عروس بغداد
بقلم الكاتبة أمل محمد الكاشف
"أرأيت كما قلت لك. كنت اعلم انها ستسامحك"
تغيرت ملامح وجهه من جديد
"لا فهمتي •خطأ •هي لم تسامحني "
اسرعت باجابتها التي جاءته بثقه كبيرة
" بالعكس تمامًا سماعها لحديثك وجوابها عليك بجانب تبريرها ما فعلت كل ذلك يخبرنا أنها سامحت منذ وقت بعيد ، حتى يمكنني ان اقول لك يا ليتك فعلتها قبل ذلك. المرأة كانت تنتظر اتصالك كي ترتوي بقربك"
فرح خليل متسائل بحماس الامنيات
" هل يعقل ان يكون ما تقولينه صحيحًا !، لا اعرف اود ان اصدقك ولكن صوتها وما قالته لي لا يوحي بذلك.."
_" لا تفكر بصوتها فلولا حبها لك ما كانت ستتحدث معك وهي حزينة ومكسورة منك ، لقد سامحتك بشكل مبطن ، تظهر حزنها وبنفس الوقت تعفو عنك ، هكذا نحن النسوة لا يمكننا ان نعلن مسامحتنا بسهولة نتدلل حتى نكسب قلب محبوبنا بشكل كامل دون شريك"
شكرها خليل على مساعدتها له فقد كان تائه بدنيا الغربة وهي من جاءت لتنقذ روحه من الانهيار وراء حزنه.
………
على الجانب الآخر كانت هند تجلس بجانب صديقتها على الاريكة قائلة
"لا اعرف ماذا اقول. حيرني هذا الخليل كل يوم بشخصية مختلفة . يجعلني اتعاطف معه بأوقات وباوقات اخرى يصبني •بالغضب •لدرجة تفقدني عقلي"
_" لا عليكِ لقد اجبت عليه وانتهى ، هكذا افضل لنا .. كان عليّ أن أعطيه حقه واشكره على ما فعله معي ومن ثم نفترق … حتى من الجيد أنه تواصل معي كي لا يشعر بالذنب تجاهي"
ردت هند وهي تنظر لعيونها
"حالة وجهك وصوتك لا يخبرونا بما تقولين ، استمع لانين جرحك من مكاني هنا ، أرى خذلانك وكسرتك بعيونك الغائمة ، ان مثلتي على العالم لا تستطيعين التمثيل عليّ"
اغمضت سلمى عينيها ملتقطة انفاسها الدفينة ببئرها المظلم لتزفر بها بهدوء منهك قائلة
"ما كنت سأخبرك لولا مجيئك بغير وقتك ، ولهذا لا تجعليني اندم على الفضفضة معك"
_"بغير وقتي! بل جئت بالوقت المناسب نعم لقد ارسلني الله لكِ كي أكون شاهده على بكائك وحزنك، يكفيكِ إلقاء كل ما تتعرضين له بداخلك ، اسمحي لمشاعرك ان تتحرر لتعبر عن حالاتها ، الحزن ليس بعيب والبكاء ليس بضعف جميعنا نمر بكل هذه المشاعر اسمحي لنفسك ان تفصحي عن الحزن والضعف دون الهروب من نفسك"
ابتسمت سلمى بسخرية
" لا يمكننا وصف دواء واحد لكل المرضى، فالجميع لا يملكون لا نفس الاعراض ولا نفس العرض ، حتى وإن اشترك المرضى بنفس المرض ستختلف الأعراض وقدرة التحمل من شخص للأخر هناك من يصاب ويتعافى وهو يقف على قدميه وآخرين ينهارون ويحتجزون بالمشافي حتى يتعافون "
ردت هند بحزن
" سلمى هوني على نفسك لا تبرري لنفسك وتختبئي خلف الشعارات والكلام المنشود ، لنفسك عليك حق "
اجابتها سلمى داخلها
"تقولين ما تقولين لانك لا تعرفين حجم ما مررت به، إن تركت نفسي للحزن يوم وفاة أمي وزواج أبي واجباري على الزواج لأجل الأعراف ما كنت استطعت رفع رأسي لا من قبل ولا من بعد"
نادتها هند كي تخرج عن صمتها وتجيب عليها.
