عروس بغداد
بقلم : أمل محمد الكاشف
ترك خليل المرأة وعاد إلى الغرفة بعد ان عجز لسانه عن الرد وعقله باستيعاب ما قيل له. أغلق الباب وهو يقترب بخطواته جالسًا بجانبها مجددًا ليحدثها بعين الرحمة مخاطبًا عين الحكمة والعقل بها
"لا وقت لدينا لإهداره. بقائك بقبضة يديهم *خطر *عليكِ. مع الأسف لا اريد *اخافتك *ولكن عليكِ أن تتأكدي من أمر حقنك بمواد مخدرة. بالطبع لستِ بحاجة لشرح مدى *خطورتها *ولذلك اسمعيني جيدًا، عليكِ أن تتخلي عن عنادك *وصراخك *وتتقبلين الوضع الجديد فبكل الأحوال أصبحتي ملك قبيلتنا، كانوا سيزوجونك من هو أكبر من والدك رجل اعتر أشقى سينهيكِ قبل أن يُنهيه عجزه وكان هذا افضلهم من بين الخيارات المتاحة. ولكني *رفضت *كل ذلك وطلبت ان اتزوج بكِ كي ننهي هذه الفتنة ونحقن *الدماء *دون أن تتعرضي *لظلم *جائر. لننهي أمر عقد القران لتصبحي زوجتي
تحت سيطرتي وكلمتي انا فقط دون العشيرة. حينها استطيع حمايتك. وإلا لا أحد منا يضمن ما سيفعلونه بكِ"
حدثته بصوتها المتقطع من شدة اجهادها
"اتصل بالشرطة اخبرهم مكاني"
*صدمها *خليل حين تحدث بأسف كبير
"تركت الشرطة مواقعها أمام اقتحام *العدو *لمراكزها. الوضع بالخارج اكثر من سيء، اسمحي لي أن أنقذك وأنقذ البلد من تلك الفتنة المفتعلة "
نزلت الدموع من عينيها المنتفخة بترهلها قائلة له بصوتها الخافت
"أنا طبيبة، لدي عمل ينتظرني، لا يمكنني التخلي عن مستقبلي وارتضي بهذا *الظلم"
علقت عيونه على وجهها العتر بقلب *يتألم *من حالها وحديثها فهو أكثر من يعلم جهاد الدراسة وما يبذله الأطباء لأجل الحصول على التقديرات وليس مرتبة الشرف الأولى باجتياز غير مسبوق.
أبى صوته أن يخرج منه أثر ثقل *الظلم *الذي تعرضت له هذه المسكينة، سعل بقبضة يده عدة مرات محاولا تمرير ذلك الاختناق والغصة المتجمعة بحلقه متحدث بعدها بصوت يملأه الرحمة والشفقة
"اعلم حجم وثقل ما تقولينه"
رفعت نظرها عليه ليكمل هو بنبرته الرحيمة
"ثقي بي، بكل الاحوال خيار زواجك بي افضل بكثير من الزواج بمن يكبر والدك، عليكِ ان تقرري سريعًا كي استطيع حمايتك من الحقن والمستقبل الذي يُعد لأجل السيطرة عليكِ وجعلك عبدة لهم تتزوجين بأي شخص يشيرون نحوه. فقط كي تحصلين على جرعات إضافية، كما اخبرتك لا داعي لشرح خطورة ما انتِ به فأنتِ طبيبة وتعلمين صحة ما أقوله"
لم يتحمل نظرات عينيها المملؤة بدموع *الظلم *وهي *تشكي *له ضعفها وهوانها
"تركني أبي دون الدفاع عني. ألقى بي في *النار. *ظلمتني*عشيرتي. ألقوا بي في *النار *لأجل مصالحهم والحفاظ على أبنائهم"
اشفق قلبه على قهرها *وظلمها، *اقترب منها ليجلسها بمكانها ممسك بقامتها العلوية حين عجزت عن الثبات، أصبحت تحرك رأسها يمينًا ويسارًا من شدة ثقلها.
اقترب منها اكثر ليثبت رأسها بطرف يده متسائلا بحزنه عليها "هل تؤلمك ؟"
مالت عليه بحالتها التي يرثى لها كي تستند برأسها على كف يده مغمضة عينيها الباكية مستسلمة لأمر الله.
اغمض عينيه محاولا السيطرة على *غضبه *مما وصلت إليه تلك المسكينة متخذًا قرارًا صارمًا لا عودة به.
تحرك بجلسته ليميل للامام واضعا منتصف جسدها على كتفه واقفًا بصعوبة زالت حين استقام وحسن من وضعها على كتفه محكم إغلاق يديه على أرجلها.
وبدأ بالخروج وهو يقول لها
"لن اترككِ لهم وان استسلمتي أنتِ لهذا"
كان يعتقد انها تسمعه ولكنها بوضع يشبه الفاقد وعيه تشعر وكأنها بحلم غير واضح الملامح .
تفاجأت النسوة حين رأوه يخرج أمامهم بهذا الشكل، وقفت المرأة المسنة أمامه لتمنع خروجه قائلة بصوتها المسترجل
"لا يمكنك اخذها قبل أن يأذن لنا كبيرنا"
وعلى الفور فتحت هاتفها لتبلغ الوسيط بعزم الطبيب على أخذ العروس معه.
