عروس بغداد
بقلم أمل محمد الكاشف
غرقت سلمى في ذكرياتها السعيدة مع امها متأملة عيني تيّم وهو ينظر بجمال لون مقلتيها المبحرة بسمائها شديدة البياض، ضحك وجهه فور اكتشافه تصوير أمه وأقاربه لهما وهما شاردين بعيون بعضهم البعض تحرك لينزل من السيارة طالبًا منها ان تتمهل بالنزول مسرعًا بالاتجاه نحو بابها كي يفتحه لها قائلا
"تفضلي يا اميرتي"
مد يده كي يساعدها ولكنها نزلت وحدها وهي تحذره بصوتها المنخفض
" لا تبدأ"
ضحك مجيب بنفس نبرة صوتها المنخفضة
"اتفقنا قبل قليل لابدأ وافعل كل ما اريد كلا منا على اتفاقه"
بدأ أقاربه بالطرق على الدفوف منشدين على نهج التراث الأردني
"بالورد والحنا رشوا العرايس بالورد والحنا، ومن بيت الأصايل حنا خذينا من بيت الأصايل ، درج يا غزالي و يا رزقي وحلالي ،عريسنا الزين يتهنا . يأمر علينا ويتمنى "
اقتربت أمه ومن خلفها زوجات اخوتها كي يحتضنوهم ويباركن لهم ، نظرت سلمى لمن حولها بوجه مبتسم يحاول استيعاب ما يحدث معه ، مدت عينيها لترى شابة تنتظرها بجانب الدرج كي تسلم عليها وهي تضع يدها اسفل بطنها المنتفخة قبلتها متمنية لها تمام حملها وسلامتها على خير .
لا زالت أصوات الدفوف وكلمات أناشيد الزفة تعلو حولهم ، امسك تيّم يدها ليشبكها في ذراعه كي يصعد بها الدرج وعلى جانبيهم أبناء أخواله يطرقون الدفوف بفرحة عارمة ، ومن خلفهم الاهل من الدرجة الأولى والثانية على الأكثر الجميع ينشد مع مكبرات الصوت التي علت صوتها فور دخولهم المكان
"أول ما بدينا باسم الله سمينا .. تاني ما بدينا على النبي صلينا … تالت ما بدينا للجمع و جينا .. رابع ما بدينا شبكنا ايدينا …خامس ما بديناااااااااا للعريس هنينا …."
دارت عيونها بالمكان الذي كان عبارة عن صالة مطعم كبير محجوز بشكل كامل لاقامة الحفل به، فرح تيّم بمفاجأة اهله له فهو لا يعلم بأمر الدفوف والأناشيد كان يعتقد انه حفل عشاء عائلي كما اتفقوا معه ليتفاجأ بفرحة الجميع لهما، جلسا على مقاعد مصفوفة حول مجمع طاولات مضمومة بجانب بعضها ليصبحوا بحجم يناسب هذا العدد الكبير، زينت بمفرش ابيض يلمع ببريق الزينة والزهور التي تحيط بالمكان .
قَبّلَ تيّم أطفال أقاربه وهو يضحك ويمازح بفرحة عارمة وكأنه عريس حقيقي ، ساعدت الأجواء على هدوء وسكون عروس بغداد التي لا زالت محتفظة بصمتها مكتفية بإيماء الرأس والابتسامة التي ورغم كل شيء كانت ترسم على وجهها بجمال ملامحها الجميلة.
انتظرت سلمى سماع موسيقى واغاني صاخبة لتتفاجأ بالأناشيد الإسلامية الجميلة والمريحة للقلب، نظرت للأهل لتراهم يدعون وينشدون بأصوات تزيد من جمال ونغم الكلمات ، خجلت حين نظرت تجاه تيّم لتجده ينظر لها وهو ينشد معهم
" دور يا قمر فوق السحاب قول للنجوم زينة الشباب كتب الكتاب ، يا قمرنا لف الكون و هات شربات معطر بالآيات ، و افرح و قول الطيبات للطيبين قول يا قمر قطر الندى بدر البدور أحلى كوكب في السماء"
أتى ابن خاله من الخلف ليحدثه بأذنه، اسرع تيّم بإخراج مفتاح سيارته من جيبه وأعطاه إليه ، لم تبالي سلمى لما حدث مرت عدة دقائق لاحظت بعدها وقوف الأهل من جديد وهم يصفقون لهم ، وقف يحث عروسته على الوقوف بجانبه ، لبت طلبه ناظره للنادل الذي اقترب بكعكة كبيرة تشبه كعكة عيد ميلادها ابتسم وجهها من فرحته رغم عنها ، توالت المفاجآت حين عاد ابن خاله وهو يتراقص بأقدامه رقصة الدبكة العائدة للتراث الأردني حاملًا بيده علبة قطيفة باللون الأحمر نظرت للطقم ثم نظرت إلى الوجوه الضاحكة الفرحة وللتصفيق الحار من حولهم بعيون تجمعت بهم الدموع الراكدة
تمسكت بثباتها خوفًا من انسياقها لفرحتهم و تصديقها لما هي به من جمال ما تشعر به من مشاعر عائلية طيبة صادقة.
