اسم الرواية صرخة أنثى •الحلقة الرابعة •
من روائع قصص احكي يا شهرزاد
بقلم أمل الكاشف
حالة من القلق والتوتر أصابت شهرزاد حيال دخولها في أحداث شائكة كانت الأكثر حساسية بالنسبة للسلطان الذي فتح النار على معشر النساء بعدما طعن بخنجر الخيانة في ظهره.
ندمت على بدء الاحداث النارية قبل تمكنها من نجاحها الكامل.
ولكن كيف ستتمكن من بقائها دون ان تلمس موطن الجرح لتطبيبه وشفائه.
لم تستطيع النوم بسهولة ظلت تتقلب على فراشها متمنية توقف ساعة الزمان.
تملكها خوفها اكثر حتى فكرت بالهروب والنجاة بروحها. لم تستطع فعلها فكيف ستهرب وسط الحراسة المشددة بكل مكان
دخل زهير الحرملك بفرحة وانتصار يظهر برأسه المرفوعة.
تحركت لتنزل قدميها ارضا جالسة على فراشها بوجه اجهد من عدم نومه وكثرة قلقه. استغرب من حالتها وهدوئها الزائد عن الطبيعي، أشار بعينه الى الوصيفات كيف يرفعوا الستار على الفستان الاكثر من رائع منتظر ردت فعلها التي اعتاد عليها كلما اعجبها فستانها.
وجدها تمسح دموعها دون اي حركة لتذكره بمشهد الفتيات اللواتي كانوا يأتون بهن غصبا وقهرا يصرخون ويبكون لساعات متواصلة حتى يصلون للبكاء الصامت دون روح.
أراد أن يسألها ما بها ولكنه رفض فعلها كي لا يظهر تعاطفه معها أو ضعفه أمامها.
ارتدت فستانها الخيالي وهي تقوي عزيمتها كي تستعيد شجاعتها لتتمكن من الوقوف أمام السلطان دون ارتباك او إخفاق يكلفها حياتها قبل نهاية الليلة.
كانت تسير وسط الحراس بعيون دامعه وقلب مرتجف امتلكه خوفه من نهاية الليلة التي كانت تشعر انها اخر ليلة بعمرها.
وقفت امام باب الغرفة الملكية ملتقطة انفاسها لتهدأ داخلها رافعه راسها محلقة عينيها للاعلى مناجيه ربها ان يحفظها وينصرها ويجعلها سببا في نهاية الظلم الذي وقع على فتيات زمانهم.
دخلت بخطوات بطيئة مخفضة رأسها حانيه ظهرها احتراما وتقديرا للسلطان.
فاجاها بقيامه من على عرشه واقترابه منها ليرحب بها بوجه فرح " لماذا تأخرتي عليّ"
رفعت عينيها الدامعة لتجده يفاجئها بقربه وعينيه المنبهرة بفستانها قائلا
" أصبح لزهير حقًا علينا "
سألته بعينيها ليكمل شهريار " كيف أبدع بتصميم الفستان حتى أخرجه بهذا الجمال "
خفضت عينيها متسائلة " هذا يعني ان لديكم عُمال محترفين بالقص والتفصيل "
رفع يده ليلامس شعرها وهو ينظر لعينيها قائلا
" ولكنك أجمل منه . بل هو جميلا لأنكِ ترتديه وليس العكس "
ردت بصوتها الأنثوي الخجل " هذه شهادة كبيرة وعظيمة في حقي يا مولاي "
اخفض صوته حين دنا منها أكثر قائلا
" لماذا تأخرتي ظللت انتظر قدومك طوال اليوم حتى أنني فكرت باستدعائك قبل حلول الليل "
ابتسمت براحة قلبها واسترخاء جوارحها التي اطمأنت بعد حديثه قائلة "يا ليتني سمعت صوت قلبي حين راوده باشتياق روحي للجلوس بجانبك لاروي لك ما تبقى من حكايتي. لا تقلق ناويت على إنهاء ما تبقى من القصة الليلة قبل رحيل"
ضمها داخله مغلق ذراعيه عليه وهو يستمد من عبق عطرها راحة وسكون وسكينة لم يشعر بها من قبل .
اغمضت عينيها لتشاركه الحضن الساكن الهادئ متخليه اكثر عن توترها والضغط النفسي الذي عايشته طوال اليوم.
سمعت صوته وهو يهمس لها " لا تنهيها "
قفز قلبها من فرحتها فاتحة عينيها بوجه مبتسم إجابته به " وماذا عن رغبة زهير بإنهاء. روحي الليلة . أعني ماذا عن …"
ارتجف قلبها خوفا من الاجابة التي جاءتها
" لا يوجد رحيل قبل أن أسمح أنا بذلك، اريد ان استمتع بكِ كما استمتع توران بمحبوبته "
اتسعت عينيها واخفق قلبها وهي لا تصدق ما يقال لها ، أهذا السلطان حقا ام انها تحلم
" مولاي … "
قالتها بصوت خطف قلبه وجعله يتمتع بجنتها التي لامست قلبه لتفتح أبوابه المصدفة شيء فشيء ليلة بعد ليلة حتى وصل به الحال بانتظار الليل حتى يراها ويسكن بجانبها .
ورغم قوتها وشجاعتها إلا أنها سحرته بخجلها ونظراتها المخفضة ليطلب منها استكمال الحكاية ليرفعه عنها الخجل .
وبهدوء أثنى خجولة امسكت شهرزاد الغطاء لتستر نفسها وهي تتحرك على الفراش كي تستند بظهرها على الوسائد الملكية الناعمة قائلة
" بلغني أيها الملك السعيد ذو القلب الرحيم والعقل الحكيم والوجه الوسيم والشعر الناعم الجميل ان الشر قد استفحَل. و اغلق. حلقاته حول عنق المسكينة ليونة .
جلس عمها على المقعد الخشبي بعد خروج الرجل الشرير باكيًا نادبًا حظهم
" سامحيني يا ابنتي، سامحيني، يا ليتني مت قبل أن أرى هذا اليوم ، يا ليته أخذ روحي مني قبل أن يساومك عليها، أصبحنا مجبرين على الهروب و الابتعاد ، و لكني اقسم لكِ هذه المرة ستكون بعيدا و بشكل مختلف "
هرول ببكائه ليخرج من المنزل و هو يكرر
" سامحيني يا ابنتي "
و ما لبث أن خرج وتخفى ليدخل منزلًا بالجوار ماسحًا دموعه الكاذبة مادا يداه الجاحدة نحو الرجل الشرير كي يأخذ منه أول نقود ذهبيه اتفقا عليها بهذه الخطة الدنيئة مؤكدا على نجاح ابنة أخيه في طلبهم وأنه سيفعل كل ما بوسعه كي يضغط عليها لتنفذ مطلبهم بأقرب وقت .
