رواية عروس بغداد
بقلم الكاتبة أمل محمد الكاشف
...........
نقلت كاميرات الهواتف لحظة سقوط سلمى وهي تصرخ بأعلى صوت.
وبهذا الحدث الجلل اسرع تيّم بالاقتراب والنظر خلفها ملقي بنفسه من فوق السور حين رآها معلقة بأحد القضبان الحديدية التي تزين اسم المستشفى بشكل هندسي متشابك ،في لحظة غير منتظرة و بسرعة اكبر جعلت فرق الامن تعجز عن اللحاق والامساك به .
حدثها بصوته الاجش " تمسكي جيدًا انا قادم إليك"، اجابته بصعوبة خوفها
"سأقع .. سأقع "
تنقل بين الأسطوانات الفولاذية قائلا
"لا تخافي سأنقذك. اثبتي وتمسكي حتى اصل لكِ"
حدثته بحزن كبير
"لا لن تصل لي. انها النهاية. انا اعلم قدري. لا يمكن لأحد انقاذي عد ولا تقترب مني كي لا يصيبك قدري"
حاول ان يغير حديثها ويهدئ من روعها وهو يتحدث بنبرة مازحة
"وماذا إن انقذتك. كم ستعطيني؟"
ورغم تعجبها مما قاله إلا إنها اجابته بحزن
"صدقني لن تنجح بانقاذي. انه قدري أصبحت اعلمه. عد لأختك انها بحاجه لك. كن بجانبها ولا تترك يدها. اعلم همها وشاركها به. قف أمام الدنيا للمحافظة عليها والدفاع عنها وإن كانت مخطئة"
تبقى القليل ليقترب منها وهو يقول
"لم اكن اعلم إنك تحبين الثرثرة لهذه الدرجة من يرى قوة ردودك المختصرة يفكر أكثر من مرة قبل أن يُقدم على التحدث معك"
علا صوت سلمى وهي تتأوه من يدها اليمنى قائلة
"لم أعد أتحمل أكثر من ذلك"
حدثها بجدية كبيرة وخوف
"تمسكي بقوة اقتربت تبقى القليل"
بكت مجددًا
"لا تحاول لا يمكنك انقاذي من قدري. ابتعد. اهرب. اتركني لأتخلص من حياتي. اتركني لأذهب عند الرحيم ليرحمني هو من قسوة هذا العالم المخيف"
تمالك أعصابه وهو يسألها بهدوء كبير
"هل صليتي فجرك اليوم... يا ترى كم فرض ضاع عليكِ بالأمس…. كم *معصية *قمتي بها هذا الأسبوع….."
*صرخت *ليعلو صوتها "اااااه لم اعد اتحمل "
اسرع باقترابه منها حتى كاد ان ينزلق متمسك بالقضبان بقوة نبرته الغليظة
"الله أكبر"
وهو يتحرى الحذر باستكمال اقترابه متفاجئ بانزلاق يدها اليمنى وتعلقها باليسرى فقط، قفز قفزة متهورة لا عقل ولا تدبر بها لتصبح بداخله بعدها. امسك بها بصعوبة وضعه المائل قائلا بصوته المتضخم من ثقل ما يتحمله
"اثبتي لا تتحركي. إياكِ ان تتركي يدك اليسرى حتى تثبتين قدميكِ على القضبان العلوي"
رفعت نظرها نحو القضبان وهي تقول بضعفها
"و كيف أرفع قدمي له؟"
حاول ان ينظر للأسفل كي يرى المسافة بين قدمها والقضبان ولكنه فشل حين اهتز توازنه *وصرخت *هي مخبئة رأسها داخله.
ليحذرها من جديد
"اثبتي لا تتحركي. وإلا سنسقط سويًا"
حرك يده بحذر ليشدد قبضته على ابط ذراعها الأيمن أكثر ، حدثته *بخوف *ويد متمسكة به
"اتركني لأسقط وحدي لا تنهي حياتك بسببي"
احمر وجهه من ثقل وزنها الذي يحمله وهو متمسك بيده اليسرى بإحدى القبضان بالأعلى وقدمه اليمنى بقضيب فولاذي مائل اسفله اما قدمه اليمنى كان يحاول الصاق الطبيبة بها كي يثبتها في احد القضبان الذي أمامهم.