أخذ تيًم الإسوارة الذهبية من يد زوجة ابن خاله ريان ناظرًا ليد عروسته
"مدي يدك "
امسكت امه بيد العروس حين تأخرت بالاستجابة لعريسها كي تمدها نحو ابنها بفرحة كبيرة ، وضع العريس الإسوارة بيد عروسته تابعها بخاتم جميل ممسك بعدها العقد الطويل كي يضعه حول رقبتها ناظرا لها بقلق •خوفه• من صدها له ، مالت سلمى بقامتها العلوية للأمام قليلًا كي يضع لها العقد الذي وصل لمنتصف صدرها وهو يهتز من حماس ضربات قلبه المتسارعة.
لم تنتظر جميلة العراق بهذه اللحظة ان يميل عريسها عليها مُقبل جبهتها بفرحة كبيرة ، انتفض جسدها مُسرعة بإغلاق عينيها دون حركة داعيه أن ينهي قبلته السريعة مهتزة بعدها بشعورها بالتفاف ذراعه حول خصرها ليقربها منه واضعا يده الأخرى على صدره شاكرًا لزوجات اقاربه مباركتهم.
اقتربت امه لتهديها اسورة ذهبية عريضة مزركشة اخذتها منها لتشكرها دون ارتدائها مالت تهاني الهاشمي لتحتضن عروسة ابنها مقبله وجنتيها وهي تصفها بأجمل الصفات الجمالية.
حاولت ابعاد خصرها عن يد تيّم دون ان تجعل الحاضرين يلاحظون ذلك ولكنها فشلت بذلك.
ابتسم وجهه اكتر عند شعوره بما تكرر فعله ليزيد من تثبيت يده على خصرها هامسا بأذنها
"سترنا الله مما يدور بعقلك "
ابتسمت كي لا تظهر توترها للعيون المعلقة عليهم
"من الجيد عودة عقلك لرأسك، هيا اضبط نفسك و ابتعد قبل ان …."
لم يجعلها تكمل كلماتها حين ادهشها بضحكته العالية التي خرجت منه وكأنها حدثته عن شيء خاص ، لم تفيق من حالته حتى صدمها بقبلته الجديدة على راسها اعلى اذنها .
ابتسمت وهي تخرج كلامها من بين أسنانها المغلقة على بعضها
"أرى انك اقسمت على إفساد الحفل"
تدلل عليها بوجهه الفرح
"لا يمكنك كسري"
كادت ان تنساق للأجواء وتنسى حزنها لولا خوفها مما ينتظرها، ظلت تنظر لفرحته وتقربه منها وفرحة الأهل وهي لا تصدق ما يجري حولها متسائلة داخلها
"متى تعلق بها هذا الشاب لهذه الدرجة وكيف سأتركه مكسورا بعد عدة أشهر".
اقتربت الفتيات متحدثين معها
"اهنئكم على ذوقكم الرفيع ، من الجميل اختياركم الشبكة على طراز خطوط فيرزاتشي العالمية، هذا ما يليق باسم نابغة الطب العالمية للعالمية"
نظرت سلمى للعقد على صدرها شاكره لهم ما يقولون
" انتن محقات انها جميلة ولكنها كانت مفاجأة لي أيضا"
ادارت راسها مكملة حديثها لعريسها
"سلمت يداك"
فاجأها بسحب يدها كي يقبلها وهو يرد عليها
"لا شيء يثمن قدرك بقلبي ان كان عليّ كنت طلبت منهم تصنيع شيء خصيصًا لكِ لم يرتديه أحد من قبلك او بعدك"
سحبت يدها من يده وهي تبتسم باغتياظ جعله يهمس لها
"وصلت الرسالة لأهرب بسرعه"
هرب تيم مقتربًا من أولاد خلانه تاركها تتحدث مع من حولها .
