روايـة حـيـاتـي
بقلم الكاتبة أمل محمد الكاشف
وهبنا الله نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى بهذه الحياة ومن أجمل وأعظم هذه النعم أن تُرزق بعائلة مترابطة تمدك بالحب والراحة النفسية ، تمنحك الشعور بالانتماء والأمان ، ترسخ في ذهنك وقلبك القيم والتقاليد ، تمدك بالدعم الوجداني و تحفزك دوما على النجاح والتفوق ، توفر لك ميراث ثري من الذكريات الجميلة التي تنحت داخل قلبك وتدوم مدى الحياة.
العائلة ملجأ كبير يحتضنك عند كل مشكلة ومأزق، ساحة من التنازلات المتبادلة لأجل نجاح أفرادها ، العائلة هي من ستجدها بجانبك حين يفرغ العالم من حولك ، أُناس يحتونك ويمدونك بالدفء والسكون والاهتمام والمحبة والتسامح مما يجعلك سوي عاطفيا واجتماعيا وسلوكيا ،لذلك هي مهمة لتجنب الإصابة بالفراغ العاطفي والمشاكل النفسية العديدة ، و فقدان القدرة على بناء علاقات صحية مع الآخرين.
كبر مفهوم العائلة بقلب السيدة أسماء هانم التي عاشت طفولتها وشبابها في ظل عائلة صغيرة بسيطة متحابة متماسكة يدعم كلا منهم الاخر لأجل ان يرسموا الابتسامة على وجوه بعضهم.
وهذا ما أرادت فعله بعد زواجها وإنجابها لابنتها الوحيدة ، مرت السنين وهي لا زالت تصر على التواصل الاجتماعي والاحتفال بالمناسبات العامة والخاصة وسط تجمع عائلي كانت تود ان يكون دافئًا للجميع .
رفعت هاتفها لتتصل بابنتها قائلة فور جوابها عليها " أين أنتِ يا دفنة لماذا تأخرتِ "
ضحكت دفنة وهي تغلق الباب خلفها مقتربة من سيارتها قائلة
" سأكون أمامك بعد نص ساعة على الأكثر. لا تقلقي مسافة الطريق لن تأخر"
عاتبت أمها عليها
" لا أعرف ما الداعي للسهر والاستيقاظ بمنتصف اليوم .."
تأففت دفنة قائلة
" ألم تسئمي من تكرار حديثك حتى يصل إلى بركة اليوم وذهاب الصحة والشباب "
تنهدت أمها بضيق مجيبه به
"حسنا سأصمت هيا انتظرك . انتبهي للطريق "
سألتها ابنتها قبل ان تغلق " هل جاء فاتح؟ "
صمتت دفنة لثواني شعرت بزلة لسانها مكملة حديثها " اتساءل هل أوزجي وفاتح سيجتمعان معنا ام سيعتذران كالأسبوع الماضي ".
ردت أمها والضيق يعتلي وجهها بقوة
" اقترب وصول زوجك عارف ، اما عن أوزجي وزوجها فلم يصلا بعد ولكنها وعدتني بالمجيء "
صعدت دفنة سيارتها لتبدأ قيادتها وهي تنهي المكالمة مع أمها التي أخبرتها بانتهاء شحن بطارية هاتف زوجها وعدم استطاعتها الوصول له قبل مجيئه إليهم.
أغلقت أسماء الهاتف بضيق اكبر متذكرة رؤيتها لابنتها بجانب فاتح ابن عمها وهما متقاربين بشكل غير لائق لكونها امرأة متزوجة.
نظرت لزوجها الجالس على الاريكة قائلة
" لم يعجبني حالها بهذه الأيام ، حتى زوجها اشتكى من سهرها المستمر وكثرة خروجها ، أشعر بانقباض في قلبي كلما تذكرت حالها "
رد غافر على زوجته بقوة .و غضب. واستنكار
" من من ! هل اشتكى عارف من ابنتي؟ من هو ليشتكي منها ؟ أكان يحلم بالزواج منها أم نسي نفسه هذا الصعلوك ".
فار الدم بعروقها وهي تجيبه بغضب
" لم يكن صعلوكا في يوم من الأيام. كان ناجحًا دوما . اجتاز صفوفه الدراسية على أفضل نحو . ابدع بالفنون و… "
اصمتها غافر بنبرته القوية
" أنتِ فقط من يراه كذلك ، ولكنه صعلوك لا يسوى التراب الذي يسير عليه ، ما كان سيصل لوضعه لولا وجودي بجانبه ومساعدتي له ، أم نسيتي .. "
قطع حديثهما وصول فاتح وأمه وزوجته متأملين وجوههم الحمراء الحادة بغضبها.
سلمت ثريا على أسماء قائلة لها
"اشتقت إليكِ يا روحي "
ثم اقتربت من غافر وهي تستمع لقوله
" ونحن ايضا اشتقنا إليكِ "
تبادل الجميع السلام وتحركوا ليجلسوا على مقاعد الصالون ، تحدث فاتح بعيون تدور حوله متسائلا عن دفنه " ألم تأتي بعد ؟"
نظرت أسماء لزوجها ثم نظرت لفاتح دون جواب ، تكدر وجه أوزجي حيال سماعها سؤال زوجها عن ابنة عمه.