نظرت نحوها بروحها المنتهية قائلة
" حسنا سأحاول فعل ما تقولين ، والان هل تأتي معي كي نصلي العصر "
فتحت هند هاتفها كي تنظر للساعه وهي تجيب عليها
"لا زال أمام الأذان نص ساعه على الأقل"
صمتت هند قليلا متعمقة بالتفكير ليسود الهدوء والسكون المكان لعدة ثواني تحدثت بعدها
"لنغلق صفحة خليل ، ان كان هذا ما يريحك لنغلقها ،لا داعي لحرب الزوجات لأجل البقاء، فلتشبع زوجته به ، ولكنكِ ستعديني بأن تنتبهي على نفسك"
أومأت سلمى برأسها وهي تحدثها لتفاجئها
" هل تشاركيني طعامي، افكر ان اذهب لتناول الطعام بالمطعم الجديد"
_"اي جديد ؟ ماشاءالله من يرى كم المطاعم والمتاجر التي فُتحت بالمكان في هذا الوقت القصير لا يصدق اننا قبل سنة بالضبط من الآن كنا نضطر ان نذهب لأماكن بعيدة كي نجد ما يرضي شهيتنا"
ابتسمت سلمى بقولها
"انسيتي اننا نعيش بمدينة وصفت بأكبر صرح معماري حديث ، تشعرين وكأنهم يسبقون الوقت والزمان بالانشاءات الحديثة ، لم يتركوا شيء إلا و قاموا ببناءه على نحو أذهل العالم أجمع وليس نحن فقط ، فلا تأتي وتتحدثين عن عدة مطاعم واسواق تجارية فتحت بالمكان ، اتوقع اننا سنرى بالمستقبل إمارة معلقة فوق الإمارة "
طرق الباب عدة مرات ، علا صوت سلمى
"تفضل "
فُتح الباب اذ بها تسنيم تقف بوجهها المبتسم حاملة بيدها حقيبة ورقية ، وقفت سلمى بقلق
"تسنيم ! كيف اتيتي لغرفتي وحدك"
لم تصل لمنتصف الغرفة حتى انتبهت لنظر تسنيم لشخص مختبئ بجانب الباب .
وقفت سلمى بمكانها حين ارتاح قلبها ، ابتسمت للفتاة قائلة
"تفضلي ادخلي "
مدت تسنيم الكيس الورقي أمام الدكتورة وهي تنظر لمن بجانب الباب قائلة
"اخي اشترى لكِ هذا "
خرج تيّم من مخبئه بسرعة وهو يتلعثم بكلماته من شدة المفاجئة مدافعًا عن نفسه
"ما بكِ يا اختي ألستِ أنتِ من أراد شراءه لها"
هزت تسنيم رأسها بالنفي ليزداد تيّم تلعثم وارتباكًا
"اختي حبيبتي ألم ترغبي بتناول الطبيبة مما نأكل نحن"
اومات اخيرًا برأسها ليأخذ هو نفس عميق قائلا بعده
"هذا هو …"
لم يكمل تيّم كلمته حتى ردت اخته
"أراد اخي ان يشتري لكِ وانا فرحت لأجل ان نأكل جميعًا من نفس الطعام"
أشفقت هند على وضع دكتور تيّم المخجل أمام نظرات سلمى الفارغة من المشاعر والتعابير لذلك تدخلت قائلة
"و أين نصيبي! هل تذكرتم سلمى دون ان تتذكروني؟"
ردت تسنيم بفرح وتلقائية
"اشترى اخي وجبات اضافيه لأجل الممرضين كي يسمحوا لنا بإدخال الطعام لأمي"
وضع تيّم كف يده على عينيه ليخبئهم وهو يقول
" قضي علينا… "
ضحكت هند وهي تقترب من تسنيم كي تحتضنها وتقبلها
"ما اجملك والله لا احد سعيد بحياته بقدرك"
ثم نظرت لصديقتها مشيرة بعينيها نحو الفتاة
"هيا يا دكتورة سلمى اقبلي الهدية ولا تحزنيها"
مدت سلمى يدها لتأخذ الوجبة الخاصة بها قائلة لدكتور تيّم
"تعجبت من لجوئك للرشاوي وانت بجانبك لفيف من المعارف يستطيعون تمرير ما تريد قبل ان تطلب منهم"
اسرعت تسنيم باجابتها الطاحنة
" الموظفين الجدد غليظين وأيضا كي لا تقف اللقمة بحلقنا ،أليس كذلك يا اخي؟"
نظر تيّم وراءه قائلا بصوت مزاحه
"أين اخيكِ أنا لا أراه"
ثم عاد لينظر لسلمى متسائلا
"هل رأيتم أخاها!"
