اسم الرواية : صرخة أنثى
اسم الكاتبة : أمل محمد الكاشف
{ الرواية من روائع قصص احكي يا شهرزاد}
تصنيف الرواية : رومانسي خيالي
حجم الرواية : قصيرة جدا
بسم الله نبدأ بالصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين.
……………
لم يتحمل زهير ثقل حديثها استدار بوجهه المكدر قائلا بابتسامة صفراء:
" لكِ ما تريدين ".
تركها مبتعد عنها وهو يكمل:
" ولنا نحن أيضا ما نريد ".
ضحك بعيون تشع منها الشر مكملا:
" ستذهبين حيث ذهب الأجمل منك انتظري تبقى القليل".
ابتسم وجه شهرزاد حين سمعت احد الحراس يعقبون على ما دار بينها وبين زهير قائلا:
" اسعدك الله ونجاكِ من الظلم ".
قالها مبتعدًا هو أيضًا عنها لاستكمال عمله.
مرت الساعات الأولى من الصباح بهدوء وسكون و ترقب وحظر عاشوه اهل المملكة منتظرين أصوات أحصنة الحراس التي كانت تجوب الشوارع ببداية كل يوم لاختيار من ستنتهي حياتها بآخر الليل دون أن يسمعوا أو يروا احدا منهم في الطرقات.
بدأوا يتساءلون عن السبب منهم من رجح مرض السلطان ومنهم من توقع موته فلا يوجد خيار ثالث لتوقف هذا الظـ.ـلم والـ.ـقهر المجتمعي .
استيقظت شهرزاد على صوت زهير الغضبان وهو يوقظها كي تتجهز استعدادا للقاء السلطان في ليلتها الثانية.
جلست على مضجعها فاتحة ذراعيها للأعلى وهي تتثاوب بعيون مغمضة قائلة:
"هل جهزت فستاني ".
رد زهير بضيق وغضب قائلا:
" نعم جهزته كما جهزت كفنك تماما".
ابتسمت منزله قدميها أرضا مجيبة عليه بفرح:
" جميل اعجبني ذلك ، ولكن إياك ان تبدل لون الكفن وتجعله زهريا كي لا نحدث بدعة لسنا بقدرها".
اهتز زهير بمكانه حتى كاد أن ينفجر بغضبه قائلا:
" هيا تجهزي. لا أريد اي نقص كي لا آخذ روحك قبل أن تبدأ ليلتك".
اجابته بصوت رقق نبرته:
" على الرحب والسعة زهير أفندي".
خرجت عينيه من مكانها كما ضم فمه من اقتراب انفجاره بها خارجا من المكان قبل أن يزفها لقبرها بهذه اللحظة .
قامت شهرزاد من على فراشها وهي تفكر بكيفية استكمال حكايتها على نحو شيق متأملة في العيش ليالي إضافية منقذة أرواح اخواتها وفتيات المملكة .
قرأت ما تحفظه من آيات الذكر الحكيم داعية ربها أن يساعدها وينجيها الليلة كالبارحة.
ذهبت للغرفة الملكية بخوف و خطوات مهزوزة ، لا تعرف ما ستقصه عليه من أحداث المفترض انها قوية وجذابة لدرجة تجبره على السماح ببقائها على قيد الحياة يوم إضافي .
ورغم تعمد زهير بإخراج الفستان غير مرضي لذوق السلطان إلا أن قلبها هدئ وتوترها زال حين رأت انبهار عيون شهريار بجمالها من جديد ، ابتسم لوجهها قائلا فور دخولها:
" كان عليّ أن انهي أجلك صباح اليوم دون تأخير ".
ردت بصوت أنثوي دوى صدها بقلبه قبل أذنه قائلة:
" ماذا فعلت لسلطاني كي يغضب علي كل هذا الغضب ؟".
ضحك شهريار ضحكة عالية خرجت من عمق قلبه مجيبا عليها:
" سلطاني !".
اقتربت منه بدلال مجيبة بصوتها المهيمن عليه نغم النعومة والرقة:
"سلطاني وتاج رأسي واجمل من رأت عيناي وأرحم قلب قابلته في حياتي".
لمعت عيونه من بعد تغزلها به قائلا:
" وهل يستحق سلطانك صاحب كل هذه المميزات أن تتركيه يفكر طوال اليوم في تكملة الحكاية".
اقتربت منه بحذر عدم تصادمها به قائلة:
" ولهذا أتيت إليك مسرعةً يا مولاي. اخبرتني العصفورة إنك تفكري بي. أعني تفكر في تكملة القصة لذلك تجهزت على وجه السرعة وأتيت لأكمل لك ما تُرك ناقصا بالأمس".
طُرق الباب ليدخل بعدها المسؤول عن المطبخ ومساعديه ، فرحت لرؤيتها لهم وتشجيعهم الذي كان يظهر بعيونهم وكأنهم يقولون اكملي انت بالطريق الصحيح ، أومأت برأسها تحية وتقدير دون أن تظهر ذلك للسلطان الذي ما لبث وجلس مترأسًا مائدة الطعام التي عبارة عن عدة صواني ذهبية كبيرة موضوعين على قواعد دائرية داخلهم كل ما لذ وطاب من الاطعمة والفواكه والحلويات والمشروبات .
بدأت بإطعامه وهي تتغزل بجماله ورحمة قلبه الطيب وذكائه وتمييزه بين الصالح والطالح.
طلب منها أن تكمل له الحكاية ولكنها تدللت طالبة منه ان ينتظر حتى ينهون طعامهم كي يذهبون للفراش ليتنعم بالراحة والاسترخاء وهو يستمع إليها. وقف ماسحا فمه بمنديل قطني مرصع بالخيوط الذهبية قائلا:
" ها نحن انتهينا هيا يا شهرزاد احكي لأعلم مصير الفتاة المخطوفة".
ابتسمت بفرحة لهفته لسماع باقي الحكاية صاعده بجانبه على الفراش الملكي قائلة:
" بلغنى أيها الملك السعيد ذو الرأي الرشيد و العقل الحكيم تأثر ضي القمر باختفاء من تملك قلبها وعقلها ، فقدت الأمل في رؤيته مجدداً ولذلك عادت لعادتها السابقة تنام مبكراً وتستيقظ بموعدها المقرر لتذهب للأميرة الصغير كي تعتني بشعرها و تعلمها الرسم والأعمال الفنية التي تبدع بصنعها من مواد الطبيعة وهذا ما تحبه و تفرح بالقيام به لارتباطها وجدانيا بتلك الاميرة ذات القلب الصافي المحب.
