recent
جديدنا

#عروس_بغداد الفصل السابع عشر

رواية عروس بغداد

بقلم أمل محمد الكشف

تحدثت سلمى لتشرح للطبيب حالة زوجها والعمليات التي خاضها بشكل احترافي ، أعطته الملف الطبي واستمرت بالشرح وهو يقلب بصفحاته، وبعد عدة دقائق رفع الطبيب نظره ليقاطعها متسائلا

"بأي مجال تتخصصين"


لم يسألها عن كونها طبيبة أم لا فلن يستطيع أحد التحدث بهذه الطلاقة إلا أن يكون طبيب مثقف على قدر كبير من الاهتمام بالعلم والتطور الطبي.


تحدث دكتور خليل بفخر

 "أنت أمام نابغة من نَوابغُ العراق، فهي ليست فقط طبيبة عادية كي تسأل عن تخصصها بل هي نابغة وطفرة نادرة بهذا الجيل"


نظر الطبيب نحو سلمى وهو يستمع لكلماتها 

"ليس لهذا الحد لقد كبرتم الأمر"


فتح طارق هاتفه مخرج منه مقاطع الفيديوهات القصيرة التي بثت في القنوات التلفزيونية أثناء عمل الدكتورة سلمى في المستشفيات وقت الحرب.


انبهر الطبيب وهو يشاهد الفيديو تلو الآخر مادحا ومشيدا باعجابه وامتنانه الكبير بمقابلة شخص مثلها.


طال حديثهم بالداخل حين تخلله التحدث عن *الحروب*وما تخلفه من *دمار *وتشتت لاهلها.


اقتنعت سلمى بتشخيص الطبيب وخاصة أنه اتفق معها على ما يجب التدخل به جراحيا.

تحدث خليل طالبًا من الطبيب أن يحضر مع امه الفحص فهي تنتظر دورها بالخارج.


وبكل صدر رحب أذن الطبيب للسيدة فاطمة ورشيدة بالدخول دون ان يخرج احد من الغرفة.


تم الكشف عليها وتشخيص حالتها ومن ثم اعطائها بعض الأدوية اللازمة قبل البدء في العلاج الفيزيائي معتذرًا منهم عن الحقيقة المحزنة بضعف النتائج المنتظرة من علاج فاطمة لعدة اسباب ابرزها السن.


نظر الطبيب إلى رشيدة قائلا 

"لم اتفاجئ ان علمت أنكِ طبيبة "


نظرت رشيدة لزوجها دون رد على الطبيب فهي لا تجيد اللغة الإنجليزية ، ليجيب خليل 

"اعتذر منك فزوجتي لا  تتحدث سوى اللغتين الفرنسية والعربية  ، كما أنها خريجة كلية تربية رياضية ولكنها لم تمارس دراستها بأي عمل"


نظر الطبيب نحوه باندهاش

"هل زوجتك؟"


أومأ خليل برأسه ليتحدث الطبيب بعدها بصراحة كبيرة وهو ينظر نحو الزوجتين عن خطورة ممارسة الحياة الزوجية بهذا القدر الكبير قبل وبعد العملية حتى من الأفضل أن يستمر بالمحافظة  على نفسه لعدة سنوات حتى تثمر العمليات نتائجها المنتظرة.

خجلت سلمى من حديث الطبيب ونظراته لها والأكثر كان وجود  دكتور طارق معهم.


تحدث خليل بصوت يغلفه الاحراج 

"نعم نعلم ذلك "


عاد الطبيب ليؤكد 

"اعلم انك تعلم ما اقوله فجميعكم أطباء ماشاء الله عليكم ولكني اردت ان اشدد على ما تعلموه، حتى انني كنت سأمنع الأمر من الآن إلى عدة أشهر مقبلة حتى نطمئن على نتائج العملية"


كان يجيب الطبيب بخجل كبير، كما اخفض طارق عينيه ملتزم الصمت كي لا يزيد خجلهم.

انتهى الفحص الجيد وبدأ الجميع بالخروج انتظر الطبيب الفرصة المناسبة لينادي على الدكتورة سلمى منفردًا بالتحدث معها 

"سررت بالتعرف على نابغة مثلك"


مد يده ليعطيها البطاقة الخاصة ربه قائلا

"هذا رقمي لا اعطيه لاي احد ولكنك مختلفة يفخر الانسان كونه يتعرف على نابغة مثلك، اتصلي بي ان اردتي اي شيء"


شكرته سلمى وهمت لتتحرك للخارج دون ان تستمع لكلمات الطبيب التي خرجت من حيرته

"ما الذي ينقصها لترضى ان تكون امرأة ثانية بحياة زوجها، لربما عرف من اعرافهم يعتادون على التعدد دون تفكير"


جلس على مكتبه متحدث بضيق

 "ولكنها مختلفة كيف ترتضي بأعراف وعادات رجعية كهذه، يتحججون بالدين يأخذون منه ما يناسبهم ويتركون ما لا يستهويهم، وكأن الدين لا يكتمل إلا مع تعدد الزوجات "


دخلت الحالة تلو الاخرى والطبيب لا زال يشعر بغصة كبيرة في قلبه، استغل وقت استراحة الظهيرة متصلًا بصديقه العربي وهو يحدثه بالانجليزية

 "لم استطع ان امررها هذه المرة، امرأة شابة من العراق نابغة بلدها أتت بصحبة زوجها *المصاب، *لا اعرف كيف اصف لك ما رأيته حتى وان شرحت وبررت لن يستوعب عقلي هذا *الظلم"


ضحك صديقه "أي *ظلم *هذه المرة"


_"ليس *ظلم *بالمعنى الحرفي ولكني رأيت طبيبة تفوق الخيال ترتضي العيش مع زوجة أخرى ورجل يكبرها بسنوات بالإضافة للعجز والمرض الذي حل عليه"


رد صديقه 

"هل توجب عليها ترك زوجها لانه مريض"


دافع الطبيب عن رأيه

 "لا لم أقل ذلك، ولكن كيف؟ يعني كيف تزوجا؟ ماذا قدم لها ليقنعها بالموافقة عليه"


وبحزن أجابه صديقه

 "إنها *الحرب *يا أخي،تختلف فيها المعايير والتفكير واتخاذ القرارات عن الحياة الهادئة التي نعيشها وتمنحنا امتلاك التفكير رفاهية الاختيار ، بالامس سمعت عن رجل تزوج بفتاتين بعمر بناته ليستطيع حمايتهم وحق اصطحابهم مع عائلته أثناء تنقلهم واختبائهم من *القصف، *بعد ان *سقط *منزلهم عليهم و لم ينجو سواهم من العائلة"


فتح الطبيب فمه 

"هل جمع بين الاخوات بحجة حمايتهم"


دافع الصديق قائلا 

"ماذا تقول هل فقدت عقلك! ، الاثنان اولاد عم ، لا يجوز للرجل أن يضمهم بنات لبنات اخريات بدون زواج يربطهم به انت لا تعرف المجتمعات العربية وخاصة العراق منها"


أومأ الطبيب برأسه دون اقتناع 

"اعلم انك ستدافع عنهم ولكني لم اتوقع ان تكون بهذه القوة التي لم تستطع اقناعي بها اقول لك نابغة الفتاة مختلفة حقا ان رايتها واستمعت لها.."