ابتسم وجهها الباهت مجيبة عليه
"من الأفضل أن لا تتناول السيدة تهاني من هذا الطعام، لأجل التحاليل المراد إجراؤها صباح الغد ، لن يضرها بشكل كبير ولكنه من الممكن ان يؤثر على النسب مما يطيل من بقائكم بجانبنا وقت اكبر"
رد تيّم بجدية
"حسنا أنتِ محقة ، لنذهب للحديقة كي نتناول انا واختي طعامنا ومن ثم نصعد لها"
_" وعد! "
تأمل عيونها الحزينة و وجهها الباهت وهو يجيبها
" سأفعلها بدون وعود فأنا اكثر من يريد العودة للمنزل ، هلكت وانا اتنقل بين العمل والمستشفى"
تحدثت هند متسائلة بفرح
"هل وجدت عمل جديد ؟"
_" بالأصل كان لدي عمل خاص عدت له"
مد يده وأعطاها وجبة خاصة لها
"تفضلي أنتِ أيضا بالهناء والشفاء"
تحمست هند قائلة
"لنذهب نحن أيضا للحديقة كي نتناول الطعام بشكل جماعي"
نظر تيّم نحو سلمى وهو متأكد من تحججها بالأعمال كي ترفض بشكل جميل ولكنها صدمته بقولها
"أذنّ العصر لأصلي فرضي أولا ومن ثم آتي إليكم"
دق قلبه طبول الفرح
"ممتاز وانا أيضا سأذهب للصلاة ومن بعدها ننتظركم بالحديقة"
تمسكت تسنيم بالدكتورة هند
"وانا اريد ان اصلي معهم "
نظر لأخته ثم نظر للدكتورة هند ليجدها تخبره بتحملها مسؤولية اخته حتى يلتقيا بالاسفل.
استأذن منهم وخرج من الغرفة ، اقتربت هند من صديقتها وهي تقول
" ألم تشعري بشيء غريب!"
اخفضت سلمى صوتها وهي تنظر لانشغال تسنيم باكياس الطعام
"اي غريب!"
_" دكتور تيّم! الرجل تتغير ملامحه كلما وجه لكِ الحديث "
ردت سلمى باستنكار "لا تقولي يخاف منكِ !"
ضحكت هند وقالت
"خوف؟ "
زاد ضحكها لتكمل به قائلة
"وهذا أيضا موجود فلا احد منا يأمن غضبك حتى الان"
تحركا لخارج الغرفة وهما منشغلين بالتحدث مع تسنيم التي كثرت اسئلتها فور بدأ سيرهم تجاه المسجد ، منبهرين بكم المعلومات الدينية التي تلقتها الفتاة من المدرسة الخاصة بها
أنهوا الصلاة وتجمعوا بالحديقة ليبدأوا فتح وجباتهم ، تحدثت دكتورة هند قائلة
"لا تصدق لو قلت لك اننا كنا نتفق على الذهاب لنفس المطعم بالوقت الذي دخلت انت بالطعام علينا"
ردت تسنيم وهي تأكل
" قلب المؤمن دليله. هكذا معلمتي تقول لنا القلوب حينما تحب تفكر وتستمع لمن تحبهم دون التقاء"
ابتسم تيّم بقوله
"نعم احسنتي يا جميلتي هيا تناولي طعامك دون ان تسقطي على ملابسك"
كان يحاول ان يسيطر على أخته كي لا يُفضح أمره ، ولكن هند لم تصمت حين شعرت بحالته و أرادت التأكد من حديثها موجهة سؤالها للفتاة
"هذا يعني ان قلبك شعر بالدكتورة سلمى ، يا قلبي أنتِ هل لهذه الدرجة تحبينها"
هزت تسنيم رأسها بالنفي
"لست أنا "
وإشارات على أخيها "تيّم من فعلها"
{ حد يطلب المطافي يا جدعان 😂😂😂حرررريق ههههه🔥🔥🏃🏾♂️🏃🏾♂️}
حاول ابتلاع طعامه دون أن يظهر تلعثمه به ودخول أجزاء منه في القصبة الهوائية ثواني معدودة احمر وجهه وعلا صوت سعاله بعدها وهو يحاول التقاط أنفاسه بشكل سليم.