مرت الأيام و الليالي على هذا المنوال و بليلة من هذه الليالي اجتمعت عليها ذكرياتها التي ساقتها لحراسة الطريق من خلف نافذتها كسابق عهدها متأمله رؤياه هذه المرة، خيل لها قدومه عندما سمعت صوت بالخارج اسرعت مقتربة من نافذتها واضعه يدها على قلبها المتسارع بنبضه ظنًا منها أنه أتى إليها ، رأت القطة وهي تنبش بأكياس القمامة باحثة عن طعام ، اسدلت الستائر لتعود لفراشها كي تنام ما تبقى من ليلتها. علت صرخات فتاة تسكن بالمنزل المتمركز على ناصية شارع منزلهم وهي تقول:
" ابتعد عني ، أنت تؤلمني، اتوسل إليك ان تبتعد. وترحمني".
كان رجاءها وتوسلها يدوي بالمكان كدوي صدى الصوت بالمكان الفارغ ، لم تتحمل ضي القمر هذه المرة صرخات جارتها و استنجادها بمنجد ينقذها من جحيمها اليومي ، تحركت عازمة على مساعدتها اوقفوها والديها وهم يحذرونها من الأذى الذي سيلحق بها وهم كبار السن لن يستطيعون مساعدتها وإنقاذها من هذا الظـ.ـالم. كبرت ضي القمر وترعرعت بين أب و أم يحبونها و يبذلون قصارى جهدهم لرؤية فرحتها ، يكمنون لها حب كبير جعلهم يخشون عليها من نسمات الهواء الطلق.
خبئوا عنها حقيقة عدم انتسابها العرقي لهم لا من قريب ولا من بعيد كي لا تبتعد عنهم أن أحزنها أحدهم دون قصد . وخوفاً من ظهور من يقطف ثمار جهدهم معلنًا عن نسبه لتلك الطفلة الرضيعة التي وجدتها هذه السيدة الحنونة البالغة من عمرها الثمانية و الأربعون دون أن يكرمها الله بهذه النعمة أرادت يومها أن تأخذها وتعتني بها لعلها تنفعهم عندما يصلون من العمر أكهله وقد فعلت ذلك بمحبة وسعادة باذلة قصارى جهدها في إرضاء صغيرتها.
كادت أن تبكي عيون ضي القمر وهي تستمتع لتوالي الصرخات و الآهات حتى ملئ دلوها وفاض بما ينضح لتسرع في إنقاذها دون تفكير.
وعلى عكس رجال المنطقة الذين كانوا يخشون عواقب تدخلهم كي لا يؤذيهم بشره خرجت ضي القمر من منزلها بهذه الساعة المتأخرة رافعة فستانها الطويل راكضة لتلبية نداء المظلوم دون أن تفكر بأي خطر يمكن تعرضها له من قبل الرجل المعروف عنه الظـ.ـلم والتـ.ـجبر وسرعة الغضب. كانت تركض وهي لا تدري بأمر العيون التي تراقبها من الخلف .
لم يعد صوت الصراخ نابعاً من نبرة صوت واحدة كما اعتاد الجميع على سماعه، بل شاركتها ضي القمر هذه الصرخـ.ـات حين واجهت الظالم ببنيانها الضعيف منصدمة برفعه الخنـ.ـجر في وجهها وهو محكم قبضة يده بشعر الاخرى .
لم تخشى الخنجر الذي في يده فكان همها الوحيد بهذه اللحظة كيفية تحرير شعر الفتاة من قبضته ، لا زالت تصرخ بوجهه و تهـ.ـدده كي يتركها ويرحمها.
ضحك ساخرًا مما يسمعه قائلا لها :
" أمرك سيدتي أعدكِ أنني سأتركها بعد أن أجعلكِ عبرة لكل من يتجرأ ويدخل منزلي دون إذن والأكثر يقف أمامي ليهددني دون خوف".
بكت ليونة وهي تطلب من ضي القمر أن تهرب و تنقذ نفسها منه:
" لا تأذي نفسك ، تبقى القليل ليغلب عليه شربه و نومه ، اهربي أنتِ و انقذي نفسك".
مثلت ضي القمر استسلامها خوفا من الخنـ.ـجر المسلول بوجهها ، تحركت خطوات للخلف مبتعدة عنه و عيونها على باب المنزل .
علت ضحكات ذلك الظـ.ـالم معتقداً انه انتصر من جديد ، ولكنه لم ينتظر سرعة انحنائها أرضا ممسكة بمقعدٍ خشبي من جانبها ملقيه تجاهه ليصطدم. بذراعه بقوة كادت ان تسقط الخنـ.ـجر من يده مما أغضبه أكثر ناظرًا نحو تألم ذراعه أثر كسر المقعد عليه ثم نظر نحوها وهو يقول بصوت غليظ:
" هل هانت عليكِ روحكِ يا هذه ".
ترك ابنة أخيه مقتربًا من ضي القمر كي ينهي أمرها قائلا:
" هل اشتاقت روحك للقاء بارئها".
اسرعت ليونة ممسكة مقعد خشبي آخر رفعته بقوة أكبر من التي سبقتها بها ضي القمر ثم و اسقطته على ظهر عمها كي تنقذه وتنقذ الفتاة من جريمة لا مخرج لهم منها.
سقط الخنـ.ـجر من يده زائرًا بوحشيته ليمسكُ ابنة أخيه بقوة واضعها تحت ذراعه و الاخرى اغلق عليها قبضته ضاغطًا. على أعناقهم بقوة ذهبت أنفـ.ـاسهم و احمرت لها وجوههم حتى أصبحوا مشخصين الأعين محاولين التنفس و .التفوه. بالصراخ دون استطاعة.
ساء وضعهما اكثر حتى كادا أن يسقطا فاقدين الوعي والحياة أيضا.
وبلحظة غير منتظرة تسلل .رجل غريب للمنزل حاملًا بيده جذع شجرة لا يستهان به اسقطه منتصف. ظهر الظالم مسقطه أرضا مغشياً عليه، كما سقطن هن أيضا بجانبه محاولين التقاط أنفسهن المختنقة.