وصل الخبر للشيخ حيدر وهو بوسط رجال مجلس العشيرة، احمر وجهه *رافضًا *بحدة وتجبر
"لا يمكنه أخذها بهذه السهولة لنكسر انفها أولًا ومن ثم…"
تفاجئ *برفض *رجال العشيرة ومعارضته رأيه هذه المرة، وهذا ما سمح لخليل أن يخرج بها من ذلك المنزل الذي أشبه بالزنزانة واضعًا سلمى بالمقعد الامامي لسيارته متوجها بها لمنزله.
بكت ألما *وحزنا *وهي تنظر لركام ضواحي مدينتها التي أصبحت بلون *الخراب *والدمار *والظلام.
حاول خليل ان لا يقود سيارته بالطرق العامة والمهمة عسكريا كي لا تطوله *نار *الحرب. *وهذا ما جعله يستغرق ساعات في طريق عودته.
ليصل اخيرًا قرب أذان العشاء
وقفت سيارته أمام سور منزله الكبير ضغط على ريموت إلكتروني فُتح على أثره باب الكراج الأوتوماتيكي.
قاد سيارته للداخل مغلق الباب الالكتروني بعده ثم نزل من سيارته وتحرك للجهة الاخرى ليجدها شبه فاقدة للوعي.
نادها "سلمى. هل تسمعيني"
همهمت بقهرها
"تركني أبي. لم يدافع عني"
سألها هل يمكنها السير على قدمها ام يحملها هو للداخل.
أتاه ردها
"ابي لا تتركني ابي ابي لا تتركني لهم"
علم انها بعالم غير عالمهم تهلوس بعقلها الباطن *الحارق *بألم *تخلي الجميع عنها.
انحنى كي يحملها على ذراعيه هذه المرة. تمكن من إحكام ذراعه على منتصف أرجلها والآخر أعلى ظهرها وتحرك ليخرجها من السيارة رافعا قامته وهو يرفعها للأعلى كي لا تنزلق من يديه وقد حدث ما خشاه ليس لعدم أحكامه ليديه عليها بل لفقدانها الوعي بشكل كامل لتصبح كالجثة الهامدة بين بيده.
اسرع خليل برفعها وضمها لصدره بقوة اراد بها ان يمنع سقوطها. كادت الوجوه أن تصطدم ببعضها كما رجف قلبه حين لامس قلبها *الحزين *الضعيف.
وقف يتأمل وجهها لثواني انتهت حين رأى زوجته رشيدة تقف في نافذة غرفتها تنظر ليديه بعيون يشع منها الغضب.
تحرك بسرعة ليدخل المنزل متوجه لغرفة مكتبه مقتربًا من أقرب أريكة بجانب الباب ليضعها عليها وهو يأمر الخدم بصوت قوي من قلقه وخوفه
"أحضري كوب ماء مذاب به عسل اسود بسرعة"
اخذ جهاز ضغط الدم من منظم الأدوات الطبية بالجوار وعاد بجانبها. أتت الخادمة بكوب الماء بالعسل وضع الجهاز على بطن سلمى لينحني بعدها كي يرفع رأسها ليشربها بيده وهو يحدثها
"لا تخافي ستكونين بخير" .
ظلت رشيدة تراقب *خوف *زوجها وقربه من عروسته بقهر كبير، فتحت سلمى عينيها الهزيلة لتجد رأسه فوق رأسها يطمئنها برحمته وشفقته
"لا *تخافي *ستكونين بخير"
تغيرت ملامح وجهها للشفقه على نفسها لتتغرغر العيون بدموعها وارتدى الوجه لباس الخذلان والكسر والهوان.
اغمضت عينيها من جديد ليأخذ هو انفاسه الحزينة بهدوء. استقام بوقفته ناظرا لزوجته بالجوار مبررًا خوفه عليها وحمله لها
"فقدت وعيها وخشيت أن ..."
لم تنتظر رشيدة تكملته لحديثه تركت المكتب راكضة نحو غرفتها تبكي بحرقة *نار *غيرتها، اغمض خليل عينه للحظات محاولا استيعاب ما هو به داعي الله في نفسه أن يعينه على ما تكلف به، أخذ جهاز قياس الضغط وعاد ليطمئن على قياس ضغطها ليجده منخفضا بشكل كبير.
تحرك نحو خزانة الأدوات الطبية ليخرج منها محلول ملحي كي يركبه في وريدها الذي طال بحثه عنه حتى استطاع تركيبه به. وضع كف يدها جانبا بشكل مستقيم قائلا
" لا تحركيها حتى ينتهي. سيحسن منكِ. يمكنكِ النوم كي تستعيدي القليل من قواكِ حتى أعود لكِ لن اتأخر"
اغمضت عينيها دون اعتراض ليزداد هو حزنا وألما وشفقة عليها.
ظل يتأمل وجهها ويدها الصغيرة بصغر كل تفاصيلها لعدة ثواني نسي بهم أمر الخادمة بالجوار. لتعيده سناء للواقع حين حدثته "تأمرني بشيء يا سيد خليل"
نظر للخادمة نظرات مطوله وكأنه يتعرف عليها لأول مرة ثم عاد لينظر لمن كان جمالها طاغي على ملامح حزنها
"ادخلي ما خرج من شعرها داخل حجابها مجددًا ومن ثم اذهبي وحضري لي فنجان قهوة بن زيادة"
_"أمرك سيدي"
تحرك قبلها متفاجئ فور خروجه بوجه أمه القعيدة على مقعد متحرك ناظرة له بقوة تعبيرا منها على زواجه.