_"حسنا اصدقك حتى اثارني فضولي للتعرف عليها، ولكني ساغلق معك الان كي أذهب للجامعة لا اريد التأخر على طلابي واعدك اننا سنتحدث بنفس الأمر بوقت لاحق"


انتهت المكالمة عند هذا الحد ولكن الطبيب لا زال متيم بتميز الطبيبة يغضب كلما يتذكر أنها زوجة ثانية ترتضي بالجلوس في المنزل دون أن تنفع غيرها بعلمها.


فتح هاتفه ليتصل بطبيب تركي قائلا 

"سانفجر يا صديق من افكار المجتمعات العربية أي *ظلم *يطبقون على المرأة ، ان استمروا على هذه الوتيرة سيعودون لوأد البنات قريبًا"


ضحك الاخر قائلا:

"هل وصلت لوأد البنات، أخبرني ما بجعبتك ماذا واجهت هذه المرة "


تحدث الطبيب اوزجون الذي يبلغ من العمر سبعة وخمسون عامًا 

"بالمرة الماضية طفلة صغيرة بعمر السنتين ترتدي حجاب يستر اسفل ركبتيها واليوم نابغة نابغة بالطب يا هذا ، لن تصدق ان اخبرتك عن حالتها "

……..


عادت عائلة خليل للمنزل بعد يوم زاد من ارهاقه بعد المستشفى عنهم ، اكتشفت رشيدة توقف عمل الغسالة الكهربائية لتغضب عايدة قائلة

"بالأمس قطعت الملابس واليوم تعطلت" 


رد خليل عليهم 

"لعله خير لنشتري واحدة جديدة لا داعي لإرهاق انفسنا خلف مشاكلها يكفينا ما بنا"


تحدث طارق بحزن 

"حاولت ان أختار افضل ما رأيت ولكن كما قلت لكم سابقا السوق ممتلئ بالناس و حالة المطروح ليست بالقدر المطلوب اضطررت لشرائها هي والثلاجة لكي تعيننا باول ايام"


ردت عايدة

 "نعم جميع ما رأيته لم يعجبني، ان رأيتم حالة المراتب لن تستطيعوا النوم لشهر قادم"


تحدث طارق "لاننا ذهبنا إلى السوق الشعبي ، كان علينا ان نذهب لعنوان آخر هكذا علمت من احد التجار هناك عندما سألته عن الافضل "


تدخل خليل بحديثه القاطع 

"لن نذهب لاي مكان منهم، ننتظر ليومين حتى يرتاح جسدنا من ارهاق اليوم ثم نذهب انا وانت لشراء اجهزة وأفرِشَة جديدة"


تحدثت سلمى على استحياء

 "نحن بحاجة لجهاز حاسوب نتواصل من خلاله على العالم الخارجي من الضروري البحث …"


قاطعتها رشيدة بنية صافية

"لا تفكري بأي شيء من هذا القبيل لنكمل مع هذا الطبيب أنه جيد وايضا سيساعدنا بتحديد موعد قريب للعملية ماذا نريد اكثر من ذلك"


رد طارق "نعم لا داعي للحاسوب الان لو علمتي اسعاره ما فكرتي به"


هز خليل راسه وهو يتنهد بحزن

 "لنستقر اولا ومن ثم كل شيء سيأتي رويدا رويدا "


……..


مرت عدة اسابيع تعرف طارق عبر برنامج الياهو على طبيبة تدعى رانيا المصري تعمل في المشفى الذي يتوجب سفره إليها .


كان يذهب للمكاتب الخاصة كي يستأجر ساعة او أكثر ليجلس فيهم على الحاسوب المتصل بالانترنت المركزي ليتمكن من التحدث معها بأمور العمل وما عليه فعله للذهاب إليهم بأقرب وقت ،ساعدته رانيا كثيرا بامور الأوراق وما شابه.


كان يعود للمنزل محملا بالأمل والاحلام والاحاديث الكثيرة التي كانت بالمجمل تخص المرضى والحالات النادرة التي ساهمت مشفى دبي بعلاجها.


ورغم طيب قلبها وتمنيها الخير لصديق طفولتها إلا أنها كانت تشعر بغصة وغيرة وضيق كلما سمعت أحاديثه ورأت فرحة تحقق الاحلام على وجهه.


مرت الأيام الاولى بهذه الحالة الغير مستقرة بكل شيء حتى أتى موعد العملية ليتم بعدها حجز خليل بالمشفى ليتم تحضيره لها.


استغل الطبيب اوزجون وجود سلمى بالمشفى واصبح يصطحبها معه وهو يمر على المرضى المسؤولين منه،  يريد أن يختبر تميزها بنفسه لتبهره بما لم ينتظره منها عرفها على اكثر من طبيب بل كان يستدعي زملائه من مستشفيات اخرى ليأتوا ويتحدثون معها  كي يروا هل كان محق بوصفه لها ام لا. 


كانت تعود لغرفة خليل بكل مرة وهي فرحة ومتحمسه ، غارت رشيدة من حالتها و وضعها الكبير الذي تحصل عليه بكل مكان ذهبت به ولكنها لم تفعل شيء وضعت غيرتها بقلبها وصمتت عكس خليل الذي رغم سماحة وتشجيعه لها بأول الأمر إلا أنه صدمها *برفضه *لمجيئها الى المستشفى في اليوم التالي كي لا تذهب بصحبة الأطباء بعيدا عنهم.