أسرع الرجل باقترابه منهم وهو يطمئن عليهم قائلا بقلق:
" هل أنتم بخير ؟" و تحرك باحثًا عن ماء كي يشربونه و يهدأون بعده.
تفاجئ بحالة المنزل وعدم وجود ما يؤكل أو يُشرب بجانب كثرة كؤوس. الخمر به استدار لينظر أرضاً نحو ذلك الظالم . بغضب كبير .
وقفت ليونة رافعه بيدها ضي القمر معتذرة منها على ما أصابها ، لترد عليها الأخيرة وهي تسعل من اختناقها :
" كيف تتحملين هذا. الظالم. لقد زاد الأمر عن حده ، سأذهب غداً لأطلب من مولاتي الصغيرة الأذن بمقابلة والدها كي أقص عليه ما يفعله هذا الظالم .بكِ كل ليلة".
جلست ليونة على مقعد يشبه حالة فقر المنزل موجهة حديثها لمنقذيها:
" شكرا لكم ، ما كان عليكم أن تتدخلوا لإنقاذي ، أعلم أنكم فعلتموها بسبب صراخي و استنجادي فهذا ما يحدث عندما يشتد علي ألمي و قلة حيلتي ولكني كنت أعلم أنه سيسقط وحده بعد وقت قصير".
ردت ضي القمر بصوت غاضب:
" أي سقوط هذا ، كان الرجل سينهي حياتنا لولا تدخل هذا الرجل ، لا أعرف ما الذي يجبرك على تحمله ، لنذهب غدا للأمير توران و نقص عليه حالتك ووضعك ومن المؤكد انه سيجد لكِ حلاً ، على الاقل سيخاف هذا .الظالم من الاقتراب منك مرة أخرى".
مسحت ليونة جبهتها محاولة إزالة ألمها قائلة:
" لا تتعبي نفسك دون فائدة. لن يفعل الأمير لنا شيءً ، إن كنتِ تتأملين في انقاذي لي فأحب أن اخبرك أنكِ مخطئة ، أين نحن وأين هو؟ ، فليهنأ هو بالعيش الذهبي والحياة المرفهة وسط الجواري والسلاطين والاهم من هذا كله اشباع بطنه و رغباته".
صمتت ليونة متنهدة بألمها ناظرة إلى عمها الساقط أرضاً متحدثة إليهم من جديد:
" أذهبا أنتما و لا تخافا عليَّ سيستيقظ غداً دون ان يتذكر ما فعله ستكونون مجرد حلم أو شبح يراوده و أن سأل عنكِ و بدأ بتذكركِ سأذكره بعملك بالبلاط الملكي و ارهبه منكِ وأنا احدثه عن قربك من الامراء و السلطانة".
نظر الرجل إلى ضي القمر متسائلاً باستغراب:
" هل تعملين بالبلاط الملكي؟".
أومأت رأسها وقالت:
" نعم ولكن ليس كما قالت ، قضت أمي عمرها بخدمة البلاط الملكي وهذا ما جعلني هناك ، لينتهي المطاف بعملي أنا أيضا بالقصر الملكي كوصيفة قريبة من 'الاميرة الصغيرة سيدا' كي اغطي احتياجات عائلتي الصغيرة وخاصة بعد تقدمهم في العمر وعدم استطاعتهم الربح كسابق عهدهم ، ولكني كما قلت لكم قريبة للأميرات الصغار فقط وخاصة الاميرة سيدا ولا علاقة لي بالأمراء لا من قريب ولا من بعيد ، فنحن بجناح بعيد و منفصل تماما عنهم حتى أن اقصى معرفتي بهم رؤيتي للأمير توران وهو يبارز أبنائه الصغار بحديقة القصر ".
رد عليها بفضول كبير:
" نعم لم تعرفيهم و لكنك قريبة لحد الاستطاعة بالوصول لهم و إيجاد حل لمشكلة جارتك".
وقفت ليونة بجسدها المنهك قائلة:
" أنا لست ضعيفة ، أعرف جيداً كيف اتدبر اموري لا أريد أن أهرب من ظالم لظالم اكبر ينظر للنساء على أنهم عبيد و جواري لديه، برأيكم ماذا سيفعل هل سيخيف عمي ويأمره بعدم لمسي وهو فاقدا لوعيه من كثرة شربه، أم سيأمر بكرشه الكبير أن يضمني لجواريه، لا يمكنني قبول هذا الوضع الموت اهون لي من أن أعيش جارية انتظر دوري لإسعاده ".
نظر الرجل إلى ضي القمر متسائلاً بفضول:
" هل له كرش كبير؟".
ضحكت ضحكتها الهادئة الخجولة وهي تنظر بعكس اتجاهه مجيبة عليه:
" لا اعرف لم انظر له بشكل جيد".
هز رأسه محدثاً نفسه بصوت مسموع:
" و كيف ستعرفيه و انتِ تتهربين بعينك هكذا ، اقسم ان رأيتني غدا أمامك لن تعرفيني".
تحرك عم ليونة بنومه لتسرع هي بإخراجهم كي لا يراهم بمنزله ، استدار قبل خروجه ناظرا لها:
"لا تهتمي بوضعه اتركيه على حالته للصباح اعتني بنفسك فقط ودعي حملك على من خلقك . فلعل الله يحدث بعد ذلك أمرًا".
اسرعت بقولها:
" أنت! نعم أنت نفس الرجل الذي رأيته من قبل . هل أنت من أشترى لنا…".
قاطعها ليخرج مغلق الباب خلفه :
" أتركك في رعاية الله ".
اسرع بعدها خلف ضي القمر ليلحق بها قبل دخولها المنزل قائلا:
"عليكِ أن تذهبي للأمير غدا و تنقذي الفتاة من ذلك الظالم حتى ولو رفضت هي ، بالطبع أن كان رجلا موثوق به كما كنتي تتحدثين عنه بالداخل ".
استدارت لترد عليه دون أن تنظر له :
" و ماذا إن أعجبه جمالها وارادها جارية لديه كما قالت ، انا لا استطيع تحمل ذنب كهذا".
_" هل الجواري مظلومات بالقصر الملكي لهذه الدرجة "
سألها مترقبًا لجوابها الذي أتاه بصوتها المنخفض و هي تترقب السكون والظلام حولها.