…….
وقف أبو بكر و عمه حسين امام شاشات كاميرات المراقبة بتعجب وتساءل من هذا الرجل الذي خرجت ابنتهم معه.
رد رجل الامن الذي ساعدهم في فتح كاميرات المراقبة
"اسمه دكتور تيّم طبيب صيدلي كان موظف بقسم الأدوية والمستلزمات الطبية أنقذها من الموت المحتم أكثر من مرة كما انه شاع خبر انهم على علاقه حب ببعضهم دون الإعلان عن شيء رسمي يخص ذلك"
صفق أبو بكر بغضب كبير
"تم تغفيلنا بشكل كامل، تقول تعمل على نجاحها ومستقبلها وعندما أتينا وجدنا ما وجدنا من عار ينتظرنا ، الله عليم أين مكانهم الان"
نهره حسين بغضب
"لا تتحدث عن ابنتي بهذا الشكل ، خروجها بجانبه لا يدل على وجود علاقة بينهما"
نظر أبو بكر لرجل الامن "ماذا عن كاميرات المراقبة الخاصة بالكراج"
_" لا استطيع السيطرة على الأرقام الخاصة بشفرة الأمان خاصتها، تعلم الحصول عليها صعب بجانب انها مسؤولية قانونية كبيرة"
شكره أبو بكر مخرج المبلغ المالي المتفق عليه ليضعه على المكتب تاركا الغرفة بعد عمه حسين وهو يشدد على رجل الامن عدم معرفة احد بما حدث بينهم.
اغلق رجل الأمن خلفهم الباب ناظرًا لجهة الخزانة الحديدية منتظر خروج دكتور سالم من خلفها مقترب منه قائلا
" اضبط المكان ولا تخبر احد بما حدث هنا وان عاد ليكررها لا تسمح بذلك"
_" امرك يا سيدي " نظر سالم للأموال قائلا قبل خروجه
"انهم لك استمتع بولائك للمستشفى انتظرك لتخبرني ان جد بالأمر جديد"
………..
بحث حسين عن دكتور طارق بالمستشفى متنقلا من طابق لطابق كما وصف له، تفاجا خليل بدخول حسين وأبو بكر عليهم غرفة المكتب دون طرق الباب.
تحدث حسين بوجهه الغاضب فور دخوله
" اخبرني ما الذي بين ابنتي وهذا الطبيب ، متى بدأت علاقتهم والي اين وصلت"
وقف طارق متعجب مما يسمعه، تساءل خليل
" أي طبيب عن من تتحدث"
رفع أبو بكر كف يده في وجه خليل
" انت اخر شخص انتظر تحدثه الان يكفي ما وصلنا له من وراءك"
تحرك خليل نحو أبو بكر بغضب
"ماذا تقول انت"
امسكه دكتور طارق وهو يصرخ بهم
"هل نسيتم أنفسكم نحن لسنا بعقر مجالسكم تصرخون وتتعاركون كما تشاؤون"
أعاد حسين حديثه
"أخبرني عن هذا الطبيب كي نذهب من المستشفى دون عودة"
_" أي طبيب انا لم افهم عن من تتحدثون؟"
رد أبو بكر بغضب
"الدكتور الصيدلاني الذي أنقذها أكثر من مرة كما يقولون"
نظر خليل نحو طارق منتظر حديثه الذي خرج بنبرته الغاضبة
"ماذا تريدون من دكتور تيّم"
رد حسين بغضبه الذي يشع من عينيه
" هذا يعني ان الخبر صحيح"
على صوت طارق عليهما بغضب عدم فهمه لحديثهم، أجاب أبو بكر ليصدمهم
"حبيب الهانم التي غفلتنا بحجة دراستها وعملها الإنساني وهي تدور من يد ليد .."
هجم خليل عليه ليصدمه على كتفيه بسرعة لم ينتظرها أحد ليسقط أبو بكر على اثرها ارضا مستمعا لتهديده
"لا تمس شرفها بكلمة حتى لا اقتلك"
فصل حسين وطارق بينهما وخاصة عندما قام أبو بكر ليلكم خليل ردا على ما فعله.
