رواية صرخة أنثى
بقلم : أمل محمد الكاشف
{من روائع قصص أحكي يا شهرزاد }
رومانسي خيالي •• قصيرة
لا تنسوا الصلاة على الحبيب المصطفى ﷺ اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا وسيدنا وقائدنا وقدوتنا محمد ﷺ وعلى آله وصحبه أجمعين والدعاء لأهلنا في أرض . العزة. اشتد .البلاء. والابتلاء. عليهم وليس .لها .من .دون. الله .كاشفة .
...........
ابتسمت شهرزاد بمجرد رؤيتها للفستان الملكي ناظرة لزهير بحيرة واستغراب وكأنها أرادت رؤية وجه اخر غير المعتادة عليه.
تحدثت بصوت انبهارها:
" انا لم اري مثله حتى بخيالي وأحلامي كيف نجحت بتجهيزه في غضون ساعات".
امتنع عن الرد امام نظرات الامتنان التي كانت تشع من عينيها، ابتعد عنهم وهو يأمرها ان تتجهز بسرعة وعناية لتكون أمام باب الجناح الملكي قبل الموعد المحدد لها.
نادته بعد ابتعاده ليستدير ناظرا لها مستمعا لحديثها النابع من أنثى يظل بقلبها قسم ضعيف مهما تظاهرت بالقوة والشجاعة لا يمكنها اخفائه: " شكرا لك".
اسرع بإجابته عليها قبل تأثره بصوتها:
" فرحت لأعجابك وسعادتك به حتى لا يبقى ذنبك بحلقي بعد ان اقبرك بيدي".
سألته بحزن:
" وماذا عن النسوة اللواتي اقبرتهم ظلمًا وقهرًا".
تركها خارجًا من الحرملك دون أي رد ، تجهزت فرحة بالفستان الرائع متخوفة مما ينتظرها بأي لحظة تخرج الأمور عن نسقها وينقلب السحر عليها كاتبا نهاية حلم صعب المنال.
حلفتها دعوات والديها وكل أهالي المملكة لتحظى بانبهار السلطان بجمالها مسحورًا بصوتها وإلقائها مسرعا في طلبه ببدأ سردها للحكاية.
لتبدأ شهرزاد بسرد أحداث قصتها بعد جلوسها بجانب السلطان على الفراش الملكي قائلة " بلغني أيها الملك السعيد ذو القلب الرحيم والعقل الحكيم والوجه الوسيم أن الحقائق كانت صعبة على قلب الأمير توران الذي صُدم بالحقائق التي سمعها من سالار، دار بالمكان وهو يفكر بوجه غاضب وعقل يرغب بتدمير كل شيء لإعادة الأميرة المخطوفة .
تحدث سالار باشا قائد الجيش من جديد قائلا:
" إن كانت المرأة صادقة فيما قالته فمن المؤكد أن الأميرة المخطوفة قريبة منا أكثر مما نتوقعه . وهذا سيجعلنا نهتم بالبحث في دائرتنا .. وإن كان غير صحيح فستكون المرأة من محض تدبير وتخطيط سوفالي لتشتيت أفكارنا، و لكن في كل الأحوال علينا أن نأخذ ما قالته بمحض الإهتمام بجانب استمرارنا في البحث بكل مكان".
أومأ الأمير رأسه بضيق تحدث به:
"سأترك الأمر إليك على أن تكون حذرًا لا اريد اي خطأ يمحي أثر اميرتنا . علينا أن نصل لها ونؤمن حياتها دون علمهم بنجاحنا في معرفتها".
رد سالار بجدية قائلا:
" أمرك مولاي لا تقلق سأكون حذر و سنجد أميرتنا بأقرب وقت ، والان استأذن من حضرتكم كي ابدأ عملي".
……..
زاد غضب ليونة وهي تدور بغرفتها غاضبة على الرجل القوي الذي حبسها بالقصر دون أن يعود إليها حتى الآن ، تحركت لتطرق على باب غرفتها من جديد طالبة مقابلة سمو الأمير ليأتيها جوابها هذه المرة:
" تفضلي معنا مولاي الامير في انتظارك ".
التقطت أنفاسها قائلة:
" وأخيرا".
تحركت إلى خارج الغرفة بعد ان فتحوا أبوابها أمامها سامحين لها بالخروج منها و الذهاب فقط للغرفة الملكية.
دخلت بقوة وغضب مستمعة لصوت الحارس وهو يحدثها من الخلف قائلا:
"اخفضي رأسك اجلالاً و تقديرا لمولاي الأمير".
اخفضت رأسها وهي تحني قامتها لتبدي فروض الطاعة والولاء لمولاها الأمير الذي أشار للحراس كي يتركوهم وحدهم.
وقفت ليونة صامتة تنتظر بدء تحدثه أولا للتأكد من شخصه خوفا ان يكون سمو الأمير حقا.
تحدث توران باستغراب:
" ما بكِ لماذا أنتِ صامتة".
دققت بملامح وجهه متفحصه حقيقة وضعه ليكمل توران مبتسما:
" نعم هذا انا لا تخافي ".
انفجرت بوجهه غاضبة عليه و على أسره لها في الغرفة مستمتعا بليلته أمس مع جاريته الجميلة.
أجابها بوجه مبتسم زاد من غضبها:
" ماذا عليّ أن أفعل ، هل كنتِ تنتظرين مني تركك لتعودي لذلك الظالم ليعذبك من جديد".
ردت عليه بقوة وغضب قائلا:
" و ما دخلك بي انه عمي عائلتي و كل ما أملك بهذه الحياة ".
رد توران بغضب:
" هل لا زلتي تصرين على أنه عمك وعائلتك وأنكِ تعيشين معه بسلام و أمان ".
ردت بخوف و ذعر بدى على وجهها:
" لا أود أذيته فرغم كل شيء يفعله إلا أنه الوحيد الذي آواني بعد وفاة أبي ورعاني واهتم بي ".
اقترب منها وهو يروي عليها قصتها:
" توفي والديكِ منذ سبع سنوات على أثر مرض عضال لا علاج له ضرب بلادكم و كنتِ أنتِ وعمك الناجين من عائلتك".
استغربت لمعرفته كل هذه المعلومات عنها متسائلة:
" و من أين لك معرفة هذا .. أنا لم أتحدث معك بأي شيء ولا أحد في المدينة يعلم ذلك".
أكمل و هو لا زال يقترب منها بعيون قويه تنظر داخل اعينها بعمق قائلا:
" أشتد الوباء ليشتد معه الفقر ، توالت الخسارة ليقرر عمك بيع جميع ما يملك وما لا يملكه أخذ أمواله واموال شركاءه هاربا لبلدتنا البعيدة كي لا يصل له أحدا و يطالبه بحقه ".
اتسعت عينيها من صدمتها وفضح حقيقة عمها أمامه ، بادرت بدفاعها عن وعمها لولا اقترابه منها قائلا بقوة:
"اسمعك هيا تحدثي اسمعك جيدا".
ابتلعت ريقها بوجهها المشع بحرارتها المرتفعة وعيونها المتسعة الناظرة لوجهه الذي لا زال يقترب منها رويدا رويدا، تراجعت بصعوبة خطوتين على الأكثر ناظرة لعيونه وهو يتحدث من جديد:
" ماذا حدث بلسانك ".
ردت بخوف بدا في عينيها:
" اخشى ان يتعرض عمي للأذى بسببي ، لقد سامحته بحقي كي لا تكون اذيته ثمناً لرعايته لي، رجاءً اترك سراحي قبل أن يعود الأمير و سأنسى ما حدث وما علمت به وأنت كذلك ستنسى أمري بشكل كلي ".
ابتعد عنها و هو يفكر و يفكر يعطيها الحق تارة فليس جزاء الاحسان إلا الاحسان و يعود ليضع الحق عليها بأن رعايته لها لم تكن بالإحسان بل كانت بالاهانة و العنف ، ادهشته بطيبتها و صفاء قلبها بل واختلاقها الأعذار لمن آذاها قائلة:
" ليس بيده لقد أصبح بهذا السوء بعد ان فقد ابنه وزوجته ".
أظهر تعاطفه معها وهو يجيبها قائلا:
" هذا يعني ان عملنا معكِ صعب ، علينا ان نجد حلاً دون اذيته لكِ فأنا لا اسمح بتكرار ظلمه وتجبره عليكِ ، و ايضا علينا أن نحميه من اذيتنا التي أن طالته بالعدل لن تتركه ، و لكن اخبريني لنرى هل حقا صدقتي بأنني والامير توران شخصان مختلفان يتناوبان على هذا المقعد ".
وأشار للعرش الملكي.
اتسعت عينيها و هي ترد عليه:
" أنا لم أفهم هل أنت الأمير توران؟".
ازدادت دهشة أكثر مكملة:
" كنت تكذب عليّ ".
اجابها وهو يقترب منها مجددا قائلا:
" كيف صدقتي إمكانية اعتلاء غيري العرش لأي ظرف كان ، هل دولتنا ضعيفة بنظرك لهذا الحد ، أم أنكِ لا زلتي تصرين على الصورة التي رسمتيها و بنيتيها عن مولاكِ في عقلك".
و بسرعه وارتباك خفضت رأسها وهي تقول:
" أنا ، يعني ما قلته بجوف الليل كان نتاج ما كنت به من تعب وخوف ، يعني أنني لم أقصد ما قلته بحقك".
تحرك أمامها بإجلال وتفاخر قائلا:
" هل وجدتني كما وصفتيني".
نظرت للياقته البدنية و الرياضية وزيه الملكي الفاخر لتقول بلحظة شرود:
" ينفلق أمامك الحجر ما شاء الله " .
ضحك حتى داعبت ضحكته وجهها القريب منه قائلا:
" انا لم اسمعك جيدا كرري ما قلتي لأرى ما بداخلك".
خجلت منه و أصيبت برهبة المكان و المقابلة أكثر من الخجل نفسه الذي ردت به قائلة:
" السماح سموك ، أتيت لبلدتكم من قرابة تسعة أشهر ولم يصدف لي أن استمع لأخبار حضراتكم بشكل صحيح".
وقف أمامها و هو ينظر داخل عينيها، التي بدى عليها تعابير غير مفهومة وكأنها تسأله عن ما سيفعله حيال عمها.
تغيرت ملامحها وهي تترقب بخوف فرمانه الذي سمعت كثيرا عن شدته و عدم الرجوع به.
تحدث الأمير توران بقوة قائلا:
" لا عودة لكِ لهذا المنزل ، من الان و صاعد سيكون مكانكِ القصر".
اتسعت عينيها مجددًا حين حدث ما كانت تخشاه ، رفعت صوتها قليلا وهي تجيبه بحذر:
" لن اصبح من جواري و خادمي القصر ، رجاءً اعفو عنا ولن يتكرر ما حدث مرة أخرى، بالأصل هو لن يكررها بعد أن يعلم معرفتك حقيقته صدقني ، رجاءً اعفو عنا و اتركني حرة انا لا اتحمل العيش كالجواري".
ابتسم وجهه متسائلا:
" هل الجواري مظلومين لهذه الدرجة؟".
ردت ليونة بقوة امتلكتها من خوفها عيش حياة غير مرضية بالنسبة لها قائلة:
" نعم مظلومين أيًا كان ظلمهم بيدهم او مجبرين عليه، أيًا كان شعورهم بالرضا والسخط لما هم به، لقد خلقنا الله أحرارا لنسعى في الأرض دون قيود بشرية".
عقد يديه خلف ظهره مجيبا عليها:
" امممم و لكني اختلف معكِ بما تقولينه ، لن احاوركِ فيه الآن من المؤكد أننا سنتحدث مطولا به عندما يحين وقته، و الان لن ارغمك على عيش ما لا ترغبين به يكفيكِ ما مررتي به".
و تحرك من مكانه مبتعدا عنها و هو ينظر بعينه الثاقبة الثابتة نحو شرفة القصر ليسود الصمت عدة ثواني ، هذا الصمت الذي أراحها و اشعرها بقرب نجاتها وعودتها لمنزلها سالمة من القصر الذي سمعت عنه قصص كثيرة كالخيانة و الغدر والقتل والظلم لأجل الوصول للملك و الحكم.
قطع صمتهم بسؤاله الغريب:
" من المؤكد أنكِ تتحدثين لغتك الأم كما تتحدثين بطلاقة معي أليس كذلك".
ردت باستغراب من سؤاله:
" هل تقصد الروسية ام الفرنسية ام الفارسية؟".
ضحك وجهه من فرحته بها حتى بدت نواجذه و لمعت عينه الناظرة لها وهو يسألها:
" كيف جمعتي بينهم".
للحظة شعرت براحة داخلية جعلتها تنسى كونه الأمير متحدثه بطلاقة وهي تطلق سراح نظراتها تسبح بجمال الجناح الملكي راويه له عن حبها للتعلم والاطلاع على ثقافات البلدان المختلفة .
شردت أكثر أمام اهتمامه بالاستماع لها مقتربة من أريكة ملكية مرصعة بالأحجار الكريمة النادرة جلست عليها لتبدأ حديثها عن ذكريات الطفولة وذهابها مع والدتها للمدارس الصغيرة ببلدهم لتدريس اللغات المختلفة و تعليم البروتوكولات الخاصة بكل بلدة.
انشرح وجهها حين وصل حديثها لوالدها وحبه للاطلاع والتعلم وشراءه الصحف النادرة ليقرأها لها هي وأمها قبل خلودهم للنوم، رفعت نظرها تجاهه وهي تفصح عن رغبتها وحلم طفولتها في أن تصبح معلمة كأمها ولكن ما حدث بسبب الوباء الذي حصد أرواح عائلتها واحلامهم جعلها تابعة ومدينة لعمها الذي لا يحب العلم ولا التعلم رافضا فكرة عمل المرأة بأي مجال.
رد بحزن قائلا: " مؤسف لذلك".
اسرعت باستكمال حديثها:
" و لكني ادرس بالخفاء ، أتذكر دوما ما قالته لي أمي ' أن كان لديكِ هدف لا تفرطي بالسعي للوصول إليه وإن كان صعب المنال فربما يأتي يوم يتحقق حلمك حين يرى الله صدق إرادتك ومرادك".
أنهت حديثها و هي تنظر ليديه المتشابكة خلف ظهره و نظراته المهتمة بالإنصات لها ، وقفت بعد ان انتبهت لجلوسها أمامه دون إذن لتنحني قليلا للامام معتذرة على ما اقترفته دون عمد ، أومأ رأسه و هو يقول:
" معلمة إذًا ، كان هذا ما ينقصنا و اكتمل الآن ، منذ هذه اللحظة اعينك معلمة لأبنائي في القصر، أريدهم أن يجيدوا لغات العالم المختلفة بجانب معرفتهم اخبار البلدان المجاورة، عملك ليس بصعب فستجدين بهم نواة جيدة وحب استطلاع كبير زرعه ابي بنا جميعا، و بالطبع بجانب ما تعلموه ولا زالوا يتعلمونه بالمدارس الملكية".
سألته رغم فرحتها بتحقيق حلمها :
" بما ان لديهم معلمين يدرسونهم كل جديد فلماذا اخترتني لهذه المهمة، انا لا اقبل ان احقق حلمي على قطع أرزاق الغير لا داعي لهذا فمن المؤكد ان عمي سيرفض عملي".
تحرك و جلس على الكرسي الملكي وهو ينادي بصوته القوي الاجش على الحراس مصدرًا فرمانًا صارمًا بتعيين ليونة معلمة جديدة بالبلاط الملكي واخبار عمها بهذا القرار الذي لا رجعة به و بناء على هذا القرار سيتم تخصيص غرفة خاصة للمعلمة الجديدة أثناء إقامتها الدائمة بالقصر مع السماح لها بالذهاب والاياب وقتما شاءت ، يتم تنفيذ القرار من وقتنا هذا و أي اعتراض عليه يتم محاسبة المعترض بالحبس المؤبد".
لم تستطع مراجعته او مقاطعته فصوته و قوته جعلتها تعود لرهبتها وخوفها الذي تملكها بأول قدومها.
خرج الحارس مغلق الأبواب من جديد ذاهباً لتنفيذ واعلام ما امر به الأمير توران الذي شدد على ليونة ان لا تخبر أحد على لقاءهم الأول بمنزلهم كي لا يفضح سر خروجه ليلا لتقصي حال الرعايا.
ردت عليه قائلة:
" ليظل عهد بيننا انا لن اخبر أحدا بهذا. و لكن لا دخل لي ان افشت ضي القمر سرك".
ضحك و هو يخبرها أنها لم تراه و لم تعلم حقيقة وضعه لتصبح هي فقط من يحمل هذا السر بعد كبير قادة الجيش الملكي.
لم تصدق ما تسمعه و تراه فهو يتحدث معها بكل اريحية و فرح كأنهم أصدقاء او كأنهم على صلة ببعضهم من سنوات، هذه الراحة وهذا الشعور جعل منها شخص متصالح مع نفسه لأول مرة منذ سنوات. .
فرحت بغرفتها الجديدة بالقصر الملكي وتحقيق حلمها بالعمل التربوي ، كما تفاخر عمها بها امام المحيطين به وبدأ استغلال قربها من الأمير لإرهاب الناس فكان يكفي أن يخبرهم انه على صلة كبيرة بالقصر الملكي كي يتقبلوا ظلمه لهم.
فرحت ضي القمر بخبر عمل ليونة بالقصر شاكره الاميرة سيدا على توسطها وإنقاذ مظلوم.
مرت عدة ليالي سعدت ليونة بتعليم أبناء الأمير اللغات المختلفة ، حتى جاءت ليلة تفاجأت بدخول عدد من الوصيفات لغرفتها وهم يحملون الزينة و الحلي و كؤوس كبيرة مملؤة بالعطور الزهرية ، وقفت تنظر لانتشار الوصيفات في غرفتها متسائلة:
" لمن كل هذا ؟ انا لستُ بحاجة إليهم".
أقترب كبير مسؤولي الجواري ليقول لها :
" تهانينا لكِ لقد وقع الاختيار عليكِ، هذه الليلة ستكونين أنتِ أميرة الجناح الملكي للأمير توران".
اتسعت عيناها رافضة ما يقوله وهي تردد:
" أنا لست جارية ، انا معلمة ، لا أقبل بما تقول، اتنازل عنها لغيري من الجواري".
غضب كبير مسؤولي الجواري منها قائلا بصوت قوي:
" هل ترفضين ما يتمناه غيرك ، ألم تعلمي أن هناك من يعيش عمره كله حالمًا بهذه الترقية".
ردت عليه بغضب وضيق:
" و لكني لا اريد، اذهب إليه وأخبره أنني لا أريد مرافقته الليلة".
نظر كبير مسؤولي الجواري للوصيفات امرًا إياهم :
" افعلوا ما عليكم فعله اهتموا بها كثيرا حتى يتعذر على سموه التعرف عليها من أول نظرة".
لا زالت تصرخ رافضة الاستسلام لهم متوعدة له.
…..
كانت ضي القمر قد اكتفت بتلك النظرات التي تختلسها ليلا من خلف ستائر نافذتها و صباحا في طرقات القصر حين تقف بأحد زواياه بترقب وتخفي منتظرة ابتعاده ليهدأ قلبها وتستطيع إكمال سيرها دون ارتباك ، لم تتقصى عنه و لم ترد منه المزيد مكتفية بشعور الأمان الذي تشعر به عند رؤيتها له.
نجحت من جديد بالتخفي وراء عمود كبير كي تحد من مواجهته بسيرها أمامه في نفس الطريق، ظلت تراقب سيره حتى خرج سالار من حرم القصر لتخرج هي من زاويتها الضيقة مكملة سيرها بفرحة كبيرة.
نظرت للحارس لتجده يضحك على حالتها خجلت من نفسها مسرعة في دخولها القصر وهي تحدث نفسها:
" ما دخله هو ، الله الله ، وقفنا خلف العمود لنستمتع بأشعة الشمس ما المضحك في ذلك ".
وصلت إلى غرفة الأميرة سيدا طرقت الباب ودخلت منحنية قليلا للأمام فارضة تحية الولاء والاحترام لمولاتها .
فرحت الأميرة سيدا بوصول ضي القمر، سحبتها من يدها لتريها رسمتها الجديدة ، صدمت حين رأت نفسها خلف العمود ، نظرت لأميرتها بحزن قائلة: " حتى أنتِ ! هل اصبحتي تسخرين مني!".
ردت سيدا مدافعة عن رسمتها:
" وما السخرية توقعت اعجبك بها" .
نظرت ضي القمر مرة أخرى داخل الرسمة لذلك الشاب الوسيم الذي كان يسير و من خلفه الحرس.
أشارت ضي القمر بسبابتها نحو الحارس وهي تقول له بغضب:
" لا تنظر هكذا".
ابتسمت سيدا من حالتها قائلة:
" هل الحب جميل لهذه الدرجة".
شردت ضي القمر بكلمات اميرتها التي تصغرها خمس سنوات في العمر وتكبرها بالعقل عشرين قائلة:
" لا زالتِ صغيرة على هذا الحديث".
اسرعت سيدا بجوابها قائلة:
" اربعة عشر عامًا لا يعتبر صغرا ، يتزوجون الأمراء والأميرات بهذا العمر ".
ردت ضي القمر عليها:
" ولكن جدك السلطان سليمان و السلطانة اوسيم رافضين لهذه العادات مصرين على تغييرها ".
ابتسمت سيدا قائلة :
" ولماذا لم تتغير على أبي ".
حزنت ضي القمر وهي تجيبها قائلة:
" أنت تعلمين أنهم فكروا في تغييرها بعد وفاة أمك اثناء ولادتك لصغر سنها وعدم تحملها ألم المخاض والولادة بجانب تكرار نفس الحوادث مع من سبقوها وكانوا أصغر منها سنا وحجما".
ردت سيدا بضيق:
" لنغلق هذا النقاش، ما رأيك في الخروج للحديقة كي نجلس بها ونحن نقرأ القصص الجميلة".
وافقتها ضي القمر وتحركت لتختار بعض القصص ليقرأوها هناك، ضحكت الأميرة سيدا وهي تخرج من غرفتها معقبة على حالة وصيفتها :
" من المؤكد خروجه من القصر ما دمتي وافقتي بهذه السرعة دون تفكير بالبدائل".
ابتسمت ضي القمر و هي تخرج بجانب أميرتها و صديقتها المحببة المقربة لها.
لم يخطر في مخيلتها مطلقا رؤيته أمامها بالممر، وبدون أن تنتبه لحالتها سحبت اميرتها و تحركت بها جانبا لتختبئ بإحدى الزاوية كي لا يراها.
استغربت سيدا من حالتها أخرجت رأسها لتنظر جهة سالار باشا و هو قادم من اول الممر مبتسمة بخبث قائلة:
" لنستمتع قليلا مع قائد الجيش الملكي".
ازدادت ضربات قلب ضي القمر وهي تقول بدهشة :
" كيف تستمتعين معه، وأيضا هل هو قائد الجيش الملكي ".
أومأت الأميرة سيدا رأسها وهي تنظر بخبث و مكر ظهر بعينها التي راقبت لحظة اقتراب سالار باشا قائلة بصوت لم يخرج منها: " هيا بنا بسم الله ".
تحركت بسرعة ملقية بصديقتها ضي القمر جهة الممر ، لم تستطع التحكم في ثباتها و وقوفها من المفأجاة
احكم سالار قبضة يده الممسكة بها خوفا من سقوطها أرضا.
علقت عينيهم ببعضها تعرف عليها مبتسما ابتسامة غطت وجنتيه حتى برزت غمازاته قائلا:
" أنتِ مجددا".
تحركت لتبتعد عنه وهي تحسن من فستانها بتوتر وأعين مخفضة ، اقترب منها خطوة واحدة متحدثا بعدها قائلا:
" لن أتركك هذه المرة حتى اخذ جوابي منكِ ، من أنتِ ؟، هل تعملين بالقصر؟".
تسمرت بمكانها حتى تبقى القليل على بكائها من شدة خجلها وتوترها وعدم استطاعتها رفع نظرها به.
ليسألها متعجبا من حالتها:
" سيدتي ، ما بكِ ، ارفعي اعينك وانظري لي. لماذا تصمتين ".
خرجت الأميرة سيدا من مخبئها بعد ان أشفقت عليها ، أسرع سالار باشا بالانحناء لها:
" مولاتي الاميرة أهلا بك ".
أومأت سيدة رأسها له و هي تشكره ثم نظرت لضي القمر قائلة:
" هل تأخرت عليكِ اعتذر منكِ اندمجت بقراءة قصتي المفضلة ولم انتبه على عدم وجودك بجانبي ".
رفعت ضي القمر نظرها على الأميرة بضيق فهي من اوقعتها بين يديه، تحدثت الاميرة مجددا لتُعرف قائد الجيش على وصيفتها وصديقتها وهي تخصها بأجمل الكلمات تتغزل بجمالها تارة و صفاتها تارة و ومواهبها تارة اخرى حتى كادت ضي القمر أن تسقط بمكانها أمام نظراته الباسمة و تحياته لها.
…
تم تجهيز ليونة على أكمل وجه لتصبح شبيهة الأميرات حقا. تحركت لتسير باتجاه غرفة الجناح الملكي وسط الوصيفات ليستلمها منهم كبيرهم السيد سالم مكملاً سيره وهو يوصيها و يعلمها كيف تتحدث و تطيع و تسعد الأمير بما يحبه ويرضيه وتجنب ما لا يحبه و يزعجه .
استغرب السيد سالم من هدوئها و طاعتها بعد رفضها و تذمرها لهم طوال اليوم اوقفها ليحذرها ويخيفها بالقوانين التي تطبق على من يحدث أي ردة فعل معاكسة بالداخل . .
فُتحت ابواب الغرفة امامها لتدخل بهدوء منتظرة بقائهم وحدهم ، ابتسم وجه الأمير توران فرحا برؤيتها بهذا الجمال حين رفعت ما كان يستر رأسها و وجهها بغضب و عنف قائلة:
" انا لست جارية لديك ، أنت وعدتني ، كيف لك ان تتراجع بوعدك لي ، ألم تصدر فرمانا بتعييني معلمة لابنائك".
رد توران وهو يحاول إخفاء ضحكته:
" جارية أم معلمة لا فرق بينكما ما دمتم بقصري و تحت رعايتي".
ردت بغضبها قائلة:
" لا . هناك فرق وفرق كبير أيضا . انا جئت إلى هنا لأعلم ابناءك و ليس لإدخال الفرحة و السرور على قلبك سموك".
تقدم نحوها بخطوات بطيئة تراجعت هي أمامهم للوراء حتى صدمت ظهرها بالحائط الخلفي ، استمر بتقدمه مقتربا أكثر منها مما زاد توترها متحركة جانبا كي تهرب منه مد يديه ليعيق هروبها وهو يحاصرها بينهم قائلا بصوت يملئه المشاعر: " هل انا بنظرك شخص سيء لدرجة تجعلك ترفضيني ".
نظرت لعيونه القريبة و لصوته الذي اعتادت عليه بالآونة الأخيرة دون رد ، سألها مرة أخرى:
" أن أردتي العودة لغرفتك او حتى العودة لمنزلك لن امنعك يكفي أن لا اراكِ بهذا الشكل".
وضعت يدها على شعرها ناظرة إلى فستانها:
" ما به شكلي هل سيء . أم انه لا يشبه الجواري الجميلات اللواتي يؤنسن لياليك".
_" من قال ذلك".
خرجت كلماته بنبرة تعجبيه مال عليها بعدهم مقتربا من أذنها ليهمس بها قائلا:
" أنا لم أرى قمرًا سيئًا من قبل ، و لكني رأيته اليوم غاضبًا متوترًا رافضًا لـ.. ".
صمت عائدا للوراء مستقيمًا بوقفته ناظرا لها عدة ثواني دون كلام.
همت لتتحدث مبررة عدم رفضها لشخصه بل ترفض الفكرة بشكل عام دون ان تفعل حين بادر هو بسؤاله لها :
" هل رأيتي أنتِ قمرًا سيئًا من قبل".
لم تجيبه ظلت تنظر له صامته ليكمل هو مجددا:
"هيا أنتظر جوابك هل رأيتي قمرًا سيئا من قبل".
ابتسم منحني عليها ليهمس بأذنها:
" أزداد القمر جمالا بحمرة خجله التي اعتلت وجنتيه و أنفاسه المحتبسة من ارتباكه وتوتره".
ابتعد بعدها عنها متجها لكرسيه الملكي كي تهدئ من روعها وتتمكن من اخراج انفاسها .
وبالفعل أخذت نفسا عميقا اخرجته على الفور وهي تتحرك خلفه رافعه فستانها الطويل المنفوخ ليسهل سيرها حتى أصبحت بجانب عرشه الملكي تحدثه بغضب:
" أنا لست جارية من جواريك، انا هنا كوني معلمة فقط، أنت وعدتني بهذا ، لا اقبل بغير ذلك، انظر لحالتي كيف أصبحت ".
لم تكمل آخر كلماتها حتى تفاجأت بوقوفه واقترابه ممسكها بقوة ليدخلها بين ذراعيه مغلق وهو يحاوط خصرها .
اتسعت عينيها واحمر وجهها اكثر كما توقفت أنفاسها ناظره لوجهه ، ليكمل حديثه وهو غارق بعيونها و جمال فستانها الذي زينت به قائلا :
" أصبحتِ جميلة لن أعتذر منكِ فالحق يقال سلمت يداهم على ما فعلوه" .
حاولت التحرر من قبضته دون أن تنجح ، أخرجت نفسها لتخرج صوتها بعده مدافعة عن نفسها:
" فهمتني بشكل خاطئ. أنا لم أسأل عن هذا فمن المؤكد انك ترى ما يشابهه وأكثر كل ليلة ، ولكني أتساءل عن حالتي و اخباري أنه تم اختياري لأكون ... لأكون".
رفع حاجبيه متسائلا:
" لتكوني ماذا ؟".
خجلت من نظراته الغامزة وابتسامته، قرب رأسه من رأسها و هي لا زالت بين ذراعيه الذين أبوا أن يتركوها قائلا:
" معلمة ؟ ، هل تريدين أن تخبريني لتكوني معلمة".
أومأت برأسها و هي تنظر لعيونه الساحرة القريبة من عيونها اللامعة ليسود الصمت و يسود و يسود و هما بهذه الحالة وكأن بين اعينهم جذب مغناطيسي ساحر يرغمهم و يجبرهم على الثبات و الصمت وهما مبحرين بعالمهم الجديد.
علا صدرها و انخفض حين استعادت أنفاسها لتكون هي أول من يقطع الصمت: " نعم معلمة",
حررها من بين ذراعيه لتتحرك بخطوات سريعة غير مدروسة للوراء متعثرة بطول الفستان ساقطه بين يديه حين انحنى ممسك بها غارقا بعيونها مجددا.
بلغني أيها الملك السعيد ذو القلب الرحيم سقوط الأمير توران بغرام صاحبة هذه العيون الجميلة التي لم يستطع رفع عيونه عنها أخفض رأسه وهو يقترب بقوة جذب هذا الشعاع المنبثق من عينيها ليؤثره بها وهي ساقطة بين يديه.
تحدث السلطان شهريار قائلا:
" هو لا يعلم حجم الخطأ الكارثي الذي يرتكبه بحق نفسه ومملكته، كان عليه ان يحذر ويبتعد عنها كي لا يسقط وتعمى عينيه ومن ثم لم يجد نفسه إلا وهو مغدورا به".
أكملت شهرزاد بحذر وإصرار على النجاح بالمعركة بجعل أحداث حكايتها هي من تجيب عليه قائلة:
" كانت ليونة مختلفة عمن سبقها ، رفضت اقتراب الأمير ورغبته في تقبيلها بهذه اللحظة المفعمة بالمشاعر والأحاسيس الحقيقية رافعه طرف فستانها من اسفل حذائها مبتعدة عنه وهي تُعدل من وضع الحلي التي زينت بها شعرها.
استقام بشموخ وعيون باسمة تنظر لفستانها بغزل ظهر على نبرة حديثه:
" لا تخافي وعدتك أن لا أرغمكِ على شيء، لقد استدعيتك الليلة كي نبدأ دروس اللغة الخاصة بي، هل أنتِ مستعدة لهذا".
إجابته مندهشة مما قال:
" دروس لغة ؟ و لمن؟".
رفع يده و أشار لنفسه بشموخ و حاجبين مرفوعين ، لتكمل هي اسئلتها المتوالية:
" هل تم تجهيزي بهذا الشكل لأجل ان اعطيك دروس في اللغة ".
أومأ رأسه مجيبًا عليها :
" ان لم يكن لديك مانع".
" انتظر. هل انت جاد ؟، و أن كنت جاد ما الداعي لكل ما فعلوه بي لقد قضي عليَّ لساعات وهم يجهزوني ".
و بوجهه الضحوك اجابها من جديد:
" تقولين لا أريد أن أضيع مجهودهم بالتدريس و لنفعل شيء أفضل منه ".
ردت بسرعة نافية لما فهم: " لاااااا ".
سقطت وردة شعرها الفضية من سرعة تحرك رأسها بالرد.
أمسكت بها قبل وقوعها بالأرض مكملة: " لا يوجد أهم من العلم والتعلم ، فلنفعل، أعني فلندرس و لما لا حتى يعلم الجميع أنني معلمة و جئت لأجل التدريس وليس لأجل ".
غمز لها متسائلا:
" من أجل ماذا ؟".
لم ينتظر ردها فيكفيها هذا القدر من ضغطه عليها ، تحرك ليجلس على مكتبه الكبير وهو يكمل:
" هل نبدأ دروسنا؟".
اقتربت وهي تنزع الورود و ما أشبه التاج من شعرها تضعهم اعلى المكتب واحده تلو الأخرى محررة شعرها بعدها أخذه نفسًا عميقًا متحدثة بعد ان أخرجته:
" آلمني رأسي من حملهم ، كان الله بعون فتيات القصر من الواضح إن عملهم صعب".
ابتسم لها بحب دون أن يرد عليها مد يده و اعطاها كتابًا كبيرًا أخذته منه وهي تقرأ عنوانه:
" كنز المعرفة ".
رد توران عليها قائلا:
" علمت انهم كتبوا عنا بهذا الكتاب، و خاصة بالفصل الأخير، هل تقرئين لي ما كُتب".
ردت و هي تنظر داخل الكتاب لتلقي نظرة على آخر فصوله قائلة:
" اممم فلنفتح على الفصل الأخير أولا .. ها هو نعم كتب عنك بعنوان. بعنوان".
نظرت له ثم نظرت للعنوان دون كلام ، تحدث هو قائلا:
" الملك المغرور يدير ما لا يملك، قلاع خاوية لا قوة و لا أساس و منهج".
رفعت نظرها له باندهاش ، ليكمل:
" نعم أعلم بعض الكلمات و أستطيع الترجمة بشكل جزئي و لكن المقال كبير و به خفايا وخبايا أريد مساعدة شخص امين بترجمتها لي دون خوف او اطراء زائف ".
نظرت لما سُطر بالمقال عنه بتردد من انزعاجه ، أعطاها الأمان مؤكدًا عليها رغبته في معرفة أصغر تفاصيل الترجمة الحرفية. لانه مهم جدا بالنسبة له و خاصة أن عدوه له يد كبيرة وحماية للكتاب و صاحبه.
بدأت بقراءتها مترجمه للأمير ما كتب عنه ، ظل يسألها عن بعض الكلمات و كيفية قراءتها وكتابتها ، اقتربت منه لتكتب أمام عينيه و تجعله يكتب ما كتبته و من بعدها تقرأ وهو يقرأ خلفها.
ظلا منسجمين بالتعلم منفصلين عن محيطهم باستمتاع كبير فكان توران صاحب فكر واسع بالعلم و البصيرة.
اندماجا مع بعضهما البعض حتى أصبحت ليونة صاحبة الليالي الملكية كل يوم بعد إبرام اتفاق بينهما إن لا يعلم أحد بما يحدث بينهم كي لا ينتشر خبر تعلم السلطان لغة أعدائه.
وافقت على طلبه لأجل المصلحة العامة متحملة نظرات الجواري الحاقدة عليها بعد أن شاع خبر تميزها و اقترابها من الأمير بكل مكان ليزداد عمها سلطة وتجبر وظلم على من حوله.
وهذا ايضا ما جعله يتعاون مع من أتى إليه من مكان بعيد يساومه على أمر خطير.
انتظروا مجيء ليونة إلى منزل عمها حتى يعرضوا عليها هذا العرض الرخيص، بكت ليونة وهي تستمع للرجل المخيف الذي أتى من بلدتهم القديمة رافضة بقوة ما طلبه، وقف أمامها ليحدثها بهيئته المخيفة وصوته القوي المخيف:
" لا تضيعي الوقت بتدللك علينا، لا خيار اخر أمامك، أما ان تأتي إلينا بالمخطوطات المهمة أو نقتله ونلحق ذنبه برقبتك".
بكت وهي تسألهم قائلة:
" ما بها هذه المخطوطات ، ماذا تريدون منها ، اتركوني بحالي أنا لا استطيع خيانته، سأرحل من القصر بل سأرحل من البلدة كلها، اذهبوا لتجدوا غيري أنا لا أستطيع طعنه بظهره بعد أن أمان لي".
برق الشر بأعينه المخيفة حين شهر سلاحه عاليًا:
" إذًا أنتِ من أختار موتكِ و موته، تلك التفاحة المسمومة التي أخبرتك عنها ستكون بجانبه وفي متناول يده بأي لحظة نقرر نحن انهائه بها".
وقف عمها بوجه الرجل مدافعا عنها لأول مرة و هو يقول بوجه حزين:
" لا تقتلها ، اقتلني و لا تقتلها، هي من تبقت لي من عائلتي ، اقتلني و اتركها لتعيش حلمها وعمرها بسعادة، لا تحرموني منها".
امسكه الشرير ساحبه نحوه و هو يصوب السلاح على رأسه:
" لك ما طلبت ، سنقتلك أنت ايضا معهم ".
صرخت ليونة و هي تضع يديها على وجهها:
" أتركه لا تقتله رجاءً لا تقتله ".
نظر لها بنظرات أكثر قوة و شر قائلا بصوت قوي مرعب:
" أريد هذه المخطوطات بين يدي بأقرب وقت، و إلا سأنهيكِ وانهي عمك واميرك ومحبوبتك التي تسمى ضي القمر ".
رد شهريار بغضب:
" أرأيتِ ! هذا ما أخبرتك عنه .. أنتم خائنون ولا مأمن لكم .. تستحقون. الموت .. الموت. فقط ما تستحقونه".
اسرعت شهرزاد بالدفاع عن ليونة وكل فتيات المملكة كلها قائلة:
" ولكنها لم تخنه بعد . انتظر حتى تستمع لباقية الحكاية لعلك تغيير رأيك هذه المرة ، بجانب معرفتك لاسرار أخرى وخبايا لم تحكى بعد ، و أيضا أليس من الممكن ان يكون العرض اختبارا من الأمير لمحبوبته ".
هدأ روع وغضب شهريار قائلا:
" هيا اكملي بسرعة لنرى .. اريد ان اعرف كل الأحداث قبل صياح …".
لم يكمل كلمته حتى علا صياح الديك معلنا عن انتهاء الليلة .
رفعت شهرزاد كتفيها:
" مع الأسف لم أستطيع إكمالها ولكني اعدك ان اكمل أكبر قدر من الأسرار والخبايا هذه الليلة ".
نظر لجمالها وصوتها الانثوي الذي سحره وتملكه في الليالي الماضية قائلا: " وماذا عنا؟".
خجلت من عيونه التي تنقلت على مفاتنها قائلة:
" أنا ملكِ يا مولاي السلطان إن أردت أن نؤجل الحكاية كي ..".
قاطعها شهريار بقوله :
" لن يهنأ لي بال حتى اعرف نهاية الحكاية ، اتلهف طوال اليوم لمعرفة ما تبقى بدون تأجيل".
دخل زهير بوجه يتأمل في مراده مستمعا لصوت شهريار وهو يقول لها :
" ليكن أحمر اللون هذه الليلة، أتساءل عن مدى جمال لوني المفضل عليكِ. هل سيكون ساحرًا كمن سبقوه ".
فرحت شهرزاد حتى دمعت عينيها متحدثه من اعماق قلبها:
" ليكن كما ترغب يا مولاي .. سادعو طوال اليوم ان يعجبك لونك المفضل عليَّ".
نظر شهريار تجاه زهير قائلا:
" اجعلهم يهتمون به هذه المرة أكثر من المرات التي سبقته ".
انحنى بسرعة تلبيته للأمر الملكي:
" تحت أمرك يا مولاي سيكون كل شيء كما رغبت وحلمت ".
نظر لشهرزاد بحب وعيون اقترب إغلاقها من النعاس:
" هيا اذهبي لنومك و لا تتاخري عن موعدنا ".
انحت هي أيضا قائلة:
" اترك روحي وقلبي تسكن بجانبك حتى أعود إليهما بمجرد النظر إليك والاطمئنان بجانبك".
ابتسم مغلق عينيه لتخرج هي ومن خلفها الحراس بصمت وهدوء كي لا يوقظوه.
تلجم زهير أمام نظراتها قائلا على مضض:
" سيكون أجمل فستانا شهدته المملكة".
فرحت بقوة تحدثت به:
" تتلهف روحي لرؤياه من الان ".
رد عليها وهو ينظر جهة الغرفة الملكية قائلا:
" أتركِ روحك تهنأ بالنوم بجانب السلطان واذهبي لتنامي قبل ان ازفك لقبرك ".
ابتسمت متحدثة بغرور:
" عاد زهير بيه من جديد، ولكن اخبرني هل انت متأكد من قبضك لروحي بعد سماعك لحديثنا بالداخل ".
غضب على تكبرها:
" اغربي من وجهي هيا اذهبي لمكانك لا اريد تأخير ".
تركها للحراس مبتعد عنها وهو يقول لنفسه:
" هل نجحت هذه المتعجرفة فيما لم ينجح به الأمراء والملوك والسلطانة الأم".
……..
يا ترى نجحت شهرزاد بالعلاج الروحاني للسلطان ام أنها حلاوة روح يومين على الأكثر وتنتهي حياتها ليأتي بغيرها .