رد والد دفنه
" على الطريق تبقى القليل لتصل "
سألت أم فاتح
" وماذا عن عارف ألم يأتي معها ؟"
اسرع فاتح بالإجابة على امه قائلا
" هو أيضا على الطريق "
هذه المرة غافر هو من نظر لزوجته بصمت وقلب صدق ما يراه ويشعر به من حوله.
تحركت اسماء مبتعدة عنهم وهي تتحجج بإجراء مكالمة مهمة ، خرجت للحديقة لتقف بجانب أعمدة البوابة الداخلية بعيون مغمضة ولسان يردد بخوف داخله
" إياكِ يا صغيرتي . إياكِ والسقوط بهذا البئر المظلم "
سمعت صوت سيارة عارف وهي تدخل من أسوار الحديقة نظرت نحوه متوجهة إليه فاتحة ذراعيها لتحتضنه بحب كبير .
فرح كطفل صغير نزل من سيارته بقلب يُسمع صوت قهقهات ضحكاته ملقي بنفسه في حضنها مستمتعًا بتقبيلها لرأسه.
غضب زوجها حين رأى هذا المشهد من النافذة كظم غضبه وغيظه مكملًا حديثه مع فاتح دون أن يشعر أحد .
نظر عارف نحو سيارة فاتح إبن عمه قائلا
" ما كنت سآتي ان كنت اعلم بقدومه . لماذا لم تخبريني ؟"
سألته أسماء بترقب " ألم تتواصل معه! "
نفى عارف قائلا
" لم يحدث أي اتصال بيني وبينه منذ اخر شجار في المطعم "
ربتت على كتفه قائلة
" هيا ادخل أنت وأنا سآتي من وراءك "
سألها عن زوجته
" هل وصلت دفنة؟ "
_" لا لم تصل بعد ساجري اتصالا مهما حتى مجيئها الذي اقترب . هيا يا اسدي ادخل انت وارتاح حتى نأتي إليكم "
وبالفعل دخل عارف المنزل القريب من القصر بكبر حجمه تاركًا أم زوجته وزوجة عمه في نفس الوقت بالخارج.
لم تمر عدة دقائق قليلة حتى وصلت دفنة بعدهم بفرح وسعادة راكضة نحو أمها وهي تتحدث بصوت مبتهج " صباح الخير يا أمي "
صدمتها أمها بسؤالها السريع الحاد
" هل تحدثتي مع فاتح اليوم "
نفت دفنه ما قالته أمها
" لا لم يحدث . ما بكِ يا امي بدأتي التحقيق دون مقدمات "
زاد غضب وضيق امها متسائلة
" كيف علم فاتح بقرب وصول عارف ان لم تتواصلا"
ردت دفنه بضيق وتذمر ماطة نبرة صوتها
" أمــــي "
وقفت اسماء بوجه ابنتها لتعيق هروبها قائلة بصوت تحذيري " إياكِ يا دفنه …. "
تركت أمها متوجهه للداخل وهي متأففة رافضة سماع باقي حديثها .
ندمت أسماء على دعوتهم وتجميعهم هذه المرة أكثر من كل مرة كان قلبها يترقب وقوع شيء كبير ليس بهين ، دخلت خلف ابنتها وعيونها تراقب نظرات فاتح وتحركه بالقرب من ابنتها.
لم تكن الوحيدة الشاهدة على حالة التآلف التي برزت وفاح صيتها للجميع ، فرحت ثريا أم فاتح كناية في أوزجى الغير محببة لها ، بينما فرح غافر والد دفنه بقرب خلاصه من نسب عارف ، أما أسماء فكانت أكثر من حزن وتاثر بما يدور أمامها بكل جرأة هذه المرة.
سحبها زوجها لغرفة جانبية لكي يحذرها من إصدار أي ردة فعل ستدفع ثمنها غالي . ولكنها لم تصمت أمام نهره لها هذه المرة مطالبة بضرورة مراجعته ابنتهم كي ينقذها من السقوط في بئر .الرذيلة .
انصدمت أسماء برد زوجها
" ومن سيسمح لها بالسقوط في الحرام. ساسعى في تحقق حلمها ان تاكدت من مشاعرها ورغبتها بابن عمها في الحلال "
صرخت أسماء في وجه زوجها
" عن أي حلال تتحدث . كيف تسمح لها بخيانة زوجها على مسمع ومرأى منا دون إعادتها …"
رفع غافر السبابة بوجهها متحدثًا بصرامة
" لن تبقي في المنزل ساعة واحدة ان اكملتي جملتك. بل لن تري نجاح فلذة روحك ان تحدثتي بهذا الموضوع مرة اخرى . اقسم انني سأدمرة وانسف مستقبله وحياته هذه المرة دون أن يستطيع الوقوف على قدمه مرة أخرى "
اتسعت عينيها ملتزمة الصمت بوجهها الاحمر المكتظ ، انتظرت خروجه لتسقط على المقعد منهارة بالبكاء القهري.