اشتد الحوار بينهما لينصدم كلا من خليل وطارق بما سمعوه عن قصة الحب الكبيرة بالخفاء ورؤيتها لها وهي تخرج بجانبه في آخر وجود لها بالمستشفى.
لم يساعدهم طارق بأمر عنوان دكتور تيّم فهو لا يعلم به وان كان يعلم لا يمكنه تعريض الطبيب •للخطر •لمجرد هواجس بعقلهم.
دافع خليل عن سلمى راويا لأبيها مدى حزنها وتأثرها بخذلانه لها، ظل يحكي له عن كسرها وقهرها وبكائها بكل مرة كان يصدها ويبعدها عنهم ..
رد أبو بكر
"هذا يعني انك لم تكن بالقدر الكافي لشفاء جرحها وتعويضها عن آلامها، أم أنك لم تستطع إدارة واشباع كلاهما معا"
كاد ان يهجم عليه مرة أخرى لولا تصدي طارق له وهو يحذر أبو بكر
" اضبط لسانك وإلا طلبت لك الامن كي يخرجوك من هنا"
تحدث خليل
" سأثبت لكم انكم اتيتم لظلمها وقهرها من جديد.. سأعيدها لعصمتي مجددا وعلى رضا منها كي تعلموا أنها بريئة مما تقذفونها به .. لا سامحكم الله ولا عفا عنكم وأذاقكم نفس الشعور وبذات الشدة التي ذاقتها"
خرج خليل تاركًا لهم المكان وهو يحدثها في نفسه
"سامحيني يا ملاكِ أنا من اوصلك لكل ذلك وانا من سيمحو ذنوبه باستعادتك وتعويضك عن كل ما عايشتيه منا جميعا"
دافع طارق عن طهر قرة عين أمها امام والدها وابن عمتها مؤكد على عدم وجود علاقة بينها وبين أي رجل اخر.
طلب أبو بكر عنوان منزل تيّم من طارق الذي أعاد قسمه بعدم معرفته أي تفاصيل عنه غير انه طبيب كان يعمل معهم بنفس المكان.
غضب حسين قائلا قبل خروجه
"سأعرف كل عناوينه وعناوين أقاربه لن تشرق شمس يوم جديد حتى أصل لها واعاقبها بيدي "
……
في هذا الوقت كان العروسين قد تناولوا طعام العشاء المفعم بالحب والدفئ العائلي التي كانت تفتقده كثيرًا يضعون النسوة الطعام بطبقها وهم ينصحوها بتناول المميز منه ، علا صوت الأطفال والامهات والشباب وهم يضحكون ويتبادلون الأطعمة والآراء بها، فتحت فمها مستسلمة لقطعة اللحم المشوي التي مدت نحوها من قبل أماني ابنة الخال، ضحك تيّم وهو يمد يده كي يضع في فمها قطعة أخرى من اللحم
"من يدي ستكون أحلى"
ذهب تحفظها وترقبها وحزنها حين تركت نفسها بحضن الوسط العائلي الرائع متناولة كل ما يعطوه لها حتى امتلأت معدتها كما لم تمتلأ منذ سنوات طويلة، ابتسمت بوجه الأطفال الذين كانوا يتناولون الأطعمة بشكل جميل ومبهج للقلب ، تحدثت طفلة صغيرة
"انظري يا أمي العروس ضحكت لي"
تحدثت سلمى لها
"نعم ضحكت وهل يمكن رؤية هذا الجمال دون ان نضحك"
رد الصغيرة ذات السبع سنوات
"بل أنتِ الجميلة"
قالتها مخبئة وجهها في ذراع أمها القريب منها
لتخرج ضحكة تيّم
"هي جميلة وانا ماذا؟"
رد طفل ذات الثمان سنوات
"انت الوحش"
رد ابن خاله
"أحسنت يا أسدي الجميلة والوحش"
دافع الجميع على تيّم بأصواتهم الضحكة الفرحة
انتهى العشاء ليلحق به ثم كعكة الاحتفال التي لم تعفى من تناول نصيبها بشكل كامل بعد ان تجمع الأهل مصرين على ذلك..
طال وقت الاحتفال تلاها مباركة للعروسين من الشيوخ والرجال الكبار الذين كانوا ينتظرون عودتهم للمباركة لهم وتقديم الهدايا الثمينة .