*حزنت *سلمى *لرفضه *مجيئها للمستشفى حاولت معه ولكنه لأول مرة يغضب ويشدد حديثه معها

 "لا داعي لكثرتنا هنا يكفي بقاء رشيدة بجانبي اهتمي أنتِ بأمي ومن بالمنزل"


تجمعت الدموع بعينيها وهي ترد بقوة 

"حسنا لن آتي اليوم ولكني سافعلها غدا لتعود رشيدة كي ترتاح وانا …."


*صدمها *بشدته حين قاطع حديثها 

"لا داعي بالذهاب والعودة ودفع الكثير من الأموال أثناء تنقلكم ، تستطيع رشيدة تدبر أمرها  لتبقي أنتِ بجانب امي حتى أعود للمنزل ليبدأ عملك حينها"


فرت الدمعه من عينيها رغم ثبات ملامح وجهها وهي تحدثه

 "ولما لم يكن العكس انا بجانبك ورشيدة هنا"


أجابها والشيطان يتملكه في غضبه 

"أنتِ لا تستطيعين تحمل ما تتحمله وتفعله رشيدة لذلك ابقي انتِ بجانب أمي"


عاندت *رافضة *الصمت هذه المرة

"لا أنت مخطئ يمكنني فعلها، سآتي وهي تعود للمنزل"


غضب عليها اكثر

"هل تكسرين كلامي اقول لا مجيء لكِ للمشفى انتظري حتى عودتي، سأكتفي برشيدة هذا كل شيء"


اجابته بقوة 

"ألن تسمح لي بالمجيء حتى في يوم العملية"


_"وما الداعي بكل الأحوال لن تشاركي بها، اسمعي الكلام وانتظري عودتي لم يتبقى إلا يومين على العملية بالاضافة الى عدة أيام بعدها ومن ثم سآتي إليكم ليبدأ عملك كما قلت لكِ"


أومأت رأسها بغضب تحدثت به

 "حسنا حسنا كما تريد يا خليل بيه اتفقنا إلى اللقاء قريبا ، السلام عليكم "


اغلق هاتفه بغضب ناظرا للأمام دون كلام، بهذا الوقت أتى اوزجان للغرفة متسائلا عن سلمى ليجيبه خليل بنفس قوته وشدته 

"لم تأتي اليوم لا احد بالمنزل وعليها أن  تبقى لرعاية أمي "


أومأ الطبيب رأسه متمنيا له يوم هادئ بدون الآلام وتركه ذاهبا لعمله.


راقبت رشيدة وضع خليل *الغاضب *دون كلام منها، جاء موعد الغداء وقفت وهي تحدثه

"سياتي الطعام بعد قليل، سأذهب إلى الكافتريا كي اشتري مشروب غازي يعينني على بلع طعامهم الصحي بزيادة"


اوما برأسه سامحا لها بالذهاب ، انتظر قليلا حتى تأكد من خروجها ليفتح بعدها الهاتف كي يتصل بسلمى ولكنها لم تجب عليه.


 عاد ليتصل دون أن تجيب راقبت عايدة وضع سلمى ورؤيتها للرقم دون الرد عليه، سألتها بقلق 

"هل عائلتك تحاول التواصل معك"


نظرت باستنكار وسخرية

"عائلتي! "


 ضحكت بنبرة بسخريتها من وضعها  

"يتصلون وانا لا اجيب!"


صمتت عايدة أمام ضيقها وتعابير وجهها لياتيها هي أيضا اتصالا من خليل طالبًا التحدث مع سلمى.


مدت عايدة يدها بالهاتف

 "زوجك يريدك"


ردت سلمى بقوة وتذمر

 "اخبريه انني غير متفرغة الآن"


تعجبت عايدة مما تسمع اشارت لها بعينيها كي تتراجع عن ما تقوله وتتحدث مع زوجها ولكنها وقفت  لتقول بقوة

 "اخبريه انني غير متاحة الآن"


وضعت عايدة الهاتف على أذنها وهي لا تعرف بماذا تفسر ما سمعه خليل متسائلة 

"هل انتما متخاصمين؟"


رد خليل 

"لا عليكِ ساتصل بها بعد صلاة المغرب لعلها تكون متاحة للتحدث"


ذهبت عايدة لسلمى كي تتحدث معها ولكنها تراجعت حين وجدتها تنظف طنجرة الضغط *بغضب *وعصبية كبيرة تصدمها بحوض المطبخ وهي تحدثها 

"ماذا افعل لكِ اكثر من ذلك لكي تنظفي!"


اقتربت لتأخذها منها 

"اتركيها يا بنتي انا اعرف كيف انظفها، اذهبي واجلسي مع نسرين لقد اقتربت من إنهاء لوحة المنسوج الصوفي الخاص بها"


تركت سلمى الطنجرة من يدها  وهي تقول بصوت اعتلا نبرة دموعها المتحجرة بعينيها

"لماذا لم تنظف لماذا تعاندني !"


صدمت يدها على رخامة المطبخ مكملة بنبرة أعلى 

"فعلت كل شيء. كل شيء. لم اترك شيء إلا وفعلته "


وضعت عايدة يدها على كتف سلمى بحذر

 "اهدئي يا بنتي لم يحدث شيء لكل ذلك أنا سأتولى امرها"


_"بماذا قصرت أنا ليحدث معي كل ذلك، بماذا أخطأت لأنال كل هذا *الظلم، ما الذي علي فعله لاعيش كما اريد "


انهارت قواها وهي تجلس في مكانها اسفل حوض المطبخ ضامة ركبتيها لصدرها مخبئة بينهم وجهها وهي تكمل بقهر *وحرقة

 "ماذا فعلت ليتم معاقبتي بهذا الشكل، بماذا *أذنبت *ليتبرأ مني ويرفض رؤيتي، حتى شهادات مولدي لم احصل عليها بعد، ليس معي ما يثبت تعليمي الذي أهدرت عليه شبابي، بينما الفتيات كانت تتحضرن للزواج وارتداء الأبيض وحمل أطفالهم بارحامهم كنت انا افني وقتي في التفوق والنجاح، جميعهم ذهبوا جميعهم رحلوا وتركوني وحدي كما رحلت امي"


كانت عايدة تحنو على ظهرها وهي تمسح دموعها دون ان تنتظر ارتفاع صوتها بندائها على امها "امي ،امي" كانت تتوسل لها أن تعود لتأخذها معها 


سمت عايدة الله على رأسها وهي تنهيها عن فعل ذلك كي لا يحاسبها الله.


