من رواية عروس بغداد
بقلم الكاتبة أمل محمد الكاشف
حطوا الرحال في لمدينة هكاري مستقلين القطار السريع للوصول به الى اسطنبول.
حجز طارق غرف فندقية حتى يستطيع البحث عن منزل مناسب لهم.
حالفه القدر بإيجاد منزل مستقل من طابق واحد، دخل خليل وهو يتعكز على المشاية الطبية يبذل جهدا كبيرا في سيره بها كي لا يثقل بحمله على أحد. استقلت سلمى ورشيدة والأم فاطمة الجانب الأيسر من المنزل وهو عبارة عن غرفة داخل غرفة او بمعنى اخر غرفة تتبعها غرفة وهذا ما كان متعارف بالمنازل التركية قديما وكانت تخصص للفتيات. وعلى الجهة المقابلة استقل طارق الغرفة الصغيرة تاركًا الكبيرة المجاورة لامه واخته. و بين الجهتين تقع صالة كبيرة يصطف على جدرانها أرائك مجاوره لبعضها تعلوها وسائد ومجالس معبأة بأصواف الأغنام.
نام الجميع على الأفرِشَةٌ الارضية المعدة من صوف الغنم فور استقرارهم بغرفهم .
تحركت سلمى لتنام بجانب الأم فاطمة بعد ان اسرعت رشيدة كعادتها بالدخول في حضن زوجها .
ظلت تنظر نحوهم *بحزن *وهم كبير ليس لأنها حُرمت من حضن زوجها فالجرح لديها اكبر واعمق من ذلك.
فكان تركها لساحة المستشفيات والمرضى الذين هم بأشد الحاجة لها اكبر *عذاب *نفسي وروحي.
لم تمر الثلاث سنوات بسهولة عليها بعد ان ألقت بروحها في مشاق العمل الميداني لتكون شاهدة على تفشي *العدوان *الغاشم *على بلادها.
تتأثر *ويحترق *فؤادها كلما عجزت عن إنقاذ مريض من *الموت. لم تستطع منع دموعها عند رؤية وداع الاهل والاحباب للشهداء، كم طفل تيتم وكم ام وراعي رحلوا تاركين فلذات اكبادهم يأنون بألمهم خلفهم.
لا زالت أصوات أطنان *القنابل *تطرق باذنها أصوات *شهقات *و أنين *الثكالى .
كان الاختيار صعب وقوي على قلبها ولو الامر بيدها ما تركت المرضى خلفها واضطرت الى الهجرة .
ولكن كيف سيكون بيدها وهي الاسيرة بعصمة زوجها المريض.
استيقظ طارق بصباح اليوم الأول كي يذهب لشراء الفطور لهم، وجد خليل جالسًا بالصالة الكبيرة بعد ان صلى فرضه وقرأ ما تيسر من القرآن.
اخبره انه سيذهب بسرعة ويعود ليتناولوا طعامهم، أصر خليل على اعطائه المال ليشتري به مؤكد على الاتفاقية المشتركة التي عقدوها سويا حين اتفقا على اعانة بعضهم البعض حتى تستقر أمورهم.
لم ينتظر احد منهم تحدث سلمى عن اهمية ذهابهم لإدارة الهجرة لبدء تسجيل اسمائهم واستخراج الأوراق الرسمية لهم كي يتاح لهم الدخول للمستشفيات وتلقي العلاج بها.
وافقوا على أهمية هذه الخطوة ليذهبوا بشكل جماعي مدلين باسمائهم وما تبقى من اوراقهم الرسمية .
كانت رشيدة تتولى مسؤولية الكرسي المتحرك الخاص بفاطمة بينما كان طارق يتولى امر خليل الذي اضطر للجلوس على المقعد المتحرك بعد ان عجز على السير على المشاية المتحركة لمسافة أكبر من المسافات المعتاد عليها بين الغرف والحمام والصاله.