اخفض عينه مقتربًا من مقعد امه المتحرك لتتنحى وداد المسؤولة عن رعيتها جانبًا، أمسك هو المقعد وبدأ بقيادته نحو الغرفة الكبيرة وهو يوجه حديثه للخادمة سناء
"انتظر القهوة لأشربها بجانب أمي"
أكمل سيره بصمت وحزن سيطر عليه حتى دخل غرفة أمه واغلق الباب خلفه كي لا يسمع حديثهم أحد.
أوقف المقعد بمكانهم المعتاد ليجلس على المقعد المقابل لها وهو مطأطأ الرأس لا يستطيع رفع عينه أمام نظرات أمه القوية. وهذا ما جعله يبدأ حديثه بقول
"كيف تريدون مني أن أشهد على *ظلم *انسانة بريئة دون أن أتدخل لإنقاذها. ان رأيتي كيف اجتمعوا على انهائها *وحرق *قلب عشيرتها عليها ما *غضبتي *مني لهذا الحد. ما *ذنب *المسكينة بكل ذلك لا زالت بأول عمرها خمسة وعشرون عامًا على الأكثر كيف سيزوجونها لعلام ذو السابعة والخمسون والآخر ذو الاثنان و الستين والأخير ذو الخمسة والستين ليس السن هو العارض الوحيد بل السوء الذي نسمعه عنهم هو من حركني لإنقاذها.
الفتاة صاحبة طموح وأمل . لديها معدل كبير بسنوات الدراسة والجامعة كما سمعنا جميعا عنها. من المؤسف والمخزي أن أقبل بهذا *الظلم *واصمت سيحاسبني الله يا أمي"
رفع نظره لتدير أمه عينيها عنه بغير رضا ليكمل هو
"أحزنتي على رشيدة! و وضعي الجديد في كيفية التوفيق بينهم!. اعلم إنكِ تخشين علي من كم *المشاكل *التي تنتظرني. ولكني كما اخبرتك لن استطيع الوقوف صامتًا دون تدخل. كيف انتظر صدور حكم *الإعدام *عليها واصبح شاهدًا انا والعشيرة كلها على تنفيذه. للحظة رأيتها أمام عيني وهم *يعذبونها *ويظلمونها. *لم أستطع تحمل سوأهم أكثر من ذلك "
صمت متذكر رؤيته لها وهي مكبلة أرضًا. حزن اكثر مكمل حديثه ليحكي لها عن *جرمهم *في تعاملهم معها وتجبرهم في حقنها بمواد مخدرة بحجة تهدئتها ولكنه يعلم غرضهم وهدفهم الحقيقي بكسرها *وإذلالها *لحرق *قلوب عشيرتها عليها.
تأثرت الأم بما سمعت حتى ظهر على عينيها تعابير الشفقة والرحمة ليقبل خليل يدها قائلا
"ليكن خير يا أمي. لعل الله يصلح حالنا ويرضينا بالدنيا والاخرة لأجل هذا الخير. لتكن صدقة جارية عنا. لتكن شفاء لكِ وقبول دعائنا بجبر الخالق خاطرنا بالولد. سنتصدق بحفاظنا عليها حتى نُجبر على جبرها"
طُرق الباب لتدخل بعدها الخادمة سناء وبيدها القهوة قائلة
" القهوة يا سيد خليل "
اشار لها بعينيه كي تضعها على الطاولة القريبة منه متسائل
"ما الوضع بالخارج؟"
تحدثت سناء
"المريضة نائمة بمكانها على الاريكة، والسيدة رشيدة بغرفتها"
انهى قهوته على ثلاث رشفات سريعة متحدث بعدها
"أبقي انتِ مع أمي"
و وقف واضعًا يديه على جيوب بنطلونه كي يتأكد من وجود الهاتف والمفاتيح بهم مكمل حديثه بعدما قبل يد ورأس أمه "جهزوا للعروس الغرفة الكبيرة المجاورة لغرفة أمي"
أجابت وداد على الفور
"الغرفة نظيفة وجاهزة لاستقبال الضيوف في كل وقت وحين ولكن ان كان هناك أمر خاص"
نفى برأسه
"يكفي بهذا القدر على الاقل في الوقت الحالي. من الان وصاعد ستبقى الآنسة سلمى بهذه الغرفة. لا اريد لأحد مضايقتها أو عصيان أوامرها. بالطبع هناك بعض الأمور سنتفق عليها كخروجها من المنزل وتواصلها مع الغير. وهذا ما ستعودون لي به وانا سأقرر ما تفعلون"
انهى كلامه وهو يخرج من الغرفة مغلق الباب خلفه ليقف بجانبها والحيرة تسيطر عليه لمن يذهب أولا هل لزوجته كي يراضيها ام للمريضة المسكينة كي يطمئن على وضعها بسرعة ومن ثم يعود لغرفة رشيدة وكان هذا الخيار الأنسب لضميره.
أسرع نحو غرفة مكتبه ليجدها على حالتها، أعاد قياس الضغط ونسب السكر وضربات القلب ليجدهم منخفضين بنسب غير مخيفة.