انهارت سلمى من جديد تاركة نفسها للضعف  والتمرد يمتلكوها.


*رفضت *سلمى التواصل مع خليل خلال اليومين بشكل نهائي. استيقظ طارق في صباح يوم العملية بوقت مبكر تناول فطوره وشرب الشاي بعده منتظر رؤيتها تخرج من غرفتها ، تحدث لامه قائلا

 "تاخر الوقت كان علينا أن نكون على الطريق الان"


ردت عايدة على أبنها 

"لا زالت نائمة نظرت إليها مرتين وهي بنفس الحالة، اخجل ان ادخل من جديد السيدة فاطمة تنظر نحوي نظرات تجعلني لا اعرف ماذا اقول او افعل "


سألها طارق بفضول

"اشعر وكأن بينهما خلاف كبير"


_"لا دخل لنا بخصوصيتهم اذهب انت ولا تتأخر، إن كانت تنوي الذهاب لوجدتها مستيقظة قبلك"


نظر لهاتفه وهو يفكر قائلا 

"ولكنه شدد علي أن اصطحبها معي"


ربتت أمه على كتفه 

"لا عليك اذهب واخبره انها تاخرت بنومها وهو سيفهم "


استسلم طارق للذهاب وحده ليحزن خليل من سلمى فلم يتوقع *رفضها *التحدث معه وتركها له بهذا اليوم وان طلب منها فعلها بوقت ضيقه.


كانت ردة فعل قوية خرجت منها وأصرت عليها بتعنت وغضب كبير تعبيرا عن *اعتراضها *ورفضها *لما وصلت إليه من حال والاكثر عدم اهتمامه بها واعطائه الحق لرشيدة باولوية كل شيء. كم عاتبت على نفسها ترك حقوقها وتهونها بها منذ البداية . 


لم يكن بكائها وحزنها بهذين اليومين لأجل عدم ذهابها للمشفى فقط فهي *غاضبة *متذمرة *رافضة *لكل شيء تتمنى لو استعاد الله أمانته ببلادها تحت الركام او بطلقات حية أو بأي وسيلة من وسائل الحـ.ـرب القاتـ.ـلة .


تمنت المـ.ـوت الذي  كانوا جميعًا يهربون منه فماذا يُنتظر من قلب اصبح يضخ دمًا بلون الزيت المحروق.


ضغطت عليها عايدة كي تتصل بزوجها بعد العملية لتفعلها على مضدد ، فرح خليل وطلب  منها أن تأتي للمشفى كي تبقى معه وتعود رشيدة للمنزل فقد مرضت ويخشى الأطباء انتقال المرض له.


وافقت تلبية للواجب لا اكثر ، من يراها وهي ترتدي ملابسها بدموع عينيها المنتفخة يعلم جيدا مدى الجرح والألم فها هو يحتاج إليها حين توجب وفُرض عليهم اللجوء لبديل.


سكبت الكثير من الدموع أثناء تنقلها من أتوبيس لآخر حتى وصلت الى المكان.

ذهبت للحمام اولا غسلت وجهها كي تخفي اثار الدموع ومن ثم ذهبت للكافتريا لتطلب القهوة كي تهدئ من ألم رأسها الذي زاد من كثرة التفكير والبكاء.


ذهبت للغرفة المعنية لتجد رشيدة بأفضل حال وهنا علمت بالخدعة التي حاكوها لاجبارها على المجيء إليهم.


لم يظهر على وجهها اي تعبير اندهاش او *حزن *فهذا ما كانت عليه حين خوى قلبها وتعذر عمله.


ظلت جالسه بجواره صامته الجميع يترقب وضعها دون أن يسألها ما بها، وقف  طارق قائلا 

"سانزل لاشتري الشاي هل احضر لكم شيئًا "


تحدثت رشيدة 

"نعم وانا ايضا احتاج للشاي"


نظر لسلمى

 "هل تشربين الشاي معنا ام اشتري لكِ النسكافية ، يمكنني ان اشتري لكِ ذو الرغوة الكثيفة رأيت مكان بجوار المشفى يبيعها"


كادت ان تبكي حين شعرت ان هناك من يزال يتذكر ما تحب وتكره ابتلعت ريقها وهي تهز برأسها رافضة لعرضه دون صوت.


حزن طارق على حالة الاحتقان التي *سقطت *بها كان يتمنى لو يصطحبها في جولة بممرات المشفى لعل وجهها يبتهج مجددًا ولكنه لم يستطع  الاقتراب منها ولو بالحديث احترامًا لزوجها.


انسحب ليخرج من الغرفة لتنسحب رشيدة متحججة بذهابها للحمام كي تعطي زوجها الفرصة لانهاء هذا الخصام فلم تعد طاقتها تتحمل مسؤولية خليل وحدها.


فهي ايضا خسرت من الوزن والمعادن الاساسية بجسدها ما اضعف بنيتها خلال هذه السنوات التي لم يروا بها إلا الصعوبات *والخوف *والمشقة *وسوء التغذية والكثير من ألوان *العذاب *النفسي قبل الجسدي.


ابتسم خليل بوجه سلمى قائلا

 "اتضح لنا كم انتِ عنيدة، جعلتي المرء يفكر أكثر من مرة قبل ان *يحزنك"


صمتت دون رد ليسألها

"هل لا زلت حزينة من مكالمتي معك"


هزت رأسها بالنفي ليكمل هو

 "ولكن حالتك تقول عكس ذلك"


_"لا يوجد شيء رأسي يؤلمني بجانب اشعر بالم في عظامي ولكني بخير لا تقلق اخذت مسكن قبل خروجي من المنزل "


قلق خليل "لا تقولي أنك مريضة؟"


نظرت له بقوة

 "عن أي مرض تتحدث! انا بخير لا تقلق اعتقد انه بسبب الطقس شديد البرودة ، وايضا ليس لدي اي اعراض جانبيه لا تقلق إن كان عكس ذلك ما كنت أتيت"


رفعت يدها بالمنديل لتمسح انفها كحركة اعتادت عليها من كثرة بكائها طوال الطريق ليدخل الريبة الى قلب خليل الذي تحدث من جديد 

 "هل احمرار عينيك من مرضك؟"


_"هل عيوني محمرة!"


قالتها بدهشه *اخافته *اكثر طالبًا منها ان تبتعد بمقعدها عنه *خوفًا *من إصابته بأي عدوى تؤثر عليه بالسلب وتطيل من أمر عودته للمنزل.


