recent
جديدنا

#عروس_بغداد الفصل الخامس عشر


رواية عروس بغداد

بقلم : أمل محمد الكاشف




وما الحـ.ـرب إلا ما لم يتذوقه و يعلمه من لم يعش التهام الأرض لاشـ.ـلاء ابنائه


............


كان خروج سلمى المفاجئ والسريع يثير *الخوف *ويلفت الانتباه، وصلت لقسم العناية المركزة فتحت لتدخل على عجل .


رآها دكتور طارق تقترب منه بوجه خالي من الدموية تحدثه بصوت يلهث من سرعته وركضة "نسيت ان اكتب حقن المنوم، لا اعرف كيف خرجت دون أن أؤكد على اعطائه إياها "


هدأها طارق قائلا 

"كل شيء على ما يرام لقد أعطيتها له بنفسي في الموعد المحدد، اهدئي والتقطي انفاسك بهدوء"


رفعت يدها لتضعها على رأسها وهي تنظر للمرضى بعيون محتقنة بكل ألوان *الأسى *والحزن "ماذا ان لم تنتبه له، ان استيقظ المسكين…" قاطعها وهو يضع يده على فمه مشيرا لها براسه نحو الباب 

"هيا لنكمل حديثنا بالخارج"


تحركت بجانبه دون اعتراض، راقب حالة سيرها و وضعها يدها على قلبها بل ولون وجهها ليبدا حديثه فور خروجهما

"هل تناولتي شطائر الجبن"


_"لم اشتهي شيء"


رفض ما تقوله وخاصة انها تحركت لتجلس على المقاعد الجانبية بعد ان عجزت قدميها على حملها.

رفع يديه الاثنان على رأسه ناظرا حوله وهو يقول داخله"يا مثبت العقل والدين يارب "


تحرك وجلس بجانبها ليحدثها من جديد بصوت الرحمة والشفقة "عليكِ ان تأكلي ولو قدر بسيط يعينك على ممارسة واجبك المهني، لم اقل لاجل نفسك فقد رأينا كم ظلمت باهمالك ولكني ساقولها لكِ لأجل المرضى الذين ينتظرونك"


_"ماذا ان لم تنتبه عليه. ماذا ان استيقظ المسكين.."


تحرك على مقعده حتى اصبحت امام وجهه وهو ينظر لعيونها المنكسرة 

" انا بجانبك لم اتركك، مررت على كل الحالات الخاصة بكِ لم اجد نقص لديهم بل لمست اعتنائك واهتمامك الكبير بهم. من منا لم يسهو.. مرت بسلام لا تحزني"


أومأت رأسها بعينها المغلقة وهي تستنشق نفس عميق ملأت به صدرها متحدثة بعدها

"من الجيد انك موجود. شكرا لك على كل شيء. استأذن الان منك عليّ أن أنام ساعتين على الاقل لأكمل مسؤولياتي بذهن مستيقظ"


كان يود ان يحكي لها عن مكالمته الثانية لعائلتها ولكنه تراجع خوفا من ردة فعلها، وقفت بمكانها عدة ثواني تحركت بعدهما لتذهب لغرفة احتجاز عائلتها.


اكد عليها طارق ضرورة تناولها الشطائر والعصير كانت تستمع له دون الالتفات له او اعطائه اي اشارة تجاوب منها.


كان كل همها ان تحافظ على وعيها حتى تصل للغرفة دون سقوط، وهذا ما شعر به طارق وجعله يسير خلفها دون ان يوضح لها كي يطمئن على وصولها.


جاءه اتصال مهم من احد الاطباء أجاب عليه وهو يقول "حسنا دقائق وسأكون بجانبكم"

اغلق الهاتف وهو لا زال ينظر جهتها حتى دخلت الغرفة ليزفر بانفاسه 

"اللهم اعطنا القدرة لنتحمل ما كتبته علينا"


تحرك نحو قبلته بوجهه الحزين وقلبه المتألم على تلك المسكينة.


عادت رشيدة لبكائها بمجرد رؤيتها لسلمى متسائلة "هل أثر الدواء عليه"

نظرت نحوها نظرة تعجب محاولة فهم ما تعنيه رشيدة بسؤالها ، اخذت شطائر الجبن والعصير من جانب فراش فاطمة الطبي وتحركت بجانب الاخرى كي تجلس على المقعد جانبها وهي تشرب العصير بعيون مغلقة وجسد يحاول ان يحسن من وضعه وحالته أثناء ارتوائه بالشراب الذي تبعه الطعام.


كررت رشيدة سؤالها لتطمئنها سلمى وتروي لها ما حدث بصوتها الضعيف، بكت رشيدة محملة نفسها ما حدث لهم "بسببي كان عقاب الله لي"


فتحت سلمى عينيها لتحدثها بنبرة حنونة كانت هي أكثر احتياجا لها

"بل هو قدر الله كل شيء مقدر ومكتوب، لا ترهقي روحك *بالحزن *زوجك يحتاج إليكِ، استجمعي نفسك كي تقفي أمامه قوية مؤمنة بقدر الله لتُشددي من أزره وتعينيه على ما ينتظره"


بكت رشيدة اكثر وهي تتساءل

"هل وضعه صعب لهذه الدرجة؟"