اسرعت سلمى بالتحرك والاقتراب منه وهي تعطيه زجاجة الماء ليزيد هذا من سعاله مبتعدًا عنها كي يستطيع إخراج انفاسه بشكل صحيح ، اقتربت من جديد وهي تضع يدها على ظهره كي تحني قامته العلوية للامام صادمة كف يدها في منتصف ظهره، تحدثت هند لصديقتها بسرعة وخوف
"ماذا تفعلين الرجل يحتاج لمناورة هيمليك ، أخشى أن يكون الوضع سيء"
رفض تيّم ما تقوله هند مبتعدًا عن سلمى وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة
"أنا بخير.. "
أخذ زجاجة الماء من يد الدكتورة هند ليبدأ بشربها وهو يأخذ اخته •الخائفة •عليه بحضنه يحنو عليها ليطمئنها عليه دون كلام .
راقبت سلمى التفاصيل الصغيرة التي قد لا تثير انتباه من حولهم فلا يشعر بقدر الحنان والاحتواء أكثر ممن يفتقدهم.
جاءها اتصال من الطوارئ اسرعت بالرد والتحرك نحو المشفى وهو تقول لهند
"حادث حريق منزلي "
اسرعت هند لهرولتها بجانبها وهي تستمع لها
" ام وأربعة أطفال ، لنعرف مدى تأثرهم أولا ومن ثم نتدخل بتنظيف الحروق وإجراء………"
اتسعت عيونها مما رأت بحالة الام السيئة علا صوتها
" انقلوها لغرفة العمليات بسرعة"
ألقت نظرة سريعة على الأطفال وهي تستمع لدكتور احمد
" يمكننا السيطرة عليهم اذهبي أنت وانقذي الأم بسرعة "
رد دكتور فارس "دكتور سالم في الطريق إلينا "
اجابتهم وهي تسرع بطريقها لغرفة العمليات
"فليلحق بي على وجه السرعة"
كان وضع المرأة سيء جدا وخاصة أنها مريضة بالسكري وهذا ما صعب عملهم وطال وقت اسعافها بالداخل ، شاركهم اكثر من طبيب متخصص محاولين انقاذ المرأة بأقل •خسائر•، ازدحمت غرفة العمليات بالأطباء كل يعمل بجهة مختلفة من يمسك الساق اليمنى وآخرين باليسرى اما قامتها العلوية فحدث ولا حرج .
تأثر الجميع من سوء الحالة رغم انقاذها من الموت المحقق باعجوبة كبيرة، خرجوا بوجوههم المستاءة الحزينة المعبرة عن مدى •فظاعة •ما رأوه وعايشوه بالداخل. تاركين المرأة الملتفه بشرائط الشاش الطبي بامانة الممرضين ليهتموا بمتابعة حالتها .
………..
عادت لمكتبها وهي منهكة لا طاقة لها ، ابتسم وجهها المتعب فور رؤيتها كيس ورقي على اريكتها الخاصة بها ، اقتربت لتفتحه مخرجه منه وجبة الطعام لتأكلها وهي مغلقة الأعين ، تضع اللحم بفمها ومن بعده الارز الاصفر طويل الحبة بتعب كبير جعلها تمضغ الطعام ببطء شابه الاطفال.
دخلت هند عليها الغرفة وهي تشتكي من ألم ظهرها وقدميها ، لم تجيب سلمى لها من شدة ارهاقها جلست هند بجانبها لتشاركها الطعام وهي تقول
"هل ذهبتي و اشتريتي منه ؟"
ردت عليها بصوتها المنخفض
" وجدته على الأريكة عند عودتي من غرفة العمليات"
ابتسمت هند بداخلها
"اقسم ان عينيه و وجهه الضاحك هما من فضحوه "
نظرت لصمت سلمى قائلة
"هل وجهه يضحك بوجه الجميع هكذا امامك فقط ، اعني امامنا لاجل معرفته بنا ، رغم ان الشاب يتسم بوجه بشوش لا تميزين بين حزنه وفرحه من شدة وسامة ملامحة"
رفعت عنينها مجددًا لتجد سلمى تتراجع بظهرها لتستند على الاريكة وهي مغلقة الاعين، أكملت حديثها العميق وهي تغلق عينيها
" اسمر اللون ابيض القلب"
ضحكت بصوت عالي مكملة حديثها بنبره منخفضة
" ولكن درجة سماره مقبول ، أقول لنفسي ماذا ان كان ابيض بشعر اصفر ، هل كنت تركت الأولاد لزياد و…."