عاد طارق للغرفة متعجب من جلوس سلمى بأحد أطراف الغرفة، نظر خليل له قائلا

"هيا انهي الشاي واصطحب سلمى للعودة للمنزل كي لا يزيد مرضها هنا"


نظر طارق لها باستغراب

 "هل انت مريضة!"


_"لا اعرف لم اشعر بأي اعراض ولكنه مصر على إخراجي مريضة"


تحدثت رشيدة التي دخلت الغرفة بوسط حديثهم

 "وانا ايضا ارى انك بخير"


ثم نظرت لزوجها

 "لتبقى هي هنا وانا سأذهب للمنزل استحم وابدل ملابسي وأعود إليك غدًا"


*رفض *خليل بتشدد مُصر على ذهاب سلمى وبقاء رشيدة 

"ما بكم هل تريدون رفع ضغطي استمعوا للكلام بدون معارضة"


ردت رشيدة بعصبية

 "وانت ايضا استمع لنا ولو مرة واحدة هي بخير تقول لا تشعر بأعراض وأنت مُصر على امراضها، لتبقى هي ليوم واحد حقًا أنا بحاجة للعودة للمنزل وسآتي صباح الغد"


زاد غضبه وعصبيته قائلا 

"لا اريد اي احد معي عودوا جميعكم سابقى انا وحدي"


وقفت سلمى متحدثه بحدة 

"حسنا اهدأ حتى لا تمرض من *غضبك، هيا يا رشيدة لنذهب معًا للمنزل"


قالتها لتنظر لطارق مكملة 

 "ان لم نثقل عليك هل يمكنك البقاء الليلة…"


قاطعها طارق بأخلاقه 

"ماذا تقولين بالطبع يمكنني هذا، حتى لابقى انا لعدة أيام "


ابتسمت ابتسامه خاوية من كل شيء 

"شكرا لك من الجيد انك موجود معنا"


وتحركت لتخرج من الغرفة لتسرع رشيدة بجمع أغراضها والخروج خلفها بعصبية وضيق.


لم تصمت رشيدة طوال خروجهم من المشفى تشتكي *غضبه *طوال اليوم و عصبيته المفرطة وهو يضغط عليها بها.


ظلت على حالتها حتى جلست على مقعد حديدي بجانب بوابة المشفى في الخارج، نظرت سلمى نحوها متسائلة "ما بك هل انخفض ضغطك؟"


_"وما الجديد أشعر ان روحي ستخرج مني واقدامي ستتقطع من *الألم *ورغم ذلك اصمت دون ان *أشتكي*او أوضح له ذلك، احاول جاهدة ان أهدأ منه واصبره ولكنه لم يرحمني من غضبه"


جلست سلمى بجانبها واضعه يدها على كتفها

"ما رايك بان نجري بعد التحاليل الطبيه لكِ نحن بالمشفى والوقت لصالحنا ليس لديك حجة هذه المرة، لون وجهك لم يعجبني فلنطمئن على نسب الحديد والمغنيسيوم وغيرهما بالدم"


بكت رشيدة مشفقة على نفسها

 "هل وجهي فقط ! جميع ما بي لا يعجب احد تغيرت الأحوال واصبحنا نركض من قدر لأخر دون التفكير بارواحنا نسعى لارضاء الجميع على حساب انفسنا"


ربتت سلمى على ظهرها وهي تحثها على الاستمرار بالبكاء حتى تخرج جميع ما في قلبها.


تحدثت رشيدة من جديد 

"بطني تؤلمني واعصابي تالفة واريد ان استحم وابدل ملابسي ومن ثم أعود إليه هل انا اذنبت بهذا؟ يعلم انني اتعذب بألم بطني في أول يومين من موعدها ويعلم أيضا أنها تؤثر على نفسيتي واعصابي، ولكنه لم يعد يفكر إلا بنفسه وسلامته يريد الكون أن يدور لارضائه"


بكت رشيدة اكثر

 "اعتاد على ان اهتم به وأدور حوله، استجيب واخضع لكل أحلامه ، لم اترك شيء ناقصًا كي لا يعلق عليه اخطائه، كنت دومًا اسمع حديثه عن العمل والمشاريع مع أمه وعندما ادخل الى الغرفة يغير الموضوع وان سألته يخبرني انه كان يحكي لها عن وضع البلد والاهل والاحباب ، لم اهتم تمسكت به وبحياتي معه لاجل حبي الكبير له، اعلم انه لم يقصر معي ولم *يرفض *لي طلب بل كان يشتري لي أضعاف ما أحلم ولكن كانت هناك حلقة مفقودة ابحث عنها دون ان اجدها ، فراغ مخيف لم استطع ملئه رغم كل ما فعلته له، حتى اتيتي انتِ ورأيت تغيره"


اهتز جسد رشيدة ببكائها

 "لقد رأيت تغيره في عينيه منذ اللحظة الاولى التي دخل بكِ المنزل محملة على يديه، مشكلتي ليست معك منذ البداية، بل مع زوجي مع قلبي وضعفي وتعلقي الكبير به"

تحدثت سلمى وهي تنظر لنظرات الناس من حولهم "وما دخلي انا *بحزنك *الآن"


_"اعتذر منكِ "


 مسحت دموعها مستنشقه الهواء داخلها رافعة راسها قليلا للاعلى 

"ليس لكِ دخل به وخاصة هذه المرة، اعتذر منكِ مرة اخرى ، تعلمين وضع نفسيتي بهذه الايام"


حنت على ظهرها من جديد 

"هيا تعالي معي. لنشتري الحلوى المحببة لكِ .."