…..
غرقت ليونة بدموعها طوال الليل ، حتى أنها لم تعود للقصر بهذا اليوم ولا اليوم الذي تلاه ، الأمر الذي أثار قلق الأمير توران مرسل حراسه كي يطمئنوا عليها و يعيدوها للقصر.
رفضت و اخبرتهم انها لن تعود للقصر مرة أخرى ، لم يستطع الحراس إرغامها على العودة دون رضاها فهناك أوامر مشددة بحسن مخاطبتها و التعامل معها بكل رقي.
عادوا الحراس حاملين قرارها لأميرهم الذي قلق و حزن و شك بعمها ، ولانه لم يتحمل الأمير توران قضاء ليلة أخرى بدونها أمر الحراس أن يجهزوا له حصانه الملكي الخاص و يعدوا أنفسهم للخروج معه .
وقفت ضي القمر خلف ستائر نافذتها تراقب الطريق منتظرة رؤية قائد الجيش الذي ملك قلبها كي تستطيع النوم غارقة بالأحلام السعيدة بعدها ، ومن جديد تسارعت ضربات قلبها و ازهر وجهها بسعادته و تطايرات الفراشات داخلها بمجرد رؤيتها له للحظات قليلة كانت كافية أن تسعدها و تبحر بها بالأحلام الجميلة البعيدة .
جاءت تتحرك مبتعدة عن النافذة لتبدأ خلودها بنومها تاركة الستائر من بين يديها ملقية نظرها للخارج كي تحظى بنظره اخيرة تجاه شعاعها الذي ابتعد عن منزلهم متفاجئة برجل متخفي يسير خلفه وهو يتلفت حوله خيفةٍ من أن يراه أحد .
خافت وقلقت حيال قائد الجيش راقبت الرجل لتجده يسير خلفه حقا ، دارت بغرفتها وهي تفكر لا تعلم كيف ستتصرف، وبلحظة غير متوقعة اسرعت ضي القمر بخرجها من منزلها بعد ان قررت خوض مغامرة خطيرة في سبيل الاطمئنان عليه .
لم تصدق عيناها رؤيتها لرجلين آخرين يتبعونه ايضا ، تحركت خلفهم بخوف وحذر من أن يروها او يسمعوا خطواتها بهذا السكون في ظلمة الليل.
انتظر سالار وصوله إلى ساحة فارغة ليقف للحظات وهو يعلم بأمر من وراءه مستديرا بوجهه القوي كي ينظر إلى من أفصحوا عن وجودهم وأعلنوا عن غايتهم في إنهاء حياته شاهرين أسلحتهم في وجهه ، لم تتحمل رؤيته بهذه الحالة انسحبت للخلف هاربة بذعر و فزع.
…..
وصل توران لمنزل ليونه طرق الباب ليفتح عمها لهم، اقترب الحراس و اخرجوا عمها للخارج . مثل عليهم ضعفه و خوفه و لكنه بقرارة نفسه كان فرحا لمجيئهم قائلا للسلطان
"فاجئتني بقدومك ، لم أعلم قدرها لديك لهذه الدرجة"
دخل الأمير المنزل مغلقا الباب من خلفه متفقدا حالته البسيطة المنعدمة اقترب من باب مغلق فتحه بقوة دون طرقه، ليجدها على فراشها تبكي اقتضب حاجبيه وهو يتلفظ باسمها ، رفعت رأسها لتتأكد من الصوت الذي سمعته اقترب منها جلسًا مقابلها على فراشها يسألها بخوف
" ما بكِ ؟ ، لماذا تبكين ؟ ، هل اذاكِ عمك من جديد ؟"
لم ترد عليه بلسانها بل ردت بيديها التي تحركت مسرعة قبل جسدها ملقيه بنفسها داخل حضنه باكية بصوت عالي شاكيا لقلبه بصمت قسوة أقدارها و ما هي به .
احتضنها داخله بقوة وهو يتوعد لعمها ، مسحت دموعها لتدافع بعدها عن عمها مقسمة له أنه لا ذنب له في احزنها ، كما رفضت أن تخبره همها و كيف ستخبره أنها مخيرة بينه وبين عمها ، رفضت أن تعود معه للقصر مصره على بقائها لدى عنها ، اقترب منها ليسألها " هل احزنتك ؟ ، هل لأنهم أصبحوا ينعتوكي بخاصتي حزنتي وقررتي الابتعاد " بكت مرة أخرى ليقول لها
" ستجعلينني أقطع رأس كل من يتلفظ باسمك بل كل من يرفع نظره بك "
احتضنته بقوة أكبر من التي سبقتها لتفضي بدموعها و حزنها داخله .
ضمها بقوة اشتياقه وخوفه عليها قائلا
" اتركي من يقول ليقول ما يريد ، ألستِ خاصتي ؟ "
نظر لعيونها التي تبسمت رغم دموعها مكررا سؤاله " ألستِ خاصتي أيتها المعلمة "
عادت لتحتضنه وهي تدفن رأسها بصدره، أخفض رأسه ليلامس وجهه وجنتها الغارقه بالدموع .
…….
عادت ضي القمر إلى الساحة الفارغة بعد ان استعانت برجلين من الحرس الملكي لتجد سالار قد أنتصر بمعركته على الخونة ، تفاجأ بحالتها وخوفها عليه بل تفاجأ بالحرس الملكي ، سألهم بسرعة " ما عملكم بهذه المنطقة بهذا الوقت المتأخر"
أخبروه أنهم يؤمنون المنطقة لأجل سلامة الامير توران وحين أتتهم الفتاة راكضة مستنجدة
" انقذوا قائد الجيش اسرعنا نحن لنجدتك و انقاذك " .
نظر سالار نحو ضي القمر مطولا ثم نظر نحو الخونة على الأرض وهو يأمر أن يداووا جروحهم و يهتموا بشفائهم حتى يعلموا همهم ومن خلفهم .
تحرك الحرس حاملين هؤلاء الرجال الثلاث ليضعوهم على الاحصنة مبتعدين عن المكان.
نظر سالار نحوهم ثم نظر بسرعة نحو من همت بالهروب كعادتها ، أسرع مقترب منها
ليسألها
" إلى أين؟، لن اسمح بهروبك هذه المرة "
نظرت لقربه و يده التي على ذراعها بأعين بارتباك وخجل.