قاطعتها سلمى بضيق
"عن ماذا تتحدثين انا لم افهم عليكِ"
ردت دكتورة هند
"كنت أتساءل عن وضع المسكينة "
تغيرت ملامح وجه هند
" آآه لقد شاب قلبي عندما رايتها بهذه الحالة عافانا الله من نار جهنم"
امنت سلمى على ما قالته صديقتها وهي تتحرك كي تمسح يديه واضعه عباءتها السوداء على رأسها
"انتهى دوامي سأعود للمنزل أريد ان أخذ حمام دافئ كي انسى عبء اليوم واخلد بعده للنوم بسلام ، لا اريد سوى النوم بهدوء وسكون هذه الليلة لذلك سأعود لاعتزل هناك وحدي"
أيدت هند قرارها لتكمل سلمى
"من الممكن ان لا ااتي غدا للمستشفى تحدثت مع دكتور سالم عن ذلك ، لا تتصلي بوقت مبكر احذرك من الان ، اريد ان اشبع جسدي من الراحة والنوم دون مسؤوليات"
ابتسمت هند
"سأفعل ذلك ان وصلتي للمنزل قبل ان تنامي بمنتصف الطريق "
_" هذا ما سيحدث . حتى يمكنك ايجادي على اريكتي أن اطلتي حديثك"
ضحكت هند مؤكدة عليها ضرورة اتصالها بها فور وصولها للمنزل ، تحركت لتأخذ بواقي الطعام لتضعه في سلة القمامة الرئيسية وهي تخرج من غرفة المكتب لتغلق سلمى بابها خلفهم قبل رحيلها.
………
أراد خليل أن يتصل بسلمى مرة أخرى متخذًا من كلام عبير باب أمل جديد يدخل منه ، لاحظت رشيدة تغير زوجها وشروده الزائد عن الطبيعي في هذا اليوم.
راقبت كثرة حركته وتجوله بين الغرف وهي حزينة على وضعهم ، نظرت لبطنها الكبيرة قائلة لنفسها
"لم أتوقع ان هذا ما سيكون عليه وضعنا عند قرب تحقيق حلمنا"
تركته ودخلت لتنام على فراشها بحزن كبير، اغلق خليل عليه غرفة الصالون فاتحًا هاتفه متصلًا بسلمى عدة مرات متواصلة .
خرجت من الحمام وهي تنشف شعرها الذي عاد لطوله مرة أخرى جلست على فراشها وعيونها تنظر على شاشة الهاتف بثبات وحزن كبير.
سمعت صوت وعوده واحلامه معها ، رغرغت عينيها بدموع الحنين للماضي حين تذكرت إنقاذه لها ومحاولاته الكثيرة بإخراجها من حزنها الكبير ناسجًا معها الأحلام المستقبلية، تحركت لتنزل تحت غطاءها وهي تتذكر تسلله لغرفتها ليلا بعد نوم الجميع كي يشاركها قراءتها وتلخيصها لكتب الطب المتنوعة.
خلط الحنين الضيق حين تذكرت ما فعلته رشيده بها كي تحافظ على زوجها ، استصغرت نفسها وهي ترى ضعفها أمام عينيها مجددًا .
كرهت انوثتها وهي تتذكر تلك الليلة التي ارتدت وسلمت له نفسها حالمة بحياة جديدة سعيدة لولا ان حال الله بينها وبين أحلامها باصابة خليل بذبحة صدرية حينئذ ، نامت على ظهرها واضعه يدها على عينيها كي تمحو الليلة الاخيرة من أمامها قائلة
"لن اندم ، لن اندم على قدر الله ومشيئته ، كان له حق لدي واخذه على أتم وجه كي لا أصبح مدانة له طوال العمر"
ظلت تتقلب وسط الذكريات الحارقة للروح تغوص بقاعها كلما سمعت صوت رنين الهاتف نادمة على عودتها للمنزل .
لم تنم إلا عدة سويعات قليلة ذهبت بعدهم للمشفى مع أول شعاع الشمس ذاهبة لغرفة المرأة المصابة بالحرق كي تطمئن على وضعها.