_"لا اذهبي أنت وانا ساعود للبقاء بجانبه لا يمكنني تركه . حسنًا حزنت منه *وغضبت *على *غضبه *المستمر عليّ وايضا عدم تقديره لوضعي ولكني لا استطيع تركه خلفي واذهب للمنزل، لذلك سأعود لاتحمل هذين اليومين أيا كان ثقلهم، فقد تحمل مرضي كثيرا بالماضي وجاء الوقت لاتحمل انا بعض ما تحمله هو"


تبسمت رشيدة وهي تمسح آخر دموع بعينيها 

"انسي ما سمعتيه مني جميعه خرج بلحظة غضب وانفعال زائد ، نحن نعلم كم هو حنون بقلب طيب لا يقبل احزاننا لم تري كم حزن على مقاطعتك له ولكنه غار قليلا من وضعك بالاخير هو ذو دم حامي لم يتقبل تحركك بجانب الأطباء وخاصة وهو بهذه الحالة هذا ما شعرت به ، لا عليكِ من الجيد انكما تصالحتما  هيا عودي انتِ كي لا تتأخري أمامك طريق طويل وتنقل من محطة لمحطة "


وقفت سلمى وهي تبادلها نفس الابتسامة الحزينة

"خيرًا فعلتي سيفرح كثيرًا حين يراكِ بجانبه هيا اصعدي له ولا تتركيه حتى تعودي وهو بيدك"


وقفت رشيدة وهي تحتضنها وتقبلها من وجنتها

"شكرا على رحب صدرك الحنون"


خرجت من حضنها رافعه يدها على راسها لتحسن من حجابها

_"ننتظركم قريبا ، إلى اللقاء"


تحركت سلمى مبتعدة عنها وهي تندم على مجيئها للمستشفى ، كان الهواء يصطدم بوجهها ويطير اطراف ملابسها من حولها دون اي اعتراض منها تكمل سيرها الثابت كالمومياء بالضبط .


فإن كان يتسلل لقلبها شعور عدم انتمائها للعائلة قبل هذا اليوم فهي الآن على علم ويقين انها ورقه استثنائيه احتياطية تخرج بالوقت المناسب وتعود لتوضع بمكانها في الوقت المناسب أيضا وبين هذا وذاك اشخاص يحددون استخدامها والاستغناء عنها فضفضت مع نفسها

"ماذا كنتي تنتظرين منهم بعد ان تركك وتخلى عنك والدك، ماذا تنتظرين بعد ان تركك لحياة لا لون لا طريق ولا معالم بها، ماذا كنتي تنتظرين وتتأملين بالاخير انت ثمرة أعراف وأحكام *اسقطتك*بيد الغريب دون شروط او عهود، واي عهود تلبى لشخص مثلي أصبح لا شيء"


تقهقهت بضحكها لتلفت انتباه من حولها قائلة بصوت مسموع

"نعم انا لا شيء ، لا شيء افهمي اصبحتي لا شيء، استوعبي يا سلمى واستسلمي كونك اصبحتِ لا شيء"


ابتعد الناس عن طريقها معتقدين أنها مختلة عقليا فاي عاقل يحدث نفسه ويضحك ويبكي وهو يلوح بيديه أثناء سيره.


وجهها صغير يلتصق جلده بعظامه لا روح ولا دموية به، قصيرة القامة نحيلة الجسد لا ملامح أنثوية بها جميعهم اندثر وتساوى من شدة *قهر *النفس *والحرب *والتنقل وعدم الاستقرار النفسي قبل المادي…


عادت للمنزل وبيدها اليمنى مصاصة كبيرة مزركشة على هيئة ألوان الطيف واليد الاخرى كيس بطاطس مقرمشة مالحة تأكل من الاثنان معا دون إدراك لاختلاف الطعم.


استغربت عايدة من رؤيتها بهذه الحالة وخاصة بعد الذي رواه ابنها لها طالبا ان تهون عليها وتحتويها عند عودتها.


ابتسمت عايدة فور رؤيتها  قائلة لها

"كنت انتظرك بفارغ الصبر"


_"هل ثقل عليكم عمل المنزل واردتم من يساعدكم حسنًا لابدل ملابسي واعمل معكم ما لا يستوعبه عقل، نرفع السجاد والستائر نسكب المياة بكل مكان نلمع الجدران حتى يمكننا أن نخرج الاطباق والاكواب لنلمعها وندخلها مجددا كي لا نفضح أمام الضيوف"


اقتربت عايدة منها بحذر تعالي

" يا بنتي واجلسي بجانبي اعلم انك حزينة"


تحدثت باستنكار 

"حزينة هل يحق لي بهذا!"


اغمضت الام فاطمة عينيها كي لا ترى حالتها ، تحركت عايدة لتمسك حقيبة من على أريكة الصالة مقتربة لسمى مجددًا وهي تقول بقوة 

" لا يحق لكِ إلا السعادة والفرح ، امسكِ و افتحي الحقيبة لتري ما بها"


ابتسمت سلمى

 "هل داخلها مصباح علاء الدين ،اقسم ان وجدته لن يفعل معي شيء حتى  سيقرر العفريت العودة للمصباح والعيش …"


قاطعتها عايدة وهي تفتح الحقيبة بنفسها 

"نعم مصباح علاء الدين وأكثر من ذلك ايضا"


لم تصدق سلمى عينيها وهي تنظر لما رفعته عايدة بوجهها اخذت الاوراق وهي تدقق بها ، هي نعم هي شهادات الميلاد وشهادات التخرج والكثير من الأوراق الرسمية التي تخص امتلاكها لاراضي كتبتها فوزية لابنتها  أثناء حياتها.


حالت دموع الفرح بينها وبين قراءة ما بالأوراق  التي أتت إليها من رب رحيم بعبادة .


سجدت مجهشة ببكائها وهي تحمد وتشكر ربها على فضله ونعمه ، جلست عايدة بجانبها تاخذها بحضنها لتشاركها فرحتها .


تساءلت سلمى عن كيفية وصول الأوراق لمنزلهم لتخبرها عايدة بما دار بينها وبين عمتها محاسن وطلب محاسن من ابنة اخيها ان تسامحهم بحقها.


اقتربت نسرين جالسه بجوار سلمى بفرح

" واخيرا راينا وجهك يضحك من جديد"


لم يشأ اليوم ان ينتهي دون ان يجبر الله بخاطرها جبرا يليق برحمته مستجيبًا لدموع *المظلوم *وقهره *حين جاءتها مكالمة هاتفية على الرقم التركي الخاص بها.


فتحت لتجيب بالانجليزية مندهشة مما سمعته ، اعادت قول ما سمعت متسائلة

"هل قررت إدارة الهجرة منحي الجنسية التركية!"


اجيب عليها المتصل بالانجليزية أيضا

"نعم تم منحك الجنسية لمكانتك العلمية ننتظر قدومك لادارة الهجرة كي تقدمي لنا الاوراق الرسمية المطلوبة والتي تثبت وتؤكد ما جاء بملفك كي يتم تقييمه "


اغلقت الهاتف وهي تنظر لنسرين متسائلة

"هل سمعتي ما سمعته؟"


ردت نسرين

 "أنسيتي! انا لا افهم الانجليزية، ولكني أرى فرحتك الكبيرة بما قاله ، هل هناك اخبار جيدة عن الاخ خليل؟"


جلست سلمى على الاريكة من جديد وهي لا زالت لا تصدق ما قيل لها.