" لا أعرف. ولكننا نعلم أنهم منعزلون عن عالمنا يقضون يومهم و عمرهم بالاهتمام بزينتهن وابراز اجمل ما لديهن لأجل إرضاء رجل واحد ، وإن ربحت احداهن بهذا فيكون لليلة واحدة تذبل بعدها و لا يعود للنظر لها مجدداً فالملوك لا يأكلون الخبز البارد ، اعتذر للاطالة ولكن من الواضح أنك غريب عن مملكتنا لهذا اردت أن اشرح لك تخوفها هي وأي فتاة حرة لديها أحلام ".
تحركت لتدخل منزلها بعدما استأذنت منه ، أوقفها بحديثه مرة أخرى:
" يعشن بقصر كبير يأكلن افضل مما يتمنين و يأخذن أكثر مما يطلبن لا إهانة لا ضرب لا فقر لا ظلم فما الظلم بهذا".
رفعت نظرها به لأول مرة قائلة:
" الظلم .و الفقر. و الإهانة الحقيقية .أن تعيش ملكًا لغيرك".
اشتد الحوار بينهما ليرد الرجل عليها:
" لا أحد يجبرهن على هذا".
و بقوة ردت عليه وهي تنظر له بحزم قائلة:
" لا ليس كذلك . جميعنا يعلم أن بينهم من يُجبر على هذا العيش . أنت لا تعرف شيء عن الحياة بالقصور الملكية كما لا يعرف من بهذه القصور شيء عن حياتنا الصعبة ".
فتحت امها الباب وهي تتفقدها للاطمئنان عليها، استدار الرجل مستأذنًا منهم مبتعدًا بسرعة عنهم غير مصغياً لما تقوله المرأة الكبيرة و دعوتها له ان يدخل لتكرمه على ما فعله مع ابنتهم.
لم تمر عدة ساعات قليلة حتى أشرقت الشمس بنورها لتضيء المملكة ، خرجت ضي القمر من منزلها مع أول إشراقة لأشعة الشمس الذهبية متوجهة نحو القصر بعد أن قررت طلب مقابلة الأمير توران و التحدث معه لمساعدة جارتها .
فكرت أن تذهب للأميرة سيدا أولا لتجعلها وسيطاً لها عند أبيها كي تقابله بسهولة ، و عند وصولها للقصر عادت عن فكرتها محدثه نفسها:
" ولما الوساطة؟، ألستُ من الشعب ومن المفترض أنه يقوم بخدمة شعبه كما يقولون عنه ، سأذهب بمفردي لأخوض التجربة وإن فشلت سنرى طريقة اخرى ندخل له بها ".
تحركت بعكس طريقها المعهود متجهه نحو القسم الخاص بالأمراء طالبة الإذن كي تقابل سمو الأمير توران .
ذهب الحارس ليخبر أحد المسؤولين عن ذلك بطلبها ، ليأتيه الرد:
" أخبرها أن الأمير غير متفرغ اليوم".
عاد الحارس ليخبرها بذلك ولكنها أصرت على مقابلتها للأمير لأمر هام ، تحرك الحارس من جديد ليدخل مرة اخرى عائدا لها بنفس الاجابة:
" الأمير غير متفرغ اليوم".
غضبت على الحارس وهي تحاول الشرح له عن اهمية الموضوع طالبة منه المساعدة والتوسط دون تجاوب منه، ليعلو صوتها الهادئ محاولة الخروج عن طورها المعهود.
من حسن حظها سماع الأمير توران لصوتها من أعلى حافة شرفته الملكية ليسأل الدوق سميح عن سبب هذا الضجيج . اجابه سميح قائلا:
" لا شيء مهم فتاة من عامة الشعب تريد مقابلتك لأمور غير مهمة ، وقفت لساعات وهي تلح على طلبها أراد الدوق أمين بيه مساعدتها و لكنها رفضت و ابت مساعدته محاولة رفع صوتها للفت الانتباه و الوصول لأهداف غير محمودة و كأنها ستأسر جلالتكم بمجرد نظركم لها ".
عاد توران لينظر من شرفته ليجد ضي القمر امامه تنظر للأعلى ملوحة له بيدها وهي تنادي عليه:
" يا سمو الأمير ،يا سمو الأمير".
دخل سريعا دون الرد عليها و هو ينظر للدوق سميح نظرات عميقة مليئة بالتفكير قائلا بعدها:
" اذهب انت إليها و اخبرها انني من ارسلك لها ودعها تقص عليك حاجتها لتأتي بعدها لتخبرني بها كما اخبرتك تماما".
انحنى سميح مُلبيًا للأمر الملكي و تحرك للخلف دون أن يعطيه ظهره للخروج من الغرفة بعد فتح الحراس أبوابها له.
عاد الامير توران لينظر من خلف ستائر الشرفة الخاصة بشرفة غرفته تجاهها دون أن يظهر لها ، سئمت ضي القمر وتحركت غاضبة لتذهب للأميرة سيدا و هي تصر على الوصول للأمير وتحدثها معه وجها لوجه لأحقيتها في ذلك رافضة أن تقص مشكلتها على الدوق سميح أو غيره.
تعاطفت الاميرة الصغيرة مع ليونة لهذا السبب ذهبت لأبيها كي تطلب منه أن يسمح بمقابلة وصيفتها ، ابتسم توران و هو يقول داخل نفسه:
" هذا يعني انكِ عنيدة و لن تستسلمي بسهولة عكس ما رأيناه بجوف الليل ".
نظر لابنته قائلا:
" سأفعلها لأجلك اذهبي و اخبريها انني في انتظارها".
فرحت الأميرة سيدا و شكرت والدها مسرعه بعدها تجاه غرفتها لتزف البشرى لصديقتها قبل أن تكون وصيفتها .
ليكون اللقاء على غير المتوقع حين دخلت ضي القمر الغرفة الملكية بعيونها الواسعة التي انبهرت بجمال و ندرة ما بها متفاجئة بصوت ضخم غريب يأتيها من خلف ستار منسدل ترى ظل الأمير من ورائه سامعه صوته:
" ليس لدي الكثير من الوقت ارسلت لكِ مندوبين عني ليستمعوا لشكوتك و رفضتي هذا، و رغم ضيق وقتي لم ارغب بكسر ابنتي لهذا عليكِ أن تفضي ما بداخلك سريعاً قبل انتهاء الوقت المسموح لكِ".
