عروس بغداد
بقلم الكاتبة أمل محمد الكاشف
بدأ يوم جديد غريب تعجبت سلمى فيه من اريحية خليل معها ومجيئه لغرفتها طوال اليوم دون تسلل أو قلق و سرعة بالخروج كي لا تنتبه زوجته عليه، لتتأكد بعدها من عدم وجود رشيدة في المنزل وهذا ما علمته بعدما اصطحبها خارج غرفتها وإصراره على مشاركته قهوته في الصالون الكبير وهو يتحدث معها بصوت عالي متحرر من *خوفه *الماضي.
جاءت وداد للصالون بعد مرور اكثر من ساعه لتخبرهم أن مائدة الطعام جاهزة، تحدث خليل بوجهه المسترخي
"هل تناولت امي طعامها؟"
أومأت وداد براسها
"نعم اطعمتها بوقت مبكر لاجل مواعيد الدواء الجديدة"
رد خليل وهو يقف من مقعده
"خيرا فعلتي اذهبي أنتِ ونحن سنأتي خلفك"
ذهبت وداد وعيونها تراقب نظرات خليل لعروسته وحديثه
" هيا لنتناول طعامنا"
وقفت سلمى *بقلق *وتشبث امتلكها بسبب تغير حال زوجها وراحته بالاقتراب منها وإمساكه ليدها بشكل مستمر.
تقدمت خطوات عنه كي تتهرب من تودده لها ولكنه لم يسمح لها حين أعادها بجانبه معلق يدها على ذراعه وهو يحنو عليها بكف يده الاخرى
"هل جاع بطنك لهذه الدرجة؟"
ابتسمت بوجهها المرتجف نافية ما قاله بهز وجهها.
ضحك خليل مقترب من طاولة المائدة المستديرة ساحبًا لها المقعد المجاور لمقعده كي تجلس أولا ومن ثم تحرك بحماس ليجلس مترأسًا الطاولة وهو يحدثها
"لنكتب هذا التاريخ بدفتر الذكريات الجميلة"
نظرت له بعيون متسائلة عن السبب ليجيبها
"إنه أول طعام يجمعنا بمفردنا"
أرادت بهذه المناسبة أن تسأل عن زوجته ولكنه لم يترك لها المجال حين بادر بإطعامها اللحم والفطير بفمها "هيا افتحي فمك الصغير".
لم تستطع الاستمرار بتناول كل ما يطعمها منه لتعتذر بمنتصف الاكل
"يكفي بهذا القدر شبعت معدتي شكرا لك"
ابتسم لها وهو يدور بعينيه على صغر حجمها
"اقول لو تتناولي المزيد كي نستطيع رؤيتك"
نظرت للطعام ثم نظرت له
"حقا شبعت شكرا لك"
انهى هو أيضا طعامه تاركًا الملعقة على الطاولة
"حسنا لن اضغط عليكِ انا اثق بالمستقبل. لننتظر ونرى"
تنهدت بقولها
"أتمنى أن يحدث ما تتأمله"
مال على المائدة مقترب قليلا جهتها وهو يخفض صوته مجيبًا عليها
"لا *تحزني *حتى أننا بدأنا من تونا انظري لحالتنا نأكل صفاء وسرور. تحدثنا منذ الصباح في أكثر من موضوع. جلسنا مع أمي لنعرفها عليكِ بشكل جميل"
أتت وداد من المطبخ بعيون تراقب قرب دكتور خليل من عروسته أثناء حديثه الذي لم تستطع سماعه. استقام بجلسته عند شعوره بقرب احدهم قائلا دون النظر خلفه
"انهي عملك وحضري لنا الشاي وحلوى البقلاوة"
ردت وداد
"سأجعل سناء تحضر الشاي قبل ان انهي عملي كي لا نطيل عليكم".
وقف خليل لتقف سلمى وهي تستمع لحديثه
"افعلي ما تريدين. أريد الشاي بعد نصف ساعة في غرفة امي ان كانت مستيقظة وإن لم تكن كذلك سنشربه أمام التلفاز، بالمناسبة سلمى تحب الشاي ثقيل بدون سكر مثلي تمامًا "
لاحظت وداد تغير الحال بينه وبين العروس الجديدة راقبت نظراته وبهجته وهو يوجه حديثه للطبيبة
"حان الوقت. هيا لاريكِ الطابق العلوي"
تسمرت وداد بجانب الطاولة وهي تتعقب سير خليل بجانب عروسته ليصعدا للأعلى.
خرجت سناء من المطبخ لتتفاجأ بفتح خليل لباب الممر الخاص بدرج الطابق العلوي.
اقتربت من وداد متسائلة
"ماذا سيفعلان بالاعلى"
ضحكت وداد بخجل
"ومن اين لي ان اعرف ما سيفعلانه"
بادلتها سناء الضحك الخافت
"هل فرغ المنزل كله حتى يلجأان لفعلها بالاعلى"
صدمتها وداد على كتفها وهي تميل بضحك
"كفانا الله شر افكارك"
مالت سناء عليها بضحك
"هل شر أفكاري وحدي. اقسم انني اشتم قرب ذلك منذ أن رأيت حديثهما المطول في غرفة المكتب قبل وبعد الفجر وكأنهما قاطعا النوم "
ردت وداد وهي تتحرك لتجمع الاطباق من على مائدة الطعام
"ان غاب القط إلعب يا فأر. هي من هربت لتتحمل ما سيحدث بعدها"
جمعت سناء المعالق وكؤوس الماء في صينية
"اقول لكِ من الان. انتهى عصر رشيدة هنا وسيشرق عهد جديد مع النابغة "
تحركت وداد لجهة المطبخ وهي تستمع لسناء بجوارها
"ان سمعتي كيفية حديثها مع دكتور خليل و لباقتها واسترسالها بالجمل المرتبة وهي تسرد له التقارير الطبية التي قرأتها حول أجهزة المختبرات التحليلية وأفضل الأجهزة الجديدة ستعلمين جيدا ان البساط السحري *غدر *بستي رشيدة منذ زمن بعيد، الفتاة تتحدث كالكبار ثبات وهيبه وتركيز وكأنها تقرأ من كتاب او كأنها تلقي بيان بالتلفاز"
وضعت وداد الأطباق داخل حوض المطبخ وهي تقول
"*خاف *قلبي الان كيف سنتعامل معها. الفتاة مميزة حقًا"
صمتت سناء وهي تفكر بمخاوف وداد.
وصل خليل لمنتصف الغرفة الكبيرة بالأعلى قائلا لعروسته
" ما رأيك هل اجددها لأجل انتقالك بها، انظري يوجد ايضا حمام كبير بجانبها"
ثم تحرك خطوات نحو الشرفة الخشبية المعلقة مكمل حديثه
"نستمتع هنا بشرب الشاي. حتى يمكننا تناول فطورنا بها بشكل خاص. أما الحمام فأنا أرى انه ممتاز كي لا يرى أحد حركتك ويعلم مواعيد استحمامك"
خجلت من حديثه الذي اكمله هو مشيرًا للصالون الصغير بأحد جوانب الغرفة قائلا
"إنها أكبر الغرف بمنزلنا صممها جدي على مساحة الطابق كله"
استفسرت بفضول
"هل المنزل عائد لجدك؟"
أبتسم لها
"لا ليس لهذا الحد من القدم هو من بناه لأبي لكي يتزوج امي به"
و باستغراب تساءلت عن عدم استخدامهم للغرفة ليجيبها بتلقائية
" بعد وفاة اخواتي بها ومن بعدها بسنوات توفى والدي كما يقال ان جدي مات على نفس الفراش".
واشار بيده للإمام
"هنا تمامًا رفضت أمي ان تكمل حياتها داخلها فكل جزء بها أصبح يذكرها بوفاة أحبائها، اريد ان اوضح لكِ امر مهم كل ذلك سيكون بشكل مؤقت حتى أقوم باستكمال إنشاء منزلي الخاص كما اخبرتك فلولا *الحرب *ما كنت أوقفت العمل به"
تحركت نحو الباب لتنزل للأسفل ليسرع هو مقترب منها
"إلى أين لم انهي حديثي بعد. اريد ان اعيد ترتيبها وطلاء جدرانها لننتقل بها، من الأفضل أن تعود رشيدة لتجدنا مستقرين بها، نجلس سويًا ونفعل ما نريد دون أن يرانا أحد منهم. كي نأخذ راحتنا . لأجلك طبعا أخشى أن يكون الوضع بالأسفل غير مريح لكِ وأنت لا زلت صغيرة ولكِ احلام و.."
تحركت لتكمل نزولها ولكنه حوط خصرها بذراعيه ليضمها بحضنه
"اتركي نفسك لي. لقد وعدتك ان افعل كل ما تحلمين به وأكثر. فقط اعطيني فرصة ان أثبت لكِ حسن نيتي"
حاولت أن تخرج من حضنه وهي لا تتحمل شعورها بحركة يده عليها.
ضمها أكثر مقبل رأسها
"اتفقنا بالصباح ان نعتاد على بعضنا البعض في غيابها. انها فرصة لانطلاق سفينتنا براحة وهدوء"
خرجت فعليًا من حضنه مغلقة حجابها بشكل كامل دون كلام.
ليكمل هو
"حسنًا لن اضغط عليكِ الان. سأبدأ غدا في طلاء الجدران وترتيب المكان، ومن ثم…"
قاطعته وهي تنزل أول درجات الدرج
"لا يمكنني البقاء بها اختنقت وأنا لم أكمل عدة دقائق. لا. لا اريد ان انتقل إليها"
اسرع بالنزول خلفها ليأخذها بحضنه مجددًا
"حسنا كما تريدين، بالاصل كنت منتظر *رفضك *لهذا جهزت البديل وهو ان اقوم ببناء ملحق للغرفة من الجهة المطلة على الحديقة مكان النافذة ليصبح حمام كبير، كما يمكننا عمل شرفة معلقة من جهة الفراش هناك لن يرانا أحد نجلس ونأكل ونتسامر بعيد عن أنظار من في المنزل"
لم تجيبه فهي تحاول أن تضبط ارتباكها وتوترها من حركة يديه عليها، رفع خليل إحدى يديه لينزع الحجاب من على رأسها
"لماذا عدتي لارتدائه. لا داعي لخجلك يكفي بهذا القدر. استجيبي معي ولا تطيلي الأمر"
رفعت نظرها نحوه "ولكني…"
فاجأها بقبلته لها حاولت الهروب منه ولكنها لم تستطع من قوة تحكمه بها.
مرت عدة ثواني قليلة وصلهم بعدها صوت وداد وهي تنادي
"الشاي يا خليل بيه"
وهنا وجدت سلمى المفر والنجاة لها لتنزل الدرج مسرعه نحو غرفتها.
فهمت وداد حالتها وخاصة حين نزل بعدها خليل وهو يقول لها
"ليس الان يا وداد"
وأسرع خلف عروسته مغلق الباب خلفه.
عادت للمطبخ بوجهها المبتسم سألتها سناء عن حالتها لترد عليها
"لن اتحدث عيب البيوت أسرار ليهنئوا بحياتهم كما يشاؤون "
تساءلت سناء بفضول
"هل الزواج حلو وجميل كما يقولون "
نظرت وداد بهيام
"واي حلاوة تشبه حلاوة الزواج. بصراحة من كثرة حلاوته اصبت بالسكري وأجبرت على الطلاق كي لا أصيب بالضغط العالي من كثرة الحماس به"
هزت سناء رأسها بدون رضا
"بكل الأحوال سيكون أهون مما نحن به"
بهذه الأثناء كانت سلمى لا زالت تتهرب من خليل تبتعد عنه كلما اقترب وادخلها بحضنه طالبه منه أن يمهلها القليل من الوقت كي تهيئ نفسها لما يريد.
اجابها بضيق
"ألم يكفيكِ الأشهر التي مضت "
اجابته بتوتر
"كانت رشيدة موجودة ولم نجلس او نتحدث براحتنا كما فعلنا اليوم. لذلك اطلب منك المزيد من الوقت يومين على الأكثر نعتاد على بعضنا بهم"
حاول أن يجاهد نفسه وهو يعض على شفته ناظرا لأرجاء الغرفة
"حسنا سأترككِ للمساء كي تهيئي نفسك كما تريدين"
قاطعته "ولكن للمساء…"
لم يسمح لها بإكمال حديثها حين قاطعها
"أنا لستُ *سيءٍ *لهذه الدرجة وايضا لن اطلب منكِ الكثير بأول ليلة لنا، لا تقلقي سأراعي وضع خجلك وتوترك الواضح من عيونك الجميلة، أعدك إنكِ لن تندمي أبدا حتى أنني أعدك بسعادة كبيرة بعد هذه الليلة"
خفضت عينيها خجلًا منه ليكمل هو
"ستشعرين بعدها إنكِ تنتمين وتمتلكين قلب وعقل صاحب المنزل. انا لم أرغب بكِ كي اقضي حاجتي فقط فأنا كما تعلمين شخص متزوج وناضج لدرجة أستطيع السيطرة على نفسي والزهد بكِ ان لزم الأمر. ولكني أرغب أن نبدأ سويا حياة كاملة لا نقص بها. أود أن أشعر براحتك وسعادتك وتولد شعور الانتماء لي اقصد للعائلة والمنزل. وهذا كله لن يحدث ونحن متفرقان لنقترب ونفتح قلوبنا لبعضنا البعض أخذ رايك ومشورتك بعملي وانتِ تستشريني بأمر عيادتك الخاصة"
لمعت عيونها أمام الأحلام الجميلة التي ظل ينسجها لها وهو يقترب شيء فشيء حتى احتضنها تحت ذراعه ليصل بها للنافذه ولسانه لم يصمت عن الأيام الجميلة التي تنتظرهما وهما يشربان القهوة بالشرفة الكبيرة قبل خروجهما بالصباح للعمل، يتواصلان في منتصف اليوم كي يحكي كلا منهما عن مغامراته واعبائه ثم يعودون متلهفين لرؤية بعضهم البعض.
اسقطته من الأحلام حين رفعت رأسها لتنظر لوجهه البعيد عنها
"وماذا عن زوجتك. كيف سيكون الوضع معها ان فعلت كل ذلك معي؟"
قبل رأسها ليطيل القبلة حتى كادت أن تهرب من حضنه بسبب يديه التي تضغط عليها بعدم ثباتهم بمكانهم.
تحدث وهو يحكم ضمها لحضنه
"لا تقلقي كل واحدة منكما ستأخذ حقها الكامل دون نقص. يوم لكِ ويوم لها. رشيدة غيورة يغلب عليها حب الامتلاك *والعصبية *ولكنها إنسانة جيدة تحب الخير"
سألته بفضول
"هل أنا سبب تغيبها عن المنزل؟"
أجابها بضيق
" حسنا لن اهرب من سؤالك هذه المرة. نعم حدث ذلك بسبب وجودك وتقربنا الذي أصبح مختلف عن السابق *غضبت *واختارت الابتعاد. اخبرتها ان المنزل مفتوح لها بأي وقت أرادت به العودة إن غيرت رغبتها في الانفصال"
*انصدمت *سلمى
"الانفصال؟ لماذا…."
أومأ برأسه وهو يرد بضيق
"نعم طلبت الانفصال، ذهبت لمنزل صديقتها المغربية بنفس المنطقة. أما عن سبب الانفصال فلا يمكننا *الكذب *وقول ان ما حدث بالايام الاخيرة لا صلة له بطلبها. ولكن هناك أمر أكبر من ذلك وهو عدم استطاعتي تحقيق حلم الأمومة لها بجانب أجواء الحرب وطلبها أكثر من مرة العودة للمغرب كي تعيش بسلام ثم اتيتي أنتِ لتكمل رغبتها وتصر على طلب الانفصال"
*حزنت *كونها سبب في فراقهم حدثته
"يمكنكم حل مشاكلكم دون الانفصال الكامل اتصل بها وتحدث معها لعلك تتمكن من اقناعها. لا أعرف مدى حجم *مشكلة *الإنجاب ولكن يمكننا أن نجرب أكثر من طريقة حتى نصل لهدفنا"
سألها باستغراب
"أرى إنكِ لم تتأثري بهذه المسألة، فإن واجهتها مشكلة مع الإنجاب هذا يعني أنكِ ستواجهين نفس الأمر"
ردت بقوة
"إنه القدر لا يوجد مستحيل مع الله. وأيضا هناك العديد من الحلول الطبية يمكننا القيام بها لتحقيق ما نريد"
صمتت قليلا متسائلة عن الطرق التي سلكوها لأجل تحقيق حلم الإنجاب لتتفاجئ أنهم لم يسعوا الا بالقليل.
انطلقت بحديثها عن الأبحاث الطبية وما قرأته مؤخرا من نتائج مذهلة تعد طفرة بعالم الإنجاب.
تحمس خليل مقترب منها مجددًا
"وكأني أرى حلمي يتحقق من الان"
ابتعدت عنه وهي تجيبه
"ان كنت ترغب ببداية جديدة لنا عليك أن تصلح ما بينك وبين زوجتك. فأنا لا أقبل أن أبني حياتي على *حطام*قلبها"
استجاب دون *رفض *أو مراجعة
"وهذا ما كنت أنوي فعله اتركها عدة أيام أو شهر على الاكثر ومن ثم اذهب بعدها لاصلح ما بيننا وأعود بها لمنزلها بكل الاحوال انا اعلم كيف يلين قلبها"
تساءلت سلمى بفضول
"وكيف يلين؟"
ضحك خليل وقال
" كما يلين قلب كل للنساء أمام الذهب و الهدايا الباهظة"
ابتسمت مرحبه بفكرته ليكمل هو
"وساشتري لكِ ايضا تعلمين وضع البلد ولكني سأتواصل مع تاجر ذهب اعرفه لاشتري لكِ كل ما تستحقه عروسة جميلة مثلك"
شكرته بخجل طالبه منه أن يسرع بالصلح فكلما تأخر دخل الشيطان بينهما أكثر حتى حثته أن يذهب غدا ليأتي بزوجته.
*رفض *خليل لعدة أسباب من أهمها أن يمهل رشيدة المزيد من الوقت كي تراجع *خطئها. بالاضافة لرغبته الكبيرة ببدأ وترتيب حياته الجديدة معها. يعتادان على بعضهما ويستمتعا بشهر العسل بهدوء دون أي ضغوط أو تحسبات لأحد الاطراف ومن ثم تعود رشيدة وهي مضطره على التعايش مع الوضع الجديد.
وقبل أن ترد عليه أتى لمسامعهم صوت *انفجار *كبير جعلهم يهرعون أرضهم واضعين ايديهم على رؤوسهم من شدة ارتجاج المكان وصدى دوي الصوت.
سمع خليل صوت نداء وداد ليسرع نحو أمه التي أصبحت لا تتحمل أصوات الانفجارات *لتسرع من خلفه مكتفيه بالوقوف بجانب باب غرفة السيدة فاطمة تراقب *خوف زوجها على أمه وسرعة حقنها بالأدوية المهدئة والمحفزة للأعصاب وهي تميل لتتكور ببعضها كلما تكررت أصوات أبواق *الحرب *المفزعة.
انتهت المناورة من قبل العدو *ليهدأ من في المنزل جالسين بجانب بعضهم دون كلام محاولين السيطرة على أعصابهم التي تأثرت من هول ما يشعرون به عقب كل *قذف *أو تفجير.
وبعد مرور القليل من الوقت خرجت سلمى من الحمام متوجهه للمطبخ وهي تتعرف بعيونها على الطرق لأول مرة.
رأتها سناء فور دخولها اسرعت بترك ما بيدها قائلة
"تؤمريني بشيء يا هانم"
ردت سلمى بوجه مبتسم إبتسامة باهتة
"الأمر لله وحده. كنت اريد تحضير عصير ليمون بالنعناع ان كان متاح لدينا مكوناته"
ردت سناء بسرعه
" الخير كتير والحمد لله. حتى أنني سأقطع لكِ الليمون والنعناع طازج من الحديقة"
_"ممتاز وأنا سأتي معك لأرى الحديقة "
وبالفعل تحركت سلمى خلف سناء لتخرج من باب المطبخ كي تتعرف على المكان بعيونها التي دارت بكل شبر حولها.
لم تصمت سناء بالحديث عن أشجار الفاكهة ومنابع المياه وأحواض الخضرة.
اقتربت سلمى لتطلب منها بصوت منخفض
"اريد مساعدتك بأمر خاص دون أن يعلم دكتور خليل …"
اسرعت سناء بردها
"لا لا يمكنني تهريبك *أموت *ولا أخون.."
اصمتتها سلمى *بقوة *واستنكار
"ماذا تقولين! ومن قال لكِ أنني أريد الهروب؟ "
صمتت سناء لتكمل سلمى
"اريد رقم الجوال الخاص برشيدة من المؤكد انه معكم"
_ "ولماذا تريدين رقمهم"
*انصدمت *سناء بتعابير وجه سلمى وهي تجيبها
"وهل تنتظرين مني اخبارك بذلك؟"
هزت سناء رأسها بالنفي مخرجه الهاتف من جيب ملابسها لتفتحه باحثة عن رقم سيدتها.
تحدثت سلمى
"اعطني الهاتف اتصل منه واذهبي لتحضير العصير بسرعة"
تحججت سناء بنفاذ رصيدها كي لا تقحم نفسها *بمشاكلهم.
رفعت سلمى حاجبها الأيسر قائلة
"ليس معك إذا! حسنا ولكن من المؤكد أن شبكة الإنترنت المنزلي المتاح لكِ تسمح لي بالاتصال!"
اجابت سناء بخوف
"أخشى أن *تغضب*رشيدة هنام عليّ"
طمئنتها انها ستتحمل أي ردة فعل تنتج من وراء هذا الاتصال.
اعطتها سناء الهاتف و وقفت تنظر نحوها .
لتحدثها سلمى بوجهها الجديد عليهم
"اذهبي وحضري العصير. لا تضعي على كأسي السكر"
اومات براسها مستجيبة لاوامرها وهي تعود للمطبخ بخوف *وقلق. سألتها وداد عن سبب حالتها لتجيبها *بخوف
"سقطت *المصيبة *على رأسي"
تحركت سلمى لتجلس أسفل تكعيبة خشبية يظللها أغصان العنب المحمل بالخيرات.
مستنشقة الهواء العليل داخلها فاتحه الهاتف بعدها لتتصل برشيدة لتكن أول كلماتها
"أعرفك بنفسي أنا الدكتورة سلمى الأكرم. أردت أن أتحدث معكِ ان كان وقتك مناسب لهذا"
جلست رشيدة على الفراش
"خير وما الذي سنتحدث أنا وأنتِ عنه! أم ارسلك خليل كي تتوسطي بيننا!"
_"علمت قبل قليل بوجود بعض المشاكل بينك وبين دكتور خليل"
قاطعتها رشيدة بغيرتها العمياء
"دكتور خليل؟ غريبة ألا زلتِ تناديه دكتور رغم …."
تحدثت سلمى بحدة وصرامة
"لم اتصل كي ادخل بمناورات لا فائدة منها. بوسط حديثنا علمت بذلك ومن المؤكد وجودي سبب المشكلة. انا لم اختر قدري كما إنك لم تستطيعي تغيير هذا القدر الذي سقط عليكِ دون سابق *إنذار. لذى علينا ان نتحدث ونتفاهم حتى نصل لحل وسط يرضي الطرفين بمعنى انا وانتِ طبعا. بالبداية احب ان اخبرك بشيء مهم وهو انه لا نية لدي في تحطيم عرش مملكتك وبناء مملكتي مكانه. كما لا نية لي في كسب زوجك واخذه منكِ كما تعتقد النساء بهذه الحالة. عودي لمنزلك كي تثبتي وجودك به. لا تتركي الساحة للشيطان كي يعبء قلب وعقل زوجك كما يريد"
ردت رشيدة ونبرة الاستغراب تعلو صوتها
"وما الفائدة التي ستعود عليكِ بعودتي!"
ابتسمت سلمى بذكائها مكملة
"ممتاز هذا يعني أننا متفقان على وجود فائدة مشتركة بوحدتنا"
_"افهم اولا ومن ثم اجيب عليكِ"
أومأت سلمى برأسها
"حسنا سأشرح لكِ "
راقبت وداد حالة الدكتورة وهي تقول لسناء
"لا يوجد ما يستدعي للقلق يتحدثان وكأنهما أصدقاء منذ زمن"
أنهت سناء تحضير العصير وسكبه بالاكواب قائلة
"سأذهب لأعطيها كأسها واطلب منها الهاتف"
*رفضت *وداد وهي تعيد النظر نحو الطبيبة
"اتركيهم لنرى ما يثمره هذا التقارب"
عادت سلمى للمطبخ وهي فرحه أعطت الهاتف لسناء شاكره لها استخدامه ومن ثم اخذت صينية أكواب العصير وتحركت لتخرج من المطبخ.
تحدثت سناء
"التي على اليسار بدون سكر"
نظرت سلمى لهما قائلة
"أتمنى أن يبقى ذلك بيننا لنرى كيف تكتمون الأسرار"
تحدثت وداد وهي تراقب ابتعاد سلمى عن المطبخ
"يبدو أن عملنا صعب هذه المرة. الفتاة ليست سهلة على الإطلاق. أخشى أن تضعنا نحن ورشيدة خواتم باصابعها تحرك بنا كيفما شاءت"
دخلت سلمى غرفة الحاجة فاطمة وهي تنظر لجلوس خليل بجوار أمه.
تقدمت بخطواتها منه قائلة
"شعرت أننا بحاجة لتهدئة الأعصاب. عصير الليمون والنعناع سينفعنا بذلك"
فرح خليل وأخذ كأسه منها
"لقد جاء بوقته تمامًا"
وضعت الصينية جانبًا ناظره لوالدته متسائلة
"هل اساعدها بالشرب؟".
وصلت وداد للغرفة وهي تقول
"جئت لأساعد الهانم بشرب العصير"
ارتاحت سلمى لمجيئها اعطتها العصير وظلت تراقب ما تفعله وداد وهي تتذكر حديثها مع رشيدة.
أنهى خليل شرب عصيره وهو يحدث عروسته
"هيا لنرتاح بالغرفة قليلًا"
نظر لوضع يدها على بطنها متسائل
"ما بكِ ؟"
_ "لا اعرف ما بها فجأة شعرت بتألمي الشديد منها"
تحرك ليقترب منها وهو يستمع لسؤال وداد
"هل تناولتي من الكرز بالحديقة؟"
أومأت برأسها
"هل لهذا السبب تؤلمني؟"
تعجب خليل
"كيف وصلتِ لشجرة الكرز؟ و متى خرجتِ للحديقة؟ أنا لم ألاحظ طول غيابك"
أجابت سلمى بصوت يعلوه الشعور بالألم
"أردت أن استكشف المكان أثناء تحضير سناء للعصير"
أخذها لغرفتها كي يجلسها بفراشها وهو يقول
"ساعطيكِ مطهر معوي يحسن من تقلصات بطنك. فلقد تم رش الشجرة بالمبيدات والجميع يعلم *بخطورة*التناول منها"
نظرت سلمى لوداد بغرابة خاصة حين *رفضت *ان يعطيها دكتور خليل الدواء قائلة له
"سأحضر لها مشروب أعشاب يحسن من حالتها حين لا يجدي نفعا يمكنها تناول دواءها "
أيدت سلمى ما قالته وداد مؤكدة ان الأمر بسيط وخاصة انها لم تتناول إلا القليل منه.
وصل لهاتف خليل رساله نصيه نظر نحوها باستغراب.
رفع رأسه مستأذن منهم ليخرج بحجة ان ينهي بعض الأعمال بغرفة مكتبه ويعود من جديد. وقبل خروجه نبه على وداد سرعة تحضير الأعشاب لعروسته.
تحدثت وداد بعد تأكدها من خروج سيدها
"سأذهب لأحضر لكِ الاعشاب"
شكرتها سلمى متفاجئة بآخر كلماتها قبل الخروج
"شجرة الكرز بالجهة الامامية من المنزل يمكنك الوصول إليها من جهة المطبخ ان اتبعتي الطريق الموازي لغرفتك تمامًا.ستجدينها أمام الصالون الخارجي محاطة بسياج خشبي. قلت هذا لربما تحتاجينه فيما بعد"
انهت وداد حديثها ثم خرجت منتصره على الدكتورة.
ضحكت سلمى منبهرة من قوة وداد
"ادهشتني بذكائها. هل كان أمر تهربي منه مفضوحا لهذه الدرجة"
تعجبت من زيادة الألم وضعت يدها على بطنها متسائلة
"هل اقترب موعدها؟"
ضحك وجهها عندما وجدت خلاصها، رفعت رأسها بعيونها الدامعة ناظره للسماء شاكره الله على لطفه ومساعدته لها.
قامت من فراشها متوجهه مرة اخرى للمطبخ مقتربة من الباب الخلفي به وهي تتحدث لوداد
"رغم اني لا اعرف لما كنتِ تلمحين"
واشارت بيدها مكملة
"تناولت حبتين من هذه الشجرة. اختلط علي الأمر ولكني متأكدة انه عنب احمر وليس كرز. شككتنني بنفسي حتى أنني جئت لأنظر لها ليتضح أنها شجرة عنب وليست كرز"
ردت وداد
"ولما ألم بطنك! حبتين من العنب لا يؤثران لهذه الدرجة"
ردت سلمى بثقة وثبات
"لست مضطرة على التفسير ولكني مضطرة لطلب مساعدتك بأمر لربما تفهمين منه السبب. انا بحاجة الى فوط صحية من المؤكد أنها متوفرة او يمكنكم توفيرها بشكل عاجل. أليس كذلك!"
دخل خليل المطبخ عليهم وهو يقول
"أكنتِ هنا وانا ابحث عنكِ. لماذا أتيتِ "
اقترب ليعطيها الدواء وهو يطلب من وداد الماء، شكرته بعيون مخفضة
"لا داعي له الآن"
_"لأجل ألم بطنك. ان كنت اعلم انك تحبين الكرز لهذه الدرجة كنت بالتأكيد حذرتك من الشجرة ولكن من اين لي ان اعلم بذلك"
نظرت سلمى لوداد قائلة لها
"هل يمكنكِ توفير ما طلبته منكِ"
تذكرت وداد لتتحرك
"على الفور يا هانم"
حدثتها سلمى وهي تنظر نحو خروجها من الطبخ
"ضعيه بغرفتي وأنا سآتي بعد قليل"
تعجب خليل لحديثهم تسائل عن طلبها هذا متحمس للرد.
لتأتيه صدمته وخيبة احلامه الورديه وهو يستمع لحديثها المغلف بنبرة خجلها وعيونها المخفضة.
سألها بضيق
"هل أنتِ متأكدة! يعني لربما ألم البطن من شيء أخر. ان أكلتي من الكرز"
ردت سلمى وهي تشير نحو شجرة العنب المعلقة غصونها على أسوار المنزل الداخلية قائلة
"لم ااكل من الكرز فقط حبتين من العنب الاحمر"
حك خليل رقبته وهو يجيب
"ومع ذلك عليكِ ان تتأكدي. سلمى لا اريدكِ ان تخافي وتفتعلي الحجج لأجل أن تكسبي وقت إضافي. تحدثنا بذلك واتفقنا ان الوقت مناسب لبدء حياتنا و اقترابنا من بعضنا البعض"
عادت وداد للمطبخ كي تخبر سلمى بتنفيذ ما امرتها به.
أجاب خليل بدلا من زوجته
"حسنا اذهبي وانظري لأمي لربما تحتاج لشيء"
خرجت وداد مرة أخرى من المطبخ لتتحرك سلمى للخروج هي أيضا منه.
لم يقتنع خليل بحجتها تحرك ليدخل غرفتها قبل إغلاقها الباب قائلا
"اعتذر منكِ لقول ذلك ولكني لم اصدقكِ. كما أنني اعطيكِ الحق *بخوفك. *فمن الطبيعي أن يحدث ما تشعرين به"
ردت عليه بوجهها الحازم
"وكيف أثبت لك صحة ما أقول"
اجابها بوجهه *الرافض *لما أخبرته به
"لا اعرف ولكني قلت ما لدي، أنا لم اصدق هذه الحجة. كما أنني لا زلت مُصر على ما اتفقنا عليه. لأجلك نعم لأجلك يعني كي اكون أكثر راحه معكِ. وأيضا كي اعطيكِ حقك كما اخذت رشيدة حقها بأول الزواج أعلم ان لدى كل فتاة احلام ورديه تحب أن تعيشها دون ضغوط"
قاطعته سلمى
"دكتور خليل اقسم لك انني لا اكذب عليك. حتى ان وصل بك الحال لطلب دليل يمكنني فعل ذلك أن انتظرت خروجي من الحمام به. ولكن حينها لا تنتظر أن اصدقك بأي أحاديث مستقبلية فكيف لي ان أصدق رجل *كذب*حديثي من أول مرة. أم أن الشك والكذب من سمات شخصيتك"
تراجع خليل على الفور
"لقد كبرتِ الموضوع"
ردت *بغضب *وحزم
"بالعكس انت من جعلتهُ موضوعًا يتحاكى به. كان يمكنك الصمت وتمرير هذه الأيام دون تكذيب وشك ولكنك لا زلت تقف أمامي ولا تصدقني"
تحرك خليل ليخرج من الغرفة دون رد لتتحرك هي من بعده لتخرج ملابس نظيفة لتذهب بها للحمام كي تبدل ملابسها وترتب نفسها للوضع الجديد الأكثر راحه واطمئنان فلقد حفظها الله وساعدها على
قضاء أيام اضافية دون ضغط او إجبار فهي حقًا غير مهيأة لبدأ حياة جديدة.
خرجت من الحمام وقد ظهر على وجهها آثار الألم عادت لفراشها كي تستلقي عليه محتضنة بطنها.
نامت على الفور أمن الألم أم من راحة النفس لا أحد يعلم. ولكنها حقًا بحاجة لهدنة هادئة خالية من *الحروب *الذهنية الداخلية.
جزء منها يحثها على بدء حياة جديدة تبين انها افضل بكثير مما كانت تنتظرها. وجزء آخر ما زال خائف من الوعود الكثيرة التي تُقدم لها بسهولة وكأن خليل هو من سعى للزواج منها عن حب. *ترعبها *لهفة البدايات وسرعة تغيره بعد ذهاب زوجته وامكانية تخليه عن شريكة سبع سنوات بسهولة.
كيف كان *يخاف *على مشاعر رشيدة قبل عدة أيام واليوم يريد ان ينطلق بحياته الجديدة بأقصى سرعة قبل عودتها.
كيف كان يتحدث عن اختيارها البعد بدم بارد دون حزن متأكد من عودتها.
كان أكثر ما يشغل تفكيرها هل رشيدة تحب المال فعلا ام تحب زوجها وحياتها.
ذهب خليل لغرفته وهو يجيب على مكالمة فيديو مع زوجته الأولى عاتبًا عليها ما خرج منها بحديثها الأخير معه مُصر على حزنه وتألمه من تركها له والبعد عنه بهذه السهولة.
كما عاتبها عن عدم وقوفها بجانبه ومساندتها له بأصعب اوقات يمر بها.
لم تمثل رشيدة حزنها واشتياقها لزوجها بل وندمها على تركه فكانت صادقة هذه المرة بكل ذلك، تدللت عليه باعتذارها واخباره مدى اشتياقها له كي تسلب عقله وعيونه بجمالها.
تدللت عليه أكثر حين طالبته
"لا تكن مع أحد غيري هذه الليلة لنعيش انا وانت فقط بالاحلام"
ابتسم وجهه المقتطب لتزيد هي من تدللها قائلة
"لتكن لي الليلة ان كان لدي خاطر بقلبك كن معي بقلبك وعقلك".
رد خليل والانتصار للذات يعم ملامح وجهه
"قلبي معك دائما وعيوني لم ترى بعد جمالك جمال ولكنكِ اخترتي تركِي والبعد عني، كيف هان عليكِ قلبي "
كانت حركات رشيدة تثير من شوق وتلهف وحب زوجها لها.
لمعت عينيها وابتهج قلبها حين رأت حبها بعيون خليل روحها الذي عاد يتغزل بها وبجمالها وملابسها المنتقاة باهتمام واصرار قلب أنثى أقسمت على أن لا تترك زوجها لغيرها.
طالت محادثتهما عكس المتوقع لينام خليل بعدها وهو سابح بالاحلام.
جاءت رسالة الى هاتف سناء قبل أن تنتهي الليلة، فتحت عينيها لتنظر جهة فراش وداد كي تتأكد من نومها ثم اخرجت الهاتف لتقرأ محتوى الرسالة
"لم تتواصلي معي منذ يومين اخبريني ما الوضع. هل كل شيء على ما يرام"
كتبت سناء بسرعة وخوف
"نعم الوضع هادئ من بعد ذهاب رشيدة هانم لا يوجد جديد لذلك لم اتواصل معكِ"
وصلت رسالة جديدة لهاتف سناء
"حسنا انتبهي لها جيدًا ولا تنسي أن تخبريني بكل جديد هيا تصبحي على خير"
أغلقت سناء الهاتف و وضعته تحت وسادتها لتعود لنومها مجددًا.
زاد ألم سلمى التي لم تعد روحها تحتمل أي ضغط إضافي. من يراها وهي تمسح دموعها بطريقها للمطبخ كي تحضر مشروب دافئ لعله يهدئ ألمها يعلم جيدًا أن ألمها الروحي تعدى ما يشعر به الجسد.
فرغم عزمها على التحلي بالقوة والقسم الذي أخذته على نفسها بأن تعود لتقف على قدميها وتتميز وتنجح حتى تتمكن من محاسبة عائلتها على خذلانهم لها.
إلا أن داخلها لا زال *ينزف *بضعفها وكسرها وهوانها على أهلها.
اذن الفجر عليها وهي جالسه بالمطبخ تتذكر أيامها الخوالي وسط أحضان والديها وكيف كانوا يوقظوها قرب الفجر كي تذهب لغرفتها لتكمل نومها براحه .
تعثرت بالبلع كلما شربت رشفه من كوبها وضعت يدها على صدرها حين كان من المفترض أن تضعها على بطنها بعد أن اختلط عليها ايهما يؤلمها أكثر.
وبينما كانت هي *تتألم *من *النيران *المشتعلة *بصدرها كانت رشيدة تنظر نحو صديقتها *بحزن *كبير *رافضه *لما يطلب منها
"لا داعي للتجربة تتأثر معدتي عند ضيقي *وحزني *او من الممكن ان اكون قد اصبت بالبرد، سانام الان وغدا سأكون بخير "
ردت حنان
"لن تخسري شيء ان قمتي بتجربتها "
*رفضت *رشيدة أكثر
"ولما نهدر الجهاز وهناك من بحاجته أكثر مني، اتركيه كي تبيعيه و تربحين سعره الذي أصبح مضاعف وسط هذه الاجواء"
ردت صديقتها بثقة
"أقسم انني ارى النتيجة بعيونك قبل أن تقومي بإجرائه، وايضا لنتفق على شيء إن كان ايجابي سآخذ عقدك هذا"
وأشارت إلى رقبة رشيدة مكملة
"حلوان البشارة "
ابتسمت رشيدة بقولها
"كان عليكِ ان تختاري شيء اخر لتكسبين العقد فهذا الامر بالتحديد ستخرجين به *خاسرة، *ومع ذلك لا يغلى عليك العقد "
ورفعت يدها لتخلع عقدها مكملة
"ترتديه بهناء وسعادة"
*رفضت *صديقتها أخذه قائلة
"اعلم مدى كرمك وحبك لي ولكني لن اخذه حتى تدخلين الحمام لتفعلي ما اطلبه منكِ بعدها سيكون من نصيبي"
ابتسمت رشيدة متمسكة باعتراضها الذي لم يدوم امام اصرار حنان على اجراءه.
لتوافق رشيدة بالاخير كي تغلق الموضوع وتنام بعدها دون إكثار الأحاديث
بهذا الوقت كان خليل يخرج من غرفته بعد أن أخذ حمام دافئ سريع ذاهبًا بعده لصلاة الفجر بالمسجد القريب من المنزل.
لم تمكث رشيدة داخل الحمام عدة دقائق خرجت بعدها وهي تبكي بشدة جعلت حنان تعتذر منها وهي تشاركها البكاء
"انا لم ارد *احزانك *وجرحك، اعتذر منكِ لن افتح فمي بهذا الموضوع مرة أخرى ، اهدئي. توقفي عن البكاء يا قلبي لعل الله اراد ذلك كي لا يصيبك مكروه، انظري للوضع حولنا كيف ستحملين بطفلك وسط كل هذا *الدمار"
*صدمتها *رشيدة بابتسامتها المرتجفة فاتحه يدها لتريها الجهاز
"انا حامل، انظري انا حامل، ياربي انا انا ! كيف حدث ذلك !، كيف بدون عمليات أو حقن أو ادوية!"
…..
وهنا أتذكر حديث خليل مع امه وهو يقول لها سأفعلها لاجل الله يا امي، لأجل ان يرضى عنا، لنرفع *الظلم *من على المظلوم لأجل أن يكرمنا ويرزقنا الله بالولد، سبحان من له ملك السموات والأرض يرزق من يشاء بغير حساب
اقسم ان عملًا صالح يعمله الإنسان خالصًا لوجه الله وحده. كفيلًا بتغيير مجرى حياته لأفضل مما يحب ويرضى. ومن أفضل الأعمال أن ترفع *الظلم *من على مظلوم. وأن تتصدق بأخلاقك الحميدة على أهلك وجيرانك واصحابك. وأن تمشي وسط الناس مصلحًا عطاءًا خيرًا . تساعد الفقير والغريب قبل الغني والقريب. ان تحسن للناس دون ان تنتظر منهم الرد بالاحسان. ان تكون لله بقلبك ولسانك وافعالك ….