نظرت سلمى لنوم الأم فاطمة بعمق بسبب المسكنات والادوية ثم عادت لتنظر لرشيدة قائلة

"لا اريد ان اخفي عنكِ حقيقة ما ينتظره. مع الأسف الشديد تأثر العمود الفقري بشكل سيء بسبب  نقله للمشفى بطريقة خاطئة طبعا اقول لنفسي يا ليتنا انتظرنا سيارة الإسعاف ولكن كما علمنا لاحقا سرعتنا بالخروج هي من انقذت أرواحنا وهذا "


انهت العصير ووضعته جانبا مسكت بعدها بيد رشيدة مكملة 

 "اعلم أنه ذو قيمة كبيرة بقلبك، رأيت ذلك بعيونك وصوتك *الصارخ *باسمه بل *بخوفك *الكبير عليه، ولهذا اطلب منكِ ان تستجمعي نفسك كي تقفي بجانبه هو و أمه المسكينة"


تحدثت رشيدة بخوف

"وأنتِ أين ستذهبين؟ إياكِ ان تفكري بالهروب ونحن بهذه الحالة، لا تتركينا وحدنا إنه بحاجة لرعايتك…"


قاطعتها بصوتها الحنون رغم ما هي به

 "لن أذهب لمكان وخاصة وهو بهذه الحالة، هل أنا سيئة في نظرك كي اترككم هنا واهرب؟، هل جزاء الاحسان إلا الاحسان؟"


_"هل تقبلين اعتذاري ان اعتذرت منكِ، أخشى ان يعاقبني الله بأكثر من ذلك، انا لستُ *سيئه*كما تعتقدين ولكني بكل مرة كنت أجد نفسي بوضع الضعف أشعر وكأني سأخسر قلب زوجي ان.."


عادت رشيدة لبكائها

 "حاولت ولم انجح. لم أستطع مشاركته معكِ قلبي يحترق"


ربتت سلمى على كف يدها وهي تحنو عليه

"لا داعي لاعتذارك لقد سامحتك منذ وقت بعيد. اعلم ما تشعرين به واقدره لذلك كنت اتقبل منكِ افعالك واعطيكِ الحق بها"


ابتسمت سلمى ابتسامة تلونت بطعم ما هم به

"حتى يمكنني اعطائك دروس في كيفية احكام نجاح خططك والخروج بموضع الفائز بالاخير"


مسحت رشيدة دموعها وهي تشاركها نفس الابتسامة الباهتة

 "نعم عليكِ فعل هذا فقد سئمت من انتصارك عليّ بكل مرة"


تنهدت سلمى بحزنها قائلة بجدية 

"هذا يعني أننا اتفقنا من جديد"


ردت رشيدة متسائلة 

"على ماذا؟"


رفعت سلمى حاجبيها بتعب وألم ما هم به

"على ان لا تستخدمي عقلك بالفترة المقبلة"


اغمضت سلمى عينيها لتسألها رشيدة 

"اصعدي ونامي بجواري"


فتحت سلمى عينيها مرة اخرى وهي تجيب

"عليكِ أن تشعريه بحبك"


_"ألم يشعر بذلك؟"

 قالتها رشيدة *بخوف *لتأتيها إجابتها بصوت سلمى المتعب

_"ربما يتوجب اظهار حبك بشكل اخر بعيد عن المظهر والفراش. المرحلة القادمة مهمة جدا بالنسبة لحياتك معه إما ان تثبتي صحة حبك له لأجله فقط بعد أن ذهب المال والجاه والفراش لوقت غير معلوم وإما أن تتخلي عنه "


تساءلت رشيدة

 "كيف انا لا افهم عليكِ"


ابتسمت سلمى بحزنها قائلة

"نعم نسيت اننا اتفقنا على عدم استخدامك لعقلك"


_"انا لستُ غبيه لهذه الدرجة. ولكني تساءلت للتأكد يعني أنه سيبقى عاجزًا .."


ردت سلمى قبل ان تكمل الاخرى حديثها

"نعم على الاقل بالشهور القادمة او ممكن ان نكون اكثر دقة بقول السنوات الأولى, وضعه الصحي هو من سيحدد الوقت"



تساءلت رشيدة بحزن كبير

"وماذا عن الإنجاب هل ضاع حلمي به"


_"تقولين الانجاب اهم منه"


نفت بسرعة كبيرة 

"كنا سنموت ونجانا الله بفضله، لا شيء بالحياة أهم من الصحة والسلامة فليعد إلينا سالمًا غانمًا والباقي يعوض بكرم الله"


أجابت سلمى

 "ونعم بالله. صدقتي ومع ذلك سأبحث انا وضع الحمل لعلنا نستطيع إجراء عمليات خاصة للنجاح به. حملك الطبيعي لعدة شهور ينبأ بالخير الكبير استبشري بربك"


أومأت رشيدة براسها وهي تتحرك للداخل مفرغة مساحة من الفراش لتصعد سلمى كي تنام بجانبها .



عاد طارق بعد صلاة الفجر ومروره على المرضى ليجد سلمى نائمة بجانب زوجة خليل باطمئنان كبير.


كان المشهد غريبًا عليه يطرح داخله أسئلة كثيرة حول اعتيادها على حياتها الجديدة.

انسحب من الغرفة منخرط بالعمل و رعاية الجرحى.


دخل خليل لغرفة العمليات للمرة الثانية لإجراء عملية أكثر حساسية وخطورة على مستقبل الاعصاب بالعمود الفقري. فإن تم المساس باي عصب ولو صغير ستكون العواقب جسيمة من حيث الحركة والوقوف على قدميه مجددًا.


