عروس بغداد
الكاتبة: أمل محمد الكاشف
تحرك نحوها مفصح عن وجوده بتحدثه
"هل كنتِ هنا وانا ابحث عنكِ بكل مكان"
تركت الكوب من يديها مسرعة في مسح دموعها دون ان تجيبه، اقترب من الطاولة متسائلًا عن سبب بكائها وجلوسها بالمطبخ بهذا الوقت
لتجيبه
"لا شيء كنت اتألم من بطني واردت ان اشرب ما يساعد على تهدئتها. لا تقلق سأذهب لأكمل نومي ومن بعدها سأكون بخير"
أومأ برأسه
"لا داعي للقلق عدة ايام ستمر وتصبحين بعدها افضل من ذلك، أليس كذلك يا طبيبة"
اومأت رأسها بوجهها المتعب
"معك حق سأذهب لارتاح"
تحركت لتغادر المطبخ ولكنه أوقفها ببدأ كلامه
"بالمناسبة حدثتني رشيدة بالأمس كانت *حزينة *وندمه على تركها للمنزل. بالطبع لم امرر الأمر دون عتاب قوي وتمسك بموقفي فهي من استسهل قرار الرحيل"
سألته بفضول
"ألم تتصالحا!"
أجابها بوجه أراد أن يظهر قوته ورجولته به
"تمسكت بموقفي كي تشعر بحجم ما فعلته و تفكر جيدًا إن أرادت إعادتها فأنا لا اقبل بأمر كهذا بالمستقبل، حتى انني حذرتها من تكرار ما فعلته فان عادت وطلبت الطلاق ساطلقها دون تفكير حتى وان كنت أنا المخطئ حينها"
ردت بصوتها الذي خالط الحزن التعب به
"ولكنها تستحق فرصة ثانية أليس كذلك!"
تذكر خليل محادثته الأخيرة مع زوجته والتي كانت مفعمة بالمشاعر الجميلة عكس ما يوضح لعروسته، تبسم وجهه مجيبًا
"نعم تستحق فكما أخبرتك هي ليست *بسيئة. *عقدة حب التملك وعدم مشاركتها حياتها مع غيرها.."
قاطعته بنبرة استنكارية
"ولكني أخبرتك أيضا إنها محقة. كيف تنتظر أن تطلب منها مشاركة زوجها مع امرأة أخرى دون رفض"
ابتسمت بسخرية اكملت بها
"أم ظننت انها سترحب بي وتحتضني بكنفها"
راجعها خليل بسرعة
"لا لم أقل ذلك. ولكني تحدثت عن حب تملكها لكل شيء حتى من قبل مجيئك. لا تسمح لأحد بالتدخل في كافة أمور حياتنا"
*صدمته *حين اجابته بقوة أكبر
"إمرأة قوية ذكية احييها على ذلك. إن كنت بمكانها ما تنازلت وصمت حتى كنت اخترت الانفصال والبعد عن أن أشارك حياتي مع غيري رغمًا عني، ليس جميعنا سواء هناك من يتحمل وضع الزوجة الثانية وهناك من يموت قهرًا وألمًا بهذا الشعور، لذلك شرع الله الطلاق كي لا تجبر المرأة على تحمل ما لا طاقة لها به، سبحانه وتعالى رحيم بعباده يعلم ضعف قلوبنا واختلافنا "
وبحيرة وتعجب رد خليل عليها
"كنت أتوقع استسلامها للأمر الواقع وخاصة حين اغدق عليها بالمزيد من الهدايا والاهتمام كما رأيتي كنا نخشى أن نحزنها أو نضغط عليها"
اجابته بقوتها
"من الغريب أنك تلجأ للهدايا الثمينة والمال لحل المشاكل بينكما، اتفق معك بأن تلك الأشياء تلين القلب وتبهج الفؤاد وتنهي الخلافات ولكننا نتحدث بوضع أكبر من كل ذلك بدليل انها تركتك ورحلت بعد كل ما فعلته، صدقني الأمر مختلف لا يمكن للقلب أن يستسلم لما يرفض تقبله أيما فعلت له"