تقدمت سلمى لتتحدث بالانجليزية شارحة لموظف إدارة الهجرة الوضع وكيفية وصولهم إلى البلاد مرورا بطلبها اقامات استثنائية تسمح لهم بالعيش وتلقي العلاج على الأراضي التركية.
قدمت ما لديهم من أوراق بجانب ملف كامل كتبته بالانجليزيه للتعريف بكل شخص منهم موضحة بعدها كل ما تعرضوا إليه.
عادوا للمنزل على امل ان يتم الموافقة على الإقامة الاستثنائية مثلهم مثل من سبقهم .
لم تترك سلمى نفسها للوضع الجديد جلست أمام هاتفها لساعات بحثا عن كيفية علاج زوجها والوصول لأفضل حلول جراحية.
تواصلت مع عدة أطباء أمريكا والسعودية لشرح الحالة وإرسال الملف الطبي لزوجها منتظرة الرد منهم.
استهون الجميع بما تقوم به فما الداعي للتواصل مع الأطباء ومعرفة نوع وثمن العملية في بلدهم.
تحدث دكتور طارق
"اعتذر منك ولكنهم محقين. في حين ننتظر موافقة البلد على الاقامة بها بشكل استثنائي تنظرين وتحلمين انتِ بالسفر لدول اخرى، لا اسال كيف سنفعلها دون جوازات السفر بل سأسألك كيف تفعلينها بدون اي شهادات رسمية تمتلكينها"
نظرت رشيدة لعايدة وابنها بجانبها متسائلة بفضول
"هل تمتلكون جوازات سفر"
رد عليها طارق
" أنا لدي جواز سفر بالاصل كنت أحضر نفسي للسفر الى دبي كي استلم و ظيفتي والحمدلله لم اترك الأوراق والشهادات باي مكان خلفي كنت دوما اصطحبهم معي بحقيبة ظهري وخاصة بعد تردي الأوضاع، سأسعى للتواصل مع القنصلية لتسهيل الاجراءات وبعدها سانتظر الإقامات التركية التي تتيح لي الخروج من البلد"
نظرت رشيدة لعايدة التي اجابتها بعد ابنها
"نحن لا نمتلك جواز سفر ولكننا نمتلك اوراقنا الشخصية كاملة لذلك نحن مضطرون للبقاء في تركيا حتى نجد وسيلة نذهب بها خلف طارق لنستقر بجانبه"
تحدثت سلمى بحزن
"اعلم وضعنا ولكن أقول لنفسي ماذا إن طلبنا من الدولة السماح لنا بالسفر"
قاطعها خليل
"لا يمكن حدوث ذلك ، وايضا ماذا عن الدول الأخرى كيف سنحصل على تأشيرة دخول لأراضيها"
تحدثت عايدة
"لا تحزني يا بنتي الحمدلله اننا بسلام وايضا انا ويمنى سنبقى بجانبك دوما، سنبحث عن منزل بالقرب منكم كي لا نتركك وحدك"
تحدثت رشيدة
" تركيا ليست بسيئة الكثير كانوا يذهبون إليها للعلاج ويعودون بصحة جيدة بعد شفائهم على يد الاطباء الاتراك"
اكيد طارق وخليل على حديثها بخصوص تقدم مستوى الطب في تركيا، نظرت سلمى نحو الأم فاطمة وهي تجيب عليهم
"حسنا لننتظر موافقتهم على الاقامة ومن ثم نرى ما سنفعله"
تغيرت نبرة صوتها وهي تقترب لتحتضن الأم فاطمة بجانبها
"اتمنى ان يأتي اليوم الذي نسعد فيه بعودة سماع صوتك من جديد. سأسعى جاهدة حتى نرى جميعا هذا اليوم"
أمن الجميع على حديثها
"يارب اللهم امين "
مرت الايام الاولى بصعوبة محاولتهم الاعتياد على مكانهم الجديد، حصل الجميع على إقامته الاستثنائية في غضون ثلاث أسابيع من تقديم أوراقهم ما عدا سلمى التي لم تتلقى اي رد لا بالقبول ولا بالرفض.