تفاجأ دكتور سالم بدخولها عليهم قسم العناية المركزة، ابتسم وجهه
"لم يطاوعك قلبك على ترك مرضاكِ"
ابتسمت ابتسامة كادت ان تظهر بها بكاء قلبها الملتهب بجرحه النازف
"نعم هذا ما حدث اردت ان اتي واطمئن عليها بنفسي"
_" لا زالت الحالة مستقرة نسبيًا ، وضع مرضها بالسكري جعل الامر اكثر تأزمًا ولكننا نحاول السيطرة على هذا أيضا"
تابعا سويا عدة حالات حرجة يتناقشان حول وضعهم المقلق وكيفية التدخل عند حدوث ما يتوقعونه. انتهت المتابعة ليخرجا من قسم العناية المركزة بجانب بعضهما ، تحدثت سلمى لدكتور سالم شاكره مجهوداته طوال مناوبته الليلية قائلة
"أنا هنا من بعد الان يمكنك تسليم مهامك والعودة لمنزلك يكفي بهذا القدر"
_" سأفعلها على الفور المرضى امانه بعنقك"
ابتعد عنها لتبدأ هي سيرها تجاه المرضى الآخرين كي تطمئن عليهم ، وقفت منتظرة اقتراب تيّم منها وهي تحدثه
"اشكرك على طعام الأمس"
_"لا شكر على واجب اتمنى ان تكوني تناولتي منه ولو القليل"
اومات راسها
" لقد رأيته بوقته تمامًا حقًا شكرًا لك"
فرح قلبه وهو يقول
"على رأسي يا دكتورة ، لا شيء يضاهي قدر ما تفعليه معنا"
_" بالمناسبة سأكتب قرار احلامك اليوم على ان ينفذ صباح الغد"
ابتسم وجه تيّم بفرح "هل سيتم تخريجنا"
_" اعلم انها امنية كل مريض فلا احد يحب البقاء بالمستشفيات سواي"
حزن على كلماتها التي خرجت منها دون حساب تحرك خلفها وهو ينظر لتخبئتها لعيونها الدامعة كي لا يرى دموعها الحزينة بهم قائلا
" أنتِ تحبين عملك وتتفانين بالعطاء ومساعدة الجميع لذلك أصبح انتمائك للمستشفى اكبر من اي مكان اخر"
كان يتحرك بجانبها جهة المصعد الكهربائي وهو يحافظ على المسافة الفاصلة بينهما لرغبته بعدم تركها وهي بهذه الحالة، حدثها عن عقار جديد طرح مؤخرًا بالاسواق الطبية وهذا ما جعل حديثهم يطول، غمز الممرضين لبعضهم البعض
"اشتم رائحة الفراولة تحلق بسمائنا. من الواضح أننا سنستمتع كثيرا الأيام القادمة"
وبرغم عدم حاجته للمصعد إلا انه دخل بجانبها كي يكملا حديثهما ، وبمجرد دخولهم وإغلاق الباب عليهم حدث ما لم يخطر بالحسبان، حين انزلق المصعد من جهة دون الأخرى بسرعة انقطاع بأحد حباله ارتجف ضوء المصابيح الإلكترونية منذرة ببدأ انقطاعها، صرخت سلمى صادمة يدها على الباب محاولة فتحه.
امسكها معيدها إلى جانبه وهو يقول بخوف
"اهدئي ماذا تفعلين لا يمكنك فتحه "
همت لتعود لتصدم الباب بكل قوتها لولا تحذيره لها
"اثبتي أخشى أن تؤثر حركتنا على ثباته"
فتحا مصابيح هواتفهم عند انقطاع الضوء بشكل تام متفاجئين بانزلاقه المصعد بشكل مائل مجددًا صرخت سلمى واضعه يدها منتصف صدرها
"اشهد ان لا اله الا الله وأشهد ان محمد رسول الله "
نظر تيّم للأعلى باحثًا عن مخرج لهم دون أن ينجح ، مد يده ليلامس الباب دون أن يحرك قدميه ليتكرر انزلاق المصعد من جديد.