كان اليوم طويل ومزدحم بالأقارب، اقتربت الساعة لمنتصف الليل وهم لا زالوا يتلقون التبريكات والتهاني.
………
وبعد هذه الساعة المتأخرة من الليل كانت هناك عدة سيارات كبيرة تسير خلف بعضهم في طريق مظلم كظلمة قلوبهم السوداء وعقولهم التي لا تفكر إلا بالسوء والظلم والعدوان على من كسروا قلبها وروحها. الجميع يتواعد بإعادتها وقهرها ومحاسبتها على جريمة لم تفعلها
…….
حضروا للعروسين غرفة خاصة رُتبت بعناية كي تليق بوضع العروسين، بعد ان رفضوا تركهم يعودون لدبي في الظلام اضطرت سلمى أمام هذا الجمع ان تدخل الغرفة بجواره.
تسارعت أنفاسها فور رؤيتها كأسين من الحليب وطبق التمر الموضوعين بجانب الفراش والورود على الفراش الأبيض.
اغلق تيّم الباب مقترب منها وهو يرفع يديه قليلًا متحدثًا بحذر
"ما بكِ لماذا تنظرين للفراش بهذا الخوف"
رفعت نظرها القوي نحوه وهي تتذكر اقتراب خليل منها كي يقنعها بوجوب إتمام الزواج لأجل النسوة اللواتي ينتظرون بالخارج.
سألها بنفس حالتها الحذرة
" هل تخافين مني؟"
هزت راسها بقوة رفضها لما سمعت
"وما الداعي للخوف! لا تعتقد انني ضعيفة سأقتلك ان سولت لك نفسك…"
_" اشششششش هدئي من روعك لا اريد ان اموت قبل ان نصلي ما علينا"
أجابت عليه بقوة نظرها لوجهه المبتسم
"ألم نصلي قبل ذهابنا للحفل"
ابتلع ريقه مخفض عينيه لثواني قليله رفعهما بعينيها بعدها
"لدي امنية صغيرة سأكون ممنون لكِ ان حققتيها لي "
ظلت صامتة تفكر بمطلبه ليفاجئها مجددًا
" نصلي انا وانتِ ركعتين نبدأ بهما حياتنا"
_" تيّم رجاءً لا تضغط عليّ ، حالتك وفرحـ…"
قاطعها ليهدأ من حالتها
"حسنا كما تريدين وعدتك ان لا اضغط عليكِ"
وتحرك ليجلس على الأريكة ضامم البشت وسط أرجله دون كلام ، مدت قدميها بخطواتها البطيئة المتثاقل كي تصل هي أيضا للأريكة جالسة بجانبه محتفظة بالمسافة بينهم قائلة بعيونها التي تدور بالمكان
" أجواء الغرفة تضغط عليّ بشكل مؤلم اشعر وكأن سكين مسموم ينغز بقلبي"
رفعت يدها لتضعها على قلبها وهي تتنفس بصعوبة
"تعبت من كثرة وشدة تألمه"
تحرك تيّم ليجمع الورود الحمراء من اعلى الفراش ممسك بالغطاء كي يضم اطرافه مغلق عليهم وضعهم بالخزانة، تحرك و فتح الإضاءة الكبيرة كي يزيد من صخب الإنارة بداخل الغرفة، خلع البشت ثم رابطة عنقه ثم جاكيته رافعا اكمام قميصه لأعلى قليلًا .
وقفت وهي تقول له
"يكفي بهذا القدر. اعلم انك لا ذنب لك بكل ما يحدث حولنا. المشكلة بي انا لذلك لا تجهد نفسك دون فائدة. الحل الوحيد أن أصلي ركعتين لعل الله يرحمني ويرفع ما اشعر به"
رد بنبرة رجاءه
" اسمحي لي كي اام بكِ".