خرجت عايدة من المطبخ تراقب حالة سلمى بوجه فرح لسعادتها .


اقتربت من ابنتها قائلة 

 "ادخلي واكملي المطبخ يحتاج الى ترتيب ورص الأواني بمكانها"


ردت نسرين على امها 

" لنعرف أولا سبب فرحتها ومن ثم اذهب لافعل لكِ ما تريدين"


ابتسمت عايدة قائلة

 "جميعنا يعلم سبب فرحتها، حتى السيدة فاطمة فرحت على فرحتها الكبيرة ونامت بوجه منشرح "


تحدثت سلمى وهي تنظر للأم عايدة قائلة 

" ليس هذا فقط ، أنا لا اصدق حتى الآن ما سمعته"


تحدثت نسرين لتخبر أمها بأمر الاتصال، لتتحدث سلمى قائلة 

"اتصلوا كي يستدعوني لإدارة الهجرة كي اقدم الاوراق الرسمية الخاصة بي"


تحدثت عايدة برضا كبير 

"نحمد الله على وصول الأوراق بالوقت المناسب ، اذهبي واعطيهم كل ما يريدون كي يتم الموافقة على اقامتك بشكل رسمي"


لم تحملها ارجلها المرتجفة من الوقوف بجانب الام عايدة لذلك ظلت جالسة مكتفية بالنظر لها وهي تحدثها بفرحة كبيرة 

"ليست اقامة فقط لقد تم الموافقة على منحي الجنسية التركية لأجل مكانتي الطبية"


_"الله اكبر الله اكبر. يا كريم يا الله يا كريم يا الله"


فرحت نسرين متسائلة 

"ماذا عنا لماذا لم يعطونا إياها ام علينا ان نقدم طلب للحصول عليها، سلمى هل قدمتي طلب لذلك"


نفت ان تكون سعت بهذا الطريق لتقول عايدة

 "ولسوف يعطيك ربك فترضى، انها بدايه الغيث ، سيكرمك الله يا بنتي انتظري لتري كمال كرمه"


 كان الخبر بمثابة مفاجأة للجميع لقد تم معرفة سبب تأخر اعطائها إقامة استثنائية ، عاد خليل للمنزل بعد الاطمئنان عليه من قبل الأطباء والتشديد على تعليمات كثيرة وأهمية تنفيذها.


لتعود المياة لمجاريها بين خليل وسلمى واصبح الوضع هادئ نسبيًا تغضب وتغار فقط دون ان توضح لاحد.


لا زال خليل يتعمد ابعادها عن أجواء المشفى والأطباء اثناء ذهابه للمراجعة كان يفعلها لحد وصل الأنانية المفرطة فحتى مواعيد كشف الام فاطمة كان يرفض ذهابها معهم .


كان وضعه المتقلب من الطيب والحنون والمحب الى *الغاضب *المتعنت *الظالم *بالمساواة بينها وبين زوجته الاولى يضغط على سلمى التي اعتبرت العتاب هذه المرة إهانة لشخصها.


مرت الأيام بما تحمل من صعوبات ومسؤوليات وتنازلات، سافر طارق برحلة تحقيق أحلامه في دبي، كما تحسن وضع خليل بشكل كبير وملحوظ مع ثبات في حالة الأم فاطمة التي لا زالت تسمع وترى وتاكل وتشرب دون أي مشاركة منها.


اشتدت *وطأة *الحرب *بالعراق وخاصة مع تصدي الشباب و تصديه *للعدو *بقوة غير مسبوقة، وردت أخبار كثيرة عن اختراق عشيرة  العوايلة لمعاهدة السلام التي أبرمتها قبل سنوات مع عشيرة آل فارس ، سمع من ابناء عمه الكثير من الاحاديث الساخرة منهم من يهنئه بقرب تخلصه من أمانته الثقيلة على القلب فهم راوا بالمشفى كم هي قوية وعنيدة ، ومنهم من حذره من جدية طلب عشيرة آل فارس لابنتهم ليحدث بعد ذلك هجوم كبير على الشيخ حيدر من قبل عدة رجال اقوياء عائدين لعشيرة فارس.


كانت هذه الاجواء تضغط بشدة على خليل الذي غير  المشفى وذهب لطبيب اخر بعد ان شك بتعليمات الطبيب اوزجون التحذيرية المشددة بعدم استكمال حياته الزوجية كسابق عهده على الأقل حتى استعادة وقوفه على قدميه بمفردة. 


ليتفاجئ خليل بكلام الطبيب الاخرى الذي *رفض *الأمر بشكل تام أثناء العلاج وان حدث سيكون بأوقات متباعدة. مضيف الطبيب بمزاح انه يتوجب الزهد بواحدة منهما كي يستطيع استكمال حياته بصحة جيدة نظرًا لوضعه الصحي وعمره الذي في أواخر الأربعينات .


ورغم انه طبيب ويعلم قدر ما يُقال وصحته الا أنه لم يأخذه بعين الاعتبار مبرر لنفسه انه رجل قوي ذو بنيان صلب لا يتاثر بعمليات وعمر.


شكر الله على عدم وجود سلمى معه بالاصل لم يخبرها بذهابه للطبيب اخذ رشيدة بحجة حاجته لاستنشاق الهواء النقي فهو يعلم عدم فهمها لحديثهم.


يعتقد انه بذلك سينجح بإخفاء حالته عن الجميع ولكنه وبنفس الوقت كان يكبر الفجوة والمسافة بينه وبين عروسته التي زهدت بالاحلام والحياة التي طالما رسمها لها.


أصبحت تستمع للوعد والأحلام دون تصديق تهز راسها لتمرر الوقت والحياة فقط.


فمرور اكثر من خمس سنوات على لقائها الأول به ليس بمدة قصيرة لا يعرف المرء بها مع من يتحدث وبمن يثق.