تحدث بنبرة استغراب
"ظننت إنك استسلمتي لحياتك الجديدة"
_"نعم استسلمت لأني لستُ بموقع اختيار وقوة مثلها. أنسيت ما أجبرت وارغمت عليه. أم نسيت كيف انقذتني من بين يديهم. بخلاف شلال *الدم *الذي كان ينتظر *خطأ *مني حتى يعود ويُغرق بلدنا. أليس هذا ما قلته لي. ألم تخبرني أن لا خيار ولا عودة لنا من هذا الطريق. ألم تخبرني أنني مجبرة على استكماله"
تنهد خليل بضيق
"لا اريد ان نعود لنقطة الصفر بكل حديث بيننا. علينا ان ننسى ونتأمل بمستقبل جديد يجمعنا كي نستطيع تغيير الواقع "
اجابته بحزن
"يا ليتنا أجهزة إلكترونية نضغط على ازرارها كي تغلق وتفتح *الجرح *كلما رغبنا. نحذف المشهد او نحظر تواجده كي لا *يضرب *ثباتنا كلما وقفنا على قدمينا. يا ليتني جهاز إلكتروني خالي من المشاعر والأحاسيس لأفعل ما تقوله لي وأبدأ من جديد دون ألم"
تهرب من *حزنها *وحديثها بحجة مراجعة بعض الأوراق المهمة بنتائج تحاليل تابعة لحالات مرضى مسؤول عنهم بالمشفى الحكومي.
خرج من المطبخ لتستند هي برأسها على كف يدها المرتكزة على يد مقعدها ناظرة أمامها *بحزن *وضيق غرقت بهم مجددًا رغم كل محاولاتها في النجاة منه.
ذهبت لغرفتها كي تنام قبل ان يستيقظ باقي من في المنزل، احتضنت غطائها مغمضة عينيها تاركة نفسها للنوم العميق.
مرت ساعات الصباح الأولى عليها بهدوء وسكون بعد أن تراجع خليل عن ايقاظها للفطور.
لتفتح هي عينيها على سماعها صوت زغاريد الفرح الذي رن صداه قلوب المحبين بالخارج.
تعجبت مما تسمعه تحركت لتنزل من الفراش واضعه عبائتها السوداء فوق رأسها خوفًا من وجود غرباء بالخارج.
توجهت لغرفة الحاجة فاطمة حيث الأصوات العالية متأملة ان يكون الضحك الفرح والسعادة بشرى من بشريات النصر المبين للبلاد.
ولكنها تفاجأت بوجود رشيدة داخل حضن زوجها، استدارت وداد لتنظر نحو سلمى قائلة
"ستي رشيدة حامل، العاقبة عندك يا دكتورة"
ابتسمت سلمى فرحة بالخبر متقدمة نحو رشيدة كي تحتضنها مباركة لها
"فرحت من اجلك"
اتسعت عيون وداد من تعجبها لما فعلته الدكتور بعد أن كانت تنتظر رؤية غيرتها وغيظها من حمل رشيدة.
من شدة فرحته سحب خليل سلمى وادخلها بحضنه هي ايضا ليصبح الاثنان تحت ذراعيه وهو يقول لأمه
"بدأت الاحلام بالتحقق واخيرًا سنرى اطفالنا حولنا"
ردت فاطمه بفرحتها
"الحمد والشكر لله"
كان صوتها مرتفع قليلًا عن كل مرة وكأن الفرحة أتت نتائجها المتقدمة في شفائها.
طال بقائهم في غرفة الأم فاطمة فرحين بالخبر السعيد.
ذهبت بعد ذلك سلمى للمطبخ كي تطلب من سناء تحضير القهوة لها.