حدثها بصوت ثقل ما هم به
"لن نموت دون عمرنا. وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ، وايضا هل جزاء الاحسان إلا الاحسان. خاطرتي بحياتك لأجل أختي . هل سأتركك بعد هذا لأجل سلامتي. لنعيش سويًا أو نموت سويًا فليكتب الله علينا ما يشاء"
بكت مجددًا
"لا تفقد حياتك لأجلي. لم يفعلها والديّ ولا عشيرتي حتى تأتي انت وتفعلها. اتركني أواجه مصيري بنفسي"
اجابها بصعوبة ما يشعر به فكاد أن يفقد سيطرته على يده اليسرى
"اصمتي واثبتي. اتركيني وتمسكي بأي شيء حولك. حتى ان سقطت لا تتأثري أنتِ"
هزت رأسها "كيف سقطت هل …"
قاطعها بقوة
"بهدوء لا تضغط بيدك علي كي لا تسرعي من سقوطي. حسنا لا يوجد ترك اثبتي انا معك"
لم تنصت له حين تمسكت به خوفًا من سقوطها، ليعيد حديثه بصعوبة
"دكتورة سلمى لا تفعلي. سلمى ارفعي يدك عني، امسكي بالقضيب الحديدي جيدًا ولا تخافي"
اغمض عينيه بقوة وصعوبة تعلقه بيد واحده مكملًا
"سلمى لا تفعلي. رجاءً لا تفعلي سنسقط اتركي نفسك بين يدي او اثبتي . كفي عن التحرك والتمسك بي "
تفاجأ بزيادة تمسكها به وقولها
"لا تتركني. لا تتركني كما تركوني. لا تتركني"
كانت لا تستجيب له من شدة *ذعرها *وشعورها بقرب حتفها فقد تبقى دقائق بل ثواني على ذلك.
وصل إليهما فرق الإنقاذ ليتحدث تيّم لهم
"ابدأوا بإنقاذها استطيع التماسك .."
لم يكمل حديثه حتى جاء من خلفه رجل آخر حاوط خصره بحزام أمان مماثل للذي وضع حول خصر سلمى.
ليتم انقاذهما و وصولها لبر الأمان. وفور نزولهم للأسفل فقدت سلمى وعيها بين يدي المسعفين ليضعوها على الفراش الطبي مسرعين بها للداخل كي يسعفوها.
لم ينتظر تيّم انتهاء الكشف الأول عليه أسرع راكضًا نحو الداخل وهو يبحث عن اخته اخذها بحضنه وهو يعتب عليها ما فعلته.
وجدها بحالة غريبة *ذعر *وخوف *وهلوسة بقول
"سيقتلونها. ستموت بسببي"
تحدث شرطي قائلا له
"عينا فردي أمن على باب العناية المركزة الخاصة بوالدتكم حتى نتأكد من سلامة ما تقوله اختك. وأيضا قم باستدعاء طبيب نفسي لتشخيص حالتها. كما بدأ التحقيق بواقعة وجودها وحدها دون رقيب"
لم يهتم لحديث الشرطي نظر لأخته متسائلا وهي بحضنه
"من سيقتلها! ماذا جرى! كنتي بخير قبل ان اتركك واذهب"
رن هاتفه نظر نحوه بدون اهتمام ثم عاد ونظر للطبيب النفسي الذي اقترب ليطلب منه ترك اخته لهم كي يتم فحصها من قبله.
خرج من الغرفة مجبرًا على تركها ، تكرر الاتصال ليفتح هاتفه قائلا
"تسنيم غير متاحة الآن ساجعلها تتصل بكِ فور .."