نزل على ركبتيه جالسًا بالقرب من اذنها ليحدثها بصوت ضعيف
"سلمى هل أنتِ بخير"
رفع نظره ليرى المحلول المعلق بباب النافذة التي تعلو الاريكة ثم اخفضه لينظر لوجهها قائلا لها
"هل تسمعينني. اريد ان اطمئن عليكِ. يمكنك تحريك اصبعك او فتح عينيكِ او حتى تحريك رأسك"
*احترق *قلبه حين رأى الدموع الصامتة وهي تتساقط من عينيها. ابتلع ريقه المحتقن بمرارة ما هي به قائلا
"حسنًا علمنا أنكِ تسمعيني. والان هيا لأضعك على الفراش كي تنامين براحة أكثر. سأتي لكِ صباح الغد لنجلس سويا كي نتحدث بهدوء وعقلانية اعلم انكِ حكيمة وعاقلة لدرجة تستطيعين تقييم الوضع واتخاذ القرارات المناسبة"
ازدادت دموعها *الحارقة *لقلبه، مد يده الحنونة ليمسحها من على وجنتيها برحمة وشفقة قلبه الطيب.
اهتز داخله فور لمسه لدموعها الساخنه امتلأت عيناه بدموع الشفقه محرك يده ليزيل آثار *الظلم *على وجنتيها. من يرى أولى قطرات دموعه وحركة يده يعلم جيدا انه كان يحنو ويطيب خاطرها لا يمسح عنهم الحزن والألم فقط.
وبحالته الحزينة وصوته المتأثر بوطأ *الظلم *الجائر *عليها مال خليل قليلًا عليها ليحدثها بصوت منخفض
"هوني على نفسك. اعلم و اشعر بهول وصعوبة ما انتِ به. كما اعلم انكِ لا زالتي تحت تأثير *صدمة *تنفيذ الأعراف والأحكام *الظالمة. *فلا يقبل عقل ما تعرضتي له أيا كان تعليمه أو نسبة ذكائه وفطنته وهدوئه وصبره"
لامست انفاسه الرحيمة وجهها ليشعرها بكم ضعفها وهوانها وهذا ما زاد بكائها وجعلها تشتكي له بصوتها المتقطع بارتجاف جسدها الصغير
"تركني أبي. تخلوا عني. إن كانت إحدى بناتهم.." شهقت ببكائها لتنقطع كلماتها
_"اشششش بهدوء بهدوء"
قالها وهو ينظر لانتفاض جسدها و اهتزاز اسنانها ببعضهم متسائلا
"هل تشعرين بالبرد"
لم تجيبه من شدة اهتزازها ليحملها هو برفق كي يذهب بها لغرفتها الجديدة. ضمها لحضنه أثناء سيره دون أن يعلم هل ضمها ليهون و يهدأ من برودة جسدها أم ليهون على قلبه قسوة ومرارة ما يراه أمامه من ظلم.
تفاجئ بوجود زوجته بالطرقة الكبيرة التي تنتصف الغرف وهي تنظر لاحتضانه للعروس التي لا يظهر من عبائتها سوى وجهها.
رفعت رشيدة عينيها لتنظر لزوجها بعيون *غاضبة*منتظرة سماع صوته وتبريره لما يحدث أمامها.
ولكنه أكمل سيره دون كلام فحزنه كان أكبر وأثقل من أي حسابات أخرى، مال قليلًا كي يفتح الباب بكوع ذراعه الأيمن دافعه بقدمه ليفتح على مصراعيه أمامه.
دخل الغرفة بخطوات سريعة مقتربا من الفراش وهي لا زالت بحضنه. تسمك بها بيد والاخرى مدها بصعوبة كي يزيل الغطاء الكبير.
نظرت رشيدة لزوجها وهو يضع عروسته الفراش ململم عبائتها حولها وهو يرفع الغطاء ليكسوها حتى عنقها قائلا لها بصوت خوفه
"ستكونين بخير لا تقلقي "
تمسكت سلمى بالغطاء ورفعته على وجهها كي تدفئ نفسها وتهدأ ارتجافها بأكبر قدر.
لم تستطع رشيدة البقاء ورؤية ما يفعله زوجها مع من لم تصبح زوجته بعد. فخوف خليل جعله يحرك يديه أعلى أكتاف سلمى لمنتصف ذراعيها عدة مرات ليدفئها ويطمئنها بصوته الرحيم
"سيزووول. سيزووول اهدئي ستكونين بخير"
هربت لغرفتها لتلقي نفسها على فراشها *صارخة *بنار *غيرتها على زوجها.
كانت سلمى قد هدأ اهتزازها بنسبة كبيرة. ارتاح قلب خليل لسكونها انتظر عشرون دقيقة بجانبها يراقب وضعها ممسك بعدها طرف الغطاء ليرفعه من على وجهها قائلا
"تم الامر الان. تستطيعين النوم بسكون. وكما اتفقنا سأتي بالصباح كي نتحدث بكل شيء"
لم تجيبه فهي بالكاد تستطيع فتح وغلق عينيها من يراها يعتقد انها استسلمت لحياتها الجديدة بقلب رحل عن عالمه. ولكن كل ما في الأمر أن جسدها هو من فرط وانتهى على اثر المخدر الذي أتاها باضعف واصعب أوقات حياتها.
خرج من الغرفة مغلق بابها وهو ينظر للمفتاح المعلق بجانبها. قلق وخشى ان يحدث عكس توقعه وتتمكن من استرداد قواها وحينها تفكر بالهروب، امسك المفتاح واغلق عليها دون أن يعلم أثر صدى رنين حركة المفتاح بقلبها.