ردت وداد
"انتِ لم تأكلين حتى الان"
نظرت سلمى لوداد دون رد ثم عادت لتنظر لسناء
"سيكون من الجيد ان تضعي لي البقلاوة بجانب القهوة "
أومأت سناء برأسها
"امرك يا هانم ساحضرها واجلبها لغرفتك"
اجابت سلمى وهي تقترب من باب الحديقة
"لتكن بالخارج سأنتظرها هناك"
وخرجت لتجلس تحت التكعيبة الخشبية وسط الاشجار والزهور.
دخلت رشيدة للمطبخ وعينيها تبحث عن سلمى متعجبه من عدم وجودها به، فلقد بحثت بكل مكان دون ان تجدها.
رأت سناء وهي تصب القهوة بالكوب الكبير فهمت انه للدكتورة فهي من تحب شرب القهوة بهذا الشكل.
سألتها "أين هي؟"
أجابت سناء على الفور
"تنتظر قهوتها بالحديقه"
عادت وداد من غرفة الأم فاطمة وعينيها على رشيدة وهي تخرج للحديقة متسائلة
"لا تقولي لي أنهما سيجتمعان بالخارج"
تحدثت سناء بحماس وفضول فرح
"ساخرج لاعطيها القهوة واستمع لحديثهم"
وبالفعل خرجت وعيون وداد تراقب بتخافي من وراء الستار.
وضعت سناء القهوة أمام سلمى متسائلة عن حاجتهما لأي طلبات أخرى .
تحدثت رشيدة
"اذهبي لمدخل المنزل جهة الكراج ونظفي جيدًا حوله لم يعجبني أثناء قدومي اليوم"
اومات براسها
"امرك يا هانم"
اكملت رشيدة
"وانظري للصالون من بعدها لا اريد ان ارى تراب يعتلي الأسطح"
هربت سناء وهي نادمة على قدومها إليهم.
نظرت رشيدة لسملى بعيون راضيه
"شكرا لكِ "
اجابتها سلمى
"انا لم افعل شيء انه حقك عليّ، اهتمي بنفسك وطفلك من بعد الان ولا تفكري بغيره خاصة في هذه الفترة"
تحدثت رشيدة
"لا اعرف كيف سأنجح بذلك، كما اخبرتك بالهاتف مشكلتي ليست معك بل انا…"
قاطعتها سلمى
"وانا احترم مشاعرك ولم ارغب بالضغط عليها ان نجحتي انتِ بذلك، فلا تنتظري مني التهرب دون أن تنجحي انتِ بجذبه نحوك"
كانت رشيدة تود ان تخبرها بهمها وحزنها من حقيقة مشاعر زوجها التي تغيرت منذ مجيئها لمنزلهم عروس، نظرت للأمام لتتذكر نظرات خليل التي اصبحت معلقه على شعرها الاصفر الطويل و وجهها الابيض، اختنقت بغيرتها مجددًا ناظرة لسلمى وهي تأكل البقلاوة قائلة لنفسها
"كيف سأنجح بجذبه لي وأنتِ موجودة أمام عينيه"
فرح خليل عند رؤيته لهما من نافذة مكتبه، لم يذهب إليهما متأملًا بعلاقة صداقة تبنى بينهم.
ولكنها أمنيات فقط فلم تتحمل رشيدة فكرة وجود سلمى بمنزلهم ليس لشخصها بل لحالة خليل الذي اصبح عاشق لجمال وجه عروسته، عادت رشيدة لعصبيتها وغيرتها الحارقة بعد يومين فقط من رجوعها للمنزل ليحاول خليل تهدئتها ومسايرتها للحفاظ على نفسيتها أثناء الحمل، وهذا ما جعله يعود لطبيعته الأولى في الابتعاد عن سلمى ونسيان أمرها في ظل جهاده بارضاء زوجته.
لم تهتم سلمى بتغيره فلقد اعتادت على وضعه المتخبط وخوفه من احزان رشيدة. بل واتفقت معه على استمراره بالحفاظ على نفسيتها كي يستمر الحمل بأفضل حالاته.