سحبت ذراعها من يده لتكمل هروبها، ولكنه أوقفها بوقوفه أمامها رافضا هروبها قبل أن تفضي له بسرها حتى أنه سألها بنبرة ضاحكة
" هل كنتي تراقبيني أم عينتي نفسكِ حارس لحمايتي ليلا "
هزت ضي القمر رأسها بالنفي مجيبه بصوتها الخجل المتقطع بسباقه مع أنفاسها قائلة
" لا ليس كذلك ، كنت أقف بنافذتي ، و أنا بنافذتي أنت أتيت ككل يوم ، أعني اليوم رأيتك تسير أمام منزلي ، لاحظت أمر هؤلاء الغرباء وهم يتبعونك ، أعلم أنك تسير كل يوم وحدك ، و عندما رأيت حالتهم الغريبة خرجت لأتأكد من شكوكي "
صمتت بعد أن لجمها توترها و خجلها وأصبحت غير قادرة على تجميع جملة كاملة صحيحة .
رد عليها بوجهه المبتسم
" هل ألقيتِ بنفسك في جعبة الخطر كي تطمئني عليّ ، ماذا إن أصابك مكروه ، ماذا إن أصابوا مرادهم و قضوا عليّ ثم عليكِ بعدها "
و بسرعة و بدون تفكير ردت عليه
" معاذ الله ، حفظك الله لعائلتك "
ابتسم وجهه أكثر وهو يفكر بحالتها و حديثها ليعود ليصدمها بسؤاله
" هل كنتِ تنتظرين مروري كل ليلة "
قطعت أنفاسها من فضحها أمامه ، تحركت لتهرب من جديد دون جدوى بعد ان فتح ذراعيه و أصبح يحدها من جميع الجهات محبطا ورافضا لأي عملية هروب .
…..
تحركت ليونه مبتعدة عن حضن أميرها بعد ان هدأت قائلة " أنا بخير لا تقلق "
أشار برأسه نحو الباب
" هيا بنا لنكمل حديثنا بالقصر "
عاد توترها و خوفها من جديد كما رفضت عودتها معه ليقترب منها و ينحني بجانبها ليفاجأها بحملها على كتفه وهو يحبس قدميها بذراعه قائلا
" هيا لنعود و نرى ما أحزن اميرتنا منا و جعلها معرضة عنا "
صدمت يدها و رأسها عدة صدمات بظهره كي ينزلها دون أن يستجيب لها ، خرج من المنزل بقوة وشموخ و انتصار مفرح بعد ان أخذ فريسته و من سرقت قلبه معه .
تفاجأ عمها بحالتها كاد أن يقف قلبه من الفرح ، اجبره الحرس على أن ينظر للحائط دون حركة، و بجانب الحصان الملكي الاصيل انحنى الأمير لينزلها من على كتفه ومن ثم مد يده كي يساعدها للصعود عليه ، أخبرته أنها تخاف من الأحصنة ليبتسم لها قائلا
" وهل ستخافي بجانبي ، انظري إلي و افعلي مثلما أفعل "
و بسرعة و مهارة صعد الأمير على الحصان لتسرع هي كي تدخل منزلها لولا وقوف الحراس بوجهها ، ابتسم وجهه وهو يمد لها يده كي تصعد خلفه ، طلب منها أن تتمسك به كي لا تسقط و لكنها رفضت مجددا ، و بخبث حرك اقدامه على جانبي الحصان ليبدأ الحصان بالاسراع قليلا.
احتضنته مغلقة عينيها بخوف ليحدث ما كان ينتظره و يتمناه ليصبح أكثر قوة وشموخا وفرحة .
…..
أما ضي القمر فكانت قد نجحت بهروبها من شعاعها الذي أضاء قلبها و وجهها ، تاركته خلفها بوجه لا يقل فرحة و تبهجا عن فرحتها ، فمن يرى وجهها المتورد بخجله المفعم بحبه المتوج بأخلاقه وأدبه.
سقط سلار بجمالها وخجلها معتقدا أنه سقوطه الأول ، و لكن كان عليه إن يفكر قليلا ليكتشف أن سقوطه الأول حدث حين سحرته عيونها بها يوم انقذها من اللصوص .
وصل توران إلى قصره نزل أولا من على حصانه ليمد يديه للأعلى كي تتمسك بهما، نظرت لاعين الحراس من خرجوا بشرفات القصر رافضة مساعدته من جديد قائلة
" سأنزل بمفردي "
انزل ذراعيه استجابة لرغبتها، همت لتنزل بثبات لولا ان حرك الحصان رأسه بقوة لتجد نفسها تسقط بقوة خوفها أسرع توران كي يلتقاطها بين ذراعيه كي لا تسقط أرضا . .
ولكنها سقطت من أعلى الحصان الملكي بشكل سيء تألمت من قدمها و ذراعها ، انحنى عليها ليحملها بين يديه وهو يسمع علو صوتها
" ذراعي تؤلمني " .
حزن على وضعها رفعها بحرص أكبر داخلا قصره الملكي متجها لغرفته الخاصة مطالبا بإحضار الطبيب على الفور .
و بعد وقت قليل كان الطبيب يطمئنهم بأنها بخير فقط بعض الكدمات إثر سقوطها ستزول بعد يوم أو اثنان على الأكثر و اعطاها كريم طبي يساعدها على سرعة الشفاء .
ذهب الطبيب لتتحرك ليونة بعده كي تنزل من على الفراش الملكي و تذهب لغرفتها ، اقترب الامير توران بسرعة مانعها من الحركة.
تعلقت عيونها الحزينة بعيونه متذكره كلام ذلك الرجل الشرير الخائن و تهديده القوي لها .
