نظرة وداع أخير، كانت تنتظر منه إشارة صغيرة كي تركض ملقية بنفسها في حضنه رغم سوئه ومعرفتها حقيقته وكل ما أجرمه بحقها، ولكنه لم يفعل وهو اشد منها رغبة وشوقا.
خرجا من الغرفة لينتبه طارق على انهيار طاقة قرة عين أمها وقرب اختلال توازنها، مدت يدها لتتمسك بأقرب شيء بجانبها دون ان تجد.
اسرع طارق ليمسكها دون أن يتوقع سرعة تيّم باحتضانها داخله مدافعًا عن أحقيته في زوجته وغيرته عليها من الغرباء.
ضم راسها بكف يده كي يخبئها في صدره عن عيون الجميع، اهتز طارق من رؤيته لوجودها بحضن زوجها فرغم كل شيء إلا ان المشهد هز قلبه بقوة.
نظر للصور على المكتب وهو يحاول ان يخرج من تفاصيلهم حقيقة مختلفة عن الذي سمعها ورآها، ولكنه لم يجد فكانت ضحكتهم وفرحتهم والأجواء العائلية التي تقفز وتتراقص اعلى الصور خير دليل على زواجهم الحقيقي .
ابتلع ريقه ناظرًا بجواره نحو حديث تيم المنخفض بأذنها وهو يحنو على ظهرها
" مر، نجحتي بمواجهتهم، أنتِ قوية نجحتي بمجابهتهم، حققتي حلم امك من المؤكد أنها فرحة بكِ".
لا زالت تحت تأثير المواجهة تحدث طارق
"دعني افحص ضغطها"
رفض تيّم قائلا
"ستكون بخير لا تقلق انا اعلم جيدًا ما يجعلها تتحسن"
نظر لهند مكمل حديثه
"ان سمحتي جمعي الصور وضعيها بحقيبتها"
اسرعت هند بفعل ما طلبه وهي تتمنى ان تأخذ وقتها بمشاهدة الصور ولكن وضع صديقتها لا يعطيها الحق بذلك أغلقت حقيبتها واعطتها له وهي تسأل عن الهاتف ليجيب تيّم "لا لم تأخذه معها بهذا القدر فقط"
أخذ الحقيبة ليبدأ بالخروج من غرفة المكتب وهو ضاممها على جهة صدره اليمين محلق عليها بذراعه حتى كادت ان تختفي داخله.
انصدم خليل برؤيته لهما اثناء دخوله المستشفى على عجل، رفض قلبه ان يصدق انها هي لولا وقوف تيّم بجانب سيارته واخراجه لعروسته من حضنه ضامم وجهها بين كفيه محدثها بوجهه البشوش الرحيم
" مولاتي الجميلة ارفقي بحالي قليلًا، هل عليّ احزانك كلما رغبت في رؤية جمالك بهذا القدر المبهر، انتظري لا تجيبي او تعطي أي ردة فعل قبل ان اذكرك بوضعي كزوجك، بجانب التفاف الأنظار نحونا أعطني فرصتي لاستغل الوضع بمغازلة أميرتي"
حدثته بوجهها الحزين
"لم ينظر لعيناي، لم يحتضنني، كنت …. كنت انتظر ان.."
سقطت دمعة حارقة من عينيها قائلة
"لم يحتضني لم يشتاق للنظر لوجههي، كيف كرهني لهذه الدرجة"
ضمها في حضنه مغلق عليها ذراعيه
"انا بجانبك انا معك"
حرك يديه ليحنو على ظهرها مخفض رأسه بجانب اذنها
" لن اتركك له، أنتِ لست بحاجة له"
قبل رأسها وهو يشدد من ضمها بداخله
"لا تحزني فهو لا يستحق دموعك الغالية "
نظرت هند نحو ثبات عيون طارق وخليل على ملجأ عروس بغداد الجديد وهما مصدومان كلًا منهما كان يتمنى لو يعود الزمان ويحالفهما النصيب والقدر ليحققا أحلامهم بجانبها.
عاد تيم بها للمنزل متوجهان لغرفتهم دون أن يقابلا أحدا من عائلته، صعدت على فراشها جالسة عليه دون ان تتحدث، اقترب وجلس امامها
" ما بكِ لما كل هذا الحزن، انتصرتي عليهم ألم تلاحظين هذا، لقد تفوقتي على نفسك قبل ان تتفوقي عليهم، لم أتوقع ان تقفي صامدة قوية تتصدي لحديثهم وتقصفيهم بعقر ضعفهم"
رفعت نظرها عليه
"ولكن قلبي لا زال يؤلمني وكأني خرجت من منزل جدي الكبير اليوم، لماذا يؤلمني عليهم حتى الان، لماذا بعد كل ما مررت به من تحت رؤوسهم وبعد كل المرار الذي تجرعته بسببهم كنت انتظر احتضانه لي، اعلم حقيقته وجرمه وسوئه ومع ذلك انتظرت ان يفتح ذراعيه لألقي بنفسي في حضنه كان يكفيني ان يرفع نظره بعيوني كي اسامحه بهذه اللحظة، انا لستُ حزينة على مقابلتهم ولكني حزينة من نفسي حزينة من قلبي لماذا لا زال ينبض بالأمنيات كلما تذكره"
رد عليها
"لأن قلبك ابيض لا يعرف معنى الضغينة والحقد والاسى، صافي كصفاء عيونك و وجهك، الجميع كان يرى قوتك وحدتك ولكني الوحيد الذي راهن على ما أراه بعيونك من طيبة وصفاء"
دمعت عيناه
"لماذا تتمسك بي لهذه الدرجة؟، ما الذي يجبرك على التمسك بواحدة مثلي رغم.."