سمعا صوت فرق الأمن وهم يحدثونهم
"نعمل على اصلاح العطل لا داعي للخوف كل شيء تحت السيطرة"
اقترب مدير المشفى الذي أتى مسرعًا فور سماعه بالكارثة الجديدة متسائل عن الوضع،
أقترب أحمد حازم المدير المسؤول عن صيانة المصاعد ليتحدث بصوت منخفض
"الوضع حساس ان سقط المصعد قبل إنقاذ من بداخله سيكون …"
غضب المدير عليه
"سيكون ماذا ! . ماذا أخبرني! أين كنت أنت وفريقك حين وصل الوضع لحد الكارثة"
تحدث أحمد حازم بضيق
"ملف طلب الموافقة على بدء صيانة المصاعد موجود على مكتب حضرتكم قبل شهرين من الآن"
رد مدير المشفى بغضب
" تدخل وانقذ الوضع بسرعة"
رد حازم على مضض
"أساسا هذا ما تفعله فرق الأمن والصيانة "
شعرت سلمى بدوران في رأسها قلق تيّم من حالة عيونها التي كانت تنبئ بقرب سقوطها، اقترب منها كي يمسكها ويجلسها أرضا قائلا
"لا تخافي سينقذوننا. اهدئي وتنفسي بهدوء"
اسرع بأحكام واغلاق ذراعيه عليها مستند بظهره على أحد جوانب المصعد حين فقدت وعيها بلحظة ارتجاج المصعد وانزلاقه بشكل كامل ساقطًا بكل قوة ليثبت بالدور المعني بجراج السيارات .
هرع المسؤولين وأفراد الأمن والصيانة للأسفل
تم استدعاء سيارة الإطفاء تحسبا لحدوث حريق ينتج عادة في هذه الحوادث، بكت هند وعدة طبيبات صديقتهم بعد أن توافدت أنباء عن بدء شرارة الحريق أعلى المصعد.
فتح تيّم عينيه بعد أن انقطع هو أيضا عن عالمه لعدة ثواني اثر الاصطدام ناظرا لمن •سقطت •أعلاه وهو لا زال متمسك بها خوفًا عليها دون أن يستطيع التحرك. زفر أنفاسه عدة مرات محاولا ان يستمد منها قوته ليتحرك ويرى من لا صوت لها .
فشل مجددا وكأنه شل بشكل تام ، قل الاكسجين بالداخل ليفقد تيّم وعيه مجددًا، نجحت فرق الأمن بفتح مربع بالباب بواسطة منشار آلي استطاعوا بعدها سحب •الضحايا •من اقدامهم بسرعة كبيرة معتقدين أنهم كثر. تم وضعهم على أجهزة الاكسجين ومنعهم من التحرك التام حتى الاطمئنان عليهم .
ليمر النهار ويحل الليل وهم تحت تأثير الادوية والردود التي اصيب بها تيّم اثر التصادم القوي .
فتح عينيه بصباح يوم جديد ليجدها على الفراش المجاور له تنظر إليه بعيونها الحزينة.
سألته فور انتباهها لاستيقاظه
"هل انت بخير؟"
حرك رأسه لينظر للاعلى متسائلا
"كيف حال امي واختي"
_"بخير أتوا بالأمس ليلقوا نظرة عليك ومن ثم عادوا لغرفتهم"
التقط أنفاسه ليزفرها بعدها بصعوبة تعبه قائلا
"وماذا عني لماذا لم تضموني معهم"
_"هل تريد أن تنضم لهم"
مازحها بصوته المتعب
"نعم فمن الواضح أن عملنا سيطول معكم"
تحركت لتجلس على فراشها بصعوبة تألمها من جسدها
"اعتذر منك. علمت من الأطباء أنني السبب في تدهور حالتك وتأثر ظهرك بهذا القدر. فلولا سقوطي عليك بقوة ما كنت ستتأثر لهذه الدرجة. لا أتذكر السقوط الأخير الذي يحكون عنه ولكني اتذكر تمسكك بي بقوة كبيرة •خوفًا •من اصطدامي يمينًا او يسارًا"
اغمض عينه بتعب كبير لتكمل هي بحزن وصوت مهزوز كاد ان يبكي من ثقل الأقدار
''هل تتألم؟''
أجابها مازحًا
"ألم! لا . لا يوجد ألم اختبر نفسي فقط لارى هل أصلح في مجال التمثيل أم لا"
نزلت الدموع من عينيها قائلة له
"رجاءً لا تجعل طريقك يقاطع طريقي مرة أخرى. أهرب وابتعد. حتى يمكنك تغيير المشفى كي لا يصيبك قدري السيء"
_"هل كل ذلك لأجل أن لا اشاركك شطيرة الجبن الخاصة بكِ"
قالها بصوت ضعيف حاول أن يكون مازحًا ولكنه فشل بذلك مقابل احتياجه الكبير لالتقاط أكبر قدر ممكن من الهواء بداخله.