صدق قلبها حين انذرها .بخطر .وفاجعة قادمة، فما لبث التجمع ساعتين على الأكثر شهدت العائلة بعدهم صراخ .وقذف .تابعه .تضارب .بالأيدي بين فاتح وعارف ، بكت اوزجي مستنكرة .خيانتهم .لها بقهر قلب كان يشعر بما يحدث حولها ، تدخل غافر عم عارف مدافعا عن ابنته في أول الأمر حتى وصل به الحال لسحب عارف الى غرفة مكتبه ليدور حديث قاسي بينهما سقطت أسماء أرضا مغشيا على أثره .
كانت الواقعة صعبة بردود أفعال غريبة مختلفة، تعجبت أسماء من موقف أم فاتح ودعمها لابنها مبررة موقفها بحبها الكبير لدفنه وشعورها إنها لائقة على ابنها أكثر .
بينما دافع زوجها عن حق ابنته في عيش سعادتها أينما كانت .
لم تصدق سماعها لابنتها وهي تدافع عن نفسها رافضة تصنيف قبلتها مع فاتح على أنها خيانة بحق زوجها قائلة
" كانت الأولى لنا . اشتقنا لبعضنا البعض بعد غياب دام لعدة أيام . ولكن أقسم لكِ أنها لم تتعدى هذه القبلة . انا لم أخنه ولم انام.."
صفعت الأم ابنتها رافضة سماع المزيد من الانحطاط قائلة
" أنتِ .خائنة .لزوجك وللعشرة التي بينكما. خائنة لعارف ابن عمك و لاوزجي المرأة المسكينة التي صدمت بوقاحتكم. النظرة والتقارب والمحادثات السرية جميعهم خيانة "
تركت دفنة أمها وهي ترفض ما تسمعه منها.
……..
مر على الحادثة عدة شهور من أصعب الشهور التي عاشتها أوزجى في حياتها ، رفضت الانصياع لأوامر والدها بترك العمل وعودتها معه إلى طرابزون ، بعد أن سيطرت عليها الرغبة في الانتقام ورد الاعتبار ، فشعورها أنها شخص غبي يمكن لأي أحد خداعه يزيد من حدة غضبها وإصرارها على .الانتقام .
مع الأسف تغير سلوك أوزجى بعد هذه الحادثة حتى أصبحت أكثر عدوانية . حزنت امها على تردي الحالة الصحية لابنتها واصابتها بتسارع في نبضات القلب بجانب ارتفاع وانخفاض في ضغط الدم بشكل مخيف . كان لتضارب المشاعر داخلها وعيشها حالة من الحزن والخيبة وعدم الرضا عن النفس الأثر الكبير في ذلك.
وقفت امها امام والدها كي تقنعه بتركها في إسطنبول عدة شهور حتى تهدأ نفسيتها ويتمكنا من اقناعها بالعودة معهما إلى طرابزون.
تنازل صالح لأول مرة و وافق على مضض وقلق ، استمرت أوزجي بعملها رغم نظرات الموظفين التي تذكرها وتعيدها في كل مرة لخيانتهم لها .
قديما كان عارف يناديها بزوجة أخي وفي أحيان كثيرة كان يناديها بأختي بحكم صلتهم حينذاك كونها زوجة فاتح إبن عمه ، بالاضافة لعملها كموظفة مميزة بادائها في شركة جوتشي لتصميم الأزياء وهذا ما جعلها تلجأ له بعد الطلاق الذي تفاجأت بسرعته شاكية له خيانتها بل خيانتهما من قبل دفنة وفاتح .
شهد عارف على حزنها وكسرها وصعوبة تقبلها خيانتهم و زواج زوجها من زوجته . كان يتظاهر أمامها بقوته وعدم تأثره بالحادث الذي هشم فؤاده المنهك كما يفعل أمام الجميع .
كثيرا ما سألته كيف فعلا ذلك بنا؟ كيف سمحا لأنفسهم أن يخونونا وهم ينظرون لأعيننا؟
هون عارف عليها ما تشعر به ناصحها نصيحته الدائمة له
" أنسي ما مضى لتستطيعي استكمال حياتك"
لم تصغي له رافضة طلب الجميع منها نسيان فاجعة كبيرة كالخيانة .
مرت عدة شهور أخرى رأت فيهم فاتح وهو يدخل الشركة بكل وقاحة لكي يصطحب دفنه من مكتب أبيها.
انهارت وعصفت لرؤيتها ضحكهما وهما يسيران بجانب بعضهما البعض .
اسرعت لتختبئ في اقرب غرفة فارغة بجوارها كي تبكي دون رؤية احد لها ، بكت بنار وقهر وانكسار ، استندت على الحائط منجذبة تجاه الأرض شيئا فشيئا حتى جلست على ركبتيها تبكي بأنفاس مختنقة وهي منحنية جهة الأرض كأنها كرة تقوقعت داخل نفسها.
دخل عارف غرفة التصميمات منصدمًا بوجودها و حالة بكائها القهري متذكر يوم رؤيتهما لقبلة من خانوهم في أزقة المنزل الكبير.