تقوقعت بصعوبة داخل نفسها متمسكة بالغطاء باكية بدموع هادئة منتهية حالها حال صاحبتها.
ذهب خليل لغرفة زوجته ليجدها ملقيه بنفسها على الفراش تبكي *بحرقة *وقهر *اقترب ليتحدث معها ولكنها *رفضت *اي مبررات او احاديث
"لم أشفق عليها ولم اقبل بزواجك منها"
حدثها متمسك بهدوئه
"مع الأسف كنت اود ان نتناقش ويتنازل كل منا لإرضاء الاخر ولكن ليس لكِ خيار آخر *سقط *الامر علي او بمعنى ادق توليت أنا شرف انقاذ المسكينة ورفع *الظلم *عليها امام الله"
تنهد بضيق تحرك به ليبدل ملابسه وهو يكمل حديثه معها
"دعكِ من كونها مسكينة *مظلومه *كان ينتظرها مصير اسود كنت انا اهونهم سوادًا بالنسبة لها. وانظري للأمر من الجهة الاخرى نحن لسنا بوضع اختيار وتفضيل *ومعارضة. *سقطت البلد بحالة *حرب *أهلية نريد ان ننهيها و نغلق على أنفسنا، ينتظرنا مستقبل *مظلم *غير واضح المعالم. لا يمكننا وسط كل هذا ان نلتهي وننشغل بكوارث وخوض بالاعراض. لا يمكننا النوم ونحن نخشى على اعراضنا و شبابنا من سيقع الاختيار عليه والانتقام منه. يكفينا هول *الحرب *وتابعتها"
ردت رشيدة عليه بسخط كبير
"فليتزوجها غيرك. هل فرغت العشيرة من شبابها ليقع الأمر على عاتقك"
اخبرها ان كبار العشيرة *رفضوا *تزويجها من احد الشباب لرغبتهم بتزويجها من العجائز والمرضى.
*رفضت *من جديد
"فلتتزوج بأحدهم أنا لا دخل لي. لن أقبل بزواجك. الامر منتهي بالنسبة لي"
أجاب عليها وهو يمسح وجهه بعد أن استلقى على فراشه
"كان اليوم ثقيل بما يكفي. لا زال معنا الوقت لنجلس ونتحدث سويًا بهدوء. ظهري وراسي *يصرخان*من آلامهم اخذت مسكن ولم يجدي نفعا معهم اريد ان انام وغدا أعدك ان نجلس ونتحدث حتى ارضيكِ"
ابتسم وجهها بلؤم
"وهل سترضيني!"
أومأ رأسه مبتسمًا لها وهو يفتح ذراعه لكي تسرع هي بالنوم في حضنه، قبل رأسها عدة قبلات نام بعدها على الفور.
مرت ساعات الليل ببطئ كبير استيقظ بعدها خليل ليصلي فجره ويذهب لغرفة امه كي يعطيها علاجها.
خرجت الخادمة وداد أمامه وهي تغلق الباب خلفها قائلة
"صباح الخير يا دكتور"
رد عليها الصباح وهمَ ليدخل لأمه لولا تكملت وداد لحديثها
"اعطيتها دواءها ونامت بعده على الفور"
اوما براسه متسائل
"هل هي بخير؟"
اجابته برضا
"نعم بخير ليس بها شيء إن أردت تفضل واطمئن بنفسك"
أدار رأسه لينظر نحو غرفة العروس الجديدة متسائلا
"وماذا عنها هل هناك جديد؟"
نظرت وداد صوب نظر ولي نعمتها مجيبه
"لم يصدر منها أي صوت طوال الليل. كلما دخلت عليها وجدتها مغمضة عينيها الباكية. حاولت التحدث معها و اطمأنها أنها ستكون بأمان ولكنها لم تستجيب لي لولا عينيها التي تنذرف الدموع منها لاعتقدت أنها لم تسمعني"
اومأ برأسه وقال بصوت تنهده
"حضري لها الفطور واجلبيه بالغرفة"
لبت طلبه ذاهبه للمطبخ وهي تسترق النظر نحو اقترابه من باب الغرفة رافعًا يده ليأخذ المفتاح المعلق بالأعلى وبدأ بفتح الباب مستأذنا بعدها بالدخول.
حزن حين وجدها على حالتها اغلق الباب خلفه ناظرًا لمقعد صغير بالزاوية ذهب لاخذه و وضعه بالقرب من الفراش ليبدأ حديثه معها
"هيا افتحي عيناكِ. اعلم أنكِ مستيقظة. اريد ان اتحدث معكِ"
لم تستجيب له ليعيد هو كلامه
"اقول لكِ افتحي عيناكِ لنتحدث قبل ان يستيقظ من في المنزل"
ظلت على حالتها وكأنها لم تسمعه، انحنى بقامته العلوية مستند بذراعيه على ركبتيه بجلوسه قائلا لها
"دكتورة سلمى. رجاءً لا تصعبي الأمر أكثر مما هو صعب. افتحي عيناكِ لنبدأ حديثنا الجاد. اعلم أنكِ تمرين بأصعب أيام بل ساعات حياتك. جميعنا بنظرك أسوأ من بعض ولكن لا يمكننا حل المشكلة بالتذمر والرفض. بالأمس تم اعطائك مواد *مخدرة*تعانين من آثارها حتى الآن والله عليم بماذا كانوا يفكرون ويدبرون ان لم تخضعي لهم. أو دعينا نتعامل مع الامر بشكل أرقى ونظره أعلى قائلين ان لم تخضعي للقدر المكتوب عليكِ. علينا أن نتعامل مع الأزمة بعقليه متحضره نقف ونحلل ما نحن به لمحاولة الوصول لحل مرضي لجميع الأطراف "
فتحت عينيها لتنظر له *كالغريق *الذي لا حول ولا قوة له، عاد ليحدثها بوجه ابتسم لها كي يهون عليها ما هي به
"جميل هذا يعني أننا اتفقنا على اهمية التحدث مع بعضنا البعض"
مسحت دموعها وهي تحاول الجلوس على الفراش، تحرك ورفع لها الوسائد خلف ظهرها وهي حريصة على أن لا يلمسها.