اصبحت بموضع اقوى من ذي قبل لم تعود لاغلاق بابها عليها ليس لاجل تحررها من ضعفها وحسب بل بعد ان عزمت على عودة وقوفها على قدميها بصلابة وقوة كي تحاسب كل من خذلها وتخلى عنها، أصبحت الحديقة الخلفية ملاذها وصفائها وخلوتها مع الكتب والأبحاث.
و رغم ان شعرها الاسود الناعم اللامع ليس بقصير إلا أنها غارت من جمال شعر الطبيبة من حيث طوله وكثافته ولونه المميز. اصبحت تتقرب من سلمى لفتح بعض الاحاديث السطحية بينهم كي تضمن استمرار ما اتفقا عليه، بهذا الوقت ازداد تحسن الحاجة فاطمة ليبدأ تواصلها واندماجها مع سلمى بشكل يُمكنهم من خلاله التقرب والفهم على بعضهم البعض.
وصل خليل إلى غرفة بوجهه الفرح من انسجام عروسته مع أمه دخل ليجلس على الفراش بجانبهم يشاركهم مجلسهم باحاديثه التي لا تنتهي.
لم تتحمل رشيدة رؤية يد خليل وهي تتسلل خلف ظهر عروسته كي تداعب اطراف خصلات شعرها القريب من الفراش بطوله.
شعرت فاطمة *بالحقد *والغيرة التي ملأت عيون رشيدة وهي تدخل عليهم الغرفة واقفه بمنتصف زوجها الجالس على الفراش و زوجته الجالسة على المقعد المجاور له.
تحدثت فاطمة بصوتها الذي يخرج بصعوبة لسانها الثقيل بالحركة
"كيف حالك يا ابنتي"
ردت رشيدة بوجه تصنع الابتسامة واضعه يدها على طفلها
"نحن بخير يا امي الحمدلله، كيف حالك اليوم أراكِ بأفضل حال"
قالتها ناظرة لمن يجلسان بجانبيها في اشارة منها لعدم تحملها الوضع.
تحدث خليل لزوجته اصعدي على الجانب الآخر من الفراش لتشاركينا حديثنا كنت احكي لسلمى عن والدي رحمة الله عليه.
احتضنته من ظهره قائلة
"هنا أكثر راحة واستمتاع، هيا اكمل.."
لم تنظر سلمى نحوها كما لم تعطيها أي اهتمام، حاول خليل ان يبتعد عن يديها خجلا من امه وعروسته ولكن رشيدة لم تسمح له.
أكمل أحاديثه على امل تحركها للجلوس بجانبهم ولكنها اصرت على وضعها محاولة إثارة مشاعره تجاهها بحركة يديها على كتفيه ورقبته دون خجل من أمه التي لم ترضى على ما تراه أمامها.
وقفت سلمى بوجه مبتسم قائلة
"اشتقت لتحضير النسكافيه ذو الرغوة الكثيفة "
تحدث خليل وهو يسقط يد رشيدة من على كتفه
"اثارني الفضول حول طعمه"
نظرت نحوه بثبات و وجه مبتسم لا يهتم بسخافة ما تفعله رشيدة من محاولات لاثارة غيرتها وغضبها قائلة
" فلتجرب طعمه لتحكم بنفسك" وافق خليل على الفور لتنظر نحو رشيدة متسائلة
"هل أحضر لكِ معنا "
تعجبت رشيدة من ثباتها وقوتها لدرجة جعلتها ترفض بحركة رأسها دون تفكير، نظرت سلمى لخليل قائلة
"لن تندم على موافقتك حتى يمكنك مصاحبتي لمشاهدة كيفية تحضيره لعلك تحتاج إلى الوصفة بوقت لاحق"
وقف خليل وهو يضحك
"ولما احتاج لتحضيره وانتِ موجوده، ان رغبت به ساطلبه منكِ"
كورت سلمى شعرها فوق رأسها بشكل اشبه الصينين به. وتحركت تجاه المطبخ دون ان تنتظر مجيء زوجها خلفها قائلة اخر كلماتها للحاجة فاطمة
"سأحضر لكِ حليب بالزنجبيل والقرفة سينفعك وبنفس الوقت سيعجبك"
نجحت سلمى بذكائها حين تحرك خليل ليذهب خلفها دون ان يهتم بغيرها.