دخل طارق المطبخ كي يشرب الماء وهو يصدر صوت ينذر من بداخله على قدومه فهذا ما يفعله دائما احتراما لحرمات المنزل.
تحدثت بصوتها المنخفض
"تفضل بماذا يمكنني مساعدتك"
رد عليها بوجه بشوش
"لا شيء ساشرب الماء فقط"
اومات براسها
"عافية لك وانا ساذهب للنوم تصبح على خير"
تحدث بسرعة قبل خروجها
"لا تحزني. إنها مسألة وقت وستأتيك الموافقة. رأينا جميعا الاعداد الكبيرة والاوراق المكدسة على المكاتب لعل ملف الاقامة الخاص بكِ ينتظر طابور كبير لينظر له"
_"ومن قال انني حزينة. سألنا عن السبب والجميع أكد ما تقوله انت. ما علينا إلا الانتظار وان لم تاتي الموافقة هذه المرة سأعاود الطلب مرة واثنين وعشر لا خيار آخر أمامنا"
تحركت لتخرج بحزنها ولكنه أوقفها من جديد
"اتمنى ان تهتمي بصحتك بالقدر الذي يعينك على الاستمرار في الثبات والقوة التي تتظاهرين بهم لأنهم أوشكوا على النفاذ"
هزت برأسها
"لا تحزن انا بخير"
خرجت من المطبخ ذاهبة للجناح الأيسر الخاص بهم نظرت لنوم الام فاطمة بشرود كبير تحركت به مقتربة من الغرفة الداخلية لتنظر نحو احتضان رشيدة لزوجها بنومها وهي تحدث نفسها "الى متى سيظل الحال على ما هو عليه"
تحركت *خوفا *من ان يراها احدهم لتنام بجانب الأم فاطمة مكملة حديثها الروحي
"حتى وان لم أقبل بالنوم في حضنه، على الاقل كان عليهما أن يتصرفا بشكل اخر، لا اعتب على رشيدة ما تفعله فقد اعتدنا منها هذا، ولكن هو "
دمعت عينيها
"ألم يشعر أنني زوجته ولي حق عليه، اصبحت انتظر تبريره وحججه كي اعطيه الحق ولكنه لم يعد يفعلها كالسابق، أم أنه ينتظر شفائه التام واسترداد عافيته ليعود لأحلامه معي"
سبحت بنومها وهي *حزينة *على وضعها وكانها اصبحت اخت او مساعدة لهم وليست زوجة .
استيقظت بالصباح لتجد عينيه تنظر لعيونها ثبتت على حالتها لعدة دقائق شعرت بهم انها تحلم .