رفعت يدها ووضعتها على رأسها. ليسألها بقلق "هل تؤلمك رأسك؟ "
تراجع بسرعة عن سؤاله
" وكيف لا تؤلمك بعد كل ما مررتي به. بالإضافة لعدم تناولك الطعام"
طُرق الباب وفُتح بواسطة وداد التي دخلت وهي تجر طاولة الفطور لتضعها بجانب الفراش قائلة بأعين تراقب الوضع
"تأمرني بشيء أخر يا سيدي؟"
أومأ خليل برأسه قائلا
"نعم احضري لي علبة مسكن الآلام الخاص بأمي"
سألته وداد
"ايهما احضر التي باللون الأصفر ام العلبة البيضاء ال…"
قاطعها بضيق
"الأصفر يا وداد الاخرى ليست بمسكن اخبرتك اكثر من مره انها خاصة بعلاج الأعصاب"
حركت وداد رأسها وهي تجيبه
"نعم نسيت مجددًا. ولكن الهانم تأخذها عندما تتألم من قدميها"
اجابها بامتضاض
"لذلك لا يمكن لأحد أخذها غير أمي. أنها خاصة بمرضها. هيا اذهبي واحضري الآخر دون كثرة كلام"
نظرت وداد لسلمى ملقية عليها السلام والصباح ليتدخل خليل قائلا
"هيا يا وداد لا ترهقينا لا زلنا بأول الصباح "
اسرعت بخروجها دون ان تتوقف عن الكلام. ابتسم ناظرا لسلمى
"ليكن الله بعونك. رغم أنها ذات قلب طيب ونيه صافيه ومطيعه لدرجة كبيرة إلا أنها لا تستطيع التحكم في لسانها، طبعا يحدث ذلك بغياب رشيدة "
صمت حين تذكر وضع *حزن *زوجته نظر للفطور مكملًا
"عليكِ ان تأكلي ولو كم بسيط كي تستطيعي اخذ المسكن وايضا كي يستطيع المسكين القيام بعمله وتهدئة آلام رأسك"
حمل الصينية من على الطاولة المتحركة و وضعها على أرجلها لتتحدث بصوت سريع منخفض
"لا تتركها ستسقط "
رفعها وإعادها لمكانها متسائلا عن سبب *خوفها*لتخبره انها لا تشعر بارجلها بشكل كامل فقط يرتجفان دون الاستجابة لها.
حك رقبته من الخلف قائلا
"إنه من أثر المخدر. مع الأسف لم نستطع فعل شيء لأننا لا نعلم اسمه او تركيبته بالوقت الحاضر، ولكن لا تقلقي ساعطيكِ حقن محفزة للأعصاب ستمنحك القوة لتتحملي هذا العرض. كما علينا ترقب المزيد من رجفة الجسم على تمام الموعد الذي تم حقنك به أمس. يحدث ذلك حين يخبرنا الجسد انه بحاجة للمزيد من هذا العقار. ان سمحتي لي ان اخذ عينة من الدم كي احللها لمعرفة ما الذي تم حقنك به"
ظلت تنظر له بغرابه ليبتسم قائلا
"اعلم لم يسعفنا الحظ بالتعرف على بعضنا البعض بشكل كامل"
طرق الباب ودخلت وداد من جديد وهي تراقب وضعهم، اخذ منها المسكن واشار لها بعينه كي تخرج.
حدثته بفضول مشاركتهم وسماعها حديثهم
"سأبقى بجانبكم فمن الممكن أنكم ستحتاجون لي"
وبجديه وقوة حرك رأسه *بالرفض *مشيرا لها بعينه نحو الباب كي تخرج.
ارتبكت وتحركت ملبية الأمر. ليتحرك خليل بعدها ليجلس على طرف الفراش.
سحبت سلمى ارجلها بصعوبة لتبعدهم عنه، أخذ قطعة من التوست و وضع عليها الجبن الكريمي وهو يحدثها
"تحريكك لارجلك خير دليل على انهم بخير. كما قلت لكِ انه أمر عارض وسيمر"
مد يده ليعطيها توست الجبن
"لا مجال *للرفض *تناوليها لتأخذي المسكن ومن بعدها الحقن كل هذا علينا القيام به قبل موعد انتهاء مفعول المخدر من جسدك. بالمناسبة اخبريني متى تم حقنك بالأمس"
تحدثت بصوت ضعيف هزيل
"لا اعرف ولكنه حدث قبل مجيئك بعدة ساعات ليست بكثيرة "
حرك رأسه بحزن
"هذا جيد لدينا الوقت الكافي إذا، هيا تناولي قبل أن تتحولي لزومبي يصرخ *ويكسر *لأجل أخذ الجرعة الجديدة"
اسرعت بأخذ الطعام من يده وبدأت تتناوله بصعوبة كبيرة وكأنها تبتلع صخور حجرية وليس خبز ناعم وهش.