مرت ساعات العملية بصعوبة على رشيدة التي ظلت تدعو ربها أن يحفظه لها .


اهتمت بأمه وهي تحلم معها بعودة خليل أرواحهم لهم من جديد.


 نجحت عملية خليل بعد ساعات طويلة بالقدر الذي وصل إليه الأطباء، لأنهم اضطروا أن يتوقفوا *خوفًا *على تدهور حالة قلبه على أن يعودوا بعد ثلاث أسابيع او اكثر لاستكمال ما ترك ناقصًا.


خرجت سلمى من العملية مجهدة تمسح تعرق جبهتها وهي تطمئن رشيدة على نجاح العملية و وضعه تحت الرعاية المشددة حتى يأمر الأطباء باستعادة وعيه.


نظرت نحو نظرات الرجال المخيفة متسائلة 

"من أنتم"


تحدث أسعد بازدراء

 "وهل تنتظري منا أن نجيب على سؤالك"


نظرت لرشيدة وهي تستمع لحديث خالد

"متى يمكننا رؤيته؟ اذهبي واطلبي منهم أن يسمحوا لنا باقرب وقت"


فهمت سلمى انهم من ابناء عم خليل وخاصة حين تحدث خالد

"هيا حضروا انفسكم للعودة معنا لتبقوا تحت رعايتنا حتى تحسن حالته"


استدرات بكل ما أوتيت من قوة وصوت عالي لتجيب عليه بوجه فاجأ الجميع واولهم رشيدة

"لن يذهب احدًا منا معكم، رشيدة تحتاج لعملية خاصة ومن بعدها سيتم متابعتها كي لا يحدث مضاعفات خطيرة تؤثر على حياتها، أما السيدة فاطمة فهي تعاني من اضطراب عصبي زاد من مرضها ولاجل ذلك يتوجب بقائها تحت رعاية طبية مشددة مع تحري اخذها الادوية والمحاليل الطبية بالوقت والنسب المحددة لها"


تحدث أشرف بقوة 

"إذا حضري نفسك لتأتي معنا"


اجابته بقوة أكبر متحررة من كونها بمشفى وعليها اخفاض صوتها

"لا يمكنني ترك المرضى المسؤولة عنهم واذهب لاي مكان، كما أنني  المسؤولة عن الرعاية الطبية لدكتور خليل هنا، يمكنكم التحدث معه عند استعادته لوعيه ليقرر هو من يذهب معكم ولهذا الوقت عليكم اللجوء للشرطة ان وجدت كي تأتي وتحكم عليّ بترك موقعي والتخلي عن المرضى كي أجلس في منزلكم تحت رعايتكم"


تجمع الأطباء يسألونها عن سبب صوتها العالي مقدمين يد المساعدة إن احتاجت لذلك.


نظرت بقوة نحو الرجال قائلة وهي متحصنة بالأطباء

 "يمكنكم العودة لمنازلكم لا داعي للازدحام في المشفى اكثر مما هي عليه، سأبلغ رشيدة بكل جديد يطرأ على حالته وهي تبلغكم بذلك"


ثم نظرت للممرضات قائلة بشدة وقوة 

"لا اريد ازدحام بالممرات كي لا يتأذى المرضى"


غضب اسعد قائلا

"عن من تتحدث هذه والله لأكسر رأسها"


امسكه خالد وأشرف بعيون تحذره من المجتمعين حولها ووضع المرضى والجرحى وهم يسحبونه للخارج.


فهي بموضع قوة ولا يمكنهم السيطرة عليها قبل أن يعود خليل لوضعه.


تحرك طارق الذي وصل متاخرا هو وعدة اطباء وممرضين خلف اولاد عم خليل ليتأكدوا من خروجهم. 


اعطى طارق أوامر للأمن بالحذر منهم وعدم السماح لهم بالدخول مرة اخرى.


وهذا ما طمئن سلمى وجعلها تشعر بالأمان والانتصار النسبي عليهم.


مرت الايام الاولى بصعوبة على المرضى والجرحى وأهالي الشهداء والمصابين والأطباء، كما كانت البلاد تزداد سوءا يوما بعد يوم من شدة *وطأة *الحرب *وتدمير *ملامح المدن.


حافظت سلمى على الأمانة بذهابها بين الحين والآخر للحمام كي تحكم رابطتها على خصرها.


ساعدها طارق بشراءه الملابس النظيفة لها هي وعائلة زوجها، وهذا ما جعلها تتمكن من إخفاء ما يلتف على خصرها بأحكام اكثر.


استعاد خليل وعيه تدريجيًا وسط عائلته الصغيرة، *حزن على وضع امه وعودتها لنقطة الصفر كما *حزن*على فقدانه لطفله ومنزله وماله. ليلتزم الصمت التام وهذا ما اقلق الجميع وخاصة عدم تفاعله معهم ولا النظر لهم إلا بشكل بسيط ليتضح بعد الكشف الطبي والفحوصات أنه من يمتنع عن ذلك  اثر تعرضه لصدمة نفسية حادة جعلته زاهد بكل شيء حوله فما اصعب ان يفقد الانسان كل ما يملكه والأكثر أن يعجز عن الحركة بعد أن كان يتمتع بالصحة والعافية يتنقل هنا وهناك دون موانع او عوائق


ولأجل قلة توفر كوادر طبية ذو خبرة كبيرة لجأت المشفى للاعتماد على الأطباء المبتدئين في عدة عمليات صنفوا بالمشفى على أنهم الاصعب والاخطر على الاطلاق.


توالت انتصارات سلمى وعلا اسمها بعد نجاحها في كل عملية خطرة تخرج منها فرحة بإنقاذ مريض من مصير محتوم.


انهكت من كثرة العمل ورفضها ترك مكانها لغيرها، يتعجبون حين يرونها خارج المشفى تستقبل سيارات الإسعاف بنفسها كي تشخص الحالات وتوجههم للمكان الصحيح.

كانت عدسات الصحفيين والقنوات الفضائية الوطنية والدولية تتنقل صورها ومقاطع فيديو خاصة بها وهي تمارس عملها بقوة وسرعة ودقة .


ينتظرون خروجها وهم يعدون تقارير على *خطورة *ما يجري داخل غرفة العمليات حتى جاء يوم وتوجب عليها أن تقوم هي وعدة أطباء مساعدين لها بإجراء عمليتين كبيرتين في نفس الوقت.


كان هذا الاختبار صعب اما ان يستغنوا عن مريض منهم وأما أن يقوموا بإجراء العملية للاثنان بنفس الوقت، سُمح لكاميرات الصحفيين بتصوير العملية من خلف النوافذ الزجاجية دون انتهاك حرمة الجرحى.


تنقلت سلمى بين الرجلين بمهارة وقوة ثبات وحكمة باتخاذ القرارات وتنفيذها وهي عازمة ليس على النجاح وحسب بل وعلى انقاذ الحالتين لاجل أبنائهم وعائلتهم.


انضم إليها ثلاث أطباء بعد ان انهوا العمليات التي تخصهم ليهونوا الضغط عليها.


نجحت سلمى في إنقاذ الجريحين والاطمئنان على انتهاء عملها على أكمل وجه لتخرج من غرفة العمليات متفاجئة بتصفيق حار من مجموعة كبيرة تشمل اهالي الجرحى والكادر الطبي والصحفيين.


تحدثت إليهم وشكرتهم لتستأذن  منهم لتذهب كي ترتاح قليلا قبل استكمال عملها الشاق وسط توالي  وصول الجرحى للمشفى.


بدأت في سيرها تجاه الغرفة المحتجز بها زوجها واضعه يديها في جيوب المعطف الأبيض ، اقترب منها احد الصحفيين المشهورين وهو يوجه نحوها الميكروفون قائلا

 "دكتورة سلمى نهنئكِ على نجاحك وتفوقك على نفسك، انتِ حقا نابغة كما يقولون عنكِ"


شكرته سلمى وهي تنظر للكاميرات التي تسير بجانبهم، تحدث الصحفي من جديد 

"دكتورة سلمى اعلم ان الوقت غير مناسب ولكني اريد ان اسالك سؤال تداول كثيرا على شاشات التلفزيون  بالساعات الاخيرة، فالجميع يتعجب من مهارتك وتميزك وقوتك باجراء العمليات الدقيقة باول مشوارك العملي، يعني طبيبة مثلك لم تمارس المهنة بهذه الجدية من قبل وبيوم وليلة تصبحين اهم واقوى طبيبة بمستشفى العاصمة ، أنه أمر لا يستهان به ومن الضروري أن وراء كل هذا النجاح معلم قوي او طبيب ناجح كان يصطحبك لمشاهدة الكثير من العمليات لتصبحي بهذا القدر"


توقفت سلمى عن سيرها 


ناظره للصحفي قائلة

"نحن لم نحصل على هذه المرتبة بسهولة فجميع الأطباء جاهدوا بدراستهم وسنوات التخصص المحفوفة بالصعوبات  لكي نكون قادرين على تحمل مسؤولية مثل التي نحن بها" 


رد الصحفي 

"ولكن الجميع ليسوا سواء هذا ما اثبتيه انتِ للجميع، وهذا ايضا ما ضجت به البرامج الإذاعية والتلفزيونية لهذا كان السؤال الأوحد من وراء هذه العظمة"


أومأت برأسها قائلة 

"نعم انت محق، الجميع يسعى بالنجاح ولكن هناك القليل ممن يسعون ليس فقط للتفوق بل للتميز، وهذا ما حدث حين أقسمت أمي على ان تخرج مني طبيب ليس ناجح او متفوق وحسب بل كان حلمها ان انافس العلماء والمخترعين والنوابغ النادرين"


نظرت لعدسة الكاميرا وكأنها توجه الحديث لعشيرتها "  كانت دائما تقول لي ستصبحين فتاة بعدل عشيرة كاملة ، سيتم تداول اسمك على الصفحات ووسائل الإعلام كأحد أفضل علماء ونوابغ عصرك، كانت تشدد عليّ كي انجح ليس فقط بدراسة الطب وملحقاته بل كانت تحرص على تعليمي الفنون الرياضية والأدبية والفكرية والثقافية والاجتماعية حتى لم يسلم المجال السياسي منها حتى ان كان الامر بيدها لكانت اطعمتني العلم حتى يتشبع عقلي بشكل كامل، نعم هذا هو السبب الرئيسي لكوني كما تقولون ،فإن نجحت اليوم فهذا ليس بفضلي انا بل بفضل الله اولا ثم تلك المراة التي اقمست على جعلي منارة للعلم والتعلم، وها انا اسير على خطاها احلم بأن احقق حلمها بيوم من الأيام "


انبهر الصحفي من قوتها وحديثها قائلا

 "حقا الام مدرسة ان اعددتها اعدت شعب ليس فقط طيب الاخلاق بل قوي مثلك، بارك الله لكِ في أمك واعطاكِ القدرة على تحقيق حلمها بكِ رغم انني ارى تحققه من الان"


ثم نظر الصحفي المشهور للكاميرا قائلا

"لقد أجبنا على السؤال الذي راود الكثير منكم، على وعد مني ان اقوم بزيارة قريبة لتلك الأم المدرسة التي نحن بحاجة لها كي تخرج لنا جيل ناجح قوي مميز"


تحدثت سلمى للكاميرا 

"كنت اود ان يحدث ذلك بل كنت اتمنى ان تشهد وتسمع ما تقولون ولكن لله في ذلك حكم لعلها تسمعني وتراني الان من الجنة، ادعوا لها فهي والله تستحق أكثر من ذلك"


تركته مبتعدة عن الكاميرات هاربة للحمام مرة اخرى كي تغلق عليها سامحه لدموعها ان تنهمر من عينيها *بنار *الشوق *والحنين *لقلب امها .


كانت رشيدة  تحكي لزوجها عن وضع سلمى وما حققته من نجاحات متسائلة 

"هل كانت مميزة حقًا ونحن لا علم لنا، حسنا كان الجميع يقول هذا عنها ولكني لم اتوقعها متفوقه لهذا الحد"


اغمض خليل عينيه دون كلام مستمع لحديث رشيدة

 "لأجل هذا كانت تنتصر علي دوما. نعم وكيف لي ان انتصر عليها وهي بهذه القوة"


فتح خليل عينيه وهو ينظر لزوجته التي اقتربت منه قائلة 

"كان عليك ان ترى رجال عمومتك وهم يقفون امامها كالاصنام ترفض اخذهم لنا، حتى انها طالبت باخراجهم من المشفى دون *خوف *اقسم انني *خفت *ان تنظر إلي بهذه اللحظة"


تحدث خليل بصوته المنخفض

"هل تشاجروا معكم"


فرحت رشيدة بتحدث زوجها معها أجابته بسرعة

"نعم كانوا يريدون أن نذهب معهم حتى تتحسن انت، ولكنها *رفضت *متحججة بعلاجنا لم تنتظر الموافقة أو *الرفض *منا *ورفضت *ان نذهب جميعنا معهم"


صمتت تنتظر الرد الذي لم يأتيها تحدثت من جديد " أم كان علينا أن نذهب"


رد عليها بصوت ضعيف "خيرًا فعلت"


وضعت رشيدة الهاتف بجانب خليل قائلة "ساتركك لاذهب للحمام واعود إليك"


 نظرت لنوم فاطمة بالسرير الطبي المجارور لهم قائلة

 "سانزل للمطعم كي اشتري الشاي والبسكويت فانا لم ااكل منذ الصباح، لن اتاخر عليكم عدة دقائق فقط"


أومأ خليل برأسه استجابة لها، لتخرج هي من الغرفة تاركه خليل وراءها ينظر للاعلى بصمت حزين.


وصلت سلمى للغرفة وعينيها تفصح عن ما *يحرق *قلبها، جلست مكان رشيدة  بجانبه قائلة دون مقدمات

"لم استطع ذكر اسمه، كان علي أن أذكره ولو بكلمة عابرة ولكني لم استطع"


دمعت عينيها لتسرع بمسحها متفاجئة بتحدث خليل

 "لا تجبري نفسك على شيء اتركي الايام لتصلح ما أفسدته"


ابتسمت قائلة "انت تتحدث "


بادلها ابتسامه متعبه

 "تهانينا لكِ يا نابغة العراق"


فرح قلبها لما تسمع مالت عليه قليلا

"من الجيد تحدثك معنا، كنت اخشى عليك من *الصدمة*النفسية، إياك ان تستسلم مرة أخرى تعلم كم نحن بحاجة إليك "


رد عليها "شكرا لأجل الأمس "


_"هل كنت مستيقظ!"


قالتها بوجه وعينين مفتوحتين، ليجيبها 

"كنت بحاجة لمن يساندني ويقوي من عزيمتي وايماني جزاكِ الله كل خير"


ابتسم خليل مكملًا

"رغم انني تمنيت ان استمريت بصمتي كي استمتع بتلاوتك الهادئة للقرآن الكريم بجواري"


_"جميعه لا يساوي شيء امام ما فعلته انت لي يكفي انك انقذتني من مصير *مظلم *لا عودة منه، هل تعلم اصبحت أخشى ان يأتي اليوم لاشكرك على انقاذي من والدي "


سألها خليل بصوته المنخفض 

"هل تواصل معكِ؟"


هزت رأسها بالنفي

"لا لم يفعل أراد طارق ان يفعل ذلك ولكن ابي *صدمه*صدمة عمره حين *رفض *ان يتواصل معي او يطمئن علي، المسكين حتى باحلامه لن يفكر بما سمعه"


تحدث خليل بحزن

 "ضاع كل شيء يا سلمى ضاع كل شيء، المنزل والأموال والصحة والولد جميعهم ذهب بمهب الريح"


تحدثت بوجه مبتسم

 "كنت انتظر سؤالك عن طارق ودفاعي عن نفسي أمامك"


تنهد بضيق صدره وتعبه قائلا

"لا داعي لمدافعتك عن نفسك امامي، اصبحت اعلم بكِ اكثر من نفسك"


ابتسمت محاولة مسايرته الحديث وإخراجه من *حزنه*ليفاجئها أنه كان يسمع حوارها مع طارق وكيفية صدها له صمتت امام حديثه ليغمض عينيه قائلا 

"أليس كذلك يا عزيزة أمها"


ابتسم وجهها بفرحتها 

"اليوم شعرت وكأنها بجانبي تنظر الي وهي فرحه منتصرة على عشيرة ابي، اليوم كنت أشعر وكأنها تهنئني على نجاحي بتحقيق حلمها"


_"لا تظلمي نفسك ليس حلمها ومجهودها وحدها، وايضا انت نابغة حقًا حالة فريدة من نوعها تتمتعين بصفات نادرة مما جعلك تصلين لهدفك ليس بسهولة طبعا ولكنك استطعتي الوصول"


شكرت سلمى ربها مقتربة على خليل قائلة بصوت منخفض 

"كنت انتظر هذه اللحظة التي سأطمئن على عودتك إلينا بشكل كامل حتى أخبرك بشيء مهم"


نظر لها باهتمام كبير لتقترب هي أكثر مكملة بصوت منخفض 

"الأموال والسبائك الذهبية معي"


تعجب مما قالته نظر ليدها التي تشير لمنتصف قامتها وهي تحكي له كيف عادت لتأخذ الأموال من داخل الخزينة قبل سقوط المنزل .


سألها بخوف

 "ماذا عنكِ الم تفكري بنفسك ام إنك تشوقتي للقاء ربك"


ابتسمت سلمى

 "ليس لهذه الدرجة ماذا فعلنا لاخرتنا حتى نلقاه بهذه السهولة!، كل ما في الامر انني وجدت نفسي اسرع بالدخول وأخذهم جميعا وكما قلت لك ساعدني الله بانقاذهم و انقاذكم بعدها"


فرح خليل مبتهج وجهه وهو يقول لها

"انتِ حقا بطلة لا مثيل لها كنت اعلم انكِ بهذه القوة لأجل ذلك امنتك عليهم"


زفر انفاسه ملقي ما بداخلها من هم وحزن للخارج مكملًا

"ارحتي قلبي الان. على الاقل لدينا ما يعيننا على حياتنا المستقبلية"


عادت رشيدة لتجلس بجانبهم تراقب حالتهم وصمتهم. لم يطل الوضع كثيرا حين أتت ممرضة تلهث من سرعتها تحدث الدكتورة سلمى 

"يبحثون عنكِ بالاسفل وصل لقسم الطوارئ عدة حالات حرجة  يريدون مساعدتك بهم"


انتفضت سلمى لممارسة عملها في إنقاذ الجرحى راكضة جهة الطوارئ بالاسفل.


تحدثت رشيدة لزوجها

"كيف سنقنعها بالجلوس في غرفتها من بعد الان، هل ستقبل ان تعود للسمع والطاعة بعد ان شهدت هذا النجاح الغير مسبوق"


فاجئها خليل بحديثه الغير منتظر منه

"ومن قال لكِ انني ساعيدها للسمع والطاعة ، ما كانت نيتي بأول الأمر حتى افعلها الان"


لم تستطع الاجابة من *صدمتها *بتحدثه الكامل ليكمل هو

"بكل الاحوال كنت ساتركها تعمل و تكمل احلامها"


تجمعت الدموع بعينيها وهي تقول له

"من الجيد انك بخير"


انتبه خليل على عودة حديثه بطلاقه تأثر بمشاعر رشيدة وفرحتها بسلامته قائلا

"لا زال الوقت مبكرا على هذا الفرحة"


وضعت يدها على كتفه

"صوتك بجواري يكفيني، وايضا انا اثق بكرم الله، اخبرتني سلمى ان نسب شفائك التام كبيرة، سنفعل كل ما بوسعنا لتعود إلينا مجددًا"


نظر خليل نحو أمه وهو يشعر بحنو زوجته على كتفه اغمض عيناه متمنيًا لو ان الايام تمر بسرعة ويعود للوقوف على قدميه من جديد.


لم يكن الامر سهلا كما يتمنى فقد كانت ثلاث سنوات مليئة بالصعوبات والمخاطر وعدم توفر الطعام والخبز بسهولة جوع وتشرد وفراق ، ثلاث سنوات والشهداء تتساقط والعائلات تتشتت والمنازل والمنشآت  الحكومية والاسلامية والتاريخية تتساقط ،ثلاث سنوات أراد *العدو *ان يمحو زهو ورقي وتقدم الحضارة العراقية ارادوا ان يقضوا على المفكرين والأدباء والعلماء والدعاة وصفوة السياسيين المخضرمين الأقوياء، ثلاث سنوات مليئة *بالخداع*والمؤامرات *وزرع بذور *الفتنة *بين القبائل والعشائر والطوائف الدينية لتفتيت المجتمع من الباطن، *صراخ *والم *وفراق *وأشلاء *متناثرة *بكل مكان لا تجد من يجمعها، لم يكن سهلا على الناس التنقل بين المدن للمحافظة على الأرواح من *العدوان *الغاشم *ولكنهم كانوا يفعلونها كحل اخير لا بديل له ، تولى طارق مسؤولية تنقلهم  بين المدن وتوفير المسكن والعلاج له في كل مدينة ذهبوا إليها، اجتمعت عائلة الطبيب طارق ودكتور خليل وثلاث فتيات اكبرهم اربعة عشر عاما تحت سقف واحد بكل مكان كانوا ينتقلون إليه. 


انفصلت الفتيات عنهم بعد سنتين وثماني اشهر حين علم عمهم بنجاتهم واخذه لهم في كنفه، وكان هذا حال العديد من العائلات تحت *وطأ *الحرب *وعدم معرفة الناجي من الراحل.


تحسن خليل شيء فشيء حتى وصل به الحال أن يتحرك على مشاية طبية كان الامر صعب ومجهد عليه ولكنه كان يفعلها بعد أن سعى لشفاء خليل وعودة وقوفه على قدميه من جديد بعد ان لمس طارق قلبه الكبير الرحيم على قرة عين امها  الذكرى المتبقية من السيدة التي حفرت بقلبه اسمها فلم تكن الخالة فوزية شخصا عاديا بحياة طارق بل كانت السند والدافع الحقيقي له طوال سنوات عمره يتذكر نصائحها ودعمها النفسي قبل المادي وتشجيعها وبث روح النجاح والتفوق والتميز بقلبه منذ صغره ، هي اول من نادته بالدكتور بعمره التاسع وهي من أمسكت بيده كلما تعثر بصعوبات الحياة هي من كان يتودد برؤيتها كل صباح كي يحظى بالدعاء المبارك.


حمل طارق ذكرى ومعروف تلك السيدة بقلبه قبل عقله لياتي هذا اليوم الذي شعر بالمسؤولية تجاه ابنتها و وجوب مساعدتها هي وزوجها حتى تسعد بحياتها.


ولهذا اصبح طارق خير سند لخليل حين ابتعدت عنه  عشيرته ليس *لسوءهم *وحسب بل لكثرة حججهم ومبرراتهم فالجميع تشتت بين راحل من المدينة ومتخفي يحاول الحفاظ على اهل بيته.


 توالت الايام عليهم بحلوها ومرها *وحزنها *وفرحها ، يجتمعون على الخبز المحمص من صنع ايديهم بقلوب راضية تدعو الله أن يديم ستره وحفظه عليهم. 


 جاءتهم الفرصة الكبيرة عندما فتحت تركيا أبوابها امامهم عن طريق مجموعة من المهربين ياخذون مبالغ كبيرة مقابل ضمان سلامة التنقل البري بين البلدين.


تحدث خليل موجه حديثه لطارق 

"اخبرهم اننا مستعدون لدفع المال مقابل ضمانهم وصولنا بسلام"


_"من أين سندفع كل هذه الاموال وان افترضنا انك استطعت حلها انا…."


قاطعه خليل بصوته المنخفض

"الم نتفق اننا سنتقاسم الحياة بيننا، وايضا ان لم تستطع دفعها الآن فلتدفعها لاحقا حين تعمل بإحدى المستشفيات هناك، او تعمل بعيادتك الخاصة، لن نقطع الامل بالله ما دمنا احياء نرزق من نجانا من الموت وكتب في اعمارنا بقية قادر على تبديل احوالنا للافضل، المهم الان تواصل انت معهم واحجز لنا بأقرب رحلة"


وقد كان ما اتفقا عليه حين دفع خليل ثمن هجرتهم الغير شرعية عبر الطريق البري لجمهورية تركيا التي كانت فاتحة أبوابها للاجئين حين ذاك. 


علمت سلمى بمحض الصدفة  بوجود أبيها في نفس المدينة التي انتقلوا إليها مؤخرًا رق قلبها وحن لرؤيته لعله يهون عليها الضياع *والالم *والخوف *من المصير المجهول وسط *الحرب *والتهجير *والضياع *وقرب هجرتهم من البلاد لاجل غير معلوم، فكانت تقول لنفسها

" لعله اخر لقاء يجمعنا بالدنيا".


سمح لها خليل بعد ان اجتمع عليه رشيدة وطارق لاقناعة بل وبعد حديث عايدة معه 

وهي تقول "ستبقى غصة بقلبها تتلوع بها طوال حياتها وخاصة ان اخذ الله أمانة روح حسين بعد هجرتنا ، لا تحملها فوق طاقتها اتركها لتذهب وتصلح ما بينهما كي تهاجر البلاد بقلب سليم يكفي المسكينة ما راته ومرت به من صعوبات، فلتفرح ولو مرة قبل سفرنا"


أجابها خليل 

"أخشى ان تذهب دون رجعه، يعني ما الذي يجبرها على العودة بعد ان تراه وتحتضنه ويصلح ما بينهم"


وعدته عايدة ان تعيدها معها وهي تراهن على ذكاء وعقل وفطرة سلمى التي لا تقبل ان تقوم بعمل كهذا في ظل الظروف الراهنة.


فكر خليل *خوفا *من حدوث أمر الله للعم حسين في غيابهم *ويسقط  *اللوم عليه بتحميله ذنب عدم مصالحتهم واخذها رضى والدها. فرحت سلمى بموافقة زوجها التي لم تأتي بسهولة بعد أن أشفق ورفق بدموعها *وحزنها *ورغبتها الكبيرة باراحة قلبها و احتضان والدها والاطمئنان عليه لاخر مرة قبل رحيلهم


ذهبت وهي تخفي وجهها بناء على شرط خليل لحرصه على عدم معرفة أحد بذلك واضعها بأمانة طارق ليذهبا ويعودا سويًا.

 

لتأتيهم *صدمتهم *الكبيرة حين رفض حسين مقابلتها ورؤيتها موجه زوجته لها كي تجيب عليها بالعودة من حيث أتت والمحافظة على زوجها دون التفكير بشيء آخر . 


من المؤسف *المخزي *رؤية الدموع بعيون ياسمين زوجة أبيها تألما على وضع المسكينة التي ذهب ما تبقى من روحها هذه المرة .


 تأثرت واشفقت ياسمين عليها رغم كل الحقد والسوء *الذي حملته بقلبها قديمًا معتذرة منها قائلة *بحزن

"عودي الان وانتظري لعل الله يلين عقله ويقبل لقائك بمرة اخرى"


تحركت سلمى لتبتعد عن الباب بخطوات فشلت بهم في إخفاء كسرها وضعفها ، مد طارق يده لها كي يساعدها بسيرها الثقيل ولكنها *رفضت، طلب منها ان تتحدث او تبكي *او تصرخ *

"سلمى لا تخيفيني افعلي اي شيء ، وجهك لا ينذر بخير " 


لم تجبه ظلت  تسير بصعوبة رؤيتها للطريق وظل هو يراقب وجهها الاحمر ينتظر انفجارها *الصارخ *او *سقوطها *القريب.


*صرخت *محاسن بوجه اخيها عند معرفتها بما حدث قائلة ردًا على مبرراته

"تحترق *الاعراف والاحكام التي تحيل بينك وبين ابنتك ، الفتاة ضغطت على نفسها وزوجها وأتت لباب تطمع برؤيتك واحتضانك وانت ماذا فعلت، أخبرني كيف فعلتها ، كيف تردها مكسورة الخاطر، بربك كيف فعلتها يا اخي كيف ! اهانت عليك قرة عين فوزية ! كيف هانت عليك مدللتك ! كيف نسيتها ونسيت وصايا فوزية من قبلها"


{وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا كسر الاب ليس كأي كسر يتعرض له الإنسان بكت عيوني  وانشق قلبي *حزنا

على تلك المسكينة😭😭}


بكى حسين مدافعًا عن نفسه

"لا تلومي علي لم أستطع فعلها كيف اسمح  لها باحتضاني واتركها بعدها. كيف اشتم رائحتها واتحمل بُعدها من جديد "


بكت ياسمين لبكاء زوجها فالوضع اصبح صعب على جميع الأطراف تهجير *وضياع *وعدم *استقرار ، أصوات *المدافع *وطلقات *الرصاص *الحي ورائحة *الدم *تتناثر بالهواء في كل مكان، لم يستطع أخذها بجانبه ولم يستطع تحمل فكرة تركها بعد شمها واحتضناها، عادت سلمى لتجد خليل ينتظرها بالصاله الكبيرة وهو قلق عليها، فرح وجهه بمجرد رؤيته لها متسائلا 

"اخبريني ماذا حدث"


 تحركت سلمى ملقية بنفسها في حضن رشيدة التي اقترب لتضمها بقوة داخلها قائلة 

 "ذهبت روح من روحنا *خوفا*عليك"


بكت سلمى بقوة هزت قلوب كل من يسمعها وهي تردد 

"لم يرد رؤيتي، أبي رفض رؤيتي" 


{😭😭😭 هل يسمى هذا بالخذلان ام الخذلان اهون واحن على القلب مما تشعر به هذه المسكينة😭😭منه لله خلصت دموعي عليها}


نظر خليل لوجه طارق مستنكر ما تقوله ليتحرك الأخير للجلوس بجانبه متحدثا بصوت منخفض 

"نعم هذا ما حدث، رفض العم حسين مقابلتها قائلا على لسان زوجته لم يعد لديك عائلة اذهبي بجانب زوجك ولا تتركيه هو من تبقى لكِ بهذه الحياة"


أنهت عايدة صلاتها مسرعة نحو من ذاب فؤادها المكلوم لتسحبها من حضن رشيدة كي تدخلها حضنها وهي تقبل راسها وتحنو على ظهرها  بصوتها الباكي

 "لا تبكي يا روحي لا تبكي على من لا يستحق دموعك، عوضك الله بأفضل منه، لا تبكي يا حبيبتي"


*سقطت *سلمى مغشيا عليها بعد أن انخفض ضغطها واستسلمت بل وتمنت روحها سرعة لقاء ربها فلم يعد القلب يتحمل أكثر من ذلك.


..........


أهناك ما هو أصعب من الشتـ.ـات والتهـ.ـجير والضياع *والخـ.ـراب والخـ.ـذلان؟!

لم أكن اعلم الاجابة الوافية قبل ان أرى تلك المسكينة وهي تسقط ارضًا لتجسد ما هو أصعب من كل ذلك ، ففي حين نرى الناجين من القصـ.ـف *يخرجون من تحت *الانقـ.ـاض *يصـ.ـرخون *باسماء احبتهم ، تجحظ عيونهم بحثا عن والديهم وابنائهم واخواتهم  ليتطمئن قلوبهم وتهدأ *نار *قلوبهم فكل شيء  يهون إلا فقد الاحبة لا يهون، نرى تلك المسكينة تتعذب *بنار *وحدتها وخذلانها *والتخلي عنها بشكل لا يقبله ولا يستوعبه عقل.


اللهم لا تفجعنا في احبتنا 


يتبع ..


إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا. 




منها "رواية حياتي" 



رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف .

google-playkhamsatmostaqltradent