أسرع نحوها كي يهدأ منها ليجدها متعبة ممسكة بطنها متألمة منها ، حدثها وهو يمد لها يده
" تعالي معي . اجلسي على المقعد لعل ألمها يهدأ "
لم تستجيب له مما أجبره على مسكها من ذراعيها كي يرفعها من على الأرض متفاجئ بصراخها وعدم استطاعتها الاعتدال من ألم شديد ببطنها " سأموت سأموت"
رفعها حاملها بين يديه وخرج بها مسرعًا لاقرب مستشفى ، لم ترفض او تمانع من بكائها الهستيري المصحوب بالألم الشديد.
اهتم بها في هذا اليوم والأيام التي تلته حتى جاءت الفرصة السانحة ليعرض عليها الزواج .
صدمت من طلبه حتى تغيرت ملامح وجهها ، اسرع عارف بتفسير طلبه
" لأجل مساعدتك في الانتقام ممن خانك . حتى تعودين قوية كسابق عهدك . نتزوج لنفرض انفسنا عليهم كما فعلوا هم . سنجعلهم يندمون على ما فعلوا بكل لحظة يروننا بها ونحن فرحين بجانب بعضنا نمثل حبنا الكبير عليهم حتى يشكون من منا خان الاخر "
ردت مستفسرة
" هل سنتزوج لأجل الاقتصاص منهم ؟"
أكد عارف على حديثها مضيفا عليه
" أعدكِ أنني ساكون خير أنيس ورفيق لكِ ، بهذا القدر فقط فأنا وأنتِ لسنا بصدد حياة جديدة ومتطلبات لا وقت لدي لتحقيقها ، كالاخوات او الاصدقاء حياة هادئة ساكنة ، واجهة اجتماعية قوية ، اقتصاص لحقنا الذي سلب منا "
طلبت منه وقت للتفكير ذاهبة لمدينتها كي تتحدث مع والديها بالموضوع متحفظة على الاتفاق الذي عقدوا عليه نيتهم في الزواج.
رفض والدها ان تنتسب لهذه العائلة مرة أخرى طالبا منها ترك وظيفتها والعودة للعيش معهم.
زادت حدة الحوار بينهما ليصر والدها هذه المرة على عدم عودتها لاسطنبول . رفضت ما يطلب منها . عاندت في قرار عودتها وزواجها من ابن عم زوجها الأول ، مما اضطر أبيها لقول
" لن تعودي إلى هذا المنزل ان خرجتي منه"
لطمت امها يدها على صدرها رافضة ما تسمعه " لا يمكنني العيش بدون ابنتي "
كانت لحظات حابسة للأنفاس خرجت اوزجي بعدها من المنزل رافضة تحكم والدها بها وعودتها للاستقرار في مدينتها قبل القصاص من فاتح . ليتم الزواج بشكل بسيط جدا ، اعلن عارف على صفحته الرسمية عقد زواجه على مديرة التسويق والمبيعات في شركته.
نزل الخبر على أقاربهم .كالصاعقة .المدوية ، وبيوم وليلة انتقلت اوزجي للعيش في منزل عارف معجبة بكل تفاصيله الهادئة والبسيطة .
راقبت جديته في عمله والصعوبات التي يواجهها قبل كل عرض أزياء جديد عازمًا على النجاح ككل مرة .
مكث لشهور يخطط ويصمم . يلغي تصاميم ويضيف تفاصيل جديدة على الأخرى ، يصل الليل بالنهار والنهار بالليل حتى يصل لفكرته وينفذها أمام عينيه .
لم تتوقع المجهود الكبير الذي بذله حتى انهى تحضيرات العرض الجديد وكأنه في صراع مع الزمن والحياة كي يكون أم لا يكون.
حتى جاء اليوم المحدد للحفل الختامي لشهر الموضة وعرض أزياء المصمم الشهير جوتشي.
كان نائمًا على فراشه يجاهد كابوسه وسط ظلام دامس يعلو فيه صوت الصراخ على السكون ، خيال نساء يتمايلن على بعضهن برنين صدى صوت ضحكاتهن التي يضج بها الملهى ، اكواب نبيذ تسقط وتُكسر. ابواب تقرع ورجال تُقهر ونساء تُنهر .
نازع عارف صور وجوههم واصوات ضجيج نشوذهن بنومه حرك وجهه على جانبيه كي يجاهد ماضيه المّرير مستيقظًا مفزوعًا على صوت رنين هاتفه معتقدًا أنه صوت دخول أبيه غرفة والدته وإغلاقه الباب بقوة كادت أن تنتزعه من مكانه .
تقلب على فراشه واضعا كف يده على مصدر الصوت كي يصمته بعيون ثابتة على الفراغ أمامه ، عاد كابوسه ليدور أمام عينيه المتسعة دون رحمة لفؤاده . وكأنه شريط فيديو يعيد نفسه مكررًا المشاهد الأكثر وطًأ على نفسه وروحه.