تحركت لتجلس على الفراش الارضي وهي تتبسم لوجهه "صباح الخير"
قبل رأسها وهو يقول
"ما اجمل الخير حين يأتي بجمال وجهك"
خجلت مما قاله نظرت بجانبها فلم تجد الأم فاطمة عادت لتنظر له
"هل تأخرت بنومي؟"
ابتسم لها
"لنقل تأخرتي قليلًا. ذهبت عايدة ورشيدة وأمي لشراء الخبز والفطور. أرادوا أن يستنشقوا عبق نسيم الصباح ، فرحت لاجلهم لعلهم يعتادون على المكان"
خفضت وجهها "نعم لعلهم يعتادون"
_"وانتِ هل اعتدتي ؟"
نظرت له فرحه باهتمامه بها دمعت عينيها وهي تبتلع ريقها
"ثلاث اسابيع ليست بمدة كافية على الاعتياد"
_"نعم انتِ محقة وايضا كيف ستعتادين دون الاختلاط بالعالم الخارجي والتعرف على لغتهم، توقعت ان تمتنعين عن النوم والأكل والشرب حتى تجيدين اللغة لتفاجئيني بقراءتك الكتب والأبحاث الطبية "
ردت عليه "لم تثر اللغة شغفي"
اجابها باستنكار
"وكيف ستتعاملين مع محيطك ام أنكِ ستبقين على حالتك دون خروج ومشاركة بالعالم الجديد"
رفعت نظرها لتحدثه
"هل يمكنني الخروج وحدي؟"
اوما براسه
"نعم أصبح يحق لكِ هذا. فلم نعد ببلدنا كي *نخاف*من ان يراكِ احدهم او ان تصابِ بمكروه *الحرب"
ردت عليه دون حماس
"جيد لنفعل ذلك لعلنا نعتاد على سماع لغتهم ونرغب بتعلمها، برغم انني تعلمت القليل منها كي لا اصبح جاهله وسطهم"
رفع يده ليضعها على حجابها
"لماذا عدتي لارتدائه اثناء نومك"
ردت *بحزن
"تعلم وضع *الحرب *وتنقلنا وعدم استقرارنا بشكل كامل لذلك افضل ان يبقى على راسي"
ربت على كتفها بحنان وعطف جعلوها تتمنى ان تلقي بنفسها في حضنه ولكنها لم تفعلها حين هربت من مشاعرها وهي تستمع لحديثه
"تبقى القليل على سفر طارق لدبي"
قاطعته
"انا لم اقصد ذلك بالعكس وجودهم افادنا كثيرا"
اكد على ما تقول مكملا
"نعم من الجيد انهم موجودين لم اعرف كيف كنا سنتحرك وتنتقل بدونه"
تحدثت سلمى
"هل أضع الشاي على النار حتى يصبح جاهز عند عودتهم"
ابتسم لها
"ليشتروا الشاي أولا كي. نتمكن من تحضيره"
تذكرت سلمى انتهاء الشاي بمساء الأمس.
نظرت اليه لتجده يبدا حديثه
"لا زالت عند وعدي لكِ انا اثق بكرم الله، ستتحسن امورنا واعود لاقف على قدمي وحينها سنفتح سويا عمل خاص بنا، لم انسى معروفك لي حين خاطرتي بنفسك لأجل انقاذي انا وأموالي، اهتميتي بأدق تفاصيل مرضي، كما انك تراعي الجميع وتفضيلهم على نفسك، انت حقا انسانه مميزة ليس بالعلم فقط بل بنبل الاخلاق، تستحقين ما وصلتي له فانا لم ارى انسانه مثلك من قبل، لن انسى حديثك الاخير قبل خروجنا من العراق واعطائك لرشيدة الحق في تصرفاتها، حتى ونحن بتركيا تركتي لها كل شيء واكتفيتي بالنوم بجانب امي، لا تعتقدي انني لم ارى كل هذا واحمل معروفه بقلبي قبل عقلي، ولكني اعدك بحياة سعيدة مستقرة بعد شفائي حتى انني فكرت بشكل جاد في ان استأجر منزلين بعد ان افتح معملي الخاص وحينها ستتغير حياتك ولن تضطري للتنازل لارضاء غيرك".
تعجبت من حديثه ما هذا وكأنه سمع حديثها مع نفسها قبل ان تنام.
فحتى وان لم تشعر بالمشاعر التي تحملها المراة تجاه زوجها فهي انسانة بالاخير تريد ان تشعر بالاهتمام والذات وامتلاكها لحياة مستقلة خاصة بها، فتح خليل ذراعيه كي تقترب وتدخل بحضنه
"اشتقت لاحتضانك هيا تعالي واجلسي بحضني قبل مجيئهم"
تحركت بخجل يصاحبه توتر علا لونه الأحمر على وجنتيها وهي ترفع غطائها من على ارجلها مقتربه منه لتدخل في حضنه بجسد يرتجف .