أخذتها رهبة المكان و حديثه القوي الجاف لتبدأ بشرح مظلمة جارتها ليونة التي توفى والديها بعمرها الصغير و كبرت لدى اخ والدها. الظالم الذي يمارس عليها كل فروض العبودية. و أسوء هذه الفروض. الضرب. المبرح .بآخر الليل و هو غائب عن وعيه ، وقتها لا أحد يستطيع نجدتها من تحت يده ، يتأذى الجميع لما يحدث معها ولا أحد يستطيع التدخل من الجيران لإنقاذها.
قاطعها بحدة متسائلا:
" لم يستطيعوا انقاذها لانهم مثله، ام لأنها تستحق هذا …".
قاطعته مدافعة عن ليونة:
"بالطبع لا تستحق، لا احد يستحق الإهانة والضرب مهما كان خطئه".
اقترب الحارس منها ممسكها من ذراعها قائلا باستنكار:
" كيف تقاطعين حديث سمو الأمير".
رفع الأمير يده سامحا لها أن تكمل ، ليتركها الحارس عندما رأى يد الأمير، تحدثت من جديد قائلة:
" أعتذر لمقاطعة حضرتكم و لكني مصرة على ما قلته، لا مبرر للإهانة والضرب فلا يحق لاحد ان يتحكم ويُظلم حياة الاخرين تحت مسمى العائلة والأقرباء".
رد الامير توران بقوة:
" وصلت شكايتك لننظر بالأمر و نأمر بما يصلح لحل مشكلتها ، وفصلها عن ذلك الظالم ان لزم الامر".
و بسرعة غير منتظرة ردت ضي القمر عليه:
" كيف تبعدها عنه هل ستأخذها جارية بقصرك؟ ، لا. رجاءً لا تفعل هي لا ترغب بهذا".
رفع الأمير يده معلناً انتهاء اللقاء قائلا:
" اصبح الامر لدينا تفضلي بالخروج".
حاولت أن تتحدث و تشرح باستفاضة دون جدوى فلقد اجبروها الحراس على الخروج الفوري ، ليبتسم وجه الأمير بعد خروجها قائلا:
" رغم خجلك وهدوءك إلا أنكِ عنيدة ، لقد فهمنا الآن ما سر هذه القوة العمياء بالدفاع عن فتاة دون التفكير بالعواقب".
احضروا الحراس ليونة للقصر بناء على امر من الامير. تواعدت لجارتها على فعلها ما حذرتها منه .
فُتحت ابواب الجناح أمامها لتنبهر هي ايضا بفخامة و تميز ما بها ، دخلت بأعين تدور بأرجاء الغرفة ليعلو صوت أحد الحراس قائلا لها :
"أخفضي رأسك وانحني اجلالاً لسمو الأمير".
انحنت أمام الأمير دون أن تراه مستمعه لصوته وهو يحدثها:
" استمع لكِ ما هي شكايتك".
رفعت رأسها باحثة عن مصدر الصوت لتجده آتٍ من ظل رجل يقف بظهره خلف الستار ، علا صوت احد الحراس مرة اخرى و هو يقول لها:
" أجيبي على سمو الأمير":
و بتوتر و تأثر بهيبة ورهبة المكان التي أصابتها تحدثت بنبرة مهزوزة قائله:
" لا توجد شكاية أنا بخير اعتقد أن جارتنا قد اختلط عليها الأمر ، لم يحدث ما قاله الحراس. أنا بخير و عمي يرعاني بشكل جيد بجانب رعاية سموكم للرعايا الحمد و الشكر لله".
تحدث الأمير توران بوجهه المبتسم ليقول :
" نفهم من سماعي لشكرك أنكِ ممتنة من حياتك وحكم سمو الأمير لكم ".
و قبل أن تجيبه لاحظت تحرك ظل الامير وخروجه من خلف الساتر ناظرا لها وهو يرفع حاجبه بوجه مبتسم ينتظر منها الإجابة.
اتسعت عينيها فور رؤيتها له ، أشار توران بيده للحراس كي يخرجوا و يتركهم وحدهم ،
تحدثت ليونة بتعابير وجهها المندهشة المتخوفة: " أنت ! ".
و نظرت خلفها نحو باب الغرفة لتكمل بصوت منخفض:
"ماذا تفعل هنا؟، هل انتحلت شخصية الأمير؟".
اسرع برده عليها قائلا:
" اخفضي صوتك كي لا يسمعك الحراس و يُكشف أمري".
" كيف جئت إلى هنا و ما هذا الذي ترتديه ؟، هل حقا تنتحل شخص الأمير ؟ أم انك ..".
اقترب منها ليحدثها بصوت منخفض و أعين تعلقت على أبواب الغرفة الملكية قائلا:
" اصمتي وإلا سيفضح أمرنا".
طُرق باب الغرفة لتنتفض ليونة من خوفها و ذعرها مقتربة من الرجل و هي تنظر للحراس بذعر كبير ، كما ارتبك الرجل و نظر لها بنفس النظرات التي تشع من عيونها ، ثم غير نبرة صوته لتكون قوية قائلا للطارق:
" ماذا هناك؟".
دخل الحارس و هو مخفض الأعين قائلا:
" مولاي لقد أعلمونا للتو أن السلطانة أوسيم تريدك بغرفتها لأمر مهم ".
نظر لها ثم نظر إلى الحارس و قال:
" حسنا سأذهب إليها ، أخرج أنت الآن".
انتظرت ليونة خروج الحارس لتتحدث بسرعة و خوف:
" لا تقل أنك ستذهب إليها ، سيتم اكتشاف أمرك ، لا أعرف من أين أتيت بكل هذه الثقة".
صمتت قليلا لتفكر مكملة حديثها من جديد:
" هل تشبه الامير لهذه الدرجة التي تجعلك واثقا بنفسك ذاهبا للسلطانه الام بقدمك".
و من جديد اتسعت اعينها حين خطر لها الأسوأ متسائلة:
" ماذا فعلت بالأمير ؟ أين هو ، أم أنك . . ".
اصمتها سريعًا و هو ينظر نحو باب الغرفة قائلا:
" اخفضي صوتك ، لم أفعل له شيء هو يعلم بوجودي مكانه ، فكيف لي أن اصل لهذه النقطة دون مساعدته ، انظري إلي أنني بغرفته ارتدي نفس ملابسه الملكية".