اقترب ممسك يديها المتشابكة ببعضها ناظرا لعينيها
" ربي .."
لم تنتظر اجابته نهائيا لذلك ظهرت تعابير الدهشة على وجهها ليكمل وهو غارق بعينيها قائلا
"اقسم ان ربي هو من رزقني حبك بقلبي وهو من سيرزقني حبي بقلبك، منذ الاصطدام الأول في تركيا وانا تغيرت بشكل كامل يقول لي زبير انت ملبوس وعليّ ان أذهب لشيخ ليقرأ عليّ القرآن ولكني كنت اشعر بشيء غريب يقول لي انها هي، لم اراكِ جيدا بهذا اليوم ولا بالاصطدام الثاني في المستشفى بل لم اراك جيدا حين انزلقت قدماك على الدرج، ولكن قلبي كان يشعر بنفس الشعور في كل مرة حتى اقترب تصديقي لحديث زبير لولا ربطي للأحداث وانقاذي لكِ بحادثة اختي ومن بعدها المصعد لأقول لنفسي انها هي .. هي من أرسلها الله لي ليداوي وحدتي وفراغ قلبي … كلما اقتربت منك شعرت بما لم اشعر به بجانب غيرك"
رفع يده ليضعها على قلبه
"يرتجف ويهتز فرحا كلما اقتربت منك او رايتك، يضحك وجهي وينشرح صدري وانا انظر لكِ، انا لم اسعى إلى حبك قط بل وضعه الله بقلبي وجرني إليك جرًا لأكون سندك وقوتك وملجاك في ضيقك"
ردت بصوتها المهزوز من حزنها
" لم اعد اثق بأحد، لا تتأمل عبثًا، انا لا فائدة مني، قلبي تمزق وانتهى منذ وفاة أمي ولم يبقى بداخله ما استطيع مشاركته معك"
_" انا راضي بهذا القدر يكفي ان تبقي بجانبي استمتع بالنظر لوجهك البهي …"
قاطع حديثها رنين هاتفه أخرجه ناظرا نحوه
" كيف نسيت امرك سيقطعني عمي الان"
ترقبت حركته وهو يفتح الهاتف مجيب
" السلام عليكم لا اعرف بماذا ابرر تأخيري ولكني أتمنى ان لا تؤاخذيني"
صمت قليلا مستمع لحديثها كي يجيب
"هذا ما اعتدنا عليه من انسانة خلوقة مثلك، ساعه على الأكثر وسأكون بالمستودع نلتقي هناك ان شاء الله"
اغلق الهاتف وهو ينظر لعينيها التي تشع بالأسئلة الكثيرة، تحدث قائلا
"سندس ابنة الشيخ محمد عارف كبير عملائنا الكرام"
ابتسم مكملا "وخطيبتي سابقا"
حدقت بعينيها باستغراب ليسرع بحديثه
"ليس بالمعنى الكامل، يعني كانت اختيار عمي لي وامنية امي بحظي هذه المكانة الاجتماعية كون والدها كبير التجار في دبي، ولكن قلبي كان له القرار الأخير حين اختارك واصطفاكِ لأجله"
_" ألم تسأم من تكرار نفس الحديث، والإجابة عليك بنفس الإجابة، لا اريد ان اكسرك ولكننا.."
قاطعها بتحركه وتقبيله لجبهتها "ولكننا زوجان"
مدت يدها لتأخذ الوسادة من جانبها لتصدمه بها
"ألم أنبهك ألا تفعل هذه الحركات مرة أخرى"
رفع يديه حسنا لن افعلها تحرك خطوتين ليخرج من الغرفة
"سأذهب لعملي .."
انحنى بسرعة ليقبل رأسها هاربا للخارج كطفل يخشى عقاب امه.
ابتسم وجهها بكلمتها التي علقت بلسانها في الأوانة الأخيرة
"مجنون"
كانت هذه الكلمة قادرة على تغيير حالتها وإنعاش قلبها بكل مرة تخرج منها بصحبة ابتسامة خجلة تقسم على عظمة الله في مداواة الجروح وجبر الخواطر وسماع صوت المظلوم.
........
يا بخت من سار بين الناس جابرا للخواطر ، ويا ويل من اعتاد على كسر وطحن خواطر الناس بحجج واهية يعتقدون انهم أصحاب لسان حق وانهم ذوي قلوب بيضاء صافية تعكس ما بداخلها ولكنهم لا يعلمون صدى وتأثير الكلمة السيئة على قلوب الاخرين. خذوها نصيحة من اخت محبة لكم إذا أردتم أن تعيشوا مجبورين الخاطر، فلا تكسروا خواطر الآخرين.
اللهم اجبر خواطرنا جميعا بفرج قريب و استجابة لدعوات وامنيات لا يعلمها إلا أنت ومغفرة واسعة تسمح لنا بدخول جناتك يارب ، إنّك سميع قريب مجيب الدعوات يارب العالمين.
احبكم جميعا في الله ❤️❤️