حرك يده على ظهرها مقبل وجنتها
"هل تعلمين؟ اشتقت لرائحة الياسمين التي كانت تفوح بغرفتك"
غرغرت عينيها الدموع وهي تشعر بقوة احتضانه لها بداخله
"اعدك انني سأزرع الياسمين بجانب منزلنا الجديد حتى انني سأملأ المنزل كله بمعطرات الياسمين.
ابتسم وجهها وهي تغمض عينيها مستنشقه كمية كبيرة من الهواء داخلها محاولة إراحة قلبها ومؤانسته كانت تبحث عن عائلتها و والدها بداخل حضنه الذي لم يكتمل بعودة رشيدة والبقية.
خرجت سريعًا من حضنه وهي تمسح عيونها وتغلق حجابها ذاهبه لفتح الباب دون كلام
انشغل النسوة في تحضير الطعام وإعطاء الأدوية لخليل وامه وتنظيف المنزل حتى عاد طارق ليزف لهم الخبر الكبير
"تم تحديد موعد حجز استشاري جراحة المخ والاعصاب والعمود الفقري صباح الثلاثاء بعد يومين من الان"
فرحت سلمى قائلة "من الجيد حصولك على موعد قريب كما من الضروري أن نطمئن على شطارة الطبيب ومدى معرفته بحساسية الوضع"
ابتسم خليل قائلا
"طبعا وهل سأسلم لهم نفسي بدون أن تكوني شاهدة على ذلك "
تحدثت رشيدة بامتنان
"والله انت محق وانا لا اثق باي طبيب دون ان تستمعي له ، ما رايك ان تطلبي منه ان تشاركي في العملية المقبلة"
تدخل طارق بحديثها
"لا يمكن هذا بأي شكل من الأشكال، ممنوع بعرف قانون الطب يعني إن كانت طبيبة رسمية في احدى مستشفيات العراق وذهبت بشكل عشوائي لتقوم بعملية في مستشفى اخرى لن يُسمح لها إلا بعد تقديم طلب وانتظار موافقة الجهتين عليه فما بالك بدولة اخرى غير مقيدة بها وبدون شهادات تثبت دراستها الجامعية "
نظرت سلمى لطارق بضيق
"لم تثبتي دراستك لم تحملي اوراق حسنا علمنا ذلك لا داعي لتكرار نفس الكلام بكل مرة"
تحركت لتدخل غرفتها منهارة من البكاء فلم يعد القلب يتحمل التظاهر بالقوة والثبات، تحركت رشيدة خلفها لتهدئ منها ، كما عاتبت عايدة على ابنها ما قاله قائلة
"لا تضغط عليها يكفيها ما أصابها حتى الان"
نظر خليل لعايدة ثم نظر لطارق قائلا
"هل سألت في القنصلية عن وضعها"
رد طارق
"نعم سألت ولكنهم اخبروني بضرورة تقديم الطلب بالسفارة العراقية أولا"
اوما خليل برأسه
"لنفعل ما يتطلب منا كي نستخرج شهادات رسمية تثبت دراستها الجامعية وتفوقها بها"
شردت عايدة وهي تفكر بما لا يخطر على بال الحاضرين، انسحبت لتدخل لغرفتها ممسكة بالهاتف كي تتصل باختها في العراق طالبة منها أن تبحث لها عن رقم محاسن الأكرم بشكل عاجل.
لم يستغرق البحث عدة دقائق لتعود اختها بالتواصل معها عبر رسائل الواتس اب لتخبرها بالوصول له عن طريق صديقة مشتركة بينها وبين محاسن، عادت لتسألها عن السبب ولكن عايدة رفضت التحدث لحساسية الموقف.