تحركت من جديد لتذهب لغرفتها وقف أمامها ليعيق سيرها قائلا
" لا يوجد مهرب ، تتحسنين أولا ومن بعدها تذهبين لغرفتك "
مد يده ليحسن شعرها وهو شارد بعيونها الحزينة الساحرة ، تحدثت بصوت ضعيف
" و ماذا سيقولون علينا الآن "
لا زالت يده سابحة في شعرها وهو يقترب منها قائلا " هل لأجل هذا رفضتي العودة للقصر؟، ألهذه الدرجة هنت عليكِ و قررتي أن تتركيني وحيدا ؟"
تأثرت بقربه و حبه و طيبته ، تسارعت أنفاسها وهي تنظر لعينيه التي اقترب تحدثهم ليخبروها بصدق مشاعر أميرهم ، اقترب اكثر حتى كاد أن يلتصق بها قائلا لها
" ان اردتي أن أصدر فرمانا بقطع لسان كل من يأتي بإسمك على لسانه وخرق أعين كل من يرفعها بوجهك سأفعل "
ابتسمت خجلا أجابت به
" ليس لهذه الدرجة ، و ايضا هل كل هذا لأجل معلمة ؟ "
حاوطها بيده ليضمها إليه أكثر ويستشعر أنفاسها المتسارعة بشكل أقرب مجيبا بوجه مبتسم
" هل لا زلتي تقولين معلمة "
كادت أن تقطع أنفاسها بهذا القرب تحججت بتألم قدمها و تراجعت للخلف قائلة
" أنا لست جاريتك ، لم اخلق و لم آتي إلى هنا لأجل متعتك "
اجابها في إستغراب
" هل متعتي و جاريتي ؟ ، ما هذه الكلمات هل هذا قدري لديكِ ، هل يحزنكِ فرحي و تمتعي بما ملكت يداي "
و بضيق و غيرة كبيرة تحدثت لتقول
" نعم انا لم أخلق لأكون واحدة من ضمن العشرات اللاتي يحومون حولك لاسعادك ، انا معلمة ، معلمة فقط "
لم تنتبه على تعابير وجهها و بعدها عنه ، تحركت أكثر متجة لباب الخروج وهي تحدثه من خلفها
" ان سمحت لي ، اريد ان ارتاح بغرفتي حتى يذهب ألم يدي و قدمي "
و بحزن كبير نادى الامير على الحراس ليفتحوا الأبواب و يسمحوا لها بالذهاب لغرفتها .
خرجت من أبواب جنتها و دموعها تتساقط من اعينها وصلت لغرفتها لتلقي نفسها على فراشها لتبكي بحرقة ونار وقهر فهي لا تستطع تحمل فكرة خيانتها له ، كيف ستتحمل أن تخون عيونه الحنونة المحبة .
اما هو فلقد تلقى صفعة كبيرة بحقه ، شعر بإهانة كبيرة لرفضها له بعد ان اهتم بها و جعلها مميزته بل و بعد أن تخلى عن متعته اليومية مع جواريه ليحظى فقط بالنظر لوجهها وهي تقرا وتكتب بجانبه.
غضب على نفسه أكثر و هو يتذكر كيف ذهب و حملها رغما عنها ليعود بها للقصر اقترب من فراشه لينظر نحو مكانها بشرود و حزن ممسك الكريم العلاجي الخاص بها دون حركة أو صوت .
بالصباح استيقظت ليونة من نومها و هي ممسكة برأسها التي آلمتها من كثرة بكائها طوال الليل ، تحركت نحو المرآة لتنظر لاعينها المنتفخة و حالة وجهها بحزن ، رفعت يدها لتلامس شعرها كي تشعر بموضع يده بالأمس ، أمسكت فرشاة الشعر الخاصة بها و بدأت بتمشيط من احب اميرها مداعبته وملمسه .
ثم بدلت ملابسها قبل أن يأتي أميرها أو يستدعيها، ألمتها قدميها دون أن ترأف بها استمرت بسيرها و ارتداءها و تجهيز نفسها لرؤية اميرها الذي تأثر كثيرا ببعدها و صده و تركها له و رفضها له لشخصه، مما نتج عن هذا الحزن غضب كبير أخرجه بعودته لحياته السابقة حيث طالب بعودة الجواري لغرفته ليطعموه فطوره .
…….
دخلت ضي القمر بهذا الصباح القصر
بتخفي تلتفت بجانبها و خلفها تجنبا لرؤيته، دعت ربها أن لا تراه بهذا اليوم كي لا تفضح أكثر أمامه ، و لكنها لا تعلم أمر انتظاره لها بطرقات القصر لتتفاجأ بوجوده أمامها فور دخولها .
توقفت مصدومة للحظات أسرعت بعدها لتهرب منه لولا وقوفه أمامها بوجهه الفرح خاطبها قائلًا " هل ستذهبين قبل أن تلقي علينا السلام "
أخفضت اعينها خجلا منه ليكمل هو
" من يرى قوتك و جرأتك بالأمس لا يصدق شدة خجلك الآن "
ارتجفت أطراف يديها الباردة و ازداد القرع على الطبول بقلبها لتزداد خجلا و ارتباكا و هروبا حين نظرت جهة اليمين فجأة ، نظر مكان مد نظرها دون أن ينتبه لهروبها من جهة الشمال ليضحك وجهه محدثًا داخله
" هل تخدعين قائد الجيش الملكي "
ضحك وجهه أكثر مكمل سيره نحو مكان احتجاز وعلاج الرجال الذين هجموا عليه بالأمس و أرادوا قتله .
………
طال انتظار ليونة لاميرها حتى شعرت بالخطأ الذي فعلته بحقه تحركت لتطلب الذهاب له ، سمحوا لها الحراس بالدخول المباشر للغرفة الملكية دون إذن مسبق كما كانت الأوامر السابقة لديهم .
تفاجأت فور دخولها بجلوس فتاة جميلة بجانب الأمير توران تطعمه و تهتم به بكامل زينتها .
وقفت أمامهم صامتة ، نظر لها الامير و قال
" تفضلي أيتها المعلمة هل اتيتي لأمر مهم "
تلعثمت بحديثها الذي خرج منها بصعوبة حين لمحت كريمها العلاجي أعلى المكتب الملكي قائلة
" آلمتني قدمي و يدي لذلك أتيت لأخذ الكريم العلاجي "
نسي نفسه حين ترك عينه تطمئن على قدمها ويدها كان سيسألها هل لا زالت تتألم ام لا ، كما كان من المفترض أن يذهب بجانبها ليفقد عقله بقربها و لكنه لا زال غاضبا وحزينا نظر للفاكهة أمامه ليشير لجاريته أن تطعمه من أحدهم دون الرد عليها .
تحركت بحزن لتأخذ كريمها و من ثم خرجت من الغرفة دون النظر نحوهم .
ألمتها قدمها فوقفت لوهلة
"آآه " ، تحرك ليقف و يذهب بجانبها لاحظت تحركه ادارت رأسها لتنظر نحوه بعينها الحزينة الدامعة المعاتبة عليه.
ثم نظرت ليد الجارية التي مُدت لتطعمه في فمه و هي تتدلل عليه .
تحركت لتخرج بسرعة قبل أن تفضحها دموعها امامهم، توقف الأمير عن تناول الفاكهة و تحرك ليقف بحزن و ضيق ، اقتربت الجارية منه واضعه يديها على ظهره بدلال ، تقدم خطوات للأمام مبتعدا عنها ثم أمر بذهاب الجارية و تركه بمفرده .
كُسر خاطر ليونه بشكل كبير متحدثه مع نفسها
" هكذا أفضل للجميع " اجتمع عليها ضعفها و حنينها لقربه و طيبته و اهتمامه و دروسهم سويا لتزداد حزنا فوق حزنها .