رن هاتفه من جديد اتبعه صوت وصول عدة رسائل نصية ، رفعه ناظرا صوب شاشته لتتغير نظراته إلى نظرات طفل صغير يشفق على نفسه وهو يقرأ
" إياك أن تتأخر عن حفل انتصارك الكاسح ، تأكد أنني سأترقب لحظة دخولك بكل قوتك وشموخك ونجاحك لتبهر الجميع كعادتك ، أنا فخورة بك يا روحي.. لا تتأخر "
أغلقت أسماء زوجة عمه هاتفها وهي تحدث نفسها " هل تبسم وجه صغيري وامتلأت عيناه بالدموع الساكنة الأن!"
أخذت نفسًا عميقًا مغمضة عينيها وهي تخرجه من غرفتها بهدوء وراحة مكملة حديثها الروحي مع نفسها " أنت تستحق هذا النجاح يا أسدي وروح روحي"
تغيرت ملامح وجهها وعلت الدموع عينيها استعدادا للبكاء والحنين لحضن عائلتها بقلوبهم الصافية وأحلامهم الصغيرة وضحكاتهم النابعة من القلب لولا سماعها صوت مناداة زوجها لها
" أين أنتِ سنتأخر على الحفل "
بدأت سيرها جهة الصوت ملبية النداء دون صوت ، نظر غافر لنزولها الدرج قائلا
" فاي فاي فاي ما كل هذا الاهتمام "
تحدث فاتح الذي أصبح زوج ابنته عوضًا عن أنه ابن أخيه في نفس الوقت قائلا
" هذا ما يحدث حين يصل الأمر إلى تكريم عارف "
تكدر وجه غافر حين سمع زوجته تجيب عليهم بقوة وثبات وثقة " اختاره عارف لي "
ردت ابنتها بانبهار
" هل هو إحدى تصميمات المجموعة الجديدة "
أومأت أسماء برأسها متحركة خلف زوجها الذي لم يتحمل حديثهم وانبهارهم خارجًا من المنزل.
…….
صدق حدسها حين ابتسم وجه صغيرها وهو يقرأ الرسالة ، فُتح باب الحمام لتخرج منه زوجته اوزجي وهي ملتفة بمنشفة الاستحمام .
تحرك لينزل عن فراشه مقتربًا منها قائلا
"هيا اسرعي بارتدائك كي لا نتأخر على الحفل"
اقترب منها وضعًا يديه من كتفيها مما جعلها ترتجف بمجرد لمسه لها مستمعة لصوته
" حان موعدنا المتجدد مع رؤية وجوههما المكتظة وعيونهم المغلولة وهما ينظران إلينا بحقد "
أومأت برأسها " حسنا لن اتأخر بارتدائي "
تركها ليدخل الحمام دون ان يهتم بجمال شعرها المبلل والمنسدل على كتفيها و رائحة الورد التي تفوح منه بقوة .
أغلقت غرفة الملابس عليها مبتلعة ريقها ماسحة عيونها الدامعة تاركة المنشفة تسقط أرضا مقتربة من فستانها الرائع كي تبدأ ملحمتها الجديدة في الظهور بأفضل هيئة وقوة وثبات في الحفل.
وكعادته وشخصيته المنفتحة المتحررة خرج عارف من الحمام وهو عاقد منشفة على خصره دون الاهتمام بوجودها في الغرفة رافعًا يديه ليجفف شعره بمنشفة صغيرة مقترب من هاتفه ينظر منشغلًا بترقب لأي جديد وصل إليه أثناء استحمامه .
خرجت أوزجي مخفضة نظرها فور رؤيتها له بهذه الحالة ، تحركت جهة مرآتها لتقف أمامها مكملة تفاصيل لف الحجاب وارتداء المجوهرات الراقية.
تحرك عارف ليدخل غرفة الملابس وهو غارق بالنظر لهاتفه وكأنه وحده بالغرفة ، لم يلبث عدة دقائق خرج بعدها وهو يغلق ازرار قميصه ماعدا اول اثنان بالاعلى ، نظر نحوها بعينيه المنبهرة بجمال فستانها الأحمر وحجابها الذي أضاء وجهها قائلا "أصبحتي كالملاك الآن"
ابتسمت أوزجي وهي سعيدة بإطرائه عليها لثواني أتتها بعدهم صدمتها المعتادة عليها حين أكمل عارف حديثه
"من الجيد اختيارنا لهذا الفستان الذي سيكون واجهة قوية للعرض ، لا أريد أي نقص ، علينا أن نأخذ علامتنا الكاملة الليلة "
نظرت إلى فستانها مجيبة عليه
"أخشى أن تكون تسرعت بقرار إخراجه للنور قبل بدأ العرض "
تفقد تصميم فستانه على قوامها المميز قائلا لها بعينيه المملؤة بالإعجاب الكبير
"لا لم اتسرع انه في وقته تمامًا "
خفضت رأسها محركه يدها على فستانها قائلة "أعتقد أنك نجحت للوصول لهدفك ككل مرة ، سينبهر الجميع بالعرض الليلة تهانينا لك"
اقترب بشروده منها ليدقق أكثر في تفاصيل فستانها وحجابها ، أخفق قلبها وتسارعت ضرباته واحتبست أنفاسها بدنوه منها ، لا تعرف ما غايته او نيته بهذا الاقتراب والشرود.
لحظات من الارتباك والخجل واحتباس الأنفاس هزت عرش قوتها الزائفة ، رفع يده ليُعدل من تدرج حجابها وتغير موضع بروش الكتف الذي جمع طيات حرير حجابها ببريق لامع .
ثم تحرك مبتعدا عنها كي يرتدي هو ايضا البروش الخاص بعلامة شركته ، وهنا عادت إليها روحها وأخرجت أنفاسها بهدوء كي لا يلاحظ حالتها. نظرت لاهتمامه باستكمال ارتدائه بحزن كبير تحركت به وهي تقول
"سانتظرك بالأسفل لا تتأخر علينا أن نصل قبل الضيوف كما شددت اسماء هانم علينا"
ابتسم مجيبًا عليها
" حسنا حسنا ها انا انتهيت "
حدثها وهو يضع العطر الخاص ويحسن من شعره وطقمه الذي اهتم كثيرا باختياره قائلا
" انظري إلي هل كل شيء على ما يرام أم هناك نقص لا الاحظه "
خرجت أوزجي دون رد متجهة للأسفل بعيون تجمعت الدموع بها ، شدّت قبضة يدها الممسكة بفستانها وهي تنزل الدرج العلوي مبتلعة ريقها المحتقن بالضيق والاختناق ، نزلت بخطواتها الحزينة وعيونها المعلقة على فستانها معاتبة نفسها "ماذا كنتِ تنتظرين منه ، لماذا اصبحتي تتأثرين بقربه وحديثه ونظرات عيونه عليكي ، ألم تعتادي على طبعه حتى الان ، ألم تتفقا على ما يفعله ، لا ذنب له الذنب عليكِ أنتِ ، أنتِ من أصبح يتأمل ويحلم بأشياء ليس لها أصل من الصحة"
وقفت على اخر درجه بالاسفل مستنشقة قدر كبير من الهواء المحيط بها مجيبة على نفسها بقوة "لم اتأمل ولم احلم لا صحة لكل هذا، نحن نعيش سويًا كالإخوة لا يوجد اختلاف أو تغير ، عليّ أن لا اسمح بتعدي او تطور الوضع عن هذا الإطار، نحن مختلفون …. "
انتفضت من رجفة قلبها الذي نُزع من مكانه فور شعورها بيد عارف التي حاوطتها مستقرة على خصرها، تفاجئ بحالتها سألها
"هل أخفتك"
نفت بحركة رأسها ليضحك وهو يبدأ تحركه بها نحو الباب بشموخ وقوة وثبات وفخر معيدًا عليها حديثه بأهمية لفت الأنظار إليهم للوصول لهدفهم وأهمية اقترابهما و انسجامهما مع بعضهما أمام الجميع كي يجعلوهم يلمسون ويشعرون بحبهم الذي سيساعدهم بهدفهم .
اهتم عارف دومًا بمظهره ومظهر زوجته التي ساعدته باطلالاتها المميزة التي لا تتكرر في كل مرة على تسديد هدف جديد نحو تحقيق غايته في حق من خانوه ، كان يحرص أشد الحرص على ان ترتدي زوجته في المناسبات الخاصة كل جديد يلفت الانظار والاضواء لشركتهم ولا تعيد ارتدائه من جديد كالأميرات عكس ما كان يفعله مع زوجته الأولى .
……….
بدأ الحفل بأجواء مفعمة بالتوتر والترقب والإصرار على النجاح من جهة عارف ومحبيه. تهربت العيون من بعضها حاملين في قلوبهم الحقد والغل وتمني الفشل من قبل أعداء المصمم عارف المشهور بـ 'جوتشي'
تدفقت الموسيقى الهادئة للقاعة شيء فشيء بينما تلألأت الأضواء المتراقصة على منصة العرض ، وعلى جانبيها جلس المدعوين في مقاعدهم وهم يتبادلون الأحاديث حول التصاميم الغير متوقعة ككل مرة.
تألقت عارضات الأزياء في الكواليس مستعدات للظهور واحدة تلو الاخرى، تلاشت الأصوات تدريجيًا ليسود الصمت المكان استعدادا لفتح الستائر ببطء.
ارتفع صوت الموسيقى من جديد فور بدء خروج العارضات مستعرضين تصاميم الأزياء الرائعة والابداعية تحت الأضواء الساطعة.
علقت العيون وثبتت على الأزياء كما ساد الصمت وهرب الحضور عن واقعهم سابحين بجمال ما يرون.
نجح جوتشي نجاحًا ساحقًا من جديد ، صفق له الجميع بقوة وإعجاب وهو يخرج بين عارضات الازياء ملوح بيده للحضور شاكرهم على اطراءهم له.
اجتمعوا بعد انتهاء العرض كي يحتفلون بقاعة أخرى خصصت لتلقي عدد كبير من رجال الأعمال وصفوة المجتمع ، تحرك عارف بفرح مقتربا من زوجته التي جاهد لشهور من أجل ان يخرج لها تصميم يحمل هذا الجمال بإطار هادئ وراقي وملفت . حاوط خصرها ضاممها له ليقبلها أمام الجميع لم تكن قبلة بسيطة طبعت و انتهت لاجل المدعوين بل كانت تحمل شوق وحب لفت أنظار كل المدعوين لها .
ثبتت أوزجي بين يديه وهي تنظر لعينيه الغارقة بها دون مشاركته او منعه ، علقت الانظار عليهما وهو يحتضنها بقوة داخله مطلقا العنان لفستانها الأحمر لكي يتطاير من حولها .
أنتهت قبلتهم مُبقياً يده تحاوط خصرها وهو يسير بها مرحبًا بالمدعوين حولهم ، تحركت بجانبه ناظرة لمن بالحفل بعيون خجلة مما حدث قبل قليل فهي شخص غير معتاد على التقارب والتقبيل بالأماكن المفتوحة .
حاولت أن تكون صامدة متعمدة بعدم النظر نحو الجهة اليمنى كي لا تعكر صفوها برؤية من كانوا السبب في كسر فؤادها وطعنها بخنجر الخيانة الغدر والخذلان .
علقت العيون عليها الجميع يتمنى ان يعيش حياتها. ينظرون لزوجها واهتمامه بها ونظراته لها حتى ضحكه وكلامه بجانبها وهم يحسدونها على كل شيء.
( وقالوا سعيدة في حياتها واصله لكل أحلامها ومفيش حاجة نقصاها وقالوا عنيدة وقوية مبيأثرش شيء فيها 🥺 مع الأسف دي نظرة الناس دايما بتبقى خارجية يحكموا على غيرهم بالظاهر فقط دون أن يعلموا ما تخفي الصدور ، وان علموا الغيب لتمنوا عيش حياتهم برضا وحمد على حالهم )
وقف عارف ليتحدث مع ضيف مهم لتقف ازوجي بجانبه مبتسمه على استحياء. رفعت يدها لتحسن من حجابها رافعه راسها بشموخ وقوة ظاهرية فقط عكس ما في داخلها من فراغ وانكسار وخيبة امل.
نعم هذا ما يحدث عندما تتعرض الأنثى للخيانة وينكسر داخلها اشياء لا يمكن جبرها بسهولة لأن اصعب شيء بهذه الحياة أن تفي لشخص ويقابلك هو بالغدر والخيانة ، ليصيب قلبك بسهام قاتلة تجعله ينزف بأنين الألم باستمرار.
ما زال يساير الضيوف وهو يشير لها بعينيه كي تشاركهم بالحديث ، استجابت له وبدأت تسايرهم أحاديثهم بعيون ضاحكه ووجه قوي .
كان هذا الاحتفال يقام بشكل سنوي تقوم بهِ العائلة بعد انتهاء العرض والنجاح الدائم لشركتهم بفضل جوتشي . تعرف عارف على شخصيات مهمة بواسطة اسماء هانم زوجة عمه المقربة لقلبه ، أشارت إحدى المدعوين بعينيها لصديقتها نحو طاولة جانبية قائلة
" انظري لصاحبة الشعر البرتقالي و الرجل ذي الرداء الأبيض بجوارها هؤلاء من حدثتك عنهم. زوجته السابقة وابنة عمه "
استدارت صديقتها لتنظر نحو ضحكهم و تمايلهم على بعضهم بازدراء كبير تحدثت به
" يضحكون دون استحياء من مثلهم يعتذر ويبتعد بقدر الإمكان "
عقبت المرأة باستنكار قائلة
" ما بكِ ألم تشفع سعادتهم لهم انظري إليهم كم هم سعداء . وما الداعي لتخبئهم ألم يتزوجا "
ردت صديقتها عليها
" لن انظر تجاههم مرة أخرى فهم لا يستحقون إهدار وقتي للنظر لهم ولسعادتهم الوقتية الزائلة"
دافعت المرأة عن حب دفنه و ابن عمها فاتح وسعادتهم الظاهرة من خلال ضحكاتهم وإقترابهم من بعضهم لتأتيها صدمتها الأخرى حين تدخل زوجها في حديثهم قائلا
" لا خير ولا سعادة ولا كمال في طريق بدأ بغضب وعصيان الله لابد وأن يجازيهم ربهم على ما فعلوه فكما يدين العبد يدان والجزاء دائما من جنس العمل "
وقفت الكلمات بحلق المرأة المعجبة بحالة الزوجين مستنكرة ما سمعت.
وقفت اوزجي بالقرب من فيروز هانم المنشغلة بالحديث مع من حولها بينما كان عارف يتحدث على الجانب الأخر مع رجل اعمال كبير .
اختلس فاتح النظر نحو اوزجي بشكل متقطع.
كان مكتظ بغضبه يحاول مسايرة من حوله ولكنه فشل بالأخير في إخفاء اغتياظه.
ليس هو فقط من فشل بل و زوجته دفنة صاحبة الشعر المدرج الأحمر الغوغائي الجميل والقوام البطوطي فهي تصارع ما يصارعه هو كي لا يظهر ما بقلوبهم .
ورغم أنها مرحة كثيرة الحركة في مكانها من نشاطها وحيويتها و طاقتها العالية لا تهتم لأحد إلا أنها تأثرت قبيل رؤيتها لهذه القبلة الحارقة.
تقف بجانب زوجها فاتح تسترق النظرات نحوهم كما يفعل هو ، تتحرك متوترة بمكانها ترفع يدها نحو شعرها بين الحين والاخر لتلعب به كي تقلل من توترها . تنظر للحضور بجانبها بوجه يتبسم بصعوبة من اشتعال النار في داخلها تأكل شفتيها وهي تنظر نحو عارف قائله لنفسها
" كيف حدث هذا، وكأني أرى شخصاً اخر أمامي ، منذ متى وهو يحتضن ويقبل و و و"
نظرت لجمال أوزجي بالأحمر وهي تحرك يدها علي فستانها الابيض القصير.
ما زالت تحدث نفسها
" كيف فعلتي هذا به. كيف حركتي هذا اللوح الخشبي ليصبح.. ليصبح " و صمتت.
شعر زوجها بحالتها ولكنه تظاهر بعدم الملاحظة كي لا يفتح على نفسه حديث غير مرغوب به. تغيرت نظرات عيونه فور رؤيته لاوزجي وهي تخرج إلى شرفة قاعة الاحتفال الكبيرة بحجم طول القاعة ونصف عرضها.
بحث بعيونه عن عارف أبن عمه ليجده مشغولا مع الحضور ، تحرك مقترب من دفنه ليقبلها من خدها قائلا " سأعود إليكِ لن اتأخر يا روحي "
هزت دفنه رأسها دون النظر له قائلة
" تمام وانا سأذهب بجانب صديقة لي حتى عودتك "
تحرك متوجه نحو أوزجي على حذر لا يريد لأحد لفت الإنتباه لخروجه للشرفة.
خرجت أوزجي ممسكة بسور الشرفة رافعة رأسها لأعلي كي تستنشق الهواء داخلها بهدوء وسكون بعيدًا عن الضوضاء والتمثيل والنفاق ،
وبينما كان فاتح يتسلل بقربه من صاحبة الفستان الأحمر على حذر وترقب.
كانت زوجته صاحبة الشعر الغوغائي تقترب ممن تركته وخذلته بل وفضحته باخراج سره للعلن .
وقفت بجانبه تحدث صديقتها وهي تستمع لضحكاته وحديثه المفعم بالحب والغزل عن زوجته الجديدة . كان تجاهلهُ لها وكأنها غير موجودة بجانبه أكثر ما يحرق قلبها . وكيف تنتظر منه عكس ذلك وكأن توجب على العالم الركض خلفها والإهتمام بها وحدها .
كاد فاتح ان يلتصق باوزجي اثناء وقوفه صامت خلفها مكتفيًا باستنشاق عبق رائحتها بحنين واشتياق .
شعرت بوجود احد خلفها بل شعرت أن زوجها السابق هو من وراءها .
ارتبكت وتوترت حتى تقطعت أنفاسها تحرك ليقف بجانبها ينظر للأمام مثلها قائلا
" ما أجمل نسمات الهواء اليوم شعرت وكأنها تذكرني …"
صمت للحظة ملتفتا لها كي يكمل حديثه
" بالماضي الجميل . حيث السكون والهدوء والراحة النفسية. كل شيء مرتب ومعدود له سابقًا . الاهتمام بصغائر الأمور قبل كبائرها . العطاء دون مقابل …
تسارعت ضربات قلبها رافضة سماع صوته .
جاءت لتتحرك كي تعود بجانب زوجها ولكنه وقف أمامها ناظرًا لوجهها
" مرحبا . كيف حالك الان . أتمنى ان تكوني سعيدة بحياتك الجديدة رغم أنني رأيت جواب سؤالي قبل قليل "
تحركت بملامح وجهها الحاد مبتعدة عنه ليعيق سيرها من جديد قائلا
" هل تغيرتي واصبحتي تقومين بالرقص والتقبيل أمام مرأى الجميع دون خجل كالسابق ، أم أنها كانت لأجل الاقتصاص منا "
اتسعت عينيها وازدادت غضب وحدة مجيبة عليه " منكم! من أنتم حتى نضيع وقتنا ومتعتنا لأجلكم ؟ عليكم مراجعة الطبيب بأقرب وقت لكي يخبركم ان العالم لا يدور حولكم فقط "
……..
انتهى الفصل بهذا القدر وبهذا الحدث الغريب
علاقات مختلطة ، أقارب ليسوا باقارب ، عداوة وغل وحقد غريب ، تفرقة بين عارف وفاتح رغم أنهم أولاد عمومة واحدة ، تقبل الرزيلة ، الحرية والدلال الزائدة ، والكثير من السلبيات والخطط والتمثيل والنفاق .
يا ترى ماذا ستحمل لنا الفصول المقبلة من أسرار وخفايا .
انتظرونا بفصل جديد يوم السبت الساعة العاشرة مساءًا بإذن الله