تعجبت محاسن من الرسالة التي أتت لهاتفها
" السلام عليكم انا عايدة الأعرج جارة فوزية اعتقد انك تتذكريني جيدا ، لن اطيل عليك تواصلت معك لأجل امر مهم يخص سلمى، ان كان بامكانك مساعدتي اخبريني بذلك"
أغلقت عايدة الهاتف لياتيها الرد بعدها بثواني معدودة
"هل تعلمين مكان سلمى؟ هل تتواصلين معاها"
كانت سرعة الاستجابة والاسئلة التي طرحت دون مقدمات خير دليل على حب *وخوف *محاسن على ابنة أخيها.
كتبت عايدة
"نعم اتواصل معها بشكل جيد وهذا ما جعلني اعلم بمشكلتها والتفكير بالتواصل معك كي نجد الحل المناسب ان أمكن ، جميعنا يعلم قدر الدراسة الجامعية لدى سلمى وما بذلته المسكينة من جهد لتحقيق أحلامها، ولكن كل ذلك لم يعد له وجود ان لم توجد شهادات رسمية تثبت دراستها وتخرجها من الجامعة "
كتبت محاسن
"اين هي الان بأي مدينة تمكث اخبريني لعلي استطيع الذهاب إليها "
كتبت عايدة بحزن
"لقد غادرت البلاد هي وعائلة زوجها"
_"إلى أين ذهبت"
كتبت عايدة
"هي الآن في تركيا تواجه صعوبات بسبب عدم حملها أي شهادات تثبت دراستها وشخصيتها"
_"ولكني سمعت عن سهولة الحصول على اقامات استثنائية هناك دون أي مستندات رسمية ان قدمت لجوء "
كتبت عايدة ما لم يحدث كي تثير اهتمام عمتها بها
"ولكنها بحاجة لأوراق تثبت تخرجها من الجامعة كي تتمكن من مساندة زوجها ومساعدته بمشواره العلاجي، لم افهم جيدا ولكن الأطباء لم يصدقوا انها طبيبه وهنا بكت وانهارات وهي تقول لهم انا طبيبة واريد ان اباشر حالة زوجي، مع الاسف عادت لتغلق على نفسها من بعد هذه اللحظة ،لذلك لجأت لك كي تساعديني بالوصول لشهاداتها"
_"حتى وان وصلت لشهاداتها كيف سأرسلها لكم"
كتبت عايدة
"بسيطة يمكنك ارسالها مع اي شخص قادم لتركيا أو ان يذهب احد لمحطة الاتوبيسات والبحث عن سائقي الرحلات البرية بين الدولتين لإعطائه مبلغ من المال كي يقبل نقل الأوراق وايصالها لنا"
نظرت محاسن للامام بقوة كاتبة بعدها
"انتظري مني الرد، سأبحث بأوراقها التي بأمانتي وان لم اجد ساذهب وابحث بمنزل اخي ، يكفي المسكينة ما اصابها من وراءنا سأجمع لها ما تحتاج إليه وأرسله بأقرب وقت ممكن"
تحركت محاسن لتفتح حقائب الأوراق المهمة لتبحث داخلها عن أي أوراق تخص سلمى.
اخرجت شهادات ميلاد وعقود باسمها عائدة لامتلاكها أراضي بالعراق دون أن تجد شهادتها الجامعية، وضعت الأوراق في حقيبة جلد تركتها جانبا ذاهبة لمنزل حسين المجاور لهم .