رفعت عيونها الدامعة بعينيه لتجده يكمل بوجهه البشوش
" حافظ والله لا تقلقي"
ابتسمت بضحكتها التي خرجت منها بغير وقتها وكأن الله استجاب لها قبل ان تقف بين يديه، تقدم أمامها قائلا
" كوني بجانبي"، اقتربت حتى أصبحت خلفه بقدر مساحة السجود، رفض قائلا
"اقتربي قليلًا يكفي ان تتركي مساحة قدر قدمين اثنين فقط"
اقتربت بخجل لتقف بجانبه عائدة للوراء بقدر مسافة قدمين فقط، استقام ليبدأ بعدها بتكبيرة الصلاة صمت لثواني بدأ بعدها تلاوة الفاتحة بصوت لم تستمع بعذوبته من قبل ألحق بها قراءة عدة آيات حتى وصل
"وَمِنْ ءَايَاتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أزّوَاجًا لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍۢ لِّقَوْم يَتَفَكَّرُونَ"
بكت سلمى في صلاتها دون صوت، كبر تيّم ليركع قائما بقوله سمع الله لمن حمده
"اللهم لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك "
سجد من بعدها سجدتين أطال بهم الحمد والدعاء والإفاضة بالامنيات، قام ليصلي الركعة الثاني وهو يتلو بعد الفاتحة بصوته العذب
"أَمَّنْ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ مَآءً فَأَنۢبَتْنَا بِهِۦ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍۢ مَّا كَانَ لَكُمْ أَن تُنۢبِتُواْ شَجَرَهَآ ۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّن جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ(61) أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ(62)"
اهتز جسدها من بكائها وهي تسمع تكرراه لأية
"أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ"
أكمل تيّم الآيات أملا بارحة صدرها بها
" أَمَّن يَهْدِيكُمْ فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَن يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ۗ أَإِلَٰهٌ مَّعَ اللَّهِ ۚ تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ(63) أَمَّن يَبْدَؤُاْ ٱلْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُۥ وَمَن يَرْزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ ۗ أَءِلَٰهٌ مَّعَ ٱللَّهِ ۚ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَٰنَكُمْ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ (64)".
لا زالت تبكي وهي تستمع لتلاوته التي لمست روحها قبل قلبها.
أنهى الصلاة بالسلام على جانبيه رافعًا يديه ليدعو بعدها بصوت مسموع
"اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا، وَأَبْصَارِنَا، وَقُلُوبِنَا، وَأَزْوَاجِنَا، وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، وَاجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمِكَ مُثْنِينَ بِهَا عَلَيْكَ، قَابِلِينَ لَهَا، وَأَتِمِمْهَا عَلَيْنَا"
نظرت له بعيونها الممتلئة بالدموع لا تصدق ما هي به وكأنها بزواج حقيقي ، كاد قلبها ان يصدق ما هما به من صدق ما تشعره.
نظر تيّم على ارجلها متمنيًا لو استطاع ان يتكأ براسه عليهما ولو لثواني قليلة.
وقفت وهي تطوي سجادة الصلاة كي تضعها بمكانها، رافضة شرب الحليب مكتفية بشق تمرة قسمها بينهما .
نامت بعدها على الأريكة وهي جالسة متمنية ان تنتهي الليلة بهذا القدر دون ان تنكسر او تُظلم. لينام عريسها بعدما اشبع عينيه من جمالها فرحًا بوجودها بجانبه بسرعه لم يتخيلها.
ويا ليتها اكتملت فرحته او ليلتهم الأولى فقد انتهى كل شيء جميل بمجرد كسر باب الغرفة عليهم ودخول أبو بكر بالسلاح ومن خلفه عدة رجال ، انتفضت سلمى بعيونها المذعورة تقف بخوف ما تراه امامها تقدم حسين بوجهه المخيف من غضبه ليصبح بالصف الأول متحدثا بصوت اجش
"واخيرا عثرت عليكِ"
تقدم بخطواته المخيفة ليسحب تيم عروسته خلفه يحوطها بذراعه وهو يهددهم بعدم الاقتراب.
استهزأ أبو بكر بتهديده حين اشهروا رجاله بأسلحتهم.
تحدث الخال الكبير
"تراجع يا بني، لا تؤذي نفسك، بالأخير هم عائلة واحده لا يمكنهم اذيتها"
تمسكت سلمى بظهر تيم متوسلة له
"لا تتركني لهم ، استحلفك بالله لا تتركني لهم"
سحبها والدها بقوة هزت عرش بنيانها، هم ليدافع عن زوجته لولا تلقيه ضربة قوية أسفل بطنه جعلته يسقط على إثرها.
علا صوت عائلته باسمه بينما كان يتمتم باسمها وهو يرى خيالها يُجر أرضا لخارج الغرفة . هم ليقف من جديد متلقي ضربة جديدة افقدته وعيه.