نظر لجهاز الاكسجين مشيرًا لها بعينيه نحوه، نادت سلمى على الأطباء من خلال زر طلب الحاجة ليهرولوا نحوهم واضعين الاكسجين على فم المريض.
وبعد مرور نصف ساعة من السكون والهدوء جاء زبير لزيارة صديقه ألقى السلام عليهم و وقف بجانب تيّم كي يطمئن على وضعه.
مد نظره نحو نوم الدكتور سلمى قائلا
"من الجيد انني جئت بهذا الوقت حفظنا الله من اقدارها"
ابتسم تيّم بتعب "لا تخف انا بجانبك"
ضحك زبير
"الان اطمأن قلبي فليسقط علينا الحائط وأنا مطمئن"
ضحكا بصوت منخفض ليكمل زبير حديثه
"هيا تحسن كي اسافر وقلبي مطمئن عليك"
ارتعشت اضاءة الغرفة وكأن التيار الكهربائي سينقطع عليهم، نظر زبير لصديقه بخوف
"اقسم ان الاقتراب منها تعدى حيز المزاح ، القطط والعفاريت أهون كثيرا مما انتم به"
_" شدد من ازرك يا اخي ، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا"
انحنى زبير على صديقه قائلا
" وَلا تُلقُوا بِأَيديكُم إِلَى التهْلُكةِ"
عاد ارتعاش الإضاءة مصاحب بصوت شبيه بمس كهربائي، اسرع زبير نحو الباب وهو يقول
"ماذا يحدث هل أنادي الأمن"
ضحك تيّم متألمًا بضلوعه، اغلق زبير الإضاءة بشكل تمام رافعًا كل الوصلات الكهربائية من مكانها "هكذا افضل لأجلنا جميعا"
ثم انحنى متحدثا بصوت سمعه تيّم بصعوبة
"عليك تغيير المستشفى بأقرب وقت لا تقل انني لم انبهك لذلك"
علت ضحكة تيّم
"ومن قال لك انني انوي على الانتقال والهروب ألم يكفي تركك لنا وعودتك السريعة لبلدك "
_"وهل يوجد اجمل من الاستقرار والزواج . علمت امي كيف تعيدني بجوارها"
ابتسم تيّم بوجهه البشوش
"جعل الله السعادة دربك، انهي انت معاملات الزواج لتجدني بعدها بجوارك"
نظر زبير نحو سلمى ثم نظر لصديقه
"كنت اود ان أتأمل في ذلك ولكني اخشى..."
_"لا تقلق لن تخلص مني بسهولة ساتي واحضر مراسم الزواج كلها"
_"بالمناسبة ميريفي ترسل لك السلام"
ضحك تيّم وهو يجيب
"من كل الأسماء لم يجدوا إلا هذا الاسم الغريب ليسمونها به ، وعليكم السلام ارسل لها سلامي ايضا ومباركتي لها"
صمت تيم لثواني تحدث بعدها
"هيا افتح الاضاءة قبل ان تستيقظ"
تحرك زبير بقلق وفتح الاضاءة
"لا أعرف من أين تأتي بكل هذا الثبات والمزاح بوقت الجد"
اقترب منه مجددًا مخفض صوته
" تعافى بسرعة ومن بعده اطلب اذن خروج لعائلتك على مسؤوليتك او مسؤوليتي انا سأتولى ذلك ومن ثم اقطع علاقتك بهذه المستشفى بشكل كامل حتى المرور بجانبها لا تفعل"
نظر تيّم تجاه سلمى غارقًا بملامحها الحزينة المعبرة عن مدى الصعوبات التي واجهتها بحياتها ،تذكر وضعهما وهما متعلقين في الهواء مرورا بما حدث أمس بالمصعد الكهربائي ابتسم وجهه وهو يتذكر سحبه لها وادخالها بحضنه خوفًا عليها قائلا لنفسه
" كيف اهرب منك بعد ان وجدتك، فليحدث ما يحدث يكفي ان اكون بجوارك دائما"
........
انا بقول يا ابني اسمع كلام صاحبك انفد بجلدك 😂😂😂