طرقت الباب وهي تنظر لطرفي الطريق فتحت ياسمين الباب مرحبة بها، دخلت محاسن متسائلة عن أخيها لتجيب ياسمين عليها
"اخذ الاولاد وذهب لشراء الخضار"
اومأت محاسن برأسها قائلة
"جيد ما فعل كي اشرب القهوة بهدوء"
ردت ياسمين
"عليكِ ان تنتظري عودته كي تشربيها، فقد شرب حسين اخر فنجان قهوة صباح اليوم"
رفضت محاسن الانتظار قائلة
"اذهبي لمنزلنا واطلبي من البنات القهوة هيا لنشربها قبل مجيئهم اشعر بحاجه كبيرة لها رأسي يؤلمني من كثرة التفكير بالانتقال سئمنا من هذا الوضع"
ردت ياسمين
"انت محقة ولكننا سنعود للبصرة لقد هدأ الوضع بها كما يقولون لعلها بداية استقرار "
تحدثت محاسن داخلها
"لن تري هذا اليوم حتى وان تحررت البلاد "
اخذت نفس عميق
"اسال الله ان يصلح الحال، هيا يا اختي اذهبي واحضري لي القهوة"
تحركت ياسمين استجابة لطلب محاسن فقد اتتها الفرصة لتكسب ودها ورضاها بعد ان خسرته لسنوات من وراء مشاجراتها مع سلمى.
كتبت محاسن لبنتها
"ستاتي زوجة خالك اليكم لا تتركوها حتى اكتب لكم .. اتصلوا بي ان لم تستطيعوا منع عودتها المبكرة"
أغلقت ياسمين خلفها لتسرع محاسن بالدخول لغرفة المعيشة وهي تبحث بعينيها عن الحقيبة السوداء الخاصة بأوراق حسين الرسمية
رفعتها و وضعتها على الفراش وهي تقول
"من حقها العيش بسلام وهناء، يكفيها ما رأته منا، سأجدهم وارسلهم لها كي اشعر بسعادتها وفرحتها، انا اعلم كم قيمة هذه الشهادات لقرة عين امها انا اعلم كم جاهدت للحصول عليها "
فرح وجهها حين رأت ملف مكتوب عليه اسم سلمى فتحته بسرعة لتجد كل الأوراق التي تخصها اسرعت برفع عباءتها كي تضع الملف داخل حقيبة قماش ارتدتها قبل مجيئها ،مغلقة الحقيبة السوداء على باقي الأوراق مسرعة بوضعها في مكانها .
خرجت من الغرفة وهي تحسن من وضع الحقيبة أسفل ملابسها مغلقة عليها العباءة.
ثم خرجت من المنزل لتدخل منزلها بسرعة خوفهم من البقاء في الطرق ، تحدثت ياسمين فور رؤيتها
"كنت اتية لكِ كي نشرب القهوة معا"
تحدثت محاسن لبنتها "حضري القهوة لنا كي نشربها بهدوء بعيد عن ضجيج الاولاد"
ثم نظرت لياسمين قائلة اجلسي حتى أعود لكِ.
جاء اليوم المنتظر ذهب الجميع إلى المشفى وهم يتأملون بأخبار مطمئنة، تحرك طارق وهو يدفع المقعد المتحرك الخاص بخليل جهة القسم الخاص بالطبيب كي ينتظروا موعدهم، كما كانت رشيدة وسلمى يتبادلان دفع المقعد المتحرك الخاص بفاطمة.
وصلوا للمكان ليجدوا ان أمامهم العديد من الحالات نظر طارق للساعة قائلا
" أمامنا ساعتين على الاقل ليأتي موعدنا"
تحدثت سلمى
"مر الكثير ولم يتبقى الا القليل، استاذن منكم ساذهب لشراء الماء وأعود إليكم"
رفض طارق
"انتظري انا سأذهب "
لم تقبل سلمى مصره على ذهابها و حدها ايضا.
كانت تريد ان تتعرف على المشفى والإمكانيات المتوفرة بها، وهذا ما اتضح من سيرها بغير قبلة محددة عينيها تدور وتتعلق على الأطباء والعاملين و وضع المرضى.
وجدت سلمى نفسها وسط اجمل واحب الاماكن لقلبها الذي خطف شوقا لرؤية ملابس الاطباء والممرضين و رائحة المعقمات.