قاطعته الفتاة بصوتها الباكي
"ستقتل نفسها لتتخلص منه. ألحق بها ولا تجعلها تنهي حياتها هي لا تستحق هذا..."
راجعها تيٌم بسرعة
"انتظري انتظري من تقتل نفسها. هل كنتي على علم بإقدامها على *الانتحار '"
صرخت ماجدة
"انتحرت هل ماتت"
أجابها بسرعة خوفه
"تم إنقاذها بصعوبة . ولكن عليكِ ان تحكي لي ما الذي جرى وكيف علمتي بذلك"
صدمته صديقة أخته وهي تقول له
"اخبرتني ان هناك شخص يهددها بفضحها التقط لها عدة صور وهي تغير ملابسها بغرفتها. كان يهددها بقتلك ويضغط عليها بأذية أمها. لقد أصبحت بحالة *رعب *وفزع *اتصل بها اليوم وهددها بك . إما أن ترفع الاكسجين والأجهزة عن أمها وأما ان تُقتل على يد مجهول اتصلت بي لتودعني"
جلس *مصدومًا *مما سمعه يفكر في من يتجرأ على الدخول لمنزلهم وفعل ما فعل. فرجل كهذا أما ان هناك وسيط يدخل ويخرج بأمان من خلاله واما ان يكون هو ذاته من يضغط عليها.
جاءت الشرطة لتحدثه دون ان يسمعهم.
اقترب منه الضابط رستم ليمسك كتفه
قائلا "هل انت بخير؟"
نظر لهم وهو يقول "لا لست بخير"
اسرع تيّم بسرد ما سمعه على اذان الشرطة كي يساعدوه في الحفاظ على عائلته.
بهذا الوقت نُشر خبر قصة *الانتحار *على الصفحة الخاصة بالمستشفى ولكنه حُذف بعد عدة ثواني معدودة للمحافظة على خصوصية الفتاة وسمعة المشفى.
ورغم حذفه إلا ان الخبر انتشر بين العاملين بشكل كبير دون أن يصل لدكتور طارق الذي رغم فرحته بزواجه إلا انه كان يترقب دخولها من باب القاعة وهو يقول لنفسه
"دعيني على الأقل أشعر أنني أخ ذو أهمية لديكِ كما كنتي تقولين دائما"
نظر لوجه عروسته الفرحة مبتسمًا بقلب راضي عن اختياره محدثًا نفسه من جديد
"من الجيد أنني اخترت رفيق يرى بي كل دنياه افضل من ان اسعى دومًا لأكون محض اهتمام دون ان أحظى بذلك، فما السعادة الا اختيار صحيح يأتي بعده كل ما نريده، من المؤكد أننا سنخلق الحب بقلوبنا"
………
اسرع زبير للعودة للمستشفى كي يطمئن على صديقه دون أن يستطيع الوصول له حين اصطحبت الشرطة تيّم معهم كي يكملوا الإفادة وتحرير محضر بالواقعة. بعد ان تم التحفظ على تسنيم في غرفة ورعاية خاصة
بالمشفى وفي غرفة المكتب الخاص بها كانت سلمى ساجدة ارضًا تبكي بهستيرية كبيرة، لا تعرف هل تبكي *خوفًا *أم حمدًا ام لأنها لم تنجح بالتخلص من حياتها المريرة تتضارب وتتبعثر الأفكار بعقلها وهي ساجدة مجتمعه على استمرار آهات البكاء.
وبناء على طلبها كانت المساعدة الخاصة بها *ترفض*دخول أي شخص للغرفة معتذرة منهم بشكل لائق ، حتى أتى فريق من الشرطة ليأخذوا اقوالها وتفاصيل ما حدث.
راود تيّم شعور غريب وهو يقرأ الرسائل النصية على هاتف اخته ، فتح هاتفه ونظر لبعض الرسائل ومن ثم فتح هاتف والدته ونظر الى الرسائل الخاصة بينها وبين زوجها باهتمام كبير.
كل ذلك تحت مراقبة الشرطة لحركته وتجوله بين الهواتف. تحدث تيّم لهم
"كما توقعت *النذل *الخسيس *هو من لعب عليها''
اقترب الشرطي نعيم لينظر داخل الهواتف وهو يسمع توضيح تيّم مدى التشابه بصيغة الكتابة بين الرسائل ، وحين تساءلت الشرطة عن الشخص تحدث تيّم قائلا
"إنه زوج امي تزوجا قبل سبع سنوات، شخص ثقيل الظل يمثل حبه لأمي واهتمامه بأختي ولكني لم ارتح له على الإطلاق، استخدم طيبة قلب أختي وحسن نواياها لتنفيذ ما يريد بالضغط على امي وعليّ ببعض الأحيان، لم أتوقع انه يلعب بعقلها لهذه الدرجة، نعم هو ومن غيره يمكنه التجول بالمنزل بكل اريحيه"
تذكر تيّم قصة الصور التي التقطها لأخته ليثور غضبًا من جديد متواعد لمحاسبته على التعدي على حرمات اخته .
سأله الشرطي
"برأيك ما الذي جعله يتصرف على هذا النحو ويطلب منها قتل زوجته، والأكثر من ذلك ان تنساق له دون العودة لكم فإن كانت مظلومة لماذا لم تدافع عن نفسها وتلجأ لكم"
تحدث الطبيب النفسي للشرطي
"أنها تعاني من بعض التراجع في المستوى العقلي، يمكنها التعامل مع المحيطين بها بشكل جيد وإنشاء علاقات مفتوحة، حتى أنها تدرس بشكل جميل في المدارس الخاصة ببعض الأحيان تشعر انها صحية ومتكاملة ولكنها لا تجيد ذلك لوقت طويل دقائق ويبدأ الخفقان وظهور بعض أعراض الكسور الذهني ومن ثم تعود لحالتها الطبيعية من جديد، وهذا ما يجعلها معرضة لتصديق أي شخص بسهولة كما يمكنها الانسياق خلفه تحت *التهديد *أو الحب الزائد دون تفكير"
استرسل بحديثه عن سوء أخلاق زوج أمه وتحذيره لأمه أكثر من مرة دون استماعها له، كما قص عليهم الضغط الكبير الذي مارسه عليها جاء بالأخير لمنزلها وبيده عروسته الجديدة كي يزيد من ضغطه عليها، وهذا ما اسقط أمه مغشيًا عليها جراء ارتفاع ضغط الدم وإصابتها بجلطة على أثره.
سأله أحد الشرطيين
"وأين كنت أنت في هذا الوقت؟"
_"كنت بعملي علمت من الأخت سمراء التي تساعد أمي في إدارة المنزل"
قاطعه الشرطي
" مع الأسف جميع ما قلته استنتاجات غير مدعمة بإثباتات حقيقية. كيف سنتأكد أنه وراء حادثة محاولة انتحار اختك"
فكر تيّم قليلا قائلا
"كنت أنوي على خطة لإسقاطه بسوئه واعيد منزل أبي منه"
سأله الشرطي
"وكيف أصبح المنزل باسمه؟"
رد تيّم
"قصة نصب طويله عنوانها الحب"
تساءل شرطي اخر
"كنت تقول لديك خطة لإسقاط زوج أمك. ما هي"
قاطع الشرطي الأول حديث تيّم قبل بدئه
"قبل معرفتنا للخطة اريد ان اعرف السبب وراء طلبه من اختك قتل امها. ما العائد عليه من ذلك"
تحدث تيّم بحزن
"لأجل قطعة ارض رفضت امي كتابتها باسمه بعد أن اكتشفت حقيقة سوئه ، والأكثر من ذلك اكتشافه الغائها للتوكيل من اجل ارضائي، رجل مريض نفسي ذو عقل صغير يمكن إسقاطه بالحديث بسهولة. يكفي ان يغضب او يخسر بعض الأموال ليخرج ما بقلبه دفعة واحدة"
استمعت الشرطة لخطته وما يريد فعله لإسقاط زوج أمه.
……..
استجمعت سلمى نفسها بصعوبة كبيرة رافضة العودة لمنزلها لا لشيء إلا *لخوفها *النوم بمفردها بهذه الليلة على وجه التحديد، كانت تسير بالممر وهي تضغط بخفة على قدمها اليسرى لشعورها بألم بها دون أن تظهر لأحد ذلك.
وصلت لقسم العناية المركزة لتطمئن على الحالات بشكل عام وحالة السيدة تهاني الهاشمي خاصة مستمعة إلى الطبيبة عفاف
"الحالة أصبحت مستقرة يمكننا تقليل جرعات المنوم كي تسترد وعيها شيئا فشيء"
رفضت سلمى *تخوفًا *على سلامة المريضة من تعرضها لانتكاسة جديدة عند معرفتها لوضع عائلتها، اشارت على زميلتها ان يتحدثا للشرطة كي يعلموا الوضع ومن ثم يقررون رفع المنوم وتقليله على أثره.
وافقت عفاف على أن لا تطيل المدة عن اثنى عشر ساعة على الأكثر لترفع بعدها الدواء تدريجيا، ردت سلمى
"اعلم حساسية الوضع و أوافقك على ذلك حتى أنها مدة كافية لاستقرار حالة أبنائها"
تساءلت عفاف عن وضعها الصحي لتجيب سلمى بصوت ضعيف وعيون تملأها الدموع
"الحمدلله قدر الله و ماشاء فعل"
وضعت عفاف يدها على كتف زميلتها
"ما رأيك في ان نذهب لنجري بعض الفحوصات سمعت انكِ…."
رفضت سلمى شاكره لها اهتمامها، لم تتركها زميلتها ملحة عليها بضرورة الفحص المبكر، تنهدت سلمى بألم قدمها وظهرها وأسفل يدها اليمنى قائلة
"اتركِ الأمر للغد سأعود لانام بمكتبي ، يكفي ان تتصلي بي ان طرأ جديد "
تركتها عفاف مستسلمه أمام تمسكها برفضها.
عاد تيّم من قسم الشرطة متنقل بين أبواب غرف أمه وأخته دون أن تسمح الحراسة الامنية المشددة له برؤيتهم يقولون له انهم بخير ونائمون تحت تأثير المهدئ .
حاول الاستعانة ببعض الزملاء العاملين معه كي يتوسطوا له لدخوله ولكنهم عجزوا بذلك لوضع الشرطة على الأبواب بجانب قولهم
"إن كانوا تابعين لطبيب آخر غير سلمى الأكرم لاستطعنا مساعدتك ولكنها لا تغفر ولا تمرر أي تهاون بعملها بسهولة "
ازداد ألم رأسه وأضلاع كتفيه حدث نفسه
"وكأنها شرطيًة وليست طبيبة رحيمة بالناس"
تنهد بتعب وحزن قائلا
"لأذهب لشراء الشاي والطعام واعود للنوم كي استطيع غدا الوقوف على قدمي ، ساعدني يا الله على النزول والوصول لمكان نومي"
كان يقول اشتري الشاي والطعام ولكنه يفعل عكس ذلك ببحثه عن فراش فارغ في نفس الطابق ليريح جسده لعدة ساعات .
رأته سلمى أثناء عودتها من غرفة مريضة مصابة بغيبوبة دماغية منذ سنتين ، توقفت أمام غرفة مكتبها منتظرة اقترابه لتحدثه بصوت يعلوه التعب والعرفان
"كيف حالك الان؟"
اجابها وحالة عينه المرهقة تشبه عينيها
"اتوقع انني بخير حتى الآن. الحمدلله"
ملامح وجهه البشوش تغلبها ابتسامة نغزات وجنتيه تجعل كل من يراه يتعجب من معرفة جدية حديثه وما يشعر به عكس هذه المرة التي لاحظت سلمى على وجهه علامات الألم والتعب الشديد وهذا ما جعلها تشفق عليه قائلة
"اعتذر ان كنت السبب فيما أنت به… لا اعرف كيف اشكرك على ما فعلته بحقي"
اجابها بسرعه لم تنتظرها منه
"ستشكريني كالآتي، اريد فراش أمد ظهري عليه، و كبسولة مسكن قوي افصل عن دنياي بعدها "
ردت باهتمام كبير "يمكنني فحصك …"
رفض بصوت متعب
"لا طاقة بي لأي شيء ، تبقى القليل على *صراخي *من ضلوعي. وأقل بكثير على *سقوطي *فاقد الوعي "
وضع يده على رأسه لتقترب منه ممسكة منتصف ذراعه بيديها خوفًا من سقوطة و هي تقول
"تعال معي "
تحركا سويّا وهما يتعكزان على بعضهما ، أدخلته غرفة مكتبها مقتربة من الفراش الطبي الخاص بكشف المرضى قائلة
"هيا تمدد عليه كي اكشف على ظهرك أخشى أن يكون بحاجة لتدخل سريع"
نظر لقدمها وهي تضغط عليها بصعوبة صاعدًا على الفراش الطبي مستلقيًا على ظهره وهو يتألم بشدة
"ااااه … لا اتحمل أي شيء الان لنترك الفحص للصباح ، اعطني زجاجة عصير ممن رأيتهم على مكتبك لأخذ بعدها قرص المسكن وانام"
علقت عينيها على وجهه وعينيه بإشفاق وحزن ، اقتربت بقدمها المتعبة لتأخذ جهاز الضغط وسماعات الكشف لتطمئن على نسب الضغط ونبض القلب.
ثم تحركت بعدها لتأخذ شطيرة الجبنة وعلبة عصير مانجو من اعلى المكتب الخاص بها عائدة له وهي تحثه على أكل الشطيرة بجانب شرب العصير بقدر المستطاع.
رد عليها "بشرط سنتقاسم الشطيرة"
أتاه رفضها السريع بحركة وجهها ليجيبها
"هل سترفضين طلبي الأول ، ألم تتساءلي عن كيفية شكري قبل قليل "
_" لا اشتهي الان "
قالتها بصوت احتقان عيونها الممتلئة بالدموع.
رفض أن يأكل دون أن تأكل هي ، راجعته عن موقفه ليجيب عليها بعيون اشبه بالمغلقة من انهاكه والمه
"أفهم من ذلك إنه تم كسري بأول طلب لي، حسنًا كما تريدين "
عجز عن فتح الغلاف البلاستيكي للشطيرة اخذته منه لتتحرك نحو مكتبها مرة أخرى لكي تفتحه بالمقص الصغير عائدة بجانبه وهي تقتسم الشطيرة بينها وبينه
"كي لا تحزن . بالأصل لا يوجد ما يوفيك حقك عليّ فعلى الأقل لا احزنك مني "
بدأ بتناول قطعة من القسم الخاص به وهو يمازحها بعيون مغلقة
"لم أكن أعلم انكِ ستميزين نفسك بالنصف الأكبر مهدرة حقي ، ألم نتفق على مناصفتها بيننا"
نظرت للقسم الصغير بيدها مبتسمه ابتسامة تجلت على وجهها بجمال ملامحها البريئه
"يكفيني هذا القدر"
أجابها متمني ان تستمر ضحكتها على وجهها
"الان علمنا السر وراء صغرك"
خرجت منه بتلقائية كبيرة جعلته يراجع نفسه على تخطيه حدوده أمامها منتظر توقف حديثها وانسحابها بحدة كردة فعل منها ، دون ان يتوقع ردها
"انت محق وانا ايضا تساءلت كيف يمكنك إنهاء شطيرتك وانت بهذا الحجم، ما شاء الله لا اقصد شيء اخشى ان تتلبك معدتك الصغيرة بها"
ضحك وهو يقول
" هل تم *قصف*جبهتي الان!"
تحركت لتغلق الساتر الطبي وهي تجيب بنبرة انتصار
"انت من بدأ يا دكتور"
خرجت منه ضحكه تألم على إثرها جلست على أريكتها لتكمل ما تبقى من الشطيرة ، قائلة
"يمكنك البقاء بغرفتي وانا سأذهب لأتطفل على احد زملائي ساجد أكثر من مكان لأرتاح به".
فتحت هاتفها لتجري عدة اتصالات انتهت منهم وهي تراقب صمته خلف الساتر الطبي.
دخلت المساعدة الخاصة بها وهي تنظر نحو تيّم باستغراب، تسائلت سلمى عن وضعه لتخبرها انه نائم، فلم يطول الوقت بعد تركها له دقائق قليلة نام تيّم بعدها من شدة التعب والإرهاق الذهني قبل الجسدي، طلبت منها ان تخفض الإضاءة كي ينام بعمق.
أومأت المساعدة برأسها وهي تقول
"غرفة المناوبة بها فراش فارغ يمكنك استخدامه"
نظرت سلمى للأريكة الخاصة بها ثم نظرت للمساعدة قائلة
"سأكتفي بها تعلمون اعتيادي عليها، كما أنني أخشى على عودة ألم ضلوعه ليلا، فمن الواضح أن هناك تمزق او ما شابه بها، لا اعرف كيف سمحت المشفى بخروجه مع الشرطة قبل أن يقوموا بفحصه "
ردت المساعدة
"تمامًا كما فعلتِ يا دكتورة، حتى أصبحتِ تجرين قدمك جرًا من شدة ألمها"
ابتسمت سلمى بوجهها المتعب
"غدا يا سميه غدا سأذهب لقسم التصوير وافعل اللازم، والان سأنام انا أيضا على أن تعودي بين الحين والآخر للاطمئنان على وضعه أخشى أن أغرق انا أيضا بنومي ولا استطيع مساعدته ان احتاج لهذا"
أومأت سميه برأسها
"حسنا سأفعل نامي وارتاحي وانا سأهتم به"
امسكت سلمى يد مساعدتها
"أصبحت حياتي دين له. لذلك يجب ان توقظيني ان حدث شيئًا له في منتصف الليل "
أشفقت المساعدة عليها قائلة
"لا تقلقي سأهتم به لأجل إنقاذه لكِ ولن يحدث له شيء طوال نومك كوني مطمئنة"
تحركت سلمى مقتربة من المقعد الجانبي لتأخذ عباءتها السوداء الكبيرة لترتديها قبل أن تستلقي على الأريكة غارقة في نومها.
فرغم عدم ارتدائها للعباءة السوداء بآخر شهور مضت الا ان شعورها بحاجه للتستر أثناء مشاركتها الغرفة مع الشاب جعلها ترتديها وتطلب من سمية بعدم غلق الباب عليهم .
………
لم ينم خليل ليلته من كثرة تفكيره بها كلما نام رآها بحلمه تضحك مرة وتبكي مرة وتتحدث معه مرة أخرى، يفتح عينيه هاربًا من أحلامه وهو يحدث طفله بداخله
"لأجل أن تعيش حياة هادئة، تنازلت عن سعادتي بجانب من أحب، و لكي أوفر لك حياة سعيدة دون منازعات وفراق، عليك أن تكبر وتربى بجانبي، ولن اامن على ذلك دون العودة لموطني"
…..
استيقظ تيّم في الصباح على صوت غريب، فزع منتفض من فراشه حين توقع مرور أخته بنوبة جديدة، ولكنه تذكر فور فتحه لعينيه احتجاز تسنيم بغرفة خاصة بعيدة عنه.
لا زال الصوت يصل لاذنه نزل من على الفراش الطبي متألمًا من ظهره وضلوعه متخطي حاجز ساتر الكشف الطبي ليتفاجئ بالطبيبة تبكي بنومها وهي تردد
"لا تتركني…"
سار اتجاهها متألمًا ليوقظها ويطمئنها أنها بمأمن، مستمع
"أبي لا تتركني. أبي لا تتركني"
تذكر قولها
"تركني أبي وعشيرتي …"
فتحت سلمى عينيها لتجد تيّم فوق رأسها يناديها بصوته المتألم "دكتورة سلمى"
تحركت لتجلس وهي تمسح دموعها مسترده قوتها الشكلية بسرعة كبيرة تحدثت به
"كيف أصبحت الآن، هل لا زال ألم أضلاعك يضغط عليك"
أومأ برأسه "سيزول لا تحملي هم"
جاءت المساعدة للغرفة وهي تلقي عليهم الصباح ابتسمت سلمى محاولة تمثيل الثبات
"صباح النور كيف الحال طمئنيني على وضع الحالات"
ردت سمية
"الجميع بخير لا يوجد جديد كلًا على حالته"
شكرتها سلمى مجيبه عليها
"يمكنك تسليم مهامك والعودة لمنزلك شكرًا على اهتمامك بنا. لم استيقظ من نومي العميق إلا قبل قليل ولكني متأكدة من عدم تركك لنا"
_"العفو واجبنا يا دكتورة نحن جميعا موجودين لأجل يومًا كهذا"
نظر تيّم للمساعدة متسائلا
"متى يمكنني رؤية أمي؟"
أجابت سلمى عليه
"ان أتيت معي للاطمئنان على وضعك ساخذك بعدها لترى الوالدة "
_"وتسنيم أيضا أليس كذلك ؟"
اغمضت عينيها وهي توما برأسها استجابة لكل مطالبه بوجه مبتسم بالعرفان.
استأذنت الممرضة وخرجت، لتتحرك سلمى كي تقف عن الاريكة بجسد منهك متعب، ظهر تألمها على وجهها تحدث تيّم
"ابقي أنتِ يمكنني الذهاب وحدي "
رفضت متمسكة بقوتها الخاوية
"انا بخير هيا لنطمئن عليك"
صرخت بألمها بمجرد مدها لقدمها كي تخطو خطواتها الأولى، كادت ان تسقط حين عجز جسدها المتعب على تحمل ما تشعر به فكل جزء بجسدها* يصرخ *متألما نفسيًا قبل عضويًا.
مد يده ليمسكها قبل *سقوطها *منحني بها للخلف كي يجلسها على الاريكة ، وهنا خرج من تيّم *صرخة *عالية بقوة كبيرة حين تحملت ضلوعه تعلق سلمى على ذراعيه تفاديا للسقوط ليسقطا الاثنان على المقعد الأريكة.
تحدث تيّم وسط ألمه الشديد
"هل كان عليّ ان اصدقك واهرب؟"
ابتسمت وهي تعتدل بصعوبة مبتعدة عنه
" لا زال العرض متاح "
_"هل ذهبتي إلى تركيا قبل عام ونصف"
استغربت سؤاله وهي تومئ برأسها
"نعم كنت أعيش في تركيا قبل انتقالي لدبي كي استلم عملي ولكن لماذا سألت؟"
ابتسم وجهه بذكريات تصادمهما الأول والثاني وانقاذه لها قبل انزلاقها على الدرج وتمسكها به في الهواء تترجاه أن لا يتركها ، رفع وجهه مرجع رأسه للخلف كي ينفي ما قالته بوجه لمع غمزاته من ضدة ابتسامته
" يا ليتني أستطيع الفوز بالعرض ولكن مع الأسف فات الأوان حين سَبَقَ السيف العَذل"
...............
الى هنا سيداتي انساتي سادتي وصلنا لنهاية الفصل 🏃🏾♂️🏃🏾♂️
طبعا كما اعتدنا في تفاصيل هتتوضح في وقتها بالحلقة القادمة التقسيم بيجبرنا على كده
جزاكم الله كل خير على دعائكم الجميل ربنا يتقبل منكم ولكم بالمثل واكتر في صحتكم واولادكم واخواتكم وحياتكم كلها.