أما هو فلقد ازداد غضبا أمام صمتها و انسحابها و عدم تراجعها عن موقفها ، ظلت ليونه تراقبه لأيام من شرفتها و هو جالس يتسامر مع جواريه كل ليلة ، ضاق صدرها و تمزق قلبها كلما رأته يدخل غرفته و يسدل الستار ليبدأ ليلته الممتعة مع احدى جميلات القصر
مرت عدة أيام على هذه الحالة تم إبلاغ الأمير من قِبَل نسيم كبير المسؤولين عن الحرملك بامتناع ليونة عن الطعام ، فلقد لاحظ الحرس دخول صينية الطعام و خروجها على حالتها ، كما تم إبلاغه عن حالتها الصامتة الحزينة أومأ توران رأسه قائلا
" استمروا بمراقبتها دون أن تلاحظ هي هذا " ، رد نسيم
" مولاي هل نرغمها على تناولها الطعام "
وقف الامير توران قائلا بحسم
" لا يقترب منها أحد اتركوها لتفعل ما تريده فقط راقبوها على حذر "
تحرك نسيم ليخرج وهو يقول
" أمرك سيدي "
أوقفه الأمير قبل خروجه قائلا
" أحضروا لي المعلمة الليلة "
رد نسيم متفاجئ
" لقد تم تجهيز سامندر لتكون ملك يديك الليلة "
فكر الأمير قليلا وهو يتحرك بالغرفة قائلا
" فلتأتي سامندر ، و المعلمة ليونة "
رفع نسيم رأسه مندهشا
" الاثنان بليلة واحدة "
نظر الامير له بقوة جعلته ينسحب وهو يقول
" أمرك سيدي سنخبر الاثنان بهذا "
وقبل خروج كبير مسؤول الحرملك من الغرفة تحدث الأمير من جديد ليأمر بترك ليونة على حالتها دون تجهيزات وتحضيرات مسبقة ليندهش نسيم أكثر و خرج و هو لا يستطيع فهم ما طُلب منه .
تم اخبار ليونة لتحضير نفسها بنفسها لتذهب الليلة الى غرفة الأمير توران ، كاد أن لا يصدق نسيم ردة فعل ليونة و فرحتها لإبلاغها بهذا ، خرج من غرفتها و هو يحدث نفسه
" يا منجي من المهالك يا رب ، كيف الاثنان بليلة واحدة و أيضا أحدهم برأس عنيد كما نعلم"
استغربت ليونة من عدم مجيء أحد لغرفتها كي يجهزوها كالسابق ، لم تهتم ففرحتها بطلبه لها قد أنستها موقفها و حديثها الاخير معه كما انستها غضبها من كثرة تردد الجواري على جناحه بآخر الأيام .
……..
نظر سالار نحو نافذة غرفتها اثناء سيره ليلا منتظرا ظهورها و رؤيتها ككل يوم و لكنها لم تظهر ، تحرك و هو يفكر لما لم تنتظره هل حدث أمر معاكس لها أم أنها قررت عدم انتظاره مجددا ، ظل يفكر و هو يبتعد عن منزلها ليسير بالطرقات الهادئة المظلمة حتى تفاجأ بها تخرج من منزل صغير عائد لسيدة كبيرة مسنة .
نظرت نحوه بخجل كبير و خاصة انه امامها دون حاجز او مهرب اقترب منها ليتحدث بصوت منخفض محترما به سكينة الليل قائلا
" كيف حالها الآن ؟ ، هل أصبحت بخير " نظرت خلفها نحو باب السيدة المسنة ثم نظرت له لوهلة مخفضه اعينها بعدها دون رد
، تحركت لتبتعد عنه بقلبها المتسارع تخوفا من توقفه عن النبض أمامه .
تحرك عدة خطوات محملة بالأمل في التحدث معها ليجدها تتراجع من جديد مبتعدة عنه .
رفع كف يده ليوقفها و هو يقول لها
" حسنا لن اتحدث و لكني لن اتركك لتعودي لمنزلك بهذا الوقت "
و أخيرا خرج صوتها لتقول
" أنا معتادة كما ان منزلي ليس ببعيد " ، ابتسم وجهه و هو يجيبها
" من الممكن أن تكوني معتادة على القدوم إليها، و لكنكِ لستِ معتادة على البقاء لهذا الوقت "
و بفم أفصح عن نواجذه من شدة فرحته و ابتسامته الواسعة أكمل سالار حديثه
" لأن من المفترض بهذا الوقت أن تكوني بغرفتك "
ردت بخجل قائلة
" إنها مريضة ، انتظرت انخفاض حرارتها و استقرار وضعها كي أتركها خلفي براحة " ، أجابها قائلًا
" هيا بنا عليكِ أن تعودي لمنزلك "
تحركت بخجل كبير من يراها يعتقد أنها تسير للخلف وليس للأمام كما تفعل .
نظر حوله ليتأكد من خلو المكان تحرك خطوات جانبا مشيرا لها أن تسير بجانبه و ببطء وصلت بجانبه وهي تنظر حولها ، تحدث سالار قائلا :
" لا تقلقي لن يرانا احد ثقي بي "
أومأت رأسها لتسير بجانبه دون صوت ، ظل صامتا مستمتعا بشعاعها الذي أضاء قلبه ونبضت به أوردته سار الاثنان تحت ضي القمر و هما يسلكان الطرق الهادئة .
……
تجهزت ليونة بكل ما هو بسيط و جميل و تحركت متجهة لغرفة الأمير بكل ثقة و فرح مكررة بداخلها ما أعدّته من جمل عتاب له فكيف يهمل دروس اللغة على مدار أسبوع كامل.
وصلت أمام الغرفة الملكية ليقترب منها مسؤول الحرملك بقلق و ارتباك قائلا
" هل أتيتِ " ، استغربت حالته و سؤاله أومأت رأسها لتجيب عليه بصمتها ، رفع نسيم يده مشيرا للحراس ان يفتحوا لها الأبواب و هو يقول بقرارة نفسه
" يا منجي من المهالك يا الله "
دخلت و هي رافعة فستانها بيد و الأخرى ضامة كتابها لصدرها تنظر للامام بثقة متلقيه صدمتها الكبرى ، لم تصدق عيناها ما رأته أمامها ، خفضت رأسها محاولة تخطي رؤيتهم بجانب بعضهما البعض ، كاد أن يتمزق الكتاب من قبضة يديها عليه .
و بعد نظرات مطولة نحوها تحدث الأمير توران و هو يبتعد عن ذات الجمال و الزينة البالغة قائلا
" تفضلي يا معلمة ، لن أطيل عليكِ الأمر، طلبت حضورك الليلة كي تترجمي لنا بعض المقالات المهمة الجديدة ، لن اضغط عليكِ و ارهقك بقراءتها و القاءها علينا يكفي ان تكتبي الترجمة بالأوراق البيضاء أعلى مكتبنا "
رفعت نظرها قليلا لتنظر نحوه بحزن أومأت رأسها به و هي تقول " أمرك سمو الأمير "
وقبل أن تتحرك نحو المكتب رأت سامندر تقترب من الامير مجددا لتطعمه بيدها لحم الضأن، ابتلعت ريقها ضيقا و غضبا
رفعت فستانها من جديد متوجهة نحو مكتبه لتجلس على مقعده لا مقعدها دون ان تعي ما فعلته.
بدأت بضيق و سرعة تدوين ترجمة المقالات الموضوعة بجانب الأوراق لتنتهي منهم بوقت قياسي لم يتوقعه هو .
وقفت من جديد بدون النظر لهم قائلة
" لقد انتهيت ، هل تأمرني بشيء أخر "
ظل يفكر بماذا يكلفها كي يبقيها و يضغط عليها لأجل ان تعود عن حدتها معه ، تحركت نحو الباب لتخرج أمام صمته الذي لم يطل حين قال " نعم هناك بعض الصفحات الإضافية التي أريد منك ترجمتها "
تحرك نحو مكتبه ليريها ما يريده، عادت لمكانه تترأس مكتبه بوجوده ابتسمت عينيه من حالتها الغاضبة حين شعر بغيرتها و ما لم تصارح نفسها به ، تمالك نفسه و اقترب ليميل قليلا عليها بجلستها وهو يفتح كتاب كبير أمامها مشيرا الى الصفحات التي يريدها .
تسارعت ضربات قلبها من ضيقها وغضبها و امتلأت عينيها بالدموع حين شعرت بقرب أنفاس صوته وهو يقول لها
" هل تستطيعين انهائهم الليلة أيتها المعلمة "
رفعت نظرها نحو وجهه القريب منها لينصدم هو بعيونها الدامعة المعاتبة وحالة وجهها شديد الاحمرار الموشك على الانفجار تغيرت ملامح وجهه حتى كاد أن ينسى نفسه أمامها .
تحدثت سامندر من الخلف بصوتها الهيمان
" مولاي "
نزلت دمعة من عين ليونة و هو تقول بسرعة
" هل يمكنني أن اترجمهم بغرفتي و ارسلهم لحضراتكم "
وقف صامتا بحيرة من أمره ، جاء ليقترب منها مرة أخرى ليتفاجأ بوقوفها و ابتعادها عنه وسط مناداة سامندر التي لم تتلقى جوابا عليها .
جمعت الأوراق و الكتاب الكبير لتتحرك بهم ركضا خارج الغرفة دون أن تنتظر سماحه لها ، وبعد خروجها تحركت سامندر لتعيد مولاها لجوارها ، اقتربت منه واضعه يدها على كتفه و هي تتمايل عليه .
ابتعد عنها بضيق و قوة نادى بها على الحراس قائلا
" انتهت الليلة لا أريد أن أرى احد بالغرفة عند عودتي " و خرج من الغرفة .
بكت سامندر خلف الأمير وهي تقسم لنسيم أنها لم تخطئ بشيء
………
وقف سالار لينظر لوجه ضي القمر الخجول و اعينها التي لم ترفع به طول سيرهم قائلا
" هل ترغبين بقول شيء "
هزت رأسها بالنفي ، ليسألها
" هل أنتِ معتادة على الصمت بهذا الشكل دائما"
لم تجبه من شدة خجلها و زيادة ضربات قلبها التي كانت تتسارع كلما سمعت صوته ، ليبتسم فرحا بحالتها قائلا
" أنا لم أرى فتاة خجولة لهذة الدرجة من قبل ، حتى أنني تحيرت كثيرا لأمرك ، لا اعرف هل تعلقت بجمالك ام بهدوئك ام بخجلك بالطبع لا ننسى هروبك "
ارتبكت و ازدادت خجلا فوق خجلها تحركت لتكمل سيرها بعيدا عنه و لكنه أوقفها و هو يعتذر و يعدها أن يكمل سيره بجانبها دون صوت .
لاحظ سالار حركة غريبة و انوار بجانب مخازن الأعلاف و صوامع القمح ، نظر لها ثم عاد لينظر بعين ثاقبة نحو ما لاحظه.
فكر قليلا ليقول
" لم يعد المنزل بعيدا، تستطيعين العودة وحدك، أم تريدين مساعدة "
خجلت أكثر لتبتعد مجيبة عليه بصوت منخفض " نعم اقتربنا ، شكرا لك "
حزن على تركه لها ظل ينتظرها تبتعد و تحرك صوب المخازن ليدقق بأمرها و يطمئن على الوضع بداخلها .
………
دخل توران الى غرفة المعلمة بقوة منصدما من صوت بكائها وهي مستلقية على فراشها ، انتفضت من صوت الباب لتتفاجأ بوجوده مسحت دموعها و وقفت صامدة تنظر له
" تفضل يا مولاي ، هل تأمرني بشيء "
اقترب بنفس قوته ليقول لها بضيق
" لا زلتي تكابرين ، لا زلتي تظهرين عكس ما بداخلك "
و بعين قوية و ضيق حملته بصدرها لعدة أيام اجابته
" لا اكابر و لا أظهر عكس ما بداخلي ، من أين أتيت بما تقوله "
و بصوت أعلى من صوتها رد عليها بضيقه " و لماذا اذا قاطعتي طعامك ، لماذا وقفتي تراقبين شرفتي لعدة ساعات طوال الليل ، و لماذا لم تتحملي وجود الجواري بجانبي "
ردت بثبات
" لا لم يحدث ما قلته ، أنت تتوهم بكل هذا " ، أومأ رأسه بضيق و هو يزفر أنفاسه من بركانه الثائر قائلا
" تمام ولماذا لم تتحملي بقاءك بغرفتي ، ماذا عن دموعك و عن حالتك و انتِ تتهربين "
و بصوت مختنق اقل حدة مما سبقه ردت عليه " لا شيء أنت تتوهم هذا ، و ايضا ما الجديد أنت الامير و هم جواريك ، إنه شيء ليس بجديد عليك بل و على كل الامراء جميعكم تشبهون بعضكم ، جميعكم ينطوي ليلكم كما تنطوي صفحات الكتب ، لا فرق لديكم بين الأبيض و الأسمر ، الأحمر و الأخضر ، الطويل و القصير ، الجميل و القبيح فلا يمكن أن يقدم للامراء سوا الجميل المميز الذي لا يشبهه أحد "
أومأ رأسه و هو يقترب منها
" نعم الجميل و المميز فقط ، حتى اني أراه قصير قليلا هذه المرة ، مزيج من الأبيض و الاسود ، نقي ، شفاف ، يقرأ ما بداخله على وجهه ، و لكنه به عيب كبير "
و بصوت منخفض و أعين رفعت برفق بأعينه لتسأله " و ما هو عيبه ؟ "
اقترب أكثر ليجيبها باعينه الغارقة بعيونها الحزينة " لا يستطيع مصارحة نفسه ، يفعل عكس ما يريده ، بل و يقول عكس ما يشعر به "
و بأعين عتاب حزينة دامعة ردت عليه بجرأة
" و لكنه لا يستحق أن تصارح نفسها لأجله ، لا يستحق أن تفعل أو تشعر بشيء اتجاهه ، لا يستحق "
اقترب أكثر و انحنى قليلا بجانب أذنها
" هل أحزنك لهذه الدرجة " ، رفعت كتفها قرب اذنها لتقول بحزن
" لا لم يحزنني من ألقى بنفسه للياليه الملونة المختلفة دون أن يفكر للحظة . . "
رد متسائلا
" ماذا كان عليه أن يفعل بعد ما فعلتيه باخر لقاء معه ؟ " ، ابتعدت عنه خطوات للخلف قائلة
" أنا لست جارية من جواريك تستبدلها بأي وقت أردت "
أجابها بحب
" علمنا أنكِ لستِ جاريتي ، علمنا أنكِ تختلفين عنهم أيتها المعلمة ، و إلا هل تظنين أنني أفعل معهم كما أفعل معكِ الآن "
اتسعت اعينها خجلا و بإرتباكِ واضح أجابت
" و ماذا تفعل معي ؟ "
مد يداه ليحاوط خصرها مقتربا أكثر من اذنها
" هل غارت معلمتي عليّ ؟ "
تحركت لتتحرر من بين يديه
" لا لم أغار فلتفعل ما تريده أنت الأمير ، كوني لا أحب أن أرى الجواري و هم يُظلمون كل ليلة لأجل اسعادك لا يعني أني غِرت "
تنهد بضيق رد عليها به
" هل يظلمون ؟ ، كيف يظلمون ؟ "
تحررت بقوة من يده مجيبة عليه
" نعم يظلمون ، و تظلم دنياهم و هم بين أسوار القصر ينتظرون رضاك عنهم ، يأكلون و يشربون افضل شيء ، هل تعلم حتى الحيوانات الأليفة أيضا يشربون ويأكلون افضل شيء من قبل مالكهم ، لا يحق لهم الخروج و الحرية و اختيار مالكهم و ما يريدون القيام به ، يفرض عليهم ما لا يرغبون به يسيرون و يعيشون كما خطط لهم فقط ، هل ترى أن هذا ليس بظلم ؟ ، هل ترى أنهم سعداء اسوياء "
سألها قائلا
" و ما الذي يرضيكِ عني "
تذكرت الجواري اللاتي يترددن على غرفته الايام السابقة لتبتعد قائلة
" لا شيء اذهب لمتعتك و جواريك فهم من سيرضوك و ترضيهم كما فعلت بغيابي ، حتى أقول لك استمر بهذا كي يتحسن هواك "
و بوجهه المبتهج رد عليها
" حقا من الواضح أنكِ لم تغيري علي "
و بقوة طفلة كبيرة أجابت
" لا لم أغار ، و لماذا أغار على رجل يقضي كل ليلة مع امرأة مختلفة "
اجابها مبتسمًا
" تمام فهمنا علتك ، هل يرضيكِ أن تكوني أنتِ وحدك فقط سلطانة قصر قلبي "
تعلقت أعينهما ببعضها ليكمل وهو يقترب من جديد
" هل تعلمين انكِ كذلك ، فلم يطأ قلبي أحد من بعد رؤيتي لك بتلك الليلة "
ردت بغضب
" مخادع تقول عكس ما تفعله ، أن كنت تقول الحقيقة فماذا عن لياليك السابقة "
تجرأ باحتضانها مجددا وهو يجيبها بسعادة كبيرة " كانوا لأجلك "
نظرت له باستغراب و استعجاب مما قاله حاولت الافلات من بين يديه
" هل تضحك علي كيف لأجلي "
أجابها بوجهه الضاحك
" كي يفضح أمرك أمام نفسك ، كي يشعر قلبك بما بداخله ، كي لا تعاندي أكثر مع نفسك "
ردت عليه بغضبها
" هل تسمع أذنك ما يقوله لسانك ، هل قضيت اوقات و ليالي سعيدة لأجلي "
رد توران قائلا
" ليس كما رأيتي جميعهم انتهوا بمجرد دخولنا للغرفة و إسدال الستار "
قاطعته بضيق
" هل لعبت بمشاعرهم و أحلامهم كي تثبت لي أنني مخطئة "
……….
علا صوت ضي القمر وهي ستغيث بأهل البلدة كي يأتوا ويساعدوها بإخماد الحريق الذي اندلع بالمخازن و أصبح يأكل الأخضر واليابس بها .
كانت بجوار سالار الساقط أرضا ينزف من جرح بطنه تبكي تارة وتسرع بصغر حجمها لتطفئ النيران بملحق داخل غرف المخازن الكبيرة .
عادت إليه مسرع منصدمة بسوء وضعه رفعت رأسه قليلا من على الأرض وهي تنادي عليه باسمه ، فتح اعينه مستعيدا وعيه دون رؤية من أمامه بوضوح وبكلمات غير واضحة قال
" القمح ، المخازن "
ردت عليه بخوف و ذعر
" لقد حاولت اخماد النيران بأحد الغرف ، علينا أن نبتعد عن المكان ، علينا أن نستعين بالجنود "
تعجب من وجودها وقف بمساعدتها واضعا احد يديه على جرحه والأخرى أعلى كتفيها ، تحركت به بخوف و صعوبة بالغة محاولة الوصول لمنزلها ، سقط من يدها مرتين بكل مرة كان يستعيد وعيه و يصر عليها ان تتركه و تذهب مسرعة للقصر و لكنها كانت تبكي و ترفض تركه ينزف بلا أحد في هذا الظلام و الفضاء .