وبينما كانت تسير وهي تحلق برأسها نحو القلب بالجهة اليسرى كان هناك من يسير بنفس تجاهها مهتم بالكتابة على هاتفه ليحدث اصدام قوي بينهما اهتزت هي بحجمها الصغير بين ذراعيه التي رفعت بسرعة لانقاذها من السقوط.
تعلقت عينيه عليها وهي تبتعد عنه قائلة بالانجليزية "اعتذر منك انا لم انتبه لك"
رد عليها بالانجليزية
"وانا ايضا لم انتبه لك لذلك اعتذر منك كثيرا"
ابتعدت اكثر مكملة سيرها وهي تقول
"لا عليك بالاذن منك"
استدار لينظر نحوها بغرابة كبيرة ، سمع صوت صديقه التركي من الخلف
"دكتور تيّم اهلا وسهلا بك"
ابتسم له وهو يصافحه بحرارة كبيرة متبادلين السلام.
"هيا لنتم عملنا ومن ثم اصطحبك بنزهة قصيرة"
نظر تيّم تجاه ذهاب سلمى قائلا
"سلمت يا صديقي لننهي عملنا اولا ومن ثم نفكر بالباقي"
تحركا بجانب بعضهما ليستقلا المصعد الكهربائي المجاور لهم.
اختار زبير الدور الاول لينزلا إليه لم يصمتا عن التحدث حتى وصلا للاسفل ليحدث نفس الأمر بغرابة اكبر حين صدم تيّم بكتف تلك الفتاة التي جعلته بحالة غريبة متسائلا
"يا له من امر غريب أرأيت يا زبير ما رايته"
تعجب زبير من سؤاله
"ماذا رأيت"
نظر تيّم له "عينيها"
ضم زبير حاجبيه باستغراب
"عينيها! عن من تتحدث"
رد تيّم وهو يشير جهة سير سلمى
"الفتاة التي كانت تسير بجوارنا ، تلك التي تصادمت بكتفها فور خروجنا من المصعد"
حرك زبير رأسه بالنفي
"انا لم ارى احدًا"
سقطت افادة زبير عليه لتزيد من حالته قائلا
"اعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، أكانت بسم الله الرحمن الرحيم أعوذ بالله من كل شيطان رجيم"
سأله زبير بفضول كبير
"ما بك يا صديق لا تخفني عليك هل ارتفعت حرارتك"
رفع تيّم يديه على جبهته وهو يقول
"وكأنها قطة، قطة بشخص فتاة تلمع وتبرق عيونها كالقطط في الظلام او حين نلتقط لها الصور ، هكذا كانت عيونها زرقاء او خضراء او الاثنان معا تتبادل الالوان والبريق واحد"
دخل الريب بقلب زبير قائلا
"استعذ بالله من الشيطان الرجيم ، ماذا تقول هل رايت فتاة من العالم السفلي"
نظر تيّم لصديقه نظرة طويلة
"ولكني رأيتها وشعرت باصطدامها بي، كما رأيتها بالاعلى وأمسكتها بين يدي كي لا تسقط، هل يمكننا الرؤية والشعور بالجن حولنا لهذه الدرجة"
أجابه زبير
"اي جن حولنا، لا تفقدني عقلي سأجعله فراق بيني وبينك ، سامحك الله كيف سانام ليلي من بعد ما قلته"
ابتسم تيّم
"اقسم انني افكر بما تفكر به، ماذا ان انتظرت الليل لتخرج امامي مرة اخرى"
آتاهم صوت من الخلف جعلهم يفزعون باماكنهم كل منهم يمسك الاخر وهو ينظر نحو مصدر الصوت بعيون متسعة
…….
😂😂😂😂😂
انا خوفت هههههه مين دول هههههه وايه قصتهم معانا لبشوني والواحد مش ناقص عفاريت😂😂😂
سننتظر لنرى ما تخبئه لنا الأيام 🏃🏃🏃
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.
منها "رواية حياتي"
رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف .