recent
جديدنا

عروس بغداد الحلقة الفصل الرابع والعشرون

 عروس بغداد

بقلم الكاتبة أمل محمد الكاشف




لَن ينسانا اللَّه سيغنينا بِهِ عَنْ سِوَاهُ فَلَا نَطْلُبُ إلَّا إيَّاهُ لَن ينسانا اللَّه. وَلَن ينسانا اللَّه سيغنينا بِهِ عَنْ سِوَاهُ.......

تراجع تيّم للوراء ليبدأ حديثه وهو يبتلع ريقه الذي حشر بحلقه

"كنت اطمئن عليكِ ، هل تحسنتي؟"


امتلأت عيونها بالدموع رافعه ذراعها لتمده على عينيها مخبئة دموعها التي فضحتها قائلة

"نعم أنا بخير شكرًا لك "


نظر لكف يدها المرتجفة بقلق تساءل به

 "هل تشعرين ببرودة ؟"


تساقطت دموعها على جانبي وجهها قائلة بصوت ضخم البكاء نبرته

" احتاج لمزيد من الراحة فقط "


لم تتحمل مشاعر الضعف والاستسلام جلست بمكانها  وهي ترفع اسلاك ومكابس الاجهزة عن يدها وقلبها تاركة الجهاز اللاصق الذي لصقته هند في مكان مخصص أعلى قلبها مستمعه لطلب تيّم أن تتركه أربعة وعشرون ساعة فهي أعلم بضرورة احتياجها له.


وقفت بجانب الفراش الطبي وهي تحسن من ملابسها وحجابها، قائلة له بنبرة مجهدة 

"شكرًا لك "


هَم ليمنع خروجها ولكنها لم تمنحه الفرصة حين سبقته بحركتها وحديثها الحاد

"انا بخير لا داعي للقلق " 


خرجت  من الغرفة لتذهب لمطعم المستشفى كي تتناول فطورها بشكل جيد ، اطمئن تيّم حين راها تتناول طعامها بحالة مستقرة دون أي علامات تعب ليترك المستشفى عائدًا لمنزله.


استجمعت نفسها بصعوبة جسدها الهزيل صاعدة لغرفة مكتبها ، كان جميع من يراها يقف ليطمئن عليها 

"الف سلامة يا دكتورة ، انتبهي لنفسك يا دكتورة نحن بحاجه لكِ، من الجيد رؤيتنا لكِ بخير" والكثير من عبارات المحبة والود.


وصلت لقبلتها دخلت لترأس مكتبها بعناد وحدة ومثابرة لاستكمال حياتها بقوة .


طرق الباب ليدخل دكتور طارق قائلا بقلق

"لم اجدك بالاسفل ذهبت لاطمئن عليكِ هل كل شيء على ما يرام"


أومأت برأسها 

"لا حاجة لبقائي هناك انا بخير شكرا لك"


نظر لحالة وجهها قائلا 

"نسيتي نفسك اثناء اهتمامك بالجميع لا تفسير آخر لما سمعته "


أومأت برأسها مخفيه عيونها الدامعة عنه 

"نعم هذا ما حدث لا تقلق سأنتبه لنفسي من الان وصاعدًا"


لم يرد الضغط عليها كي لا يرى دموعها التي شعر بقربها رغم محاولاتها في اخفائها، تحرك ليخرج وهو ينظر لساعة يده قائلا

 "جميل لأذهب إذا وقلبي مطمئن عليكِ، سانهي بعض الأعمال واعود لأطمئن عليكِ"


ابتسمت رغم حزن وجهها قائلة

"في رعاية الله وحفظه"


وقبل أن يغلق الباب خلفه استدار ليسألها مجددًا

"هل حقا بخير ام انكِ تقوليها لتطمئنيني عليكِ"


 أجابت دموعها عوضًا عنها حين ابتسمت بسخرية ما وصلت له

"لا تقلق اعتاد القلب على كل ما هو كبير وثقيل حتى أصبح فارغ من المشاعر. جميع ما يأتي بنفس اللون والطعم والرائحة. حتى النجاة والسقوط و الحزن والفرح والالم والسعادة جميعهم أصبحوا بطعم واحد لا فرق بينهم لهذا لا تخف عليّ. فأنا استطيع تحمل أكثر مما يطرأ على عقلك وقلبك''


حزن على ما سمعه وتأكد من اصطدامها بابتلاء جديد. أراد ان يسألها عن خليل وخطتها بالانتقال بجانبه ولكنه صمت كي لا تنهار .


خرج من غرفة مكتبها وهو يفكر بحالتها وكيفية إخراجها مما هي به، فتح هاتفه ليجري اتصالا كان الأثقل والأصعب على قلبه فرغم المحبة التي أصبحت بينهم إلا أنه لا زال يستصعب التحدث معه بخصوص قرة عين أمها ، كتب اسم خليل بالبحث ثم اختار الاسم وبدأ الاتصال به ليجد انه خارج نطاق الخدمة.


خطا عدة خطوات أتاه بعدها اتصال دولي فتح الهاتف  ليجده خليل تبادلا السلام والاطمئنان على بعضهم البعض.


سأله خليل عن اتصاله به تعجب طارق وقال 

"ولكنه اعطاني رسالة بأن الرقم خارج نطاق الخدمة"


رد خليل عليه

 "نعم هو كذلك هناك مشكلة في رقمي القديم ويتم اخباري بالمتصل فور اتصاله وعدم وصوله لي على الرقم الجديد"


أومأ طارق برأسه مجيبا 

"لم اسمع عن هذه الخاصية من قبل ، لا يوجد شيء مهم اردت فقط ان اطمئن عليك وابارك لك"


غضب خليل حين وقف عقله وتوقع ان المباركة بسبب الطلاق لتأتي طارق إجابته

 "على ماذا تبارك لي، ام عليّ ان ابارك لك قرب تحقيق حلمك وقلت لنفسك لابدأ ... "


أجاب طارق بحزن 

"أنا لم أحلم بأخذ مكان أحد وخاصة ان كانت دكتورة سلمى.  نجاحها وتميزها بالمشفى شرف كبير لكل عراقي. ولكنها اختارت هذا وما دامت ترى ان سعادتها ستكتمل بطريقها الجديد فلتفعل وستجدني خير داعم لها حتى وان كانت بعيده عن عيني"


تحدث خليل باستغراب 

"انا لم افهم عليك. ماذا تقول انت؟ كيف بعيدة عن عينك؟"