تحركت رشيدة بضيق كي تخرج خلفهم لولا تحدث فاطمه لها
"اجلسي يا بنتي لنتحدث"
نظرت نحوها لتجدها تشير لها كي تقترب وتجلس بجوارها، استجابت لها على مضدد جالسة بجوارها وملامح وجهها يبوح بكل ما في قلبها.
لم تستمع رشيدة لنصائح الحاجة فاطمة استخفت بكل ما خرج من لسانها المريض المتعب دون محاولة بفهم ما ينطق وتجميع الكلمات لتعجز فاطمة عن التواصل الكامل معها.
وبعد مرور الوقت عادت سلمى منتصرة تحمل الاكواب المغرية برائحتها وشكلها.
لم تتحمل رشيدة رؤية وجه زوجها بهذه الفرحة انتظرت اقتراب الدكتورة منها لتقف مسقطة صينية المشروبات عليها
بعد ان عمت الغيرة عينيها واصبحت لا تفكر بشيء غير امتلاك زوجها .
*احتـ.ـرقت أعلى ذراعها *بحرق طفيف عكس صداه *وخوف *الجميع عليها وعلى طفلها كبير.
اجلسها زوجها على الفراش وهو يرفع كم سترتها كي يطمئن على ذراعها، استغلت رشيدة الفرصة وخلعت سترتها بشكل كامل مكتفية بفلانة داخلية مفتوحة الصدر.
معتقدة أنها بذلك ستضغط على العروس التي كانت تحدثهم
" مرت على خير احمرار بسيط وسيذهب مع الوقت"
ابتلع خليل ريقه خجلًا مما تفعله رشيدة قائلا
"نعتذر منكِ ضاع تعبك، ان اردتي ان تعيدي تحضيره"
أجابت سلمى بسرعة
"نعم بالطبع سأعيد تحضيره، ابقى انت بجانبها وانا سأذهب لتحضيره لي ولك"
ثم نظرت لرشيدة قائلة
"الف لا بأس عليكِ انتبهي بالمرة القادمة كي لا تؤذي نفسك كما انكِ اصبحتي مسؤولة من طفل عليكِ حمايته أكثر من ذلك"
قالتها ثم خرجت من الغرفة لتتغير ملامح وجهها مفصحة عن *الغضب *المتأجج داخلها، فالجميع كان شاهد على رشيدة وهي تتعمد بإسقاط الصينيه من يد سلمى، تذكرت تقربها من خليل واحتضانها له ونزعها سترتها كي تثير غيرتها محدثه نفسها باشمئزاز
"لم اتوقع انها بهذا العقل الصغير، في ماذا سقطت انا، استغفر الله العظيم لم افكر للحظة انه سيصل بي الحال ان اتنافس مع هذه على …"
رفعت يدها لتضعها على رأسها بوجه غير راضي عن حالها رغم انتصارها عليها بثباتها أمام الجميع وعدم إصغاءها لحركاتها، وهذا ما يحدث مع قوية أمها التي تربت على ان لا تضعف أو تظهر ما بداخلها امام خصمها أيا كانت النتائج، تربت سلمى على أن تجاهد وتحارب حتى تنتصر على *خصمها *وإن كانت غير ذلك بداخلها.
وهذا ما كان يشعل *النار *بقلب رشيدة اكثر واكثر. بل وهذا ما زاد غيرتها وقل من تناولها لطعامها كما انخفض ضغطها من كثرة دورانها حول زوجها وافتعالها المواقف كي تكسب اهتمامه طوال النهار، كانت تستيقظ بالليل كي تتأكد من وجوده بجانبها حتى أصبحت كمرضى الوسواس القهري.
لاحظ خليل تدهور حالة زوجته وفقدانها لتوازنها أكثر من مرة ليقترح عليها أن يأخذها بنهاية اليوم التالي الى المشفى الحكومي كي يجري لها بعض الفحوصات.
وافقت على كلامه وهي تنظر نحو العروس الجديد الخارجة من الحمام والمنشفه تلتف على رأسها.
ابتسم وجه خليل لرؤية وجه عروسته البراق المضيء حتى كاد ان يذهب خلفها لولا رنين هاتفه واضطراره للخروج السريع لوصول ابن عمومته خارج المنزل كي يذهب لاجتماع العشيرة سويًا.
وجدت رشيدة الوقت المناسب لتحقيق حلمها، طرقت باب غرفة سلمى ودخلت متصطنعة المحبة والود ناظرة لتمشيطها شعرها الطويل بصعوبة قائلة
"سترتاحين إن قصرتي طوله قليلًا"
فكرت سلمى وعيونها الدامعة على طول شعرها قائلة
"انتِ محقة حان وقت تقصيره"
تحمست رشيدة بقولها
"اتركي الأمر لي''
اسرعت بجلب المقص وعادت لغرفة سلمى التي كانت تنظر ليدها *بحزن *وعيون دامعة مستسلمة لقصه.
لمعت عين رشيدة من حماسها وانتصارها فيما أردته، وضعت المقص بمنتصف شعر سلمى لتتخلص من جزء كبير منه ولكن طمعها وغيرتها جعلتها ترفع المقص للأعلى بالتحديد أسفل كتفيها بعدة سنتيمترات، ترددت للحظة *خوفًا *من ردة الفعل ولكنها همت على فعلها متحمله كل النتائج وإن كانت *سيئة *فيكفي ان لا ترى يد زوجها وهو يداعب أطرافه بعيونه المعلقة عليه.
انتهت من قصه بيدها المرتجفة ممسكة بالجزء المقصوص وهي تنظر لطوله بيده *بخوف *وذعر.
فتحت سلمى عينيها وهي تعلم قدر طوله بالاصل هي ليست بغيبة كي يغفو عنها نوايا رشيدة التي كانت واضحة مرأى العين.
تحركت سلمى لتقف أمام المرآة تنظر لشعرها بصمت عميق.
ابتلعت رشيدة ريقها قائلة بصوت مترجف
"لا اعرف كيف حدث ذلك لم اكن اتوقع تقصيره لهذه الدرجة"
عاد خليل للمنزل بعد أن تعذر عليهم الوصول للاجتماع فلقد أغلق الطريق بسبب تجمع *دبابات *الاحـ.ـتلال *هناك.
تفاجأت رشيدة بدخول زوجها الغرفة وهو ينظر بقوة *غاضبة *نحو شعر سلمى بيدها، تحدثت *بخوف *اكبر
"لم ارد حدوث ذلك، اردت ان أقصر قليلًا منه ولكني لا اعرف كيف حدث ذلك"
نظر خليل لعروسته التي رفعت يدها لتمشط شعرها على جانبي وجهها قائلة
"أنا من سمح لها بذلك"
تفاجأت رشيدة من ردها، استدارت سلمى ونظرت لشعرها المقصوص قائلة
"بالأصل كانت امي تحب تقصيره تقول لي الشعر القصير اجمل عليكِ،
تحزن ان جمعته بمشبك أو قيدت حريته برابطة ولو صغيرة حتى بنومي كانت تقول لي لا تظلميه لقد أكرمك الله بشعر حريري يعشق التحرر والانطلاق اتركيه يرفرف على كتفيكِ لينير وجهك ويداعب ناصيتك وانفك لتبقي صغيرة بعيني طوال عمرك حتى وان كبرتي، توفت امي ومنذ ذلك اليوم وانا لم اهتم لامره ولم ارغب بقصه بعدها"
لم تصدق رشيدة ما سمعته منها وخاصه حين تحرك خليل مقترب من عروسته ممسك بشعرها
"نعم صدقت امك بهذا، فانا لم اراه جميلًا بهذا الشكل من قبل، كان طوله يظلمه كثيرًا، و الان هو اكثر تحرر وانطلاقا ، لعلها بداية جديدة لانطلاقة جديدة أليس كذلك"
أومأت برأسها ليس استجابة وتأمينا على حديثه وحسب بل لتعمدها هذه المرة لاثارة غيرة رشيدة ورغبتها في تلقيها درس كبير كي لا تحيك الخطط لها مرة أخرى، تركتها تفعل ما تريد لتلقنها الدرس بقوة تجعلها تفكر أكثر من مرة ان أرادت اللعب معها مستقبلًا، لم يكن هذا الدرس الاول لرشيدة التي أنهكها ذكاء وفطنة خصمها والأكثر قوة سلمى وثباتها بالمواقف لتثبت انتصارها دون ان تهتز.
تحركت رشيدة تاركه الشعر على الطاولة لتخرج من الغرفة دون كلام.
وقبل ان تخرج من الباب استدارت لتنظر نحوهم *منصدمه *بتقبيل زوجها لوجنة عروسته بهيام وغرام كبير.
لم تتحمل رؤية خليل روحها بهذه الحالة مع غيرها وضعت يدها على بطنها *صارخة *بالمها الروحي ، اسرع خليل *بخوفه *متسائل
" ما بكِ؟.. ماذا حدث؟"
ردت رشيدة بخبث
"اشعر بألم اسفل بطني"
تحدثت سلمى من الخلف
"*لا تخافي *ما يحدث نتاج تطور طبيعي للجنين فكلما كبر عمره كبر حجمه وضغطه عليكِ، يحاول أن يأخذ وضعه بمملكته في الداخل لا تحزني ستعتادي على هذا الألم من الان وصاعد كما عليك أن تفرحي بقرب مجيئه "
اشتد غيظ رشيدة منها بعد ان سمعت سلمى وهي تصرح بدفاعها عن حقها في زوجها والمنزل بكل قوة أمامها.
تحركت لغرفتها طالبة من خليل مساعدتها، نادت سلمى من الخلف على سناء كي تحضر لرشيدة شاي الاعشاب المهدئ للاعصاب لكي ترتخي أعصابها وتستطيع تحمل الالم.
اصيبت رشيدة بشد ومغص اسفل بطنها بشكل حقيقي هذه المرة فالتوتر والعصبية وخروجها خاسرة بكل مرة جعلها اكثر عصبية وتوتر مما اثر على وضعها.
أغلقت سلمى باب الغرفة عليها بضيق كبير من يراها وهي تمسح وجهها مكان القبلة لا يصدق انها نفسها من كانت تقف بثبات وقوة ونصر .
تحركت ملقيه بنفسها في احضان فراشها رافعه عليها الغطاء لتنام بحزنها الكبير على ما وقعت له.
كانت تتألم من ترك زوجها لها مهتم بزوجته الأولى على حسابها، فبكل مرة كانت الأولوية لرشيدة يهتم بها ويخاف على حملها كما يخشى على احزانها وإن كان على حساب عروسته.
كانت شخصيته تحيرها هل هو ضعيف أم قوي ، صلب ام حنون ، سيء او حسن ، كان يفعل الشيء وعكسه مما جعلها غير قادرة على فهم طباعه وشخصيته ، اوقات يشبه والدها بأفكاره الرجعية واهمية العشيرة والأعراف والحقوق وانصياع الجميع لها، واوقات اخرى كان يشبه بعض عمومتها في تمردهم على الأعراف والتقاليد . ولكنه ليس بسيء في المجمل حاله كحال رجال كثيرون يراضون نسائهم بالعيش معهم وكسب رضاهم ومحبتهم لاجل اولادهم وحياة مستقرة ووجوب وجود سند وحمى لهم.