عروس بغداد
بقلم الكاتبة أمل محمد الكاشف
ارتعد قلبها لتعتلي الدموع جفونها مجددًا، تحركت بخطواتها المتثاقلة كالصخور الراسخة على الأرض تجاهد روحها* المحترقة *كي لا تفضح أمام من حولها، خرجت للهواء الطلق لتستظل خلف خيمة تخزين المواد الطبية ساقطة على ركبتيها وهي تجهش ببكائها واضعه احدى يديها على صدرها والأخرى على فمها لا تصدق ما رأته بالداخل.
أما هو فكان متأثرًا بجرحه وجسده المنهك من الإصابة، نام بعد خروجها على اثر المضادات وكثرة النزيف .
لم تجف دموعها بهذا اليوم، تجنبت الاقتراب من خيمته ظلت تهتم بالمرضى بعيون غرقت في بحور *الحزن*والألم *، تزفر بالدموع كلما تذكرت انهيارها على خبر وفاته ومناجاتها الله ان يرحمه ويغفر له ويجعله من اهل الجنة، اعتصر قلبها على دعائها لله لكي ينسيها إياه لتستطيع اكمال حياتها.
علا صوت رنين هاتفها أنهت قياس ضغط أحد *المصابين *متحدثة لزميلاتها بالعمل، ابقي بجانبه حتى أعود.
خرجت مغلقة الساتر خلفها عادت الدموع لتنذرف من عيونها وهي تستمع لصوت ابو بكر بأذنها
"ستبقى معك كي تحفظك ، انظري وانا معي النصف الاخر. يكفيني ان أشعر أننا نلمس نفس الشيء كلما تذكرنا بعضنا البعض "
لم تمضي عدة دقائق معدودة حتى سمعت صوت ينادي من بعيد
"سلمى . سلمى"
مسحت دموعها وتحركت ناظرة إلى الدكتورة هند زميلتها بالعمل والتي بدأت حديثها فور رؤيتها لها
"ماذا تفعلين هناك! ولماذا لا تجيبين على زوجك المسكين لقد *مات *من قلقه *وخوفه *عليكِ "
اجابتها بصوتها المتأثر بحالتها
"سأتصل به على الفور شكرا لكِ"
ابتعدت عنها لتتصل بزوجها مستمعه لكلماته التي اعتادت على سماعها
"اين أنتِ ولماذا لم تجيبي على اتصالاتي لقد مللت وسئمت من عدم ردك واتصالي بزملائك كي اطمئن منهم عليكِ"
كان حديثه كالعادة ولكن صبره لم يكن كسابق عهده، لم ينتظرها لترد عليه أغلق هاتفه بعدما ألقى على مسماعها آخر كلماته
"افعلي ما تريدين فعله، لن اعاتب ولن أتصل بكِ حتى تتذكرين ان لكِ زوج عليكِ الاتصال به والاهتمام به وليس هذا فقط بل والرد على اتصالاته اخبرتك اكثر من مرة ان كنتِ تفعليها لأجل الانفصال فلننفصل لا داعي لكل ذلك"
أغلقت الهاتف وهي تنوي إعادة الاتصال مرة أخرى لأجل الاعتذار منه، لم تكن المرة الأولى بعصبيته على عدم ردها على اتصالاته ولكنها الأولى في إغلاقه الهاتف قبل ان تجيب وتعتذر ويطمئن عليها.
ابتلعت ريقها وجاءت لتفتح هاتفها لتتصل به ولكنها لم تفعل حين أتاها صوت استاذها دكتور ناجي من الخلف
"هل أنتِ هنا ونحن نبحث عنكِ بالداخل"
وضعت هاتفها بجيب البالطو الأبيض متقدمة بخطواتها وهي تجيب بقلب خائف
"هل حدث مكروه لأحدهم"
استغرب من حالتها رفع حاجبه وهو يجيبها
"وهل سأترك من تعرض لمكروه واتي لأبحث عنك"
نفت بحركة رأسها
"لا العفو منك انا لم اقصد ذلك ولكني..."
قاطعها بحديثه
"اخذ دكتور احمد اجازة عاجلة وغادر المكان قبل قليل، لذلك كنت ابحث عنكِ كي تتولي بعض مهامه في غيابه ، وزعت المرضى المسؤول عنهم احمد بينك أنتِ و فارس وطارق اامل ان لا تقصروا مع المرضى حتى عودتنا غدا"
سألته عن دكتور أحمد ليجيبها بوجه بشوش
"وهل هناك خير اجمل من ان يرزق الانسان بطفل جديد يحمل اسمه ويكمل مسيرته بهذه الحياة، العاقبة لديكِ يا سلمى"
أومأت برأسها
"شكرا لحضرتك "
حدثها بفضول
"ان كان هناك ما استطيع مساعدتك به فأنتِ تعلمين قدرك"
ردت بسرعه
"لا يوجد شيء شكرا لك"
وبفضول أكثر سألها
"كيف لا يوجد مشكلة وانتِ متزوجة منذ الخمس سنوات واكثر دون..."
قاطعته بضيق
"كل شيء بوقته جميل،شكرا لاهتمام حضرتك،. سأعود لعملي من بعد اذنك"
أجاب عليها وهو يشعل السيجار
"حسنا اذهبي واهتمي بالمرضى ، ستجدين مع فارس قائمة وملفات المرضى الذين أصبحوا تحت رعايتك"
أومأت برأسها من جديد تاركة المكان وهي تحدث نفسها
"ما كان ينقصني إلا مساعدتك "
دخلت خيمة كبيرة مقسمة بالستائر البيضاء لعدة وحدات علاجية منها للحالات الطارئة والعاجلة وأخرى للعمليات والحالات الصعبة.
اقترب دكتور فارس منها ليعطيها قائمة المرضى الذين أصبحوا تحت رعايتها.
اخذتها منه دون اهتمام مكملة طريقها للدخول وبمسامعها صوت كلمات زوجها *الغاضب،*تجمعت الدموع من جديد فور تذكرها رؤيتها لابن عمتها على قيد الحياة.
امسكت الأقلام لتشير بداخل القائمة على رقم تسعة عشر ثم فتحت الساتر حتى تقييم إصابة المريض وتدون بجانب رقمه النسب وآخر ما وصلت له الحالة الصحية.
كانت مشهورة بأقلامهم ذات الألوان الثلاث الأحمر خطر الأبيض تعدى مرحلة الخطر اما الأصفر فكان يعبر عن الحالات الغير مستقرة يتحسن بعض الوقت ويعود ليتدهور صحيًا بسرعة مرعبة.
توالى مرورها على المرضى وتقيمها للحالات و وضع الألوان بجانب رقمها دون الاهتمام بالاسم فجميعهم بالنسبة لها أرقام فقط.
شاء القدر وساقها لذلك المريض الذي ارتعد قلبها برؤيته دخلت دون النظر لوجهه كشفت على الجرح لتتأكد من توقف النزف، أعادت قياس نبض الضغط لتطمئن على الحالة الطبية ووضعها أمام رقمه علامة بيضاء.
لفت انتباهها اسمه الغريب رفعت نظرها عليه قائلة بنبرة استفهامية
"جيم مالسون إذا!"
اعتدل قليلًا بنومته مجيبًا عليها بالعربية
"نعم أصبح كذلك، ولكني أحب أن ينادى عليّ أبو ألبرت كما تناديني أمي"
اختنقت بسؤالها الذي لم تتجرأ على البوح به ليأتيها الإجابة منه وكأنه شعر بما يدور بعقلها
"ألبرت اسم ابني الكبير، عمره عشر سنوات ولكنه بعقل البلوغ، دائما ما كان يذكرني بكِ من حيث فصاحته وقوة انتباهه وتركيزه العالي لمجريات الأمور حوله"
نظرت لابتسامته التي رسمت على وجهه بمجرد حديثه عن ابنه، استمرت بصمتها لتستمع لتكملة حديثه
"ولكنك فاجأتني بحُلتك الجديدة، هل أصبحتِ تزاولين مهنتك من المؤكد إنك عدتِ للعمل بعد تحررك من الأحكام الظالمة، أتمنى أن أرى ألبرت طبيب مثلك بيوم من الأيام"
تلعثمت بكلماتها التي خرجت رغمًا عنها
"جاءنا خبر وفاتك قبل سنوات بعيدة. لم أتوقع للحظة أنني سأراك.. وأيضا.. أنت "
صمتت لوهلة مكملة بعدها
"أنت على قيد الحياة "
أخذ أبو بكر نفس عميق اجابها بعده
"نعم هذا ما حدث بعد ان اصبت في *حادث *سير مروع كاد ان يُذهب حياتي لبارئها، شيع خبر وفاتي حتى وصل إليكم ، وعند استعادتي للوعي وجدت نفسي مقيد باسم آخر"
أكمل حديثه بنبرة ضاحكة ساخرة
"اعجبني وضعي واكملت عليه، لا تقلقي عائلتي تعلم بوضعي كما أيدوا صمتي واستمراري بكنيتي الجديدة"
قاطعته بضيق كبير
"واضح جدا معرفتهم وتواصلهم الدائم معك، ولكن ما الذي يجبرك على العيش ببلد غير بلدك وبكنية وغير كنيتك"
خرج رده بنبرة ضحكة ساخرة
"هل اُغلق عقلك وذهب ذكائك مع مرور السنوات ، بالطبع سأبقى كما أنا كي لا اجبر على *الهروب *والعقاب *على ما ليس لي به ذنب، وأيضا برأيك هل اترك جواز سفر وهوية أوروبية أتوني على طبق من ذهب لأعود لهويتي العربية"
استجمعت نفسها لتسأله بقوة خرقاء
"هذا يعني انه صحيح"
سألها بحركة عينيه عن قصدها لتكمل هي
"وقع *الحادث *عند كشف أمرك ومطاردة الشرطة الدولية لك أنت ومجموعة من شركائك"
اجابها بنفس نبرته الاستهزائية
"وهل يعلو الدخان في سماء بلدنا دون اشتعال *النيران *، إن لم تشتعل *النار *ما كان استطاع *الدخان *أن يعتلي السماء ويصل إليكم ، ولكنه اصبح بالماضي، الان انا مدير بشركة خاصة ولدي أبناء وعائلة"
أخرجت سؤالها من فمها بصعوبة
"كنت أخبرتني أنك تساعد المقاومة الفلسطينية وتمدها *بالأسلحة. *حتى طلبت مني بآخر لقاء بيننا في منزل عمتي ان ادعو لك كي تنفذ المهمة وتعود لأرض الوطن مجبر الخاطر"
ضحك نفس ضحكته *الحارقة *لقلبها
"من الواضح أنكِ دعوتي بكل ما اوتيتي من قوة حتى وصلت لما انا به الان"
اختنقت بإستهزائه و بردوده وأحاديثه العابرة معها، وكأنه لم يكن بينهما عقد قران و وعود.
_"وماذا عني ألم تفكر بي ، ألم يكن بيننا عقد قران شرعي، ماذا عن زواجي من المؤكد انك سمعت به"
أغمض عينيه وهو يعتدل بنومته
"اخبرتني امي عن القدر الذي سقطتي به وهي تبكي ، اتضح كم كانت الخالة فوزية محقة بمشاعر *الخوف*والقلق تجاهك"
صمت لتسأله
"هل أبي على علم بوجودك على قيد الحياة "
سعل عدة مرات طالبًا منها ان تناوله الماء، نظرت لزجاجة الماء بجانبه و وجه الأحمر من السعال بصمت وثبات دون تلبية للطلب.
تحسن وضعه لتخرج مغلقة الساتر خلفها دون ان تعطيه الماء، كانت تتذكر حلمها الذي راودها دائما بلقائهما الأسطوري في الجنة.
اختنقت بما سمعته منه جلست جانبًا تحدث نفسها "هل كنت ادعوا بالسلامة *لتاجر *أسلحة *، أكنت ساذجة وتافهة لهذه الدرجة!، لعب بمشاعري وقلبي وتركني *أسقط *بحزني *الكبير لسنوات وهو لا يتذكرني"
سخرت من نفسها
"لا يمكنني *ظلمه *بعد ان تمنى أن يكون ابنه مثلي!"
صدمت جبهتها بقبضة يدها وهي تنعي نفسها "غبية ، مغفلة ، بأي شيء وثقتي وتعلقتي وحلمتي ودعوتي"
كاد قلبها ان يعتصر ويدمر من قسوة ما تشعر به كيف مرت سنوات الجامعة وهي تحمل كل هذا الوفاء *والحزن *بفؤادها، كيف زهدت الحياة والفرح وتفرغت لدراستها لأجل لحظة لقائها به في رتبة الشهداء بالجنة.
فتحت هاتفها واتصلت بزوجها دون الانتباه للوقت ، علا رنين هاتف خليل ليوقظه بهذا *الظلام *الدامس ، مد يده ليفتح الإضاءة الخافتة بجانب فراشه ممسك بهاتفه لينظر للمتصل، تحركت ذات الجمال المغربي على فراشها متسائلة دون فتح اعينها
"من المتصل؟"
قلق وتغيرت ملامح وجهه بمجرد رؤيته لاسمها على شاشة هاتفه تحرك بسرعة لينزل من على فراشه مغلق باب الغرفة من خلفه وهو يجيب رشيدة
"لا شيء مهم نامي انتِ دقائق و سأعود "
تحركت بنومها على فراشها جهة اليمين رافعة الغطاء على كتفها لتكمل نومها براحة كبيرة، أما هو فكان واقفًا بقمة توتره في منتصف الصالة يعاود الاتصال بها وبرأسه مئة سؤال وخطب سيئ.
اجابته بصوتها المختنق المائل للبكاء معتذرة منه لعدم انتباهها على تأخر الوقت.
اتتها إجابته من قلبه الرحيم
"عن أي وقت تتحدثين، ما حالة صوتك هذه، هل أنتِ بمشكلة، أم حدث لكِ شيء سيء، هل ضايقك أحد ان كان كذلك يمكنني التواصل مع مدير القافلة الطيبة شخصيًا..."
اوقفته بصوتها الباكي
"لا لم يضايقني احد منهم ولستُ بمشكلة"
اجابها بسرعة
"هل توفى مريض قريب لقلبك"
بكت أكثر ليقول بصوته الذي اهتز بعاطفته الجياشة
"نعم حدث ذلك وكيف نسيت أمر قلبك، أقسم انني أراه هو من يفحص ويعتني ويعالج وليس أنتِ، حتى أنني احسدهم على ذلك حين امرض ولا اجد غيري يداويني"
ابتسمت *بحزن *تساءلت به
"هل أنت بخير، اخجل من كثرة اعتذاري ولكنه أصبح حق عليّ، فمن جديد نسيت ان اتصل بالصباح لمعرفة نتائج التحاليل "
أجابها بنبرة عتاب
"وحين اتصلت لأخبرك بنفسي لم تجيبيني"
عادت لبكائها ولكن هذه المرة بصوت مسموع انتزع قلبه وهز وجدانه معه ليسرع بحديثه
"امزح معك انا لا اعاتبك حتى انني لم *أحزن *منك لحظات فقط اثرتي غضبي بسبب *خوفي *عليكِ ومن بعدها ذهب كله فور اطمئناني انك بخير…. ألستِ بخير!"
لم تستطع إجابته حين تملكتها ذكريات الماضي وحزنها وزهدها بكل شيء من أجل لا شيء كان اكثر ما يحزنها شعورها انها كانت بحلم نسجته من محض خيالها فقط حلم من طرف واحد لا يشعر به أحد غيرها، بل كان مصحوب *بقهر *عدم سماعها لأحاديث أمها والإعلامية بذلك اليوم المشهود، زاد بكائها كلما شعرت بحنان صوت زوجها وهو قلق عليها.
أنهت المكالمة بصعوبة كبيرة متحججة بأهمية عودتها للمرضى معتذرة من جديد ولكن هذه المرة كان مختلفًا
"اعتذر لك عن وجود شخص شبيهِ بحياتك"
لم تعطيه فرصه للرد عليها أغلقت بسرعة لتتركه خلفها بحيرة *وخوف *كبير عليها.
سمع صوت أنين رشيدة يأتيه من الداخل اسرع لغرفته ليجد زوجته تتقييء بالحمام، وبدون صوت دخل بجانبها ليمسك ذراعها كي لا *تسقط *وهي بهذه الحالة ، كان معها بجسده فقط أما عقله فكان بجانب من لا زالت تحظى بلقب عروسته بعد كل هذه السنوات.
انخرطت سلمى بعملها طوال الليل محاولة الهروب مما تشعر به ومع قرابة الفجر كان عليها ان تذهب لتطمئن على الجرح بصدره وتتابع درجة الحرارة والنسب الأخرى بنفسها فهي شخص جاد جدا بعمله لا يترك ثغرة إلا وقام بإغلاقها ومعالجتها بيده.
تحركت من خلفها الممرضة وهي تستمع لتعليماتها بخصوص آخر مريض خرجوا من عنده للتو.
فتحت الستار بقوة *غضبها *وضيقها *والحرب *القائمة بقلبها لتجده نائم بسلام وراحة كبيرة، من المفترض بهذه الحالة ان تدخل ببطئ وتتحدث بصوت خافت دون إيقاظ المريض ، ولكنها فعلت عكس ذلك حين فاجأت الممرضة بنبرة صوتها العالية وسحبها لذراع المريض بقوة مدخله به جهاز الضغط لتبدأ القياس دون الاعتذار منه على إيقاظه، كانت تتحدث مع الممرضة بسرعة مستخدمة المصطلحات الطبية الكبيرة كي لا تعطيه الفرصة بالتدخل في حديثهم، تعجبت حين وجدت جرحه ليس على ما يرام نظرت له نظرات تعجب ثم نظرت للجرح موجهه له الحديث باستغراب واستفهام كبير
"كيف وصل جرحك لهذا *السوء *وبهذا الوقت القصير، وما سبب فتح غرزه؟ إن لم أقوم انا بتقطيبه كنت ظننت أنه عيب أو تقصير طبي ولكني متأكدة من قيامي بعمل كل ما يلزم "
اجابها مستخدم اللغة العربية بوجه مبتسم زاد من غليانها الداخلي
"نعم قمتي بواجبك الطبي ولكنك تركتيني بعدها وحيد احدث نفسي بين الغرباء "
استجوبته بحدة
" هل تحركت من مكانك؟ او استخدمت يداك بأحمال ثقيلة؟"
أجابها بسخرية
"نعم قمت بممارسة الرياضة كي أنسى *الألم، *ما بكِ يا ابنة خالي! هل ستضعين *خطأ *تقصيرك عليّ؟"
لم تنظر له أدارت وجهها لتتحدث مع الممرضة بالإنجليزية طالبة منها سرعة احضار أدوات التعقيم، ثم عادت لتوجه حديثها له بالعربية قائلة
"يجب أن أنظف الجرح واعقمه مع إعادة تقطيبه من جديد"
أجابها بوجهه المبتسم
"افعلي ما ترينه مناسبًا فأنا أعلم جيدا أنني بأيد أمينة"
ابتلعت ريقها المختنق وهي تتعجب من هدوءه وبرودة أعصابه بل وبدون مقدمات اعادت سؤالها "هل ابي على علم بوضعك و اعمالك ؟"
_" رأسي يؤلمني"
نظرت نحوه بعيون قوية ثابتة وكأنها ستفترسه بعد قليل من شدة غضبها ، عادت الممرضة إليهم واضعه جميع المستلزمات الطبية على استند حديدي بجانب الفراشي الطبي.
امرتها سلمى ان تذهب لتطمئن على الحالات الأخرى *خوفا *من تدهور حالتهم حتى تنهي عملها وتأتي إليهم بعده.
انتظرت خروج الممرضة لتبدأ بعدها بفك الغرز المنغمسة بجرحه الملتهب وهي تتعجب من صلابته، يغلق عينه بقوة ويشد من قبضة يده الثابتة.
وهذا ما جعلها تضغط بقوة وهي تنظف ليخرج صوت *صرخته *التي اثلجت قلبها *المتألم، زادت من ضغطها على جرحه بقوة ليزداد *صراخه، رفع يده ليمسك يدها بقوة *رافضًا *إكمالها تنظيف الجرح ولكنها *رفضت *ساحبه يدها بقوة أكبر من يده قائلة
"عليك ان تعلم بأن توقفي يعني ترك الدم الملوث يجول بجسدك ليؤثر مباشرةً على أجهزتك الحيوية، نظرا للإمكانيات الطبية المتوفرة فمن الممكن ان تتحمل من يوم لأربعة أيام على الأكثر ومن بعدها سيسوء الوضع ولا يمكن لأحد انقاذك، ان اردت ذلك عليك أولا ان توقع على مستند تثبت به مسؤوليتك عن عدم تلقيك العلاج، او انك تتركني لأكمل عملي!! "
اغمض عينيه لتعود هي لتنظف جرحه بقسوة وقوة ما تحملته بسببه، كانت تفعل ما هو معاكس تمامًا لشخص الطبيبة سلمى المعروفة بالرحمة والهدوء والتأثر بأوجاع المرضى.
أنهت عملها مغلقة الجرح بشكل جيد ناظرة للملف الطبي وهي تدون داخله الحالة الصحية وما قامت به لأجل علاجه، استدارت لتنظر نحوه قبل خروجها قائلة
"كان الجميع على علم بإنقاذك من الحادث، ورغم ذلك تستروا واخفوا امرك لأجل سلامتك او بمعنى ادق سلامة أعمالهم القذرة ، مثلوا علينا الحزن كي لا يفضح امرهم وتتعرى سوءاتهم أمام الجميع، حتى ابي شارك بهذه اللعبة القذرة لينقذ عمله على حساب ابنته، لن اتفاجئ ان اخبرتني باتصاله وطلبه الشخصي ان تنهي زواجنا الشرعي بألقاء يمين الطلاق كي أكون حرة أمام الله ، انتظر أخطأت باخر كلمات فهم لا يسعون لأجل أحد فإن فعلها فسيفعلها لأجل تبرئة ضميره أمام الله "
سخرت مكملة
"إن كان يخشى الله بذلك"
رد عليها بصوته المتعب
"لا تظلميهم ، انت لا تعلمين كم حزنوا وانكسروا بعدك، أراد والدك ان يهربك اليّ عن طريق الحدود ولكن كان هناك خطورة كبيرة ، كل الاحتمالات الواردة مخيفة، بجانب الفضيحة ان أعلنوا عن هروبك وعدم وصول عائلتك لكِ"
صدمته بقولها
"هذا يعني ليس فقط حقيقة تواصله معكم بل ومشاركتكم بهذه التجارة القذرة"
اغمض عينيه وهو يتألم عاجزًا عن الرد والمجادلة بالدفاع عن من لا يستحقون الدفاع.
خرجت بجسدها المنهك وفؤادها المكلوم كي تكمل مرورها على المرضى ومن ثم إلى الخيمة المخصصة للأطباء كي تنام بها.
ورغم الإجهاد إلا أنها لم تستطع النوم كعادتها فور وضعها رأسها على وسادتها، ظلت تتقلب على فراشها وهي تعتصر من ألم الذكريات
كل ما كان يؤلمها ويدمي قلبها انها اضاعت أجمل سنوات الجامعة *بالحزن *على من لا يستحق *الحزن *عليه.
انقسم فؤادها بحقيقة والدها التي فجرت بوجهها فما كان يكفيها تخليه وخذلانه لها لتأتيها *الفاجعة *الكبرى *بصدمة *أعماله *القذرة.
نامت والدموع تبلل وجنتيها كعادتها ، لتستيقظ بعدها بساعات على صوت الدكتورة هند وهي توقظها من النوم لتخبرها
"المريض صاحب الجرح الملتهب"
انتفض قلبها وهي تسألها "هل مات؟"
نفت هند وهي تهز راسها بخوف
" لا لم يمت ولكن تفاجئنا باختفائه. بحث الجميع عنه بكل مكان ولم يجدوه، هناك أكثر من شاهد على خروجه من الخيمة وهناك من يقول رأيته يصعد إحدى سيارات الإغاثة "
فهمت سلمى أنه هرب *خوفًا *من افشائها سره ، ردت على زميلتها بالعمل
"علينا ان نسجل الإفادات بورقة ونجعل الشهود يوقعون أسفلها كي نخلي مسؤوليتنا عنه"
_"حسنا سأتولى انا امر ذلك ولكني كنت أريد ان أسألك بأي وقت سنغادر الموقع"
نظرت سلمى لساعة هاتفها قائلة
"خمسة وثلاثون يومًا مروا بسرعة كبيرة"
ابتسمت هند مجيبة عليها
"لقد خرجت ارواحنا من وراء هذه السرعة حتى اقسمت انني لن اكررها ولو دفعوا أضعاف ما دفعوه".
تصنعت سلمى ابتسامتها التي رسمت على وجهها رغم حالتها المضطربة
"تبقى القليل سنغادر المكان على تمام الساعة الثانية ظهرا ان لم يتغير الموعد"
تحركت هند لتخرج من الخيمة وهو تقول
"هيا تحركي لتمري على المرضى وتكتبي آخر تقارير عن حالتهم كي نسلمهم للإدارة قبل تركنا للمكان"
مسحت وجهها بكف يدها الصغير مجيبه
"حسنا سأفعل ذلك على الفور "
خرجت هند من الخيمة تاركه سلمى خلفها وهي بحالة شرود كبير تحدث نفسها
"من الذي ساعده بالهروب من المشفى الميداني، ومن أتى به لهذه البلد الغريبة ألم يقع الحادث بأوكرانيا، كيف صعد سيارة الهلال الأحمر دون ان ينتبهوا له ، أم أنهم شركاء معه"
اغمضت عينيها بحزن
"اصبح لا شيء مستحيل وغريب بهذه الحياة، حتى عمتي خذلتني كنت أذهب إليها ابكي واشتكي من *ظلم *ابي بحضنها ، كيف جمعت بين الطيبة *والسوء *، الظلم *والدفاع عني أمامه"
اتسعت عينيها حين تذكرت امر الغرز لتفزع بوقوفها قائلة
"كيف لم افكر بذلك ، لقد تم فتح الغرز عن عمد لتخبئة شيء بداخل صدره ، هناك من ساعده، نعم من المؤكد تلقيه مساعدة من شخص غير مؤهل وإلا كيف التهب جرحه وفكت ثلاث غرز منه ؟"
تحركت بمكانها بتوتر وخوف
"ماذا سأفعل؟، وكيف سأخبرهم بما لستُ متأكدة منه؟"
امسكت ورقة كتبت بها ما حدث وما تعجبت منه بالتفصيل واضعه تنبيه صغير في اخر الإفادة باحتمالية فتح الغرز عن عمد وتلوثها حين اقترب منها شيء غير معقم ، مشيرة أيضا لوضع هروبه المريب طالبة من الجهات المعنية التحقيق بالأمر.
تحركت لتنهي اخر أعمالها بالمخيم عائدة للمكان كي تجمع حقائبها واغراضها وتسرع بالخروج بجانب عدد كبير من الأطباء حين أتت سيارة الهلال الأحمر المتولية أمر تنقلهم قبل موعدها المقرر بعدة ساعات.
وكان يحدث ذلك لأجل سلامتهم وعدم معرفة احد مواعيد وطرق ثابتة لتنقلهم.
تذكرت سلمى حديثه الساخر الخاوي من الصدق والمشاعر حين تطرق لأمر محاولة انقاذها *وتهريبها *عبر *الحدود .
هبطت طائرتهم على سطح المستشفى الكبيرة من جديد لتختار سلمى ان تنام على اريكتها المفضلة في غرفتها الخاصة عوضًا عن ذهابها للمنزل وكان هذا غريبًا بالنسبة لزملائها ، فهل اصبح المنزل وغيره سواء ام أصبحت اريكة وسط مكان مليء بالحركة والناس افضل من منزل يعمه الهدوء والسكون والوحدة.
بررت ما تفعله لنفسها
"سأرتاح قليلا حتى استطيع القيادة ومن ثم اذهب "
أغلقت الباب عليها واضعه الحقائب جانبا متجهة نحو الاريكة كي تنام ولكنها تذكرت امر زوجها، عادت لتأخذ حقيبة يدها من جانب الحقائب الكبيرة باحثة داخلها عن الهاتف متعجبة من وجود ورقة غريبة بالداخل.
اخرجتها وفتحتها لتقرأ بها
"فرحت وتعجبت لرؤيتك في هذا المكان لقد شاء الله ان يجمعنا من جديد، كنت أتمنى ان اودعك واستسمحك بحقك ولكني لم استطع حين توجب سرعة تركي للمكان، سأظل اتذكرك بكل خير وأنتِ أيضا تذكريني بهذا، انتِ تستحقين الأفضل ولذلك فرحت حين أخبرتني أمي عن الطبيب الذي تزوجتيه ، أرأيتِ كيف أن القدر اقوى من الجميع ، بالنهاية وقبل الوداع امي توصيكِ بإخفاء سري لأجلها أما أنا فلا فرق لدي من انتشار خبر رؤيتك لي من عدمه ، دمتي بخير"
مزقت الورقة ملقية بها في سلة القمامة لتنام على الأريكة وهي تبكي *بحزن *كبير، تذكرت سفر عمتها محاسن للسعودية كي تقضي الشهور المباركة بالحرم المكي ، معيده سؤالها لنفسها
" كيف خدعتني وهي تبكي وتمثل عليّ الحب والحنان".
نامت والدموع تبلل وجهها وطرف وسادة اريكتها، مر وقت قصير على نومه شعرت سلمى بأحد في غرفتها فتحت عينيها لتجده أمامها يحدثها بقلق كبير
"سلمى أنتِ بخير!"
امتلأت عيونها بالدموع وهي تتحرك بسرعة لتلقي بنفسها داخل حضنه مستنده برأسها على صدره باكية *بحرقة *النار *المشتعلة بصدرها
تفاجئ بدخولها لحضنه اختل توازنه وازداد قلقه عليها، ضمها لحضنه وهو يحرك يده على ظهرها
"هل اشتقتي لي ، وانا أيضا اشتقت لكِ"
خجلت من وجودها بحضنه وقلقها من دخول أحد الزملاء عليهما وهما بهذه الحالة ، خرجت من بين يديه وهي تمسح دموعها معتذرة منه
"لا تؤاخذني. نسيت نفسي من المفاجأة"
ابتسمت وهي لا زالت تمسح الدموع
" لم أتوقع رؤيتك. كيف حدث ذلك متى حصلت على جواز السفر؟، يعني حين تفاجأت بوجودك لم …" صمتت بخجل.
اخفض رأسه ليقترب من رأسها وهو يدخل عينيه بعينها قائلا بصوته الحنون
"لا حاجة لكل هذه المبررات. اتركِ ما فعلتيه و اخبريني ما بكِ يبدو أنكِ لستِ بخير"
مسحت دموعها من جديد برغبة ملحة ان تريح رأسها على صدره الحنون مجددًا ملقية ما تشعر به داخله ولكنها خجلت وتراجعت عن ما يدور بعقله مكتفيه بالنظر لحضنه الحنون وهي تجيبه
"لا شيء أنا بخير "
اقترب منها ليزلزل قوتها المصطنعة
"سلمى اصدقيني القول ما بكِ! هل أحزنك احد من طاقم العمل! أم أن أحد المرضى او اهاليهم تعرضوا لكِ بالسوء؟ اقسم ان كان كذلك"
قاطعته بسرعة ردها
"لا لم يحدث شيء من هذا انا حقا بخير "
وضع يده على كتفها مكملًا
"هل تعتقدين أنني جئت لدبي بحجز طيران سريع لانكِ بخير! أعلم أنكِ لستِ بخير، حالتك وصوتك حتى كلماتك جميعهم أكدوا لي أنكِ لستِ بخير"
ألقت نفسها بحضنه مجددًا منهمرة ببكائها الجياش مما جعله يحنو بذراعه على ظهرها بعقل اقترب نفاذ صبره، تحرك بها ليجلس على الأريكة الجانبية واضعا العكاز بجانبه وهو يتوسل إليها أن تطمئن قلبه وتخبره عن سبب حالتها كي *يحرق *الوسط ويأتي لها بحقها ممن احزنها.
كفت عن البكاء بعد ان أخرجت الضيق الذي بقلبها رافعه رأسها لتنظر لوجهه وهي تتراجع مبتعدة عن حضنه لتجد بعينيه نفس النظرات المليئة بالقلق *والخوف *والحنان والعطف التي اعتادت عليهم منذ اللقاء الأول وهي أسيرة الأعراف.
حاولت ان تغيير مجرى الحديث متسائلة عن موعد ولادة رشيدة ليجيبها بفرح
"لا زال الوقت مبكرًا على هذا السؤال ولكني أعطيك الحق به حتى أنا أتساءل واحسب الأيام كل ليلة حالمًا باليوم الذي سأحمل ابنتي به"
ردت باستغراب
"ليس مبكرًا وفقًا لتحديد نوع الجنين فمن المؤكد انها انهت نصف المدة أو أقل بقليل"
حرك رأسه بالنفي وقال
"لا زالت بنهاية شهرها الثالث، لقد اتصلت واخبرتك فور معرفتي بخبر حملها"
اندهشت بقولها
"وكيف علمتم بنوع الطفل وهي بأول شهور حملها "
اجابها بوجه فرح
"حلمت بها. رأيتها بحلمي وهي تركض نحوي تنادي عليٌ بـ بـ "
صمت قليلًا شاردًا بحلمه مكملًا بشرود
"كان هناك صوت بعيد يناديها بـ سلمى "
صمت مجددًا وهو يكمل تذكر حلمه دون ان يحكي لها تحول ابنته الصغيرة لتصبح هي امامه فجأة تركض نحوه ملقيه بنفسها في حضنه مردده نفس ندائها " بـ بـ "
ظل ينظر نحوها معيد مشهد دخولها بحضنه وتمسكها به بقوة وكأن حلمه تحقق دون أن يشعر، عاد ليحدثها بصوت مسموع
"هل كنتِ تناديني بحلمي"
نظرت له باستغراب ليكمل
"هل تصدقيني ان اخبرتك بباقي حلمي"
اجابته بوجهها المتعجب من حديثه
"ومنذ متى كذبت ما تقوله لي"
_"كانت ابنتي تركض نحوي وفجأة سمعت صوت يناديها بسلمى لم أرى مصدر الصوت ولكني رأيت ابنتي تكبر وتكبر كلما اقتربت مني حتى اصبحتِ أنتِ، ألقت بنفسها في حضني وهي تناديني بأبي ، كنتِ أنتِ بالأخير، هذا يعني انني شعرت بكِ، كنتِ تناديني وتركضي نحوي ، نعم شعرت بحاجتك لي منذ عدة أسابيع، ولكن كيف لم انتبه لما رأيت، اعتقد ان فرحتي بابنتي جعلتني لا انتبه لبقية الحلم"
صمتت أمام ما سمعته ليكمل هو
"أتمنى لو اسميها سلمى ولكنك تعلمين حساسية الوضع من الصعب تسميتها على اسم زوجة أبيها حتى وان كانت..."
أومأت برأسها لتؤكد ما يقول
"نعم انت محق لا داعي ان تضغط على رشيدة بهذا ، يكفي انها تتحمل وضع زواجنا، نحمد الله على انشغالي بعملي وبعدي عنكم وإلا .."
تدخل خليل بالدفاع عن رشيدة
"ولكنها تحبك كأختها هي قالت لي ذلك، كما انها تدعو لكِ وتتمنى لكِ النجاح دومًا، ولأجل الحفاظ على رابط المحبة بينكما أراعي مشاعرها بتعمدي عدم الاتصال او التواصل معكِ أمامها . وهذا ما طلبيتيه أنتِ بالسابق وانا افعله ليومنا هذا"
اختنقت بكلماتها التي خرجت منها بنبرة مهزوزة
"ألم ترى أنه حان وقته الان"
تساءل بتعابير وجهه لتكمل هي
"الانفصال ، ستصبح أب بعد عدة اشهر، كما ان زوجتك تحبك وتغار عليك من النسيم المتطاير حولك، أصبحت تعيش حياة مستقرة بعد فتحك لمشروعك الخاص، لا اريد ان تولد صغيرتك وتتعرف عليّ على نحو زوجة ابيها، ولا اريد ان اثير غيرة رشيدة باهتمامك ومجيئك لمكان عملي رغم بعد المسافة وتعب السفر، اعلم انك تقوم بواجبك نحوي "
اختنق صوتها أكثر وهي تكمل
" لم اعد ضعيفة كالسابق، استطيع حماية نفسي ، بصراحة لم استطيع الاستغناء عنك لذلك سأظل تحت رعايتك ومحافظتك عليٌ دون هذا الرابط الشرعي، لننفصل بهدوء دون ان ينتشر الخبر"
ابتسم خليل ابتسامة لم ترسم على وجهه
"هل وجدتي من تبحثين عنه، طبيب شاب طموح وناجح وخلوق يفهم عليكِ، لديه نفس الاهتمامات والاحلام والرغبات، تسعيان سويا خلف مغامرات انقاذ المرضى والجرحى في المناطق النائية والمنكوبة، رجل يعلم قدرك لا يستطيع احزانك ولا يقصر بدلالك، رجل..."
قاطعته بقولها
"لا تكمل يكفي بهذا القدر. من أين سأجد كل تلك المواصفات في رجل واحد ، وأيضا هل أنا *سيئة *بنظرك لهذه الدرجة التي تجعلني ابحث عن ما تقوله وانا متزوجة والأكثر من ذلك اقف امامك واطلب الطلاق لأجله"
ابتسم خليل متصنع سعة الصدر والهدوء
"لا سمح الله ، اعلم من أنتِ جيدًا و أيضا لن تجدي كل هذه الصفات بشخص واحد لذلك يمكنك التنازل عن بعض الصفات "
بادلته الابتسامة باستغراب
"حسنا لا تقلق سأفكر بالأمر، اتفقنا إذا "
سألها
"على ماذا!"
صدمته من جديد
"الانفصال. ألم نتفق على وجوب انفصالنا قبل ولادة رشيدة ، صدقني هذا افضل لاجل الجميع"
ابتلع ريقه محاولا تمالك اعصابه أمامها
"اريد ان اطمئن عليكِ قبل ذلك، لأجلس معه أولا كي اراه واستمع له ومن ثم نقرر سويًا ما تريديه"
ابتسمت بسخرية
"مع من ستجلس لتقرر انفصالنا، ألم تستمع لحديثي هل صدقت ان هناك رجل اخر بحياتي هل آنا سيئة لأتعلق برجل غير زوجي بالإضافة الى انني اريد الانفصال لأجلك!. اخبرتك انه لأجل ابنتك. وأيضا لأجل ان امتلك الجرأة على طلب تسمية طفلتك بأسمي"
فرح برغبتها
"سيحدث سيحدث لنتجرأ ونطلب منها هذا. ولكن قبل ان نفعلها علينا أن نخرج صدقاتنا ونستسمح الاهل والاحباب والأعداء بحقنا"
اجابته بضحكه خافته
"نعم علينا فعل ذلك قبل ان تفقد المرأة عقلها وتنهيك أنت وسلمى بلحظة واحدة"
صمت لتكمل هي
"أشعر بالذنب حيالها، هي تستحق حياة مستقرة خاصة بها، لم أنسى احتضانها ورعايتها لي ورغم غيرتها الا انها كانت خير حافز وسند ، اريد ان انهي هذا الوضع قبل ان تنجب طفلتها، اريد ان اراها سعيدة بمملكتها..."
قاطعها بقلب تخبط بمشاعره المختلطة
"لا أستطيع فعلها، لا استطيع وخاصة أنني .. أنني سأقلق عليكِ وينشغل بالي بك ماذا فعلتي أين أصبحتِ وكيف.."
تحدثت بنبرة محبة
"ستبقى هكذا دائما، سند ودعم وحائط صلب قوي احتمي به من تقلبات الزمان، يمكنك الاتصال والاطمئنان عليّ وقتما شئت حتى يمكنك محاسبتي *والغضب *عليٌ دون وجه حق كلما تأخرت بالرد على اتصالاتك "
ابتسم وجهه
"ولكنك تستحقينها. لماذا لم تجيبي على الفور"
حاولت إخفاء ضحكتها وهي تجيبه
"كي استمتع بغضبك . ادمنته يا هذا أصبح كالكافيين اليومي لا يعتدل مزاجي الا بعد جرعة غضب قوية منك، حتى بيوم قلت لنفسي من الجيد انني بعيده عنه وإلا كان سحب هاتفي مني عقابا على تأخري بالرد"
_"أنه ذنبي اعلم انني من فجر بوجهك الانفصال كلما غضبت من اهمالك لي، ولكني لم انوي عليه اطلاقا، حسنا طلبته أيضا رشيدة حتى انها اخبرتني باتصالها بكِ وطلبه منك ،تحاول ان تضغط علينا من اجل طفلتها ولكني لم اقبل بذلك حتى وان اعطيتها انتِ الحق به، لم استطع الانفصال عنك فبالوقت الذي أفقد عقلي لعدم ردك على اتصالاتي تأتي انتِ وتطلبين الانفصال، بأحلامك لن تحصلي عليه"
فرحت حتى ظهرت نواجذها ليكمل خليل حديثه هو يضع يده على معدته الفارغة وقال
"هل يمكنك مشاركتي طعام العشاء ام العمل..."
اسرعت بموافقتها التي عبرت عنها براسها قبل صوتها
"وانا أيضا لم اتناول طعامي منذ صباح يوم امس، هيا لاضايفك بمطعم المشفى"
امسك العكاز و وقف من على مقعده لتقف هي أيضا أمامه مستمعه لسؤاله
"ألا يمكننا الخروج من محيط وأجواء المشفى!، تسائلت وعلمت بوجود مطعم جيد بضواحي دبي ما رأيك ان اجربه برفقتك!. طبعا ان كان عملك لا يسمح بالخروج والابتعاد عن المشفى لن أعارضك يكفي ان نتشارك طعامنا"
علقت عينيها على عينيه الحنونة المحبة لعدة ثواني كلاهما يتأملا ببعضهما البعض وكأن كل منهما اكتشف شيء جديد يحاول معرفته وفهمه.
طرق باب الغرفة ليتحركا بوجهتهما نحوه، تحدثت طبيبة شابة
"صباح الخير يا سلمى جئت لأطمئن عليكِ، من الواضح أنكِ مشغولة الان سآتي إليك بوقت لاحق"
حدثتها بسرعة
"انتظري كنت أتيه إليكِ".
تحركت سلمى وهي تُحدث زوجها
"سأذهب لأرى الوضع بالخارج وأعود إليك لنقرر هل نتناول طعامنا بالخارج ام نبقى بالمشفى، لن أتأخر لا تقلق"
خرجت مغلقة الباب تاركه خليل خلفها بحالة من الذهول والاستغراب، فهي من النادر ان تضحك وتتحدث معه بهذه الراحة والطلاقة بل ولأول مرّة تلقي بنفسها في حضنه مرتين متتاليتين بنفس اللقاء، ابتسم وجهه حين شعر برأسها المستندة على صدره اغمض عينيه واضعًا يده مكان موطأ رأسها بداخله وهو يتنفس الصعداء.
من يراه يعتقد انه انتقل لجنة مليئة بالبساتين المملؤة بزهور الياسمين والروائح العطرة التي تفوح منها داخلها.
جلس على المقعد بوجهه البهي شاردًا بضحكها وقولها "من الجيد انك بحياتي"
اسرعت سلمى بإنهاء امورها المتعلقة بمسؤوليتها وطلبها اجازة إضافية عائدة لغرفتها على عجل وسرعه كبيرة تنظر لهاتفها كي ترسل عدة رسائل مهمة لزملائها
نادتها دكتورة سناء بصوت مرتفع خرج من الغرفة المجاورة لسيرها
" إجازة ممتعة يا دكتورة"
استدارت قبلتها وهي تحدثها
" اصبح الامر لكم من بعد الان، ان احتجتم لشيء يمكنكم الاستعانة بدكتور فارس "
وفور اعتدالها بسيرها تفاجأت باصطدامها بشخصًا ما ، رفعت يدها ممسكة به كي لا تسقط اتسعت عيونه حين رأى عينيها ابتعدت عنه بسرعة كي تأخذ الورقة من الأرض مستمعة إلى اعتذاره وهو ينحني مستند بركبتيه ارضًا كي يأخذ هاتفه من اسفل المقاعد الحديدية
"اعتذر منك لم انتبه…"
سمع صوتها وهي تقول له
"لا عليك انا أيضا لم انتبه"
شعر وكأنه رأى و سمع الصوت من قبل استدار ليبحث عنها ولم يجدها ، ابتلع ريقه قائلا
"هل كانت هي؟ نفس العينين البراقة ولكن هذه المرة كانت باللون الأزرق فقط"
اقترب زبير منه متحدثًا باللغة العربية الفصحى دون التمكن منها
"ماذا تفعل عندك جعلتني احجز المصعد ومن ثم تأخرت عليّ"
دار تيّم بعينيه حوله باحثّا عنها دون ان يجدها رفع نظره نحو صديقه زبير وقال
"هل رأيت فتاة ترتدي ملابس بلون درجات القهوة"
غمز زبير "فتاة !"
غضب تيّم حين نظر لشاشة هاتفه المهشم زجاجها "ذهب قبل أن نفرح به"
_" هل للفتاة يد في كسره"
هز تيّم رأسه
"لا اعرف هذا ما حدث حين اصطدمت بها ، كنت مشغول بالهاتف ولا اعرف كيف سقطت بين يدي"
ابتسم زبير مازحًا معه
"كثر عدم معرفتك بسقوطهم بين يديك"
صدمه تيّم بقوله
"إنها هي ،اتتذكر صاحبة العيون التي تشبه القطط ببريقها، هي نفس الفتاة حتى اكاد ان اجزم انها بنفس الملابس السابقة ،لقد رأيتها مجددًا ومن ثم اختفت وتبخرت"
تغيرت ملامح زبير
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، هل تسخر مني ام تتعمد اثارة غضبي، قلت لك انني لا احب المزاح بهذه الأمور"
صمت زبير عن التحدث معه ليبدأ قراءة المعوذات وآية الكرسي.
تحرك تيّم بجانب صديقه متوجهين نحو المصعد الكهربائي وكلا منهما يتلو القرآن وبعض التحصينات من الذكر في سره.
فُتح المصعد أمامهم دخلا وهما ينظران بصمت لبعضهما عبر المرآة بداخله ، استدارا لتصبح وجهتهما نحو الباب متفاجئين بقط ابيض يركض نحوهم ليدخل معهم المصعد، أسرعا بالاقتراب من الباب قبل اغلاقه اوتوماتيكيًا تحرك زبير واضعا يديه على طرفي الباب بينما تيّم أسرع بالانحناء والخروج من اسفله.
اقتربت سيدة تركض خلف قطها مستقلة المصعد لتحمل قطها قائلة له
"حزنت منك لماذا تركتني كنت ستؤذي نفسك"
تحدث زبير "هل تسمع وترى ما أراه"
حذره تيّم
"تمالك نفسك انهم حقيقيون"
سألتهم السيدة هل ستدخلون أم ستكمل هي نزولها وحدها.
رد زبير بسرعه خوفه
"تفضلي انتِ نحن باقون إلى أجل غير معلوم"
اغلق المصعد ليأخذ تيّم نفس عميق أخرجه بقهقهة ضحكاته على حالتهم، ورغم غضب زبير منه إلا أنه لم يستطع منع نفسه عن الضحك وخاصة عندما قال تيّم بصوت ضاحك
"اعتقدت انها الفتاة المتحورة"
رد زبير وهو يهتز من ضحكه
"اقسم انني كنت سأسقط مغشيًا عليّ ولكني تمالكت نفسي من شدة *رعبي *"
زاد ضحكهم
"الحمدلله لم يسمع أحد صوتنا "
_"بل أحمده انه لم يرى احد تعلقي على اكتافك وأنت تخرج هاربًا من تحت يداي"
حَسّنَ تيّم من وضع ملابسه وهو ينظر حوله
"حسنًا علينا ان نصمت كي لا نطرد بأول أيام عملنا"
استقام زبير وهو يجيب على صديق
"سيحدث قريبًا لا تقلق من هذه الجهة"
………..
لكم مني كل الحب والتقدير جزاكم الله خير الجزاء على حبكم و تفاعلكم ودعمكم الدائم
والله اني احبكم في الله ❤️😘
يتبع ..
إلى حين نشر فصل جديد ، لا تنسوا قراءة الروايات والقصص المنشورة منها الكاملة ومنها وقيد النشر حصرية لمدونتنا.
منها "رواية حياتي"
رواية جديدة قيد النشر من ضمن سلسلة روايات الكاتبة أمل محمد الكاشف ..