اختنق طارق من حدة حديث خليل معه مجيبًا 

"ألم تقرر سلمى ترك المشفى والانتقال بجانبك كي تؤسسا عائلة خاصة بكم . ألم تقررا خوض تجربة مسؤولية الأطفال ورعايتهم. لهذا ابارك لك. هل تم الأمر وانتهى التحقيق"


 رد عليه بصوت منخفض حزين 

"هل هي من اخبرك بقرارها؟"


نظر طارق خلفه نحو غرفة سلمى قائلا

"ألم تكن تعلم بقرارها. ام انها ارادت مفاجأتك وأنا تدخلت وخربت الوضع"


رد خليل بحزنه 

"بالطبع كنت اعلم ولكن قل لي متى أخبرتك هي بذلك؟"


 ندم طارق على ما قاله  مضطرًا على استكمال الحديث والإجابة 

"يوم الأحد الماضي يوم انزلاقها من أعلى الدرج بالتمام "


وقف خليل مصدومًا 

"كيف انزلقت من أعلاه؟ وكيف حالها الان هل تأذت؟"


اجابه طارق وهو يبتعد عن غرفة سلمى اكثر واكثر

 "الان فهمت انتما غير متواصلين مع بعضكما يوجد خلاف بينكما كان علي ان أستشف الخبر من حالتها. بالأصل لأجل ذلك اتصلت بك كي اسألك عن حالتها. كانت سعيدة وفرحة متأملة بحياة مليئة بالأطفال والاستقرار وفجأة اختلف كل شيء . وكأني أراها في منزلك بصبيحة عقد القران. أتتذكر ذلك اليوم!"


هرب خليل من سؤاله طارحا سؤال جديد

"كيف حالها الآن ؟ هل هي بخير؟"


أومأ طارق برأسه 

"نعم اخبرتك انها بخير تمامًا كيوم زواجها منك. عيون منتفخة محاطة بهالات سوداء. صوت مهزوز يشرح ما بداخلها دون الإفصاح عن شيء. فالصمت بهذه الحالة اقوى لسان"


اجابه خليل بحزنه الكبير 

"لعلها الأخيرة. لعلها تشفى وتصح من بعد هذه المرة"


لم يجب طارق من شدة ضيقه متفاجئ من خليل وهو يكمل

 "لقد حققت لها حلمها وتم الطلاق بشكل رسمي، ستتحسن شيء فشيء حتى تعود و تتفتح أوراقها مكملة مسيرتها المشرفة كالعادة"


وبنبرة صدمته رد طارق عليه 

"ماذا؟ هل تطلاقتما! كيف ولماذا! اين ذهبت احلامها بالانجاب وإنشاء عائلة سعيدة تهنئ بها عند كبرها. وانتقالها بجوارك. هل تعلم قرار كقرار انتقالها لمشفى اخر والبدء من السفر كم يكلف الإنسان من تفكير وقوة لاتخاذ القرار. انتظر كيف حدث الطلاق ؟بعد كل ذلك اعلم انها عنيدة لكني اعلم ايضا انها ذات قرارات ثابتة ناضجة لا تعود عنها بسهولة"


اجابه خليل بحزن كبير

"هذا ما حدث أصبحت أمانة لديك الان اهتم بها ولا تقصر بإسعادها"


اغلق خليل الهاتف وقلبه اكثر حزنًا و ألمًا فهو يعلم أنه خذلها بالوقت الذي خطط به ترك العالم لأجلها.


ذهب للصالون مغلق الباب عليه مقتربًا من الاريكة حيث موطنه الجديد بعد أن هجر مضجعه بجانب رشيدة ،اغمض عينيه  وهو يحدثها بداخله

"سامحيني رجاء سامحيني انا لم ارد ذلك انا انا….  احببتك اكثر من روحي ونفسي و كل شيء ولكني لم استطع التخلي عن ولدي لم استطع التخلي عنه. ضعفت وتنازلت .  لم يكن أمامي سوى هذا الخيار . اعدك انني لن امرر لها ما فعلته بنا. لتلد أولا ومن ثم سترى شخص لم تراه أمامها من قبل"


…….


اكمل طارق سيره نحو متابعة عمله وهو غير مهيئ لمواجهتها الان.


كان يدور بين المرضى والممرضات وهو لا يعرف كيف سيخبرها أنه علم بسر حزنها وخذلانها من عالمها. بل لا يستطيع هضم طلاقهم وعودتها حره وكأن القدر يحقق له احلامه بالوقت الخطأ.


اقتربت خطيبته  منه وهي منهكة من كثرة مسؤولياتها ، استغربت وضعه وحالته اختارت الصمت والترقب حتى تحركت لتخرج من الغرفة منصدمه بمناداته لها 

 "سلمى….."


سقط الاسم عليهما كصاعق قوي اصبحا ينظران لبعضهم البعض بعيون ثابتة كلاهما يحاول تكذيب ما سمعه وصدر منه.


لم تكن المرة الأولى التي *يجرحها *بهذا *الخنجر *المسموم ، تعلقت عيناهما على بعضهما ما بين اسف وعتاب عميق.


دخلت عليهما سلمى بهذه اللحظة  قائلة

"اعتذر لمقاطعتكم اردت ان اخبركم بذهابي لمنزلي الليلة ، الجميع على ما يرام ،اراكم  بالصباح دمتم سالمين"


لم تترك لهم فرصة للرد قالت ما قالته لتغلق الباب وتبتعد عنهم وهي تعاتب على نفسها

"كيف فتحت ودخلت فجأة وكأني …. استغفر الله العظيم" 


كانت تظن انها اخترقت لحظاتهم الرومانسية دون ان تعلم ما حقيقية نظراتهما. 


عادت سلمى لمنزلها ناظرة للفراش نظرة خالية من المشاعر ، تحركت بفتور لتبدل ملابسها ممسكة بحقيبة كبيرة فتحتها ارضا لتلقي بها جميع الملابس والحقائب والأحذية التي اشترتها مع خليل،  كان هناك عدة ملابس تركها خلفه من أجل التنظيف جمعتهم جميعًا لتلقي بهم في كيس كبير خاص بالقمامة نظرت نحو أغطية  الفراش نظرة مثيرة للاشمئزاز مقتربة منهم لتجمعهم جميعا في أكياس كبيرة الحجم، فتحت صندوق الغسيل وأخرجت منه جميع ملابسه وملابسها التي ارتدتها بالأيام السابقة وألقتها بالأكياس دون تمييز أي منهم ارتدته معه او قبله.


نظرت للأريكة لدقائق اتصلت بعدها بالأمن طالبة يد مساعدة ، ارتدت عباءتها السوداء وفتحت الباب لتنتظر قدومهم طالبة منهم ان يأخذوا طقم غرفة الجلوس كله ليتخلصوا منه.


تحدث أحد الرجلين

 "انه بحالة جديدة هل يمكنني  اخذه لمنزلي؟"


سألته "هل انت متزوج ؟"


ابتسم الرجل وقال 

"سأتزوج الشهر المقبل"


_" حسنًا فلتهنئ به ، انتهوا من تنزيله وعد لتأخذ غرفة النوم ان أردت ذلك"


تحدث الرجل الاخر 

"اشترينا له غرفة بالأمس ، لتكن من نصيبي"


أومأت سلمى برأسها

 "حسنًا لا فرق لدي. ولكن عليكم أن تسرعوا بفكها وتنزيلها"


رد الرجل بحماس وفرح 

" سأذهب لجلب المفك الكهربائي واستعين بالأصدقاء لننهي الأمر بسرعة"


لم يرتح لها قلب حتى تخلصت من الغرفة والملابس حتى الاطباق والاكواب و الصابون و المناشف التي لامسها جميعهم تخلصت منهم بقوة غاضبة.


فرشت على الأرض ملايه كبيرة لتفرغ خزانتها والادراج أعلاها .


انتهوا الرجال من عملهم لتغلق  الباب خلفهم  ملتقطة  نفسًا عميقًا بعدها ممسكة بحقيبة الملابس الجديدة و وضعتها بجانب الباب من الداخل كي تعطيها لعاملة النظافة بالمستشفى حتى ينعم بناتها بهم.


طوت بطانية فرو الى نصفين بالطول واضعه عليها وسادتها بعد ان كستها بكسوة جديدة لتستلقي عليهم أرضا ساحبة الغطاء الحراري من الجوار كي تتدفئ به ، وأي دفئ تحاول أن تصل إليه بشهر سبتمبر ففي حين كان عليها ان ترفع من برودة المكيف بحثت هي عن الدفء أسفل غطاء حراري. فهل كانت تبحث عن دفء الطقس أم دفء القلب البارد .

نامت براحة وصفاء وجه  تخلص من خذلانه و وحدته. ما لبثت هذه المشاعر كثيرًا حتى استيقظت في جوف الليل على بكائها وهي تواجه خليل وتعتب عليه تركها لوحدها بعد أن أصبح كل شيء في حياتها، كانت تصدمه بيدها وهي *تصرخ *بوجهه

 "كنت ابي وامي واخوتي وكل شيء لي في هذه الحياة ، كيف هان عليك تركي كيف هان عليك طفلنا ؟"


جلست هاربة من حلمها تجهش بالبكاء وهي تمسح عيونها أوسط ذراعها الأيسر كي تتمكن من رؤية يديها المستقرة اسفل بطنها بقلب يتألم عاجزًا وحيدًا . رفعت يدها مستنكرة ما تفعله 

"سأجن والله يا ربي سأجن ، ماذا يحدث لي ، اتعذب بخذلانه وبيعه المهين لي وبنفس الوقت اتمنى لو ان بداخلي طفل منه"


بكت وهي تعتب و تهزأ من نفسها

 "وبماذا يفيد ندمه وحسرته على طفله ، وإن عاد هل ستقبلين العيش معه لأجل طفله هل ستقبلين اعتذاره حين يعود راكضًا لأجل طفل فقط هل ستأمنين على نفسك بجواره"

 

تحركت بصعوبة لتذهب إلى الحمام  فاتحة صنبور الماء البارد لتدخل تحته مغلقة عينيها وهي تقول لنفسها

" من لم يبقى لأجلي لن يبقى لأجل طفل"


وضعت يدها اسفل بطنها مجددًا ليزيدها هذا بكاءً وانهيارًا 

"ماذا أفعل أنا بماذا أحلم واصدق"


 جاء لاذنها صوت أمها الحنونة وهي تقول لها

"لا تبكي يا روحي لا تبكي . لا تبكي على من رحل . أنتِ قوية أنتِ ابنتي القوية، انهضي من تحت *ركام *الحياة ، لا تتركي نفسك للهزيمة، ستعودين اقوى من قبل ، افرحي يا روحي افرحي واسعدي لقد بدأتِ الان،  تحررتي من الجميع انظري أنتِ محررة الان من قبضة والدك وعشيرتك والأحكام وزواجك، أنتِ محررة "


ورغم بكائها طوال مكوثها أسفل الماء البارد إلا أنها خرجت من الحمام شخص اخر.


 تفاجأ العاملين بالمشفى بدخولها عليهم بعد أذان الفجر مباشرةً ، لم تجلس جانبًا ولم تنعزل كآخر أيامها بل عادت لتباشر عملها بجدية وقوة لم يرونها عليها من قبل.


 راقب طارق تغيرها الكبير بهذا اليوم قائلا بداخله 

"هذه هي ، عادت قرة عين أمها، عادت نابغة العراق والشام والعرب"


كانت عيونه تراقب قيامها بمهامها وهو يقول لنفسه

"لا بأس القليل من الحدة والحزم يناسبون وضعها وعملها"


خرجت بمنتصف اليوم كي تذهب لشراء اثاث منزلي جديد عوضًا عن من استغنت عنهم بالأمس.


أنهت المهمة بسرعة مذهلة حين اختار القلب بشكل سريع دون أحلام او متطلبات مكتفيه ان يكون مريح وطبي وهذا ما كلفها مبلغ كبير.


وفي حين كان يتوجب عليها ترتيب المنزل واغراضها داخل الخزانة الجديدة وفرش السجاد ورص الاطباق والاكواب الجديدة، كانت هي تتبع العنوان المرفق بالورقة حتى وصلت لوجهتها.


ترددت وتراجعت عن النزول ومواجهة حياتها المؤلمة ولكنها تعلم أهمية وجدية هذه الخطوة كي تستطيع استكمال حياتها بشكل طبيعي.


 صعدت للأعلى مقتربة من مكتب الاستعلامات قائلة 

"لدي موعد مع الطبيبة أحلام"


_" نعتذر من حضرتك الطبيبة ألغت وأجلت مواعيد الحجز ليوم اخر"


ثار *غضبها *مما سمعته فهي شخص لا يتحمل الاستهتار بالمواعيد 

"بأي حق قمتي بتأجيل وإلغاء المواعيد دون إبلاغ المرضى "


_" وهذا ما فعلناه ، اعطني اسمك كي انظر للسجل لربما اتصلوا بحضرتك وأنتِ لم تنتبهي للهاتف"


تراجعت عن إعطائها اسمها متسائلة 

"ما الخطب هل الدكتورة …."


فُتح باب غرفة الطبيبة ليخرج المريض من الداخل ، ما لبث فتح الباب وخروج المريض ثواني معدودة خرجت بعدها الطبيبة أحلام لاستقبال زميلة المهنة مرحبة بها وهي تصطحبها للداخل.


تحدثت سلمى

"اخبروني بإلغاء المواعيد . ان كان لديك امر مهم يمكنني ان اتي في وقت لاحق"


تحدثت الدكتورة  أحلام

 "لأجلك ألغيت مواعيد اليوم ، اجلسي وطمنيني على نفسك هل انت بخير؟"


اومأت رأسها بلطف

 " كنت اود ان اخبرك بانني بخير ولكن مع الأسف لست كذلك"


_" لا تحزني نفسك ، كل شيء بهذه الدنيا له علاج يمكننا ان نخرج من كل ضيق ومرض إن أردنا نحن ذلك، أعطانا الله القوة والعزيمة والإرادة لتعيننا على ظروف الحياة المتقلبة منا من يستخدم أسلحته بالمقاومة والثبات حتى النجاح والوقوف باستقامة في وجه الحياة ومنا من يترك نفسه في مهب الريح متحجج بكل شيء حوله كي يبرر لنفسه فشله واستمرار جلوسه بنفس المكان والزمان"


ابتسمت سلمى بقولها

 "نعم هذا ما نقوله للمرضى ، وهذا أيضا ما اؤمن به فلا يوجد نجاح او نجاة دون مثابرة واجتهاد"


صمتت سلمى وهي عاجزة عن استكمال حديثها الذي لا تعرف من أين تبدئه.


طلبت الدكتورة أحلام من سلمى أن تستلقي على المقعد المائل المخصص للكشف النفسي ، ألقت سلمى نظرها نحو المقعد الشبيه بالفراش بطوله وميلانه قائلة بنبرة مهزوزة

 "اخشى ان لا أستطيع النهوض من فوقه مرة أخرى"


تحركت الدكتورة ذات الخمسة وخمسون عام لتقترب من سلمى ممسكة بيدها كي تجلسها عليه وهي تحنو على كتفها قائلة 

"لا تخافي انا بجانبك،  يمكنني التدخل بالوقت المناسب كي *لا تسوء *حالتك، يكفي أن تسترخي وتثقي بي، اريد ان استمع لكِ افضي ما بداخلك "


تفاجأت الطبيبة بقولها 

"لم اصدق حتى الان انه تخلى عني بهذه السهولة ، اكاد ان افقد عقلي كيف هنت عليه بالوقت الذي…"


بدأ صدرها يرتفع بأنفاسها مكملة

"اشترى حين باعني أبي ، وقف أمام الجميع ليدافع عني حين صمتت عائلتي عن انقاذي من *وحشية *عشيرته *، كنت أرى ضعفه *وخوفه *من احزانها او كسر مشاعرها المرهفة ولكني لم أبالي كان يكفيني وجوده بنفس المكان لأشعر أنني بخير ، كنت انتظر دخوله غرفتي خلسه حتى يطمئن قلبي واشعر انني لستُ وحيدة ، صوته الحنون. . قلبه الكبير . عيونه التي تحيطني بخوف. كل شيء كان يؤكد لي انه سند حقيقي لي "


صمتت سلمى لتتحدث احلام 

"هل هو حبيبك؟"


تجمعت الدموع بعينيها حين عجزت عن الإجابة صمتت لعدة ثواني قائلة بعدها

 "كان كل شيء بالنسبة لي ، كنت اشعر بالأمان لمجرد شعوري بوجوده  ، كنت أفرح حين يتحدث معي ويهتم بي وينسج الأحلام معي، كنت اكذب مشاعر *الخوف *من الترك وانا اقول لنفسي مستحيل فأن *ظلمني *العالم مرة أخرى من المستحيل ان *يظلمني *هو، كيف *يظلمني *وهو من رأى تخبطي *وظلمي، *كيف وهو من وقف أمام الجميع ليدافع عني "


اخذت سلمى نفس عميق اخرجته بعيونها المكسورة مستمعه لصوت الطبيبة

"هل خذلك اخاكِ؟"


دمعت عينيها وهي تجيب

 "ليس لي اخوة" 


تراجعت بسرعة

 "لدي اثنان ولكني لا اعرف عنهم شيئا ، كنت وحيدة امي وبعد وفاتها تزوج أبي و رزق بولد سماه فهد الفارسي هكذا كان يناديه مفتخر به والاخر لا اعرف جنسه حين تركتهم قبل مجيئه"


صمتت الطبيبة منتظرة ان تخرج سلمى ما يؤلمها وحدها . 


قاطع صمتهم سؤال الطبيبة

 "لماذا توقفتي عن الحديث "


نظرت نحوها بعيون دامعه 

"كل شيء أمامي مبعثر، لا اعرف من اين أبدا وعلى من ابكي، حتى انني عاجزة بوصف ما اشعر به، وكأنها علة جديدة لم ادرسها بأي علم من علوم الطب ".


_" لا ترتبي شيء تحدثي بكل ما يأتي بعقلك اتركِي *خوفك *وقلقك وتحدثي حتى وإن شعرتي باستخفاف من مشاعرك …"


قاطعتها سلمى بضحكة ساخرة

"اي استخفاف! هل تعتقدين انني اقدمت على هذه الخطوة لاجل امور اشعر باستخفاف حين اتذكرها او اتحدث عنها!"


اعتذرت الطبيبة لاستخدامها تعبير *خاطئ *لتكمل سلمى 

"العفو منك ولكني غير مهيئة لإخراج ما بداخلي، أشعر بضيق كبير جميعهم يأتون بوجهي مرة واحدة يضغطون على صدري" 


وضعت يدها على قلبها 

"اصبح ضعيف وهن لا يتحمل اي شيء، دموعي خذلتني لمشاركتها لي في كل انفعالاتي، اشعر بضعف كبير في طاقتي حتى أصبحت هزيلة استصعب واستثقل خطواتي"


صمتت الطبيبة منتظرة ان تكمل ولكنها تحركت لتنزل قدميها مستقيمة بجلستها.


تحدثت دكتورة احلام 

"حسنًا يكفي بهذا القدر ولنكمل بالمرة القادمة"


تحركت وجلست على مكتبها وهي تقول

 "ما رأيك بأن أكتب لك بعض المهدئات المصاحبة للنوم والارتخاء"


_" لا داعي لذلك ساحل الامر ان احتجت لهم"


ردت احلام "ما اخبار علاقتك مع الله"


تعجبت سلمى من سؤالها لتكمل الدكتورة 

"سأكتب لكِ دواء من نوع اخر قوي ونتائجه سحرية.. تحتاجين لترديد الاستغفار ألف مرة، بجانب ألف تسبيحه من قول سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، ضيفي عليهم الف لا حول ولا قوه الا بالله العلي العظيم ، و الف حمد وشكر لله ، يُفضل ان تجعلي لهم وقت خاص دقائق معدودة متفرقة باليوم تغمضي عينياكِ وبيدك المسبحة ترددي بهدوء واسترخاء وكأنك تحدثين الله تستغفريه على ذنوبك فلا يوجد بيننا من لم *يخطأ *، وبالمرة التي تليها اجلسي بمكان طلق او انظري من نافذة ذات اطلاله واسعة النطاق  تنظرين للسماء والارض وما بينهما تتذكرين قوة الله في رفع السماء بلا عمد وقدرته على تسيير الملكوت كلا في فلكه دون الاختلاط بغير او التقصير بمهامه ثبات الجبال، خلق البشر وأنتِ ترددين سبحانه سبحانه سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم ، رددي الحمد والشكر لله وانتِ تتذكرين ستر الله ولطفه عليكِ وعظائم قدرته وما اوصلك لما انت به من مكانة وخير تذكري كل المحاسن التي انعم الله بها عليكِ ، كلما تذكرتي صعوبات الحياة وما اثقل قلبك رددي لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم ردديها وانت تستشعرين يقينا ان الله بيده القوة وانه لا يمكن لاحد ان يؤذيك ان كان حولك وقوتك بالله وحده، بجانب طبعا الانتظام بالصلاة والاكثار من السجود ، اقسم لكِ انك لن تري راحة اكثر من راحتك بعد الاكثار والاطالة بالسجود وأنتِ ترددين سبحان ربي الأعلى العظيم الجبار مالك السموات والأرض فالق الحب والنوى ، كرريها كلما ضاق صدرك حتى ولو بغير موعد الصلاة حتى وان كنتِ حائض كرريها بأي وقت وحين ،اسجدي حتى دون ستر شعرك تحدثي مع الله توددي له بانكسارك وسجودك بين يديه و ستري من المعجزات باصلاح روحك وفؤادك وحياتك ما يذهل  ويتعدى نطاق خيالك، انه اكبر وانجح علاج يتحسنون عليه مرضاي بشكل كبير "


شكرتها سلمى وخرجت من عندها وهي تردد 

"لا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم "


اندمجت بالقيادة والطريق حتى وصلت لمنزلها وهي لا زالت تردد لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . ليكن الوضوء اول عمل تقوم به فور دخولها للمنزل مرتدية بعدها عباءة الصلاة رافعه يديها بوقوفها على سجادة الصلاة قائلة بصوت قوي هز اركان جسدها الضعيف

"الله أكبر" 

رتلت سورة الفاتحة ومن بعدها جزء من سورة مريم راكعه لله مستقيمة بعدها بالوقوف "سمع الله لمن حمده" 


دمعت عيونها وهي تحمد الله ساجدة بعدها ليعلوا صوت بكاءها وهي تردد "سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى" اهتزت بقراءتها الفاتحة وخواتيم سورة البقرة في الركعة الثانية لتركع وتسجد مطيلة السجود وهي تشكو لله من تعب قلبها وهوانها على الناس.


انهت صلاة العشاء وهي تشهق ببكائها

 "ان لم يكن بك علي غضب فلا أبالي"


رددت الاستغفار وهي تتذكر عدم انتظامها بالصلاة والتقصير بحقوق الله عليها، تحركت لتستلقي على الاريكة الجديدة وهي تردد باقي الاذكار عازمة على ترتيب خزانتها وجميع ما يلزم بعد الانتهاء منهم سقطت من يدها المسبحة حين غرقت بنومها العميق .


{أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ .. سورة الرعد

    نعم صدق الله العلي العظيم ألا بذكر الله تسكن وتستأنس قلوبُ المؤمنين، العلاج القوي الفعال لأمراض القلوب والصدور }


…….


مرت الأيام على سلمى لتزيدها صلابة وحدة وقوة بالتعامل مع الأشخاص الجدد أما المحيطين بها فكان الرد المتأخر وعدم اهتمامها بمعرفة أخبار أحد هو السائد بمعاملتها معهم ، اهتمت بسكونها وهدوئها وسلامها الروحي وانتظامها بالصلاة والذكر محاولة معالجة نفسها بنفسها بعد ان عجزت عن الذهاب للطبيبة النفسية مرة اخرى بعد ان عجزت عن البدأ وكيفية شرح ما بداخلها .


كان جميع من حولها يتجنب التصادم معها كي لا يزيدوا من حالتها التي تبرز بوضوح على ملامح وجهها.


انشغل طارق بتحضيرات الزفاف كما انشغل خليل بتحضير غرفة مولوده الأول

وفي يوم من الأيام خرجت سلمى من المشفى كي تذهب الى محل جديد لبيع الفطائر بالقرب منهم ، وعند عودتها اصطدمت بالدكتور تيّم مسقطة الفطائر من يدها. 


تركها ودخل للمشفى بسرعة جعلتها تغضب عليه ، كادت ان تسرع خلفه كي توبخه ولكنها لم تفعل حين تذكرت ما فعله معها سابقًا.


تحركت لتصعد سيارتها بعد اطمئنانها على الفطائر التي وضعتهم بالمقعد المجاور لها قائلة 

"ومع ذلك سأتحدث معه غدا ام ان يفسر لي سبب واضح وقوي لما فعله وإما ان يأخذ مني ما لا يرضيه،  فلا يحق له ان يكمل ركضه المجنون دون ان يعتذر ويشعر بخطئه"


 حركت مفتاح سيارتها لبدأ تشغيل محركها بعيون مغلقة بألم وارهاق اليوم الكبير ، جاءها اتصال يستدعيها لقسم الطوارئ بأقصى سرعة.



وضعت جبهتها على موقد السيارة قائلة داخلها 

"والله يا ربي ما عدت اتحمل أكثر من ذلك. تعبت  وانهكت على الأخير. ربي هون علي ما أنا به"


اخدت نفس قوي ارتفع صدرها مزفره أنفاسها بقوة لينخفض صدرها بعدها. جاءها اتصال اخر اسرعت على اثره نحو المشفى وهي تحدث ربها

 "ان لم يكن بك علي غضب فلا ابالي"


دخلت المشفى وعيونها تكاد ان تفرط منها الدموع. أسرعت الممرضة نحوها وهي تقول

"الحالة خطيرة أم في الخمسين من عمرها أصيبت بجلطة قلبية مفاجئة"


ركضت سلمى نحو قسم الحالات الخطرة وهي تنظر نحو تيّم مشيره له وهي ترفع السبابة

"لم ينتهي حسابنا بعد"


رفع يديه ليضعهم على رأسه وهو ينظر لأمه 

"انقذي امي يا دكتورة"


نادى دكتور  فايد عليها

 "اسرعي يا سلمى الحالة تخرج دم من فمها"


اقتربت سلمى من الأطباء الملتفين حول المريضة ناظرة  نحو السيدة  المستلقية على الفراش الطبي وهي تسأل عن ما إذا كانت تعاني من امراض اخرى وكيفية وصولها لهذه الحالة.


وقبل أن يجيب الطبيب اقترب تيّم واصبح يملي عليها حالة أمه بالتفصيل.

تحدثت الفتاة المنهارة *خوفًا *على امها 

"أبي السبب لقد أتى بزوجته الجديدة وادخلها عليها المنزل معلنا زواجه منها.  سقطت امي بعدها سقطت أمي . هكذا سقطت سقطت"


امسكها اخاها ليضعها بحضنه وهو يقول لها 

"سآخذ انتقامي منه. اقسم انني سأنتقم  لها ولنا  منه"


كان المشهد غريب على سلمى، ادخلوا الام غرفة العناية المشددة وقبل اغلاق بابها تحدث تيّم للدكتورة 

 "انقذي امي رجاءً انقذوها "


 أومأت براسها وهي تطمئنه بثبات حتى أُغلق باب العناية وحال بينهما.

وصل زبير للمشفى وهو يسأل صديقه عن وضع امه، ليحكي له تيّم ما فعله زوج أمه ربت زبير على كتف صديقه 

" اهدئ واطمئن انها بأيد امينة "


نظر تيّم خلفه ليجد اخته ترتجف أسرع نحوها كي يحتضنها مقبل رأسها وهو يقول

 "سأجعله يندم على يوم ولادته. سأجعله يدفع ثمن المرار والضغط الذي وضعنا داخله طيلة هذه السنوات اقسم انني سأسترد حقنا وحق امي منه انتظري"


طال بقاء الأطباء داخل العناية المركزة لخطورة الحالة وعدم استطاعتهم تركها وحدها حتى نجحوا بإيقاف الدم وسرعة التدخل لمعالجة الجلطة قبل قضائها على قلب المريضة.


انهت سلمى عملها وهي تنظر لوجه المرأة بحزن عميق قائلة 

"كونوا على حذر. عند حدوث أي أمر طارئ عليكم استدعاء دكتور فاتح او دكتور جاسم كلاهما متواجدان بالمناوبة اليوم"


خرجت للممر من الجهة الخلفية لتجد الأخ محتضن أخته يحنو على كتفها بمشهد لم تشعر بدفئه منذ عدة سنوات طويلة، علقت عينيها على احتوائهم لبعضهم وكفه الذي يتحرك بحنان على ظهر اخته.


كان من المفترض ان تبتعد بهدوء كي لا تلفت انتباههم ويعلقوا بياقتها مكثرين الأسئلة عن حالة امهم الغير مستقرة ولكنها لم تستطع غض بصرها عن تأمل هذا المشهد الدافئ *الحارق *لفؤادها المتألم وقلبها الخالي الوفاض.


اقترب منها طبيب محدثها بصوت مسموع متسائلا عن بعض الفحوصات الطبية العائدة لمريض يشتركان بمتابعته.


انتبه تيّم من أصواتهم ألتفت نحوهم ليسرع بترك اخته والاقتراب من سلمى متسائلا عن أمه بوجه هزمه *خوف*الفراق. نظرت نحوه وهي تراقب عينيه وصوته قائلة

 "هدأ من روعك تدخلنا وفعلنا كل ما يلزم. ستبقى تحت الرعاية المشددة الساعات المقبلة حتى يستقر وضعها "


اقتربت تسنيم منها لتحدثها بصوتها الهادي الصغير

"لا تتركيها تموت وتتركنا. لا تتركيها يا دكتورة انقذيها اتوسل إليك ان تنقذيها نحن لا نستطيع العيش بدونها" 


تأثرت بحالة الفتاة همت لتقترب منها كي تواسيها متراجعة عن فعلها حين رأت تيّم يسحب اخته ليضعها أمام عينيه قائلا لها 

"لا تقلقي لن تتركنا وتذهب لأي مكان. ستعود إلينا لنضحك ونسهر ونتجول لا زال أمامنا الكثير لنقوم به سويًا"


تحرك الطبيب قائلا لزميلته

 "سأنتظرك بغرفة مكتبي كي نكمل حديثنا"


أومأت براسها له ثم نظرت للفتاة قائلة بوجه ابتسم رغم إرهاقه

"إنها بخير لا تقلقي ستطمئن قلوبكم على الوالدة قريبا"


رد بوجهه الحزين 

"هل سيطمئن يا دكتورة؟"


تأثرت بالدموع التي تجمعت بعيونه مجيبة عليه 

"لقد فعلنا كل ما بوسعنا والان نحن ننتظر استجابة الجسم ومقاومته من أجل التحسن. لا شيء كبير على الله"


شكرها من أجل كل شيء قدمته لأمه لتجيب عليه 

"جاء الوقت لأرد القليل من حقك عليّ ام نسيت ما فعلته من اجلي"


صمت امام ابتسامتها التي حاولت بها تهوين *خوفه *على امه ، تحركت عدة خطوات لتكمل سيرها ولكنها توقفت مستديرة نحوه كي تتحدث وعينيها تشير على اخته

 

"من الأفضل عدم تواجدها بهذا الوسط. انت تعلم ممنوع تواجد ذوي الاحتياجات الخاصة بهذه الأجواء المضطربة ستتأثر و تمر بأوقات عصيبة لعدة أيام وأشهر. ارجو ان تتصرف انت قبل ان يتدخل أمن المشفى لإخراجها"


رفض تيم مبررًا

  "لا هي ليست كذلك. او بالمعنى الأدق حسنا لديها بعض الاضطرابات العقلية والنفسية بجانب بعض المشاكل الصحية بدرجة طفيفة،  تأخر في النمو العقلي ولكنها تجتاز اختبارات الذكاء بنسبة خمسة وسبعون بالمئة اخبرتك بهذا كي تطمئني على وجودها"


نظرت سلمى على الفتاة وهي تحدثه

"عذرا لتطفلي ولكن ما سبب ذلك هل هو وراثي؟"


_"لا ، حدث ذلك بسبب ولادتها المبكرة وتعرضت لنقص حاد في الاكسجين تم انقاذها بسرعة ووضعها في حضانة الخدج ولكن للأسف تأثرت بعض وظائف الدماغ لديها في هذه الفترة القصيرة" 


 "كما تريد ولكن بهذه الحالة عليك ان تعدني بالحفاظ على هدوئها وعدم تعرضها للضرر لأي من المرضى وطبعا قبل كل ذلك إمكانية السيطرة عليها "


"لا تقلقي لن تضر احد ، كما اني لا أستطيع تركها بالمنزل لوحدها" تعهد لها ان يفعل كل ذلك لأجل أن تبقى معه .


أومأت سلمى برأسها وتحركت لتذهب لتباشر عملها.

عاد تيّم لاخته جالسًا بجانبها وهو يأخذها تحت ذراعه ليحن على ظهرها، التفتت سلمى نحوه قبل دخولها المصعد الكهربائي لتجده بهذا القرب والحنان والعطف على اخته.


دخلت المصعد منتظرة إغلاق بابه لتستند برأسها على اللوح الزجاجي محدثة الفتاة في نفسها "كيف لا يمكنكِ بدونها . ألم تري نعمة حنان الاخ الذي بجوارك"


تذكرت حنان امها عليها ومداعبتها لها. ارتعد قلبها حين شعرت بحضن امها لها ضمت ذراعيها عليها وهي تستنشق عبق عطر أمها يملأ صدرها. ابتسم وجهها للحظة انقطعت بها عن عالمها وكأنها حقا بحضن أمها.


نامت سلمى في غرفة مكتبها بهذا اليوم تحسبا لأي طارئ بحالة الأم ، استيقظت في منتصف الليل جلست على الاريكة وهي متعبه من ألمها الروحي أكثر من الجسدي نظرت للساعة لتجدها الواحدة والنصف تحركت لتخرج ذاهبة لغرفة العناية المركزة لتطمئن على السيدة تهاني الهاشمي والدة دكتور تيّم.


تفقدت هاتفها أثناء انتظار وصول المصعد للطابق المراد لتخرج منه رافعه وجهها تنظر للمكان حولها حتى وقعت عينيها على تيّم وهو يحتضن أخته في نومه.


رفعت اصبع السبابة ووضعته على فمها كي تحذر الطبيب قبل ان يتحدث بصوت مرتفع

مشيرة له بعينيها كي يلحق بها.


أُغلق باب العناية المشددة لتبدأ سلمى في متابعة السيدة تهاني وعدة حالة أخرى وسط اهتمام كبير من الجميع. 


مرت الساعات الأخيرة من الليل ولحق بها أولى ساعات الصباح حتى حان وقت عقد قران دكتور طارق على خطيبته الدكتورة رانيا المصري 


ارتدت سلمى وتجهزت بغرفة الملابس الخاصة بالأطباء، وقفت أمام المرآة الطويلة الملصقة بعرض الحائط تنظر لفستانها الفيروزي وهي تضع حجابها المختار بلون النسكافيه الفاتح على رأسها.


وكعادتها لم تهتم بوضع مساحيق التجميل على وجهها مكتفيه بوضع كريم ترطيب وكحل العين وزبدة الشفاه الشفافة.


تحركت لتخرج حقيبتها الصغيرة واضعه داخلها هاتفها فقط مغلقة باب خزانتها الخاصة جلست كي ترتدي حذائها الذهبي المشابه للرياضين ولكنه بلون وشكل يليق بالمناسبات فهي لا تحب الكعب العالي وأي شيء مبالغ فيه. 


 نظرت لقدميها وهي تبتسم على وضع الحذاء الرياضي مع الفستان محدثه نفسها 

"سترنا الله من ألسنة الناس"


نظرت لساعة يدها الذهبية مكملة حديثها مع نفسها

"هيا لنخرج تأخرنا عليهم كثيرًا، لا اعرف منذ متى تقام افراحنا بمنتصف النهار "


خرجت مغلقة باب الغرفة الخاصة بالأطباء خلفها ضاغطة على زر الأمان كي لا تفتح لأحد بعدها إلا بشفرة الزملاء والعاملين.


لمحت بطرف عينيها طرف ملابس الفتاة تسنيم وهي تدخل من باب الطوارئ، آثار الأمر فضولها لثواني أكملت سيرها بعد ذلك وهي تحدث نفسها وما الذي يأتي بها لهذا الطابق فتحت هاتفها لتتحدث مع الممرضة المساعدة لها كي تعطيها عدة تعليمات بخصوص الحالات الحرجة التي تحت إشرافها مؤكدة عليها سرعة التواصل معها ان جد أي جديد .


وقبل اغلاقها للهاتف سألتها بفضول عن ابنة السيدة تهاني الهاشمي لتجيبها المساعدة 

"بخير كانت تجلس بالمقاعد المقابلة لنا قبل قليل. من الممكن أن تكون في الحمام او المطعم بالاسفل . هل تريدين أن أخبرها بشيء"


نظرت سلمى بعيون ثاقبة نحو باب الطوارئ خلفها 

 "لا. لا شيء اطمئن عليها فقط"


ثم صمتت لثواني متسائلة بعدها

 "وماذا عن أخيها دكتور تيّم؟"


ردت المساعدة باستغراب 

"خرج لينهي بعض الأعمال و أوصاني على  أخته. كما تعلمين وضع الفتاة وصغر سنها، ولكنه لن يتأخر هكذا وعدني نصف ساعة على الأكثر ويعود"


غضبت سلمى على مساعدتها 

"كيف تتحملين مسؤوليتها ماذا عن عملك؟ هل ستتركين العمل وتجلسين بجانبها؟ وأيضا اين هي ألم تعلمي خطورة تجولها بالمشفى وحدها؟". 


أغلقت سلمى الهاتف وهي تستمع لاعتذار المساعدة لها. عادت بخطواتها للوراء كي تقطع الشك باليقين فتحت باب الطوارئ ودخلت منه وهي تنظر بكل مكان لربما تراها، صعدت الدرج للأعلى كادت ان تصدق انها تتوهم حتى رأت الباب العلوي مفتوح ليزيد شكها وفضولها بالصعود للأعلى وكأن شيئًا ما يقودها نحوه.


صُدمت *واتسعت عينيها فور وصولها، تسمرت وعجزت عن الحركة لعدة ثواني لم يستقبل عقلها فكرة رؤيتها للفتاة وهي واقفه أعلى سور سطح المشفى، تراجعت للخلف متخفية بهدوء لكي تتصل بالأمن وتخبرهم بسرعة التدخل وطلب فرق الإنقاذ تحسبا لتفاقم الوضع.


أغلقت الهاتف ملقيه بحقيبتها بجانب الدرج وبدأت تتقدم نحوها وهي تتذكر حالتها قبل شهرين بل وتذكرت ذلك المشهد المخيف الذي رأته قديما مع أبناء عمومتها. اغلقت عينيها اكثر من مرة حين ضرب بوجهها صورة الفتاة وهي تلقي برضيعها ومن ثم ألقت بنفسها خلفه.


تحدثت سلمى بصوت منخفض كي لا تفزع الفتاة وتجعلها تتصرف أي تصرف يضرها قائلة بوجه مبتسم

"ماذا تفعلين يا روحي بهذا المكان وحدك، هل أردتي استنشاق الهواء الطلق بالأعلى!"


ردت الفتاة بصوتها الباكي *الخائف *وجسدها المرتجف

"لا سأقفز من هنا اذهبي لا تقتربي مني"


اجابتها سلمى بهدوئها المعاكس لشعورها الداخلي

 "ما بكِ يا روحي من احزنك لهذه الدرجة. ألم اطمئنك على أمك قبل عدة ساعات. اين ستذهبين و تتركيها وحدها. أم تريدين ان تحزن وتعود لتنتكس حين تعلم..."


صمتت سلمى حين وجدتها تنهار وتبكي أكثر قائلة 

"لأجلهم. سأموت كي اخلصهم مني"


ابتلعت ريقها محاولة ان لا تظهر ملامح المفاجأة على وجهها متحدثه بهدوء غلفه الخوف

"كيف تخلصيهم منك ألم تعلمي بمدى حبهم لكِ. رأيت اخيكِ وهو يحتضنك بحب كبير يخشى عليكِ من الحزن كما..."


صمتت مجددًا حين *صرخت *تسنيم

"ولأجل ذلك سأخلصهم مني"


أصبحت لا تعرف ما عليها فعله طار وتبخر جميع ما تعلمته، وبلحظة غير متوقعه صعدت سلمى بجانب تسنيم في الأعلى وهي تقول لها

 "هل من رأيك أن *الانتحار *يريح القلب"


نظرت لها تسنيم *بخوف *متحدثة بعقلها الصغير

"ابتعدي عني .عودي لعملك لا تتركي امي وحدها. سيقتلونها"


اتسعت عينيها من جديد متسائلة

"من سيقتلها!"


بكت تسنيم  هي تجيبها

"*سيقتلونها *أتوسل إليك اذهبي لها وكوني بجانبها حتى تشفى"


ردت سلمى محافظة على هدوئها

 "لن تشفى ولن تتعافى ابدا ان فقدتك، سيظل قلبها يتألم عليكي حتى ينهي حياتها"


هزت الفتاة رأسها وهي تبكي 

"لا يمكنني البقاء . لا يمكنني النظر لوجوههم . لا يمكنني فعلها.  لا يمكنني ان اكون سببا في وفاتها"


توقفت سيارة تيّم أمام بوابة المشفى متعجبًا من تجمع العامة وفرق الأمن أسفل المبنى نظر للأعلى لتتسع عيناه حين تعرف على اخته من لون ملابسها ، ركض للداخل *صارخًا *بكل قوته وهو يردد 

"لا .لا .لا. لا تفعليها. رجاءً لا تفعليها. تسنيم لا تفعليها"


منعته فرق الأمن من التقدم ناداها باسمها ولكنها لم تجبه، ازداد بكائها واقترابها من سفح السور *لتصرخ *سلمى بها 

" ان كان *الموت *يريح لهذه الدرجة فأنا أيضا سأفعل مثلك، ولكنه ليس كذلك"


لم ترد عليها الفتاة فمن الواضح انها عقدت العزم على إلقاء نفسها لتسرع سلمى بهذه اللحظة الحاسمة ممسكه بها كي تدفعها بكل قوة نحو الداخل فقد عزمت وتحركت لإلقاء نفسها هربًا من أخيها.


لم تتعمد تسنيم بهذه اللحظة دفع سلمى للجهة المعاكسة فكانت حركتها نابعة من ردة فعلها المضطربة. لتسقط الفتاة على سطح المشفى من الداخل وتسقط سلمى من أعلى السور للخارج بمشهد *ارعب *وفاجأ كل من كان يشهده.


……….


ليست هي فقط من عادت ذاكرتها للمشهد المخـ.ـيف الذي ارعد قلبها الصغير حين كانت تتعجب من استمتاع بنات عمومتها من مشاهدتهم لفيلم الموسم.


هل كان يريد ان يخبرها بأقدارها الثقيلة ، ام كان يهيئها لتصبح بطلة الفيلم بعد ما يزيد عن عشرون عام ... 


عاد المشهد من جديد بقوة ليست خوفها فقط بل بقوة الواقع الذي فرض عليها ان تكون بطلته.


المشهد حقيقي ليس حلم ولا تخيل بل هو واقع مأساوي تعرضت له طبيبة شابة في مقتبل عمرها وهي تحاول أداء دورها الإنساني في إنقاذ فتاة صغيرة بريئة.


دمتم في رعاية الله وحفظه

رابط جميع الفصول

يتبع ..


إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. 




منها "رواية حياتي" 



رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..

google-playkhamsatmostaqltradent