نظرت خلفها نحو الباب ثم عادت لتنظر له وهي تقترب منه أكثر مخفضة صوتها:
" هل أنت بمهمة خاصة ؟".
شرد بعيونها القريبة وبفطرتها الهادئة التي تحاول أن تخفيها عن الجميع وهي تتظاهر بقوتها وصلابتها قائلا:
" هل تكتمين سري".
ابتلعت ريقها و هي تستمع لنبرة صوته التي تغيرت وعيونه التي غرقت بعيونها دون رد ليعيد سؤاله عليها من جديد و هو يقترب منها أكثر حتى كاد أن يدعس قدمها من قربه قائلا:
" لا أعتقد أن هذه العيون و هذا القلب الكبير الذي كان خائفا علينا بجوف الليل أن يكشف سري و يعرضني للخطر الكبير ".
و بنفس حالتها وصمتها واعينها المتعلقة بعينيه ابتعدت متراجعة للخلف خطوتين، ليقترب منها مخفضاً صوته أكثر قائلا:
" ما بكِ ؟ ، أين ذهب صوتك ؟".
ضغط عليها بصوته وعيونه التي أسرتها بغزلها و قربه منها حتى عجزت عن الرد ، طرق الباب من جديد لتنذعر هي متحركة من مكانها مصطدمة به من شدة قربه ليمسكها هو من ذراعيها قائلا لها:
" ما هذه الحالة ؟ ، من يراكِ بالأمس لا يتوقع نهائياً أن يراكِ بهذه الحالة، لا تخافي قلت لكِ الأمير يعلم بأمري ، هدئي من روعك".
أومأت رأسها و هي تتحرر من بين ذراعيه قائلة:
" حسنا سأتركك الآن واذهب لمنزلي ولكن انتبه على نفسك".
و تحركت خطوات لتخرج من الغرفة متوقفة بعدها و هي تستدير له متحدثة :
" نعم تذكرت أمر ضرورى أنا لا أعلم عنك شيء لقد تقابلت مع الأمير و أنهيت الأمر و هو استمع لي و تفاهم وضعي و راعى حبي لعمي و أنه رجل صالح و سمح لي بالعودة لمنزلي هذا كل شيء هل اتفقنا".
تقدم نحوها بخطوات قوية ثابتة، اعتقدت أنه يقترب منها ليحدثها ولكنه اكمل طريقه بقوة وثبات منادياً على الحراس ليفتحوا الأبواب أمامه.
تحركت خلفه لتخرج من بعده دون استطاعة فلقد اغلقوا الابواب عليها وهم يخبروها بأوامر مولاهم باحتجازها حتى يعود .
و بعد مرور بضع دقائق تفاجأت ليونة بدخول امرأتان للغرفة الملكية مقتربين منها ليبلغوها بأن عليها ترك الغرفة الملكية و الذهاب معهم لغرفتها التي خصصت لها بأمر الأمير توران .
سألتهم عن موعد عودة الأمير لحاجتها الملحة في التحدث معه ، أجابوا عليها:
" ليس لدينا علم بهذه التفاصيل ، و ليس بيدنا سوى تنفيذ الأوامر التي وصلت إلينا ".
غضبت ليونة طالبة منهم مقابلة الأمير من جديد وعلى الفور أيضا، اخبروها عدم استطاعتهم مساعدتها وضرورة تنفيذ الأمر الملكي أولا و من ثم سيبلغون الحراس بطلبها .
كانت تريد إجابتهم بعدم إمكانية الأمير في رفض مقابلتها لكنها تراجعت محتفظه بسره كي لا تؤذي من قدم لها يد المساعدة بجوف الليل.
تحركت معهم مجبرة على أمرها محاولة معرفة الوقت الذي ستستغرقه في القصر و متى ستأتيها أجابت الأمير على مقابلتها.
" ان جد جديد سنبلغكِ على الفور ".
كانت هذه كلماتهم الأخيرة قبل أن يخرجا من الغرفة لتزداد هي غضباً و اغتياظا على الرجل الذي لا تعرف حتى اسمه.
عاد الامير توران لغرفته الملكية وهو غاضب مما سمعه من والدته السلطانة أوسيم التي اخبرته بزيادة أعداد الجواسيس و الخونة حولهم وهي تحذره بالخطر المحتم صدم يده بعرشه الملكي بقوة ارتج لها مقعده وهو يقول لنفسه: " قريبا ، قريبا سترون من هو الأمير توران".
خرج للشرفة الملكية ليتنفس الهواء العليل بعد ان ضاقت عليه غرفته ليتفاجأ بخيالها يحوم داخل الغرفة التي خصصت لها ، ابتسمت عيونه وهو يراقب حركتها التي كانت بالكاد تظهر له من خلف الستائر الشفافة و كأنها تتحدث مع أحدهم و تغضب عليه ، ارتسمت الابتسامة اخيرا على وجهه وهو يقول لنفسه:
" ستتحولين لرماد من شدة تأكلك بنفسك ، أخشى أن لا نستطيع محادثتك من بعد الآن ".
أسرع بالتراجع و التخفي خلف اعمدة و ستائر شرفته الملكية الكبيرة حين خرجت هي لشرفة غرفتها الصغيرة ناظرة نحو غرفته متأملة أن تراه ، تحرك الأمير توران و وقف بكل حرية و وضوح في منتصف الشرفة رافعا رأسه بشموخ و قوة ناظراً يمينا و شمالا متفقدا وضع باحة القصر أمامه ، لتتراجع هي عن التلويح له خوفا منها أن يكون الأمير توران حقا وليس ذلك الرجل الذي قابلته.
لم يمنعها تراجعها عن مواصلة مراقبة الأمير بشرفته حتى وصلت إلى جانبه إحدى جواريه تلك التي وقع عليها الدور لمؤانسته بليلته ، نظر نحوها ليدقق بمفاتن وجهها الحسن و ما ابدع الله من خلق بقوامها، شد انتباه ليونة متابعة هذا المشهد الذي كانت بالكاد تراه بخيالها اقتربت من جانب حافة سور الشرفة لتراقب حالتهم دون أن يلاحظها أحد.
جلس الأمير توران بمنتصف الشرفة على اريكته الكبيرة المزينة بكل نفيس وغالي لتجلس بجانبه أجمل فتاة اُختيرت من جواريه و بدأت بتقطيع الفواكه لتطعمه بيدها .
تغيرت ملامح ليونة للاستياء وهي تقول لنفسها:
" انظروا إلى هذا المتغطرس كيف يأكل من يدها دون النظر لها و الاهتمام بها".
استرقت النظر أكثر و هي تحاول أن ترفع قامتها على أطراف أقدامها كي تراهم بشكل أوضح ، ابتسم توران بتخفي حين راها بهذا الوضع مستمرا بقراءة كتابه لتسعد جاريته بسعادته و رضاه عنها، أما هي فلقد ازدادت ضيقاً و غضباً عليه و هي تقول:
" من أين أتوا بهذه الجميلة أنا لم أرى جمالا كهذا من قبل".
دققت أكثر على ملابسها الفاتنة و ما تزينت به لتبتلع ريقها و ترفع يدها لتضعها على شعرها و تنزل بها لتحركها على عنقها بشرود .
ازدادت ضحكة توران التي ارتسمت بوضوح على وجهه لتتشجع الفتاة بالتقرب منه بدلال معتقدة أنه سعيد بوجودها و لكنها لا تعلم أن سبب سعادته تلك النظرات التي يختلسها من خلف كتابه المفتوح أمامه جهة من كانت ترتفع و تنخفض و تحرك يدها على رأسها محسنه من حالة شعرها.
واخيرا انتبه الأمير على قرب الجميلة و وضعها يدها على كتفه بفرح ، أغلق كتابه ناظرا لها راغبا في الاعتذار منها كي ينهي الليلة قبل بدأها فقلبه وعقله أصبحا بمكان اخر أكثر تشويقاً و أكثر مغامرة .
تراجع عن قراره حين شاهد جمالها بهذا القرب فهي حقا تستحق شرف إسعاد قلب أميرها ، وقف توران و هو يبتسم بوجهها قائلا:
" تأخر الوقت، هيا نكمل جلستنا على فراشي".
…..
قاطع السلطان شهريار انسجام شهرزاد بسرد الحكاية قائلا:
" ألم يحن الوقت لنفعل مثلهما".
اسرعت بتحريك رأسها قائلة بقوة:
" وماذا عن المفاجأة التي تنتظرك".
ابتسم مجيبا عليها:
" لنكملها بوقت لاحق".
رفضت من جديد وهي ترغبه في استكمال استماعه لها قائلة:
" ليس لدي مانع في الفوز بهذا الشرف ولكني أخشى ان ينتهي أجلي قبل ان انهي حكايتي وما بها من مغامرات وأسرار ".
سألها شهريار بفضول عن اختفاء سالار والفتاة المخطوفة .
ابتسمت مجيبة عليه بثبات :
" ان اكملت سماع الحكاية ستعرف الجواب بنفسك ".
أومأ برأسه قائلا بوجه مستمتع:
"حسنا اكملي يا شهرزاد".
اسرعت باستكمال حكايتها بقلب يحمد ربه على استجابة السلطان لها قائلة :
" فرحت الفتاة الجميلة بكلماته و حالته فهو حقا وسيم كما يتحدثون عنه ، خفضت كتفيها أمامه تعبيرا عن رضاها و افضاء فروض الطاعة والولاء لمولاها الذي أكمل سيره لداخل الغرفة واسدل الستار خلفه و هو ينظر نظراته الاخيرة نحو من كانت ستسقط من شدة رفع قامتها على أطراف اقدامها محاولة تتبعهم داخل غرفتهم دون استطاعة.
فلقد انقطع البث عنها و عادت للداخل وحيدة متذكرة الرجل الغريب مستنكره تماماً أن يكون هو ذلك المتغطرس الذي شاهدته قبل قليل . .
اقتربت ليونة من الفراش ملقيه بنفسها عليه متمددة بشكل عشوائي مستمتعة بنعومة غطاءه و وسادته الناعمة ، شردت لتفكر بعمها ماذا حدث معه ؟ هل علم بوضعها ام لا يزال ينتظر عودتها؟ أم تم إبلاغه بوجودها بالقصر؟ ، تغيرت ملامح وجهها للضيق و هي تمد شفتيها قائلة:
" لماذا أمر بعدم خروجي يا ترى ، هل خاف من إفشاء سره ، أم إن هناك سر آخر وراء إبقائي ".
شردت بلقائهم و قربهم من بعضهم وعيونه التي غرقت بعيونها لتنام بوجهها الشارد السعيد مبحرة بالأحلام .
………
فتحت أبواب الغرفة الملكية في صبِيحة يوم جديد ليتقدم سالار كبير قادة الجناح العسكري للسلطان منحنياً للامام تكريماً و اجلالاً و احتراماً لسموه تبادلا الأحضان و الاشواق ليسأله الأمير توران :
" بعد هذا الغياب آمل أن تكون أتيت و بجعبتك ما يسرنا ".
أومأ سالار رأسه مجيباً:
" نعم يا مولاي لقد علمنا و تأكدنا مما أخبرنا به سوفالي ، مع الاسف يوجد أميرة صغيرة على قيد الحياة وهو فقط من يعلم بمكانها".
غضب الأمير توران لدرجة جعلته يتوعد لحرب طاحنة يحرق بها الأخضر واليابس حتى يعود بسمو الاميرة ويقتص ممن سولت لهم أنفسهم لفعلها .
هدئه سالار قائلا:
" ان كان سيجدي نفعا ما كنت سأعترض إطلاقا ولكني ، تقصيت و بحثت كثيراً حتى أرسلت عيوننا بكل مكان للوصول لأي خبر يقودنا لمرادنا ، دون أن ننجح بهذا فلا زال أمر الاميرة المخطوفة مختبئ عن الجميع بسرية كبيرة، لهذا أخشى أن نقوم بأي خطوة غير مدروسة نندم عليها العمر كله".
وبغضب و ضيق رد عليه الأمير توران:
" هل تنتظر مني الوقوف ثابتاً بعد إن علمت حقيقة وجود أخت لي كبرت وتربت على يد اعدائنا".
شرد سالار باشا متذكر امر السيدة المسنة قائلا :
" تبحث و تبحث لتجد ضالتك بين يديك و أنت لا علم لك" .