عادت دموعها *الحارقة *بالتساقط من عيونها مجددًا حين تذكرت ضعفها وخذلان عائلتها لها.
حدثها بحنان وشفقة كبيرة
"مع الأسف تم اقحام العشيرتين بفتنة لا خلاص منها. وما زاد الأمر *سوء *اندلاع *شرارة *الحرب *وسقوط *البلد بيد العدو. كل شيء تغير بلحظة حتى الطرق ووجوه الناس تغيرت. نحن امام أمر جلل إما أن تستمر *الفتنة*وأما أن نخمدها وننهيها دون رجعة. اعلم أن أيادي العدو لا تخلوا من هذا الأمر فمن المؤكد انهم عملوا على اشعالها وزيادتها لأجل أن ننشغل *بقتل*ومحاربة *بعضنا البعض وهم يفعلوا ما يشاؤون في البلاد"
حدثته بضعفها
"وما *ذنبي *أنا بكل ذلك!"
مسح وجهه وهو يجيبها
"ليس ذنب *أحد منا. ولكنه قدرنا لقد وقع الاختيار عليكِ كي تحمي عشيرتك وتحقني *الدماء *وتستري الأعراض. كانوا سيعطوكِ لمن هو أسوأ وأكبر رجل سنا بعشيرتنا ليعاقبوا عشيرتك أشد العقاب ولكني *رفضت وطلبت الزواج منكِ دون ان اراكِ فقط لكي لا*تظلمي"
تنهد بضيق مكملًا
"بكل الأحوال كنتِ ستتزوجين بشخص لا تعرفيه. ليس لكِ حقوق لديه. بل عليكِ خدمته وطاعته اكثر من العبد لولي نعمته. ولكن انظري الى لطف الله الذي نزل مع قدره وضعني الله بطريقك كي اكون نجاة لكِ من *الظلام*البائس *الذي كان ينتظرك"
ردت بدموعها
"هل طلبت الزواج مني لأجل حمايتي"
اومأ براسه وهو يجيب بصوت حنون
"نعم هذا ما حاولت شرحه منذ الصباح. رغم أنني متزوج ولي حياة مستقرة إلا أنني وقفت أمامهم ورفضت تزويجك ممن يستحيل تحملهم بمجالس الرجال وتوليت مسؤوليتك أمام العشيرة"
تهاطلت الدموع من عيونها وهي تراجعه بحديثه
"هل متزوج!"
أخرج قرص الدواء من العلبة ثم أعطاه لها ليسكب الماء بالكوب بعدها لتأخذه منه وتشربه بعد تناولها الدواء.
أعاد إخراج قرص اخر واعطاه إليها قائلا
"تحتاجين لجرعة اضافية خاصة باليوم الأول من تركك للمادة المخدرة"
أخذته دون *اعتراض *وتناولته لتشرب ما تبقى من كوب الماء بعده وهي تستمع له
"أعرفك بنفسي أنا دكتور خليل أخصائي تحاليل طبية اعمل في مشفى بغداد الحكومي ولدي معمل اسمه على اسمي دكتور خليل للتحاليل الطبية لا اعرف هل سمعتي عنه من قبل ام لا"
أومأت برأسها لتجيبه بحزن
"كانت أمي تقوم بإجراء بعض التحاليل الخاصة بها هناك كما ذهبت قبل ذلك لإجراء تحاليل خاصة بي"
وقبل أن تعود لبكائها تحدث هو
"انتظري تذكرتك نعم تذكرت لقائنا الأول وتباهي أمك بنجاحك، يا الله كم من العمر مضى سبحانك ربي في علاه. بالمناسبة كيف حال الوالدة الان اتمنى ان تكون بخير أعني من الجهة الصحية طبعا لان لا احد يستطيع توقع حالتها بعد ما حدث معكِ"
بكت مجددًا وهي تخبره بوفاة أمها قبل فرحتها بدخول جامعة الطب كما كانت تحلم دوما.
*حزن *عليها ولم يعد يستطيع إخراجها مما هي به. صمت وصمت وصمت حتى رفع عينه ونظر للساعة قائلا لها
"ساخرج لاشتري لكِ الحقن المحفزة للاعصاب وبعض المقويات التي ستعينك على تحمل ما أنتِ به ومن ثم اعود على عجل لاعطيها لكِ. كما سأحاول تأجيل موعد عقد القران للغد او بعد غد حتى تكوني مؤهلة للجلوس أمام الشيخ وقبول الزواج، بكل الأحوال ستبقين لدي لأجل حمايتك وبهذه الحالة يجب ان يتم الامر بشكل شرعي امام الله قبل الجميع ومن اهم شروط الزواج قبول الطرفين، ولكن ان لم تقبلي الزواج مني أعلميني بهذا لأخبر كبير عشيرتنا أن يبحث عن شخص غيري تجدين امانك لديه، فأنا لن اقبل ان اتزوج بعقد باطل أمام الله، فلنتم الزواج أو لم نتمه الأمر لديكِ من بعد الان. لقد شرحت لكِ كل شيء وانا اثق جيدا بحجم ذكائك وعقلك. أليس كذلك يا صاحبة مرتبة الشرف الأولى!"