اخذ خليل هاتف سلمى واخفاه بشكل كامل تركها تبحث عنه بكل مكان دون ان تجده حتى سلمت بحديثه عن احتمالية *سقوطه *منها اثناء ذهابها لشراء الخبز. كما شدد على عايدة بقوة وصرامة قائلا " لن اسمح لكِ بالتواصل مع عائلة سلمى من الان وصاعد ، اما ان تكملي معنا على هذا الاتفاق وأما ان تختاري طريقهم وتبتعدي عنا"


كان يود ان يقطع اي اخبار تصل إلى مسامعهم.


اسرع بتغيير محل الإقامة انتقلوا لمنطقة اكثر تحضر وافضل من حيث الخدمات والأسواق المجاورة ، تم استئجار شقتين في عمارة سكنية واحدة إحداهما ذات ثلاث غرف في الطابق الاول والاخرى ذات الغرفتين على الجهة المعاكسة في الطابق الثالث .


استقر خليل وعائلته بالطابق الأول بينما استقرت عايدة وابنتها بالطابق الثالث.


أصبح لفاطمة والزوجات غرف مستقله  كسابق عهدهم ، وهذا ما جعل خليل يعود لأحلامه مع عروسته وعزمه على جعلها زوجته بشكل كامل كانت الرغبة في امتلاكها وقطع أي أمل في الانفصال عنه والعودة لعائلتها الدافع الاقوى لقيامه بذلك، احيا حلم الابوة بقلبه وعقله متمنيا ان يحقق حلمه من الزوجتين بوقت واحد لينجب على الأقل أربعة او خمسة اطفال بالسنوات القليلة القادمة .


عاد ليتقرب منها بتودده واحلامهم المشتركة ويده التي اصبحت لا تتحملها اكثر من السابق فشعورها أنها مجرد سلعة يتم الاهتمام بها والاقتراب منها وقت الحاجة ثقيل جدا عليها بل كان مميت لما تبقى منها .


وافقت على طلبه رغم *صراخ *كل جوارحها *بالرفض، استسلمت لحياتها متمنية ان تصبح ام تضع احلامها بطفلها كما فعلت أمها فلربما يحقق طفلها ما لم تستطع هي تحقيقه .


استسلمت رشيدة ايضا لما اخبرها خليل به ، طلبت منه ان تذهب لتستقر في منزل الأم عايدة الايام الاولى من إتمام ما عزم عليه .


وبهذا الشكل لم تجبر على فعل ما يضغط او يفسد عليهم وايضا ستحاول هضم *سقوط *الفأس بالراس ولا مهرب بعده من القدر.


احترم خليل طلبها بل وفرح قلبه به ، اشترى الكثير من الحلوى والفاكهة بجانب ورود وعطر الياسمين  كما طلب وجبة عشاء خاصة بالعرسان من مطعم عراقي فاخر.


كانت تتزين وتتعطر وتتحضر بفستانها الأبيض الناعم بصمت كبير تراها من الخلف تعتقد انها اسعد عروسة على وجه الأرض ولكنها حين تستدير تصدمك بحالة وجهها الشاحب الباهت حتى بابتسامته المزيفة.


تحمس خليل وفقد عقله على الاخير حين استنشق شذى عطر الياسمين المنثور بارجاء الشقة. ليفعل ما *يخاف *أن يفعله شاب صغير حين تناول جرعة اضافية منشطة فما كان يكفيه خطورة اخذها  حتى ضاعف منها.


 ثم ذهب لغرفتها ليبحر باحلامه معها وهو يعلن ان اليوم هو بدأ حياته الحقيقية ، طلبت منه ان يتناولا الطعام اولا رفض بأول الأمر ولكنه لم يرد الضغط عليها وبالفعل تحرك بها نحو طاولة الطعام لتجده يغير الطريق لجهة الفراش مؤجل الطعام . 


فليشبع قلبه ومن ثم بطنه كان يتعكز على عكاز حديدي بسيره البطيئ الجميع ينتبه عليه كي لا يسقط او يتعثر.


اغمضت سلمى عينيها مستسلمة لقدرها وحياتها الجديدة بعقل يعلم جيدًا حقيقة ما ينتظرها بعد ان ينطفئ لمعة الاشتياق وبريق البدايات في هذه الليلة او الليالي القليلة التي تليها.


فإن غفل *ورفض *خليل تصديق حقيقة حالته الصحية فلن يمكن لنابغة العراق ان يمر عليها شيء كهذا بسهولة .


ظلت رشيدة تقرأ القرآن بصوت مسموع كي لا تسمح لعقلها او قلبها بالتفكير في أي شيء ، تدمع عيونها وتمسحهم وهي تكرر الآيات القرآنية التي حالت دموعها عن قراءتها بشكل صحيح. 


استمعت عايدة لصوتها من خارج الغرفة دون ان تتدخل ذاهبه لغرفة ابنتها لتنام بجوارها وهي تقول بحزن  لنفسها 

"كيف قبلت سلمى *بظلم *غيرها، زوجته الثانية  لها حق عليهم هل يستغني المرء عن من تحملته وراعته وفعلت كل شيء لأجل عودته للسير مرة اخرى، ألم تعلم أنها ستهون عليه كما هانت الآخرى، يا *حزني *عليكِ يا بنتي هذا ما رايناه بام اعيننا وهو مريض فماذا رأيتي أنتِ منهما وهو بكل صحته وعزوته من المؤكد أنه اهتم بالجديدة الشابة وتركك تتألمين بغيرتك وقهرك"


كانت عايدة تعتقد بأن خليل طلب من رشيدة ان تترك المنزل لعدة أيام كي يقضي مع زوجته الشابه أوقات رومانسية خاصة بهم. جاء ذلك بعد ان نزلت للأسفل كي تطلب من سلمى إناء الغسيل الكبير لتتفاجئ بحالة المنزل والورود والرائحة الجميلة التي تهب منه والأكثر اعتذار خليل منها بعدم تفرغ سلمى بهذا الوقت.


سمع جميع من في العمارة السكنية صوت سرينة سيارة الإسعاف وهي تتوقف أسفل البناية، تحركوا ليروا من الشرفات الخارجية ما يحدث لدى الجيران منصدمين برؤية خليل وهو نائم على الفراش الطبي يدخل السيارة بواسطة المسعفين ومن امامهم سلمى التي صعدت اولا كي تضع له الاكسجين طالبة ان يحقنوه بمواد طبية تقلل من حدة الذبحة الصدرية التي يمر بها

يتبع ..

إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. 


منها "رواية حياتي" 


رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف .


google-playkhamsatmostaqltradent