استغرب الأمير توران مما قاله ، ليكمل سالار كلامه أمام نظرات توران الاستفهامية قائلا:
" حين كنت أبحث و أتقصى متخفياً وجدت امرأة عجوز قد أهلكها عمرها و انهكها حتى أصبحت تسير متعكزة على عصا طويلة بظهر منحني و وجه يختبئ أسفل غطاءها الكبير الاسود ".
اقترب منه توران بكل أذان صاغية ليستمع لما يرويه سالار باشا حين تحرك بخطوات ثابتة و كلمات قوية قائلا :
" لم أهتم بها حين طلبت مني أن أشتري ما تبيعه من حلي ، لاجدها تصر علي و تمسك بيدي لتضغط عليها و تتعكز بها لتصل لجانب الطريق و هي تقول لي
" سأريك ما تبحث عنه سيطير عقلك بهذه القطعة النادرة "
جلست المرأة العجوز و افترشت الأرض بحاويتها ، لم أرد كسر خاطرها فقلت لنفسي سأشتري ما تخرجه لي واذهب لإكمال طريقي و بحثي ، ظلت المرأة تبحث عن القطعة الثمينة داخل كيسها و لسانها يصفها أنها مزينة بندبة جميلة ، و بعد ان طال بحثها نظرت لي من أسفل غطاءها و هي تقول
" اعتذر منك يا بني و لكنه كبر السن تكون أمامي و بجعبتي و لا اجدها ابحث بطرق بعيدة و مختلفة و بالأخير اكتشف وجودها بجانبي قريبة مني لحد إذا مددت يدي امسكتها ، انتظر كانت هنا ساجدها ".
صمت سالار باشا ليتحدث توران بعد ان نفذ صبره قائلا:
" لا أعتقد أنك جئت لتحدثني عن تسوقك برحلتك " .
ضحك سالار باشا و هو يرفع حاجبه مكملاً :
" نعم هذا ما ظننته حين رفضت تلك المرأة أن تبيع لي مما لديها قائلة 'أهل المدينة لن يوفوك غرضك ، لتجد ضالتك بمكان آخر' و جمعت بضاعتها و وقفت من جديد وأنا أساعدها بوقوفها حيث ذهبت بعدها مبتعدة عني ، ضاق صدري من انشغالي معها ابتعدت و أنا أفكر من أين سأبدأ بحثي بهذا اليوم لم أكمل عدة خطوات حتى تذكرت حديثها و فكرت بحديثها من أول قولها "لدي ما تبحث عنه" مرورا بقولها "تجد ضالتك بجانبك" و صولاً " لتجد ضالتك بمكان آخر" ركضت ابحث عنها عندما تيقنت حديثها وفهمت ما قصدته دون أن أجدها و كأنها ذرة ملح ذابت و بعثرت برمال البلدة . تذكرت ضغطها على يدي و ذكرها للقطعة الثمينة النادرة كل هذا أكد لي أن لقاءها بي ليس صدفة بل كانت تنتظرني ، نعم أرادت أن توصل لي رسالتها دون الإمساك بها و كشف هويتها".
و فجأة ودون سابق إنذار صمتت شهرزاد عن الكلام المباح ، حين صاح الديك معلنا أن الصباح قد لاح ، والليل يشد الرحال ، مفسحا للنور المكان ، وقلبي المعلق قنديلا ينتظر حكايات العاشقين ، تذوي ذبالته بالحنين ، لتلك الأميرة الغير معلوم مصيرها".
نظرت شهرزاد لمن طار عقله بجمال الالقاء وتنقلها بطبقات صوتها العالية والمنخفضة والحماسية والحزينة كعازف البيانو ا يخطف قلوب وتركيز مستمعيه بكل حب واستمتاع.
طلب منها استكمال الحكاية بعد ان ذاب شوقاً لمعرفة مصير الأميرة و ردة فعل ليونة عند معرفتها أصل حقيقة الأمير توران.
رفعت كف يدها لتضعه على فمها وهي تتثاوب من نعاسها مجيبه عليه:
" صاح الديك يا مولاي . عليك ان تنام عدة ساعات تعينك على مهامك العظيمة في رعاية و حماية المملكة والرعايا. أعدك أنني سألقي المزيد والمزيد من الاحداث المشوقة الليلة".
طُرق الباب ليدخل زهير هذه المرة مترأسًا الحراس كي يصطحب من وصفها بالمتعجرفة لمثواها الأخير.
صُدم بسماعه صوت ضحك السلطان وهو يجيبها " هذا يعني إنكِ قررتي البقاء لليلة أخرى"
" ومن يجلس بجانبك يا مولاي دون ان يطمع في قلبك الحنون"
اقترب زهير قائلا:
"لا عليك يا سيدي ساتولى أمرها بنفسي ومن بعدها سأبحث لك عن اجمل فتيات المملكة لتكون ضيفة حضرتكم الليلة".
رد السلطان قبل نومه:
" لا تبحث عن أحد. فلتبقي هي الليلة بشرط أن لا تتأخر وإلا قطعت رأسك قبل رأسها".
وسعت عيناه وهي يخفض راسه امرك يا سيدي ستكون أمام بابك تنتظر السماح بالدخول قبل الموعد المحدد.
اغمض شهريار عيناه لتنزل بعدها شهرزاد من على الفراش متقدمة الحراس في سيرها منطلقة لخارج الغرفة وهي تلتقط أنفاس الراحة والنجاة.
حدثت زهير قبل أن يتركها للحراس فور خروجهم:
" أريده اخضرا بلون الشجر".
"بلون الشجر ؟ هل ستزينية بأجذاعها ام غصونها هذه المرة ".
ردت بجدية:
" يكفي أن يكون ملكيا بلون وملمس فستان السلطانة الأم بحفل الربيع ".
زفر زهير بغضبه :
" ولما كل هذه الغلبة كان عليك أن تقولي قماش ستان لامع بلون اخضر ملكي ".
ابتسمت شهرزاد مجيبة:
" أحسنت هذا هو".
تحركت عدة خطوات توقفت بعدها ناظره له:
" اكون ممنونه لك ان اخترت لي تاجا بسيط بنفس اللون".
قالتها مكملة سيرها أمام الحراس بقوة وشجاعة وفرحة.
اهتز وتأجج من غضبه حالمًا باللحظة التي يقبض روحها بها .
...........
وهل ستأتي هذه اللحظة يا زهير
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.
منها "رواية حياتي"
رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..