تحرك هو مسرعا للخروج من الغرفة وإغلاق الباب خلفه بالمفتاح كي لا يرى دموعها التي اقترب تساقطها مجددًا.
رفع يده ليضعه المفتاح أعلى الباب ولكنه تراجع و وضعه بجيب البنطلون متوجه بعدها لمكتبه.
أجرى عدة اتصالات مع رجال العشيرة منهم من *شكى*لهه دنو الأخلاق في التعامل مع الفتاة ومنهم من عاتبه على معرفته لذلك دون مراجعتهم عنه. ومنهم من اخبره بقوة وحسم ضرورة تأجيل الزفاف لعدة أيام بعد الذي اجرموه بحق المسكينة.
رفض *الأخير وأكد على سرعة إتمام الزواج كي ينهوا فتنة *الحرب.
بهذا الوقت كان دكتور طارق نصار قد عاد من عمله في انقاذ الجرحى والمصابين على حدود الدولة متفاجئ بزواج حبيبته بهذا الشكل المهين، ثار *وغضب *على امه لعدم إخباره من قبل فتح باب منزله ليذهب لمنزل العم حسين طارقًا على بابهم بقوة وصوت علا باسم والد سلمى.
فتحت نسرين الباب بذعر متسائلة
"ما بك لماذا تطرق وتنادي بهذا الشكل. وكأن العدو*هجم *علينا"
رد عليها طارق دون الاهتمام *بخوفها
"أين عمي حسين؟ . أين هو؟"
سألته من جديد عن حالته وماذا يريد منهم، أتت عايدة تترجى ابنها ليعود معها إلى منزلهم كي يتحدثا بهدوء، ثار طارق *بغضبه *قائلا
"عن أي هدوء تتحدثون!. القيتم بالفتاة في *مهب *النيران *المشتعلة *وتقولون نتحدث! هل فكرتم بوضعها! بأي حال أصبحت! أنا لا أصدق لا أصدق ما فعلتموه!"
وبدون موعد وصلت سيارة العم حسين لتقف امام منزله.
اسرع طارق ليقف امام السيارة بغضبه *الكبير ركضت أمه من خلفه وهي تستحلفه بالله ان يهدأ ويعود معها للمنزل ولكنه لم يستمع لها، *صدم *يده على واجهة السيارة بقوة *غضبه
"كيف تخليت عنها بهذه السهولة"
نظر حسين نحو طارق ليفهم وضعه سحب المفتاح واغلق باب سيارته بعد نزوله ناظرًا لعايدة بضيق وازدراء ومن ثم نظر لطارق دون اهتمام
"هل عدت من عملك"
اقترب طارق من حسين وهو يطرق على السيارة بكف يده حتى وصل بجانبه *صارخا *بوجهه
"كيف تخليت عنها، كيف سمحت لهم أن يلقوا بها في هذا الجحيم دون تدخل. جميعنا يعلم ما يحدث للفتيات بهذا الوضع. وكأنهم وكأنهم اصبحوا عبيد رجال العشيرة وليسوا زوجاتهم. الموت أهون عليك من هذا العار "
اعطى حسين ردة فعل غير المنتظرة منه حين تأثر بحديث طارق وتحرك ليدخل بوابة منزله وهو يجيبه بصوت منخفض هزيل
"لا تضغط على الجرح. هذا ما توجب حدوثه"
*صرخ *طارق عليه من الخلف
"انها لا تشبه باقي الفتيات لقد قضيتم على أحلامها وطموحها *بجرمكم *هذا"
رد عليه حسين وهو يكمل صعوده الدرج
"يا ليتها كانت تشبه الفتيات حولنا، ما كان فكر أحد بها وما كان علينا عيش ما نحن به"
وبمجرد دخوله البوابة ركض فهد الصغير الذي لم يكمل عامه السادس نحو أبيه ليقفز فرحًا بعودته، حمله حسين بحزنه الكبير على ابنته ودخل المنزل مغلق عليه دون ان يجيب على بقية حديث *وغضب *طارق.
حاولت عايدة تهدئة ابنها و إدخاله منزلهم ولكنه رفض متسائل عن مكانها وممن ستتزوج عازمًا على تحريرها مما هي فيه.
لطمت الأم على وجهها وصدرها
"استحلفك بالله ان لا تفعل. استحلفك بالله ان تتركها لقدرها نحن لسنا بقوتهم وليس لنا ظهر قوي يحمينا منهم، إن عزموا على معاقبتك لن نجد من يقف بوجههم"
لم يستمع لأمه حمل *غضبه *وعزم على تحريرها وذهب بطريقة دون ان يبرد قلب أمه عليه فقط يستمع لصوت الخالة فوزية بإذنه وهي تبكي على ابنتها وتأمنه عليها بقولها
"كيف سأتركها وحدها! كيف وانا اعلم حجم الصعوبات التي تحيط بها! ماذا أن اُجبرت على ترك دراستها والارتضاء بأي شهادة صغيرة! ماذا أن تم تزويجها قبل إنهائها لدراستها! ابنتي لا زالت صغيرة ليس لديها من الخبرة ما يكفيها لإدارة منزل وتحمل مسؤولية، اضعها امانه بين يديك، حافظ عليها ولا تتركها وحيدة دون ناصح، هي ليست ضعيفه او غبية ولكنها حين تتحمس وتفرح تنسى كل شيء لأجل لا شيء".
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.
منها "رواية حياتي"
رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..