خرجت أمرأة مسنة تشير لها أن تأتي لتدخله في منزلها " أنه ينزف ، ادخليه يا بنيتي ، ادخليه و اذهبي لطلب المساعدة "
كاد أن يتوقف قلبها رعبا من هذه السيدة التي خرجت من مكان مخيف و لم يظهر منها سوى يدها المسنة الممسكة بعكاز خشبي، لم يكن أمامها سوى هذا الخيار أشار لها برأسه أن تدخله منزل تلك السيدة و تذهب لتنقذ المخازن ، تحركت به بخطوات ثقيلة من حمل من يتكز عليها بكل قوته ، اجلسته على مقعد من الزلط و الأسمنت قائلة له بصوت متقطع من المجهود الكبير و الذعر
" انتظرني سأعود سريعا "
خرجت ضي القمر راكضة بسرعة و هي تلهث أنفاسها المتسارعة نحو القصر، أما هو فظل يغيب عن الوعي و يعود بشكل متكرر ، اقتربت السيدة المسنة منه لتشربه الماء و هي تنظر للباب بحذر و قلق منتظرة عودته من غيبته ، و فور فتحه لاعينه و نظره لها برؤية غير مكتملة تحدثت هذه المسنة
" لا يوجد اصعب من فراق الاحبة ، أن اردت ان تبحث عن من فارقته أبحث بالقرب منك فمن يحبك يدور حولك ، ابحث عن ضالتك بمنزلك لا بمنزل الجيران ، ضعها بعقلك و فكر بها جيدا لن تجد من يعيدها عليك بالمرة المقبلة ، هذه هي تدابير القدر ما تريده ستجده بجانبك ، النيران ستشتعل و ما أكثر الخونة ، يد الشر تمكنت و تغلغلت باسوار القصر ، لا مهرب من بعد الآن ، الدماء قادمة ، تذكر امر الندبة الكبيرة ، تذكر ندبة الظهر من تحبثون عنها بين يديكم "
أنهت حديثها و أسرعت بسيرها لخارج المنزل دون أن ترد على اسئلته و اجتهاده بالتحرك خلفها دون جدوى .
وصل الجنود للمكان ليتحدث إليهم سالار بصوته الذي كاد أن يخرج و يسمع
" المرأة ، الحقوا بالمرأة ، المخازن ، النيران ، السلطان ، الامير "
…….
لا زال توران في غرفة ليونة بالقرب من اعينها يهمس لها
" هل ترضى و تصفح عنا سلطانتي بعد الآن أم أنها لا زالت غاضبة متذمرة عنيدة "
و بفرح و دلال و سحر لم يراه من قبل تحدثت سلطانة قلبه لتقول
" هل أنت متأكد من قرارك ام ستعود تندم عليه لاحقا ، يعني أن تتخلى عن كل جواريك و تعطي لهم حرية البقاء او الرحيل امر ليس بالسهل و خاصة انك ستنهي متعة الليالي الملونة و تكتفي بلون واحد فقط "
اقترب منها و هو يغمر رأسها بحضنه
" اعدكِ أنه سيكون لوني المفضل و المحبب لي ، بل و أعدكِ "
قاطع حديثه بدخول الحراس عليهم الغرفة
" مولاي ، تم إصابة قائد الجيش ، كما تم اقتحام مخازن الأعلاف و صوامع القمح ، الجنود يحاولون اخماد الحرائق بهم و بمناطق مختلف من البلدة ، بجانب ، بجانب "
و بصوت قوي أجش و عيون متسعة حادة رد الامير
" بجانب ماذا ؟ "
" السلطان ، أخبرونا أن السلطان ليس بخير، و الاميرات يصارعون حالة من الغثيان والقيء وبعضهم اغشي عليه "
و كالأسد الثائر ركض توران لساحة معركته التي هزت عرش مملكته هزة أسقطت سلاطين و مماليك سابقين ، كانت النيران بكل مكان انتشر القتل و الدماء بالبلدة لاشعال حالة من الذعر والفوضى لم تسبق لها مثيل ، رج القصر بكثرة الخيانات به ، كان على ليونة سرقة المخطوطات و الإسراع بهم لخارج القصر دون أن يراها أحد وسط هذه الغوغاء ،
ارتجفت يديها و تقطعت أنفاسها و هي تخرج المخطوطات من الخزانة الملكية .
و هنا صمتت شهرزاد عن الكلام المباح معلنة عن انتهاء ليلة جديدة من ليالي الف ليلة و ليلة ، طالبها شهريار إن تكمل ردة فعل الامير على خيانة حبيبته له ، ردت عليه بخوفها
" صاح الديك يا مولاي وهناك الكثير من الأحداث قبل معرفته .. وايضا من أين علمت أنها خانته ؟ "
رد بضيق " جميعهم خائنون "
دافعت عن معشر النساء قائلة " من غير المنطقي أن يدفع نسل حواء خطأ اقترفته امرأة انحرفت عن الطريق الصحيح ، الله سبحانه وتعالى قال 'ولا تزر وازرة وزر أخرى' ، لا ذنب لأحد فيما أخطأت به … "
صمتت دون ان تذكر اسم زوجته الخائنة خوفا من ردت فعله.
دخل الحراس وعلى راسهم زهير الغرفة الملكية، نظرت للسلطان لتجده نام قبل أن يأمر الحرس بتركها ، ذعرت وتوترت ناظرة لزهير بعيون دامعة متعجبة من حديثه للحرس
" لا يمكننا أخذها دون ان يامر السلطان بذلك"
رد احداهما " كنا نفعلها بالسابق "
" أصبحت مفضلته لا يمكننا التصرف بأمرها حتى يأمر هو بذلك "
سألوه " وماذا سنفعل ؟"
" لنتركها حتى يستيقظ ويفصل في أمرها "
تحرك الجميع للخارج كي لا يستيقظ السلطان على صوتهم
استدارت خلفها منادية عليه " زهير باشا "
التفت لها دون جواب مراقب حالة وجهها وعيونها وهي تحدثه" شكرا لك "
رد بتعالي وقوة رافضا إظهار عكسها
" لم افعلها لأجل. لننتظر استيقاظ السلطان حتى أنهي أمرك بيدي "
ابتسمت بدموعها " كنت اشكرك على الفستان "
اجابها وهو يهرب من النظر لعينيها
" نام السلطان دون ان يخبرنا بطلبه لذلك نحن مجبرون على توجيه السؤال لكِ ، كيف تريده الليلة "
ابتسم وجهها أكثر " انت تعلم الاجمل والافضل اكثر منا فليكن بالنحو الذي يرضي ذوقك واختياراتك الرائعة "
ابتسم وجهه رغما عنه مسرعا بتغير ملامح وجهه وإخفاء ملامح التعاطف معها من عليه مسرعا بانصرافه وهو يقول لنفسه
" سترنا الله من عقلك و تقلباتك "
……
انتظرونا بحلقة جديدة أخيرة من روايتنا الصغيرة
صرخة